كتاب مثير للجدل.. «الدولة الإسلامية - الجذور - التوحش - المستقبل»
الإثنين 23/سبتمبر/2019 - 10:03 ص
طباعة
نهلة عبدالمنعم
على الرغم مما يتكبده تنظيم «داعش» الإرهابي من خسائر متلاحقة خلال الفترة الأخيرة، فإن ظهوره على الساحة وانتشاره لبعض الوقت أحدث تأثيرًا كبيرًا وبالأخص على النواحي الأيديولوجية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما حاول الكاتب الفلسطيني المثير للجدل، عبدالباري عطوان مناقشته في كتابه المعنون بـ«الدولة الإسلامية الجذور، التوحش، المستقبل».
قدم «عطوان» في بداية المطبوعة ملاحظاته حول إرهاصات التنظيم الخاصة بإمكانية بنائه دولة أو إرغام العالم على التعامل معه كدولة وليس مجموعة متطرفة، وهنا يلفت الكاتب إلى مقومات بناء الدول، وهل بالفعل تتطابق مع مضامين داعش من عدمها؟
إشكالية الدولة
وطبقًا لما أشار إليه عطوان بخصوص معاهدة مونتيفيديو لعام 1933 التي تنظم شؤون الدول، فإن هناك نوعين من دول، منها ما تم تأسيسه، ومنها ما يتم الإعلان عن نشأته.
ويدعي الكاتب أن هذه الحالة تنطبق على «داعش» بالنظر إلى استكمال باقي المواد من حيث الحدود الثابتة، والتي يرى أن التنظيم في فترات قوته استطاع السيطرة على أراضي شاسعة تعادل ما تسيطر عليه المملكة المتحدة، كما أن هيئة الأمم المتحدة لا يعنيها قانونيًّا إذا ما كان البشر الذين يعيشون تحت سلطة هذه الدول مجبورين أم لا، إضافة إلى إمكانية الدولة لتشكيل حكومة ومتابعة أمور الرعية وإقامة نظام قضائي لتوفير الحقوق بغض النظر عن طبيعة هذه الحقوق، وسواء كانت السلطة ديكتاتورية أو ديمقراطية.
وهنا يلحظ إشكالية خطيرة يسعى الكاتب لإبرازها أو ربما التمهيد لها، وهي تقديمه لداعش أنه «دولة ربما محتلة»– إذ أشار وسط السياقات إلى دول إقليمية محتلة بالمنطقة- مع تركيزه على عدم أهمية الاعتراف بالدول في التعامل معها، فهناك دول لم يعترف بها من الجميع، ولكنها تُعامل أيضاً كدول على الرغم من تعامل البعض معها كمحتلة.
وطبقًا للواقع السياسي والتاريخي بالمنطقة ومجريات الأحداث في سوريا والعراق يعد ذلك زرعًا لأيديولوجيات في منتهى الخطورة، أولًا، ساوى عطوان بين العصابات والعرقيات المستنفرة أو غيرها من العنصريات التي تسعى لتأسيس «دول مستقلة»، وثانيًا، أنه عرى مصداقية الأمم المتحدة حول الاعتراف بالدول على حساب القضية العربية وما يحاك لها، ويعطي بذلك وجاهة للوجود الداعشي وهو أمر مستنكر وشائك، فداعش جماعة متطرفة تقوم على قوة السلاح والإرهاب الفكري والتطهير العرقي، ولا يمكن أن يتم النظر لها كدولة، وأن ادعت ذلك أو أطلقت على نفسها هذا الاسم، مع إغفال الكاتب لجرائم التنظيم فعندما ناقش هذه النقطة لم يتطرق لأفعال المجموعة الإرهابية بل اعتبرها ديكتاتورية.
الهجرة والخلافة
يركز التنظيم على فكرة «الخلافة» باعتبارها متغير الحكم الأوحد والمسمى الذي يطلي القائد بطلاء التقبل الأبدي، وهنا يشير عبدالبارى عطوان إلى نسب زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، ودلائل اختياره لاسم أبو بكر ككنية له، والربط بين ذلك وبين أول الخلفاء المسلمين «أبو بكر الصديق»، وبدوره يستغل التنظيم هذه الأمور للترويج لفكرته واستقطاب العديد من العناصر إليه.
بينما يستخدم التنظيم «الهجرة» لدعوة العناصر الأجنبية وغير المقيمة بالأراضي التي سيطر عليها التنظيم للقدوم والانضمام، كرابط مشابه بما قام به النبي «محمد صلى الله عليه وسلم»، وذلك لإصباغ التنظيم بمعايير دينية يهتم داعش بالترويج لها.
إدارة داعش
أشار الكاتب عبد الباري عطوان إلى اعتماد الهيكل التنظيمي لإدارة داعش على بنيات مشابهة لما قام به تنظيم القاعدة، وحركة طالبان في السابق، فيقوم البغدادي بدور «الخليفة»، ويمثل السلطة العليا للتنظيم، ومن ثم يكون له نائب وهو «أبو مسلم التركماني»، واسمه الحقيقي فضل أحمد عبد الله الهيالي، وكان عقيدًا بهيئة الاستخبارات في الجيش العراقي.
وبعد ذلك هناك إدارات متعددة مثل المجلس العسكري، وهو الذي يتولى إدارة الحروب والمهمات العسكرية، وتوزيع الأسلحة، وتعيين القادة العسكريين، وهناك أيضًا مجلس الشورى، وهو المنوط بمراجعة الفتاوى والتعامل مع الأمور الشرعية والأحكام والقضاء الخاص بالمجموعة الإرهابية، كما يراعى أيضًا الشؤون الصحية والغذائية للعناصر.
وهناك أيضًا مجلس الدفاع والأمن والاستخبارات، ويتولى القيام بمهمات تشبه تلك التي تضطلع بها وزارات الداخلية بالدول وتنفيذ المهمات الاستخباراتية والحفاظ على حياة العناصر، ويوجد أيضًا المجلس الاقتصادي المنوط به إدارة اقتصاديات التنظيم؛ ما يعني أن داعش حاول في جميع خطواته أن يكون دولة داخل الدولة يسيطر حيثما القوة، ولكن لا يدعم هذا مقدرات الدول أو أن يلامسها حتى فهو سيظل دومًا عصابة إرهابية لا أكثر، فتنظيم القاعدة لديه إدارة مماثلة، ولكنه يواجه الضربات التي أضعفتها كثيرًا وهكذا داعش وغيرهم من المجموعات المضطربة فكريًّا ونفسيًّا، والتي يتم توظيفها لإسقاط الشعوب.
تداعيات سياسية
في بعض من ورقات مطبوعته يتحدث عبد الباري عطوان عن الظروف السياسية التي أحاطت ببداية ظهور تنظيم داعش على الساحة، فحينها -وفقًا لرأيه- انقسم العالم الإسلامي إلى تيارين السنة والشيعة، وبدورها انقسمت أيضًا القوى الدولية، فهناك من يتعاون مع معسكر دون الآخر والعكس صحيح، وأثناء ذلك الاستقطاب الحاد تمخض التنظيم ليهز تلك الأنظمة التي ارتأت أن التحالف هو الطريقة الأفضل لمحاربة داعش الأخطر على الجميع.
بيد أن هذا التحالف الذي استطاع إلى حد ما تقويض قدرات التنظيم، بات داعش يبحث لعناصره عن ملاذات جديدة، وإعادة اصطفاف، فنظرًا لما قدمه عطوان استحوذ التنظيم على مقدرات الأراضي التي سيطر عليها، مثل حقول النفط والبترول، والتي استخدمت من أجل تمويل التنظيم، والذي بات بفضلها أغنى من القاعدة، وأغنى من جميع التيارات الإرهابية الأخرى.