محمد الرميحي للفيصل: الوضع الداخلي في إيران متأزم
الإثنين 02/سبتمبر/2019 - 10:24 ص
طباعة
روبير الفارس
اجرت مجلة الفيصل السعودية حوارا مهما مع الكاتب الكبير محمد الرميحي.. الرميحي حاصل على الدكتوراه من إنجلترا عن رسالته «التغير السياسي والاجتماعي في البحرين» أوائل السبعينيات من القرن الماضي. وعلى مدى نصف قرن بات علَمًا من أعلام الكويت والخليج ومن أبرز الأكاديميين العرب المختصين في علم الاجتماع السياسي. في رصيده عشرات الكتب والدراسات والمقالات باللغتين العربية والإنجليزية إضافة إلى عمله الأكاديمي في جامعة الكويت.
تولى العديد من المناصب الأكاديمية والإعلامية والثقافية أهمها رئاسة تحرير مجلة «العربي» الكويتية المرموقة لسبعة عشر عامًا، وحرص على عدم توقفها إبان محنة الغزو.ومن بعدها تولى الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت لأربع سنوات، ليصبح المسؤول الأول عن ملف الثقافة في الكويت
وقد اجري الحوار الذى تطرق للعديد من القضايا المهمة والشائكة الدكتور شريف صالح
وحول الوضع في ايران واحتمالات الحرب الامريكية الايرانية قال الرميحي أعتقد أن الحرب الشاملة صعبة ولكن غير مستبعدة.. وأهم أسباب استبعادها تكمن في أن الولايات المتحدة نفسها ليست في وارد قرار الحرب بسبب الرأي العام الداخلي.. فنصوص الدستور الأميركي تمنع الرئيس من الانفراد بمثل هذا القرار دون الرجوع إلى الكونغرس وممثلي الشعب. رغم إمكانية التحايل على ذلك في تجارب سابقة بحسب كتاب أقرؤه حاليًّا بعنوان «الرؤساء الذين حاربوا». حيث وجدوا لهم ممرًّا خلفيًّا لإعلان الحرب وقد يحدث ذلك مع الإدارة الحالية، لكن ذلك يعتمد على التطورات الداخلية في الولايات المتحدة وكذلك التصرف الإيراني، إلا أن الشاهد هو وجود (تقابل سلبي) يدعمه كل ما نشاهد من أساطيل!
ولا بد أن نضع في الحسبان أن الإدارة الأميركية تتعرض لضغوط واتهامات حقيقية أو غير حقيقية من الداخل.. معظمها يطول ترامب الذي يحاول إقناع الشعب الأميركي بأنه ساهم في إنعاش الاقتصاد.. وهذا يعني أن قرار الحرب قد يؤثر سلبًا في سمعته وحظوظه في الترشح لولاية ثانية. السبب الثاني يتعلق بكلفة الحرب نفسها.. فمن السهل اتخاذ قرار الحرب لكن من الصعب اتخاذ قرار الخروج منها ومعرفة كيفية ذلك الخروج exit strategy. وهي أي إستراتيجية الخروج الأكثر صعوبة في التحديد. كما أن الإيرانيين يعولون على كسب الوقت حتى ذهاب الإدارة الحالية في 2020م وإن كنتُ أستبعد ذلك.. طالما استمر الاقتصاد الأميركي في الانتعاش من دون دخول حرب فإن ترامب سيفوز بولاية ثانية. كما أنهم يراهنون على الأوربيين وهو رهان متفائل أكثر من اللازم.واضاف الرميحي قائلا أيضًا الأميركان يفضلون الضغط القاسي على النظام في إيران عن طريق (الحصار) على أمل إحداث تغيير داخلي للنظام.. ففي وقت من الأوقات راهن الرئيس الأميركي السابق أوباما على «الكتلة الحرجة» داخل إيران إنْ قدَّم لها بعض التنازلات وأن تلك الكتلة سوف تغير من سلوك النظام أو ما سُمِّي وقتها المراهنة على المعتدلين. وحدثت بالفعل انتفاضة محدودة. لكن نجاح سيناريو التغيير الداخلي يتطلب طبقة متوسطة واعية وراغبة في التغيير، وشيء من الحريات ولن يتأتى ذلك في ظل الضغوط الخارجية الشديدة على إيران.
ومع استبعاد الحرب المباشرة يمكن أن تكون هناك حروب بديلة بالنيابة عن القوتين المتصارعتين.. تدور على أراضٍ عربية وبدماء عربية للأسف. فلن يكون هناك دم أميركي أو إيراني مباشر فيها. وهذا هو القائم تقريبًا خلال السنوات الماضية في سوريا وفلسطين وليبيا وربما يتوسع.
وحول التوقع بالحرب قال الرميحي سبق لي أن توقعت العديد من الأحداث، فعلى سبيل المثال كتبت في مجلة العربي عن الاتحاد السوفييتي عام 1985م بعد زيارتي له، بوصفه إمبراطورية أرجلها من خشب على وشك السقوط. وبالفعل سقط بعد خمس سنوات.. كما توقعت إخفاق الانقلاب العسكري هناك عام 1990م، فموضوع التوقعات ممكن إن كنت تقرأ الأحداث بعين بصيرة وليس ذاتية.أما الأزمة الحالية فلكي تقوم حرب لا بد أن يكون الوضع الداخلي في إيران متأزمًا فتسعى السلطة للتهرب من التزاماتها وخلق جبهة تلتف حولها من خلال الحرب وإقناع الناس بالدفاع عن قضايا مصيرية لهم. وكذلك في الولايات المتحدة إن شعرت الإدارة بالتضييق عليها في الداخل (لأسباب قانونية وسياسية) قد تلجأ إلى إشعال حرب ولا نستبعد (حرب المصادفة) وهي تأزم الوضع إلى درجة أن شرارة صغيرة تشكل الصاعق للحرب، وقد حدث ذلك مرارًا في التاريخ على رأسه الأحداث التي أدت إلى الحرب العالمية الأولى وهي معروفة!وإذا وقعت الحرب ستَعمِد إيران إلى تحريك أذرعها المختلفة في اليمن والعراق ولبنان وأيضًا فلسطين وبلاد عربية أخرى وربما في الخليج، ممن أسميهم «جماعات الالتحاق الأيديولوجي الأعمى» للقيام بتفجيرات واغتيالات أو حتى انقلابات على أنظمة. وهنا لا بد أن نتذكر أن حزب البعث العراقي راهن على ذلك الذي سماه (عمق قواعد الموازرة) لكن عندما اندلعت الحرب لم تتفاعل معه هذه الأذرع والأدوات كما تصورـ وربما لا تتحقق الفاعلية لمثل هذا السيناريو مع إيران إذا ما أخذت الدول المستهدفة احتياطاتها أو قامت بعمليات استباقية. كما أن هذه الأذرع نفسها قد تعيد حساباتها في أية لحظة إذا أدركوا حجم الخسائر في صفوف الطرف الذي يؤيدونه.
القوة العسكرية
وحول دور وتأثير ترسانة إيران العسكرية في حال اندلعت الحرب قال الرميحي
أما الترسانة العسكرية والحديث عن قنبلة نووية أو صواريخ بعيدة المدى، فأعتقد أنه خطاب للردع أكثر منه للمواجهة الفعلية. فلو كانت إيران تملك قنبلة نووية سوف تضرب بها إسرائيل. فإسرائيل أيضًا تملكها وسترد بالمثل. وسيكون التدمير هائلًا ويشمل بلدانًا أخرى ومجتمعات حليفة لإيران. لذلك تفسيري -حتى هذه اللحظة- أن كل ما يجري يدخل في إطار سياسة «العض على الأصابع» وسينتهي إلى تفاوض ما.
فشل الايدلوجية
وعن الوضع المتوتر في ايران منذ سنوات قال الدكتور الرميحي ان الدول التي ترتكز على أيديولوجيا قومية مثل إيران -وإن غلفتها بالمذهب الديني- عادة ما تعدّ نفسها أعلى من القوميات المجاورة الأخرى وتسعى للتمدد حسب تصوراتها التاريخية. وهذا أقرب لما حدث في ألمانيا الهتلرية وكذلك في اليابان الإمبراطورية إبّان الحرب العالمية الثانية. هذا النوع من التمدد السياسي والعسكري من الطبيعي أن يثير قلق الجيران والقوى العالمية الأخرى. خصوصًا أننا نعيش في منطقة بها مصادر مهمة للطاقة والثروة التي تهم الاقتصاد العالمي.
وحول امكانية الوصول إلى حلول للأزمة القائمة قال هذا ممكن جدًّا من خلال علاقة «البيزنس مان» بعقلية «البازار».. حيث تُفتَح الأبواب والقنوات الخلفية للتفاوض. ويُتوصَّل لاتفاق يحفظ ماء الوجه لمختلف الأطراف يُروَّج للعامة بوصفه مكسبًا. ورغم أن هذا السيناريو هو الأقرب للتنفيذ لكنه سيكون غالبًا على حساب المصالح العربية. لأننا لو تأملنا الملف السوري على سبيل المثال سنجد أنه يُدار ما بين الروس والإيرانيين والأتراك ولا وجود للعرب في التفاوض، خروج الإيرانيين من الملف السوري هو مكسب روسي/ تركي لذلك ليس هناك اعتراض كبير روسي/ تركي على حصار إيران الاقتصادي الحاصل. كذلك الأمر في مجموعة «5 +1» الخاصة بالملف النووي الإيراني لم تُدْعَ إليها أي دولة عربية. وعندما اقترحت المشاركة العربية بصفة «مراقب» طلب العرب والخليجيون خاصة ضم ملف التمدد الإيراني في المنطقة فلم يُستجَبْ لهم. لذلك يمكن بالفعل أن يحدث تفاوض جدي عبر طرف ثالث لكن النتائج ستكون على حساب المصالح العربية.
وعن تقييم موقف قوى الإسلام السياسي اكد الرميحي
ان المعضلة أن جماعات الإسلام السياسي كلما تقدمت نحو الديمقراطية فقدت قدرتها على الحشد. وكلما بقيت في الحشد ابتعدت من الديمقراطية. وكثيرًا ما تنقلب على عملية تداول السلطة بسلمية. فعلى سبيل المثال استفاد حزب أردوغان في تركيا من الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية السابقة عليه. ومنذ وصوله إلى السلطة بدأ يتنصل تدريجيًّا من الديمقراطية وباتت كل السلطات تقريبًا في يده. فلأول مرة في تاريخ تركيا الجمهورية تكون الرئاسة والحكومة والحزب بيد شخص واحد. وهذا كان مُحرمًا دستوريًّا في السابق، وهو ما أدى إلى تراجع المسار الديمقراطي بدليل إلغاء الانتخابات الأخيرة في بعض بلديات تركيا. وكذلك تضرر الاقتصاد، كما أن مسلسل الاعتقالات ما زال قائمًا على خلفية محاولة الانقلاب عام 2015م، فهل من العقل أن يعتقل أناس في عام 2019م؛ لأنهم مشاركون في انقلاب قبل ثلاث سنوات ولم يكتشفوا في حينها، ذلك مثال.والمثال الآخر في المغرب فقد فقدت جماعة الإخوان كثيرًا من منطلقاتها. وربما نجاح التجربة جزئيًّا في تونس نتيجة أن قوى الإسلام السياسي هناك استفادت من إرث بورقيبة.. كما سعوا إلى عدم الخلط بين الدعوة والسياسة والاندماج أكثر في عملية تداول سلطة حقيقية وتعاملوا بدرجة أفضل من النضج ولكن ما زالت المخاطر قائمة، على عكس ما حدث في مصر. أذكر عقب وصول مرسي للحكم في مصر كتبت أن الإخوان رغم أن معظمهم من أصول فلاحية لكنهم اختلط عليهم موسم الإزهار بموسم الإثمار. وتصوروا أنهم سيحكمون لألف سنة! وقد صرحوا بذلك!