بعد قرار حل البرلمان الصراع الليبي يدخل نفق معتم والقوى الغربية مرتبكة

السبت 08/نوفمبر/2014 - 05:14 م
طباعة بعد قرار حل البرلمان
 
بعد إعلان المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية البرلمان الليبي منذ أيام قليلة- أعلن البرلمان رفضه لقرار المحكمة، وانضمت له على الفور الحكومة الليبية برئاسة عبد الله الثني والذي جدد البرلمان فيه الثقة منذ أسابيع .
وجاء قرار حل البرلمان بعد حصار لقوى الإسلاميين على غرار ما فعلته القوى الإسلامية في مصر من حصار للمحكمة الدستورية العليا.
وقد أشرنا من قبل في "بوابة حركات الإسلام السياسي" عن هذا الضغط على الهيئة القضائية من الإسلاميين لقبول الطعن المتعلق بعدم شرعية المقترحات التي شكلها المؤتمر الوطني العام، كما قضت باعتبار الخصومة منتهية في الطعنين الأخيرين المتعلقين بقانون انتخاب البرلمان وبشرعية انعقاد جلساته في طبرق، وأن المحكمة عقدت جلستها من مقرها في العاصمة طرابلس، حيث أعادت كتائب مصراتة البرلمان القديم، وشكلت حكومة جديدة وسيطرت على إدارات الدولة، وهو ما يشكك في مدى قدرة المحكمة على اتخاذ قرار مستقل.
ويعتبر قرار حل البرلمان من جهة، ورفض القرار من جهة أخرى تطور جديد في حلقة الصراع الليبي بين الإسلاميين وقوات الجيش الوطني بقيادة اللواء خليفة حفتر، هذا الصراع الذي تشهده ليبيا خاصةً المنطقة الشرقية منها، منذ 15 أكتوبر الماضي، والتطورات العسكرية المتسارعة التي تشهدها على الأخص بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية ومنطقة "بانينا".
وبنظرة متفحصة لهذا الصراع سنجد أنه لم يكن مفاجئا، وإنما ترجع بذوره إلى عقد ما قبل اندلاع ثورة الـ17 من فبراير 2011، وهذا الصراع الذي يضع الدولة الليبية على شفا حفرة من التقسيم ويضعها هي ودول الجوار- وعلى رأسها مصر- في دائرة من المخاوف لجعل ليبيا دولة من أولى الدول لتصدير الإرهاب وتربيته في المنطقة.

سمات الصراع الليبي

سمات الصراع الليبي
بعد ثورة الـ17 من فبراير انقلبت الأوضاع في ليبيا وبرزت الانقسامات والصراعات، وهو ما أدى إلى ظهور الكثير من التحليلات عن ماهية وسمات الصراع الليبي الليبي، والذي يرجعه الكثيرون إلى ما قبل الثورة منذ فترة حكم القذافي، وأن هذا الانقسام ما هو إلا تداعيات تفكك الدولة ورخوتها وهذا ما صنعه النظام القديم، ولعل أكثر ما يميز هذا الصراع ما يلي: 
- سيطرة الميليشيات على الدولة: بعد عجز الدولة الليبية عن الحفاظ على الأمن وفرض النظام حتى في العاصمة طرابلس، هذه الأزمة بينت مدى الاضطراب في المنظومة العسكرية، مما أعطى الفرصة للميليشيات المسلحة للسيطرة على الدولة، على مستوى آخر، فإن العديد من عناصر الجيش أعلنت تأييدها لخليفة حفتر، عكس أوامر رئاسة الأركان العامة للجيش، بل خرجت طائرات عسكرية مروحية ونفاثة من قاعدة بنين 1 الجوية من غير علم رئاسة الأركان وضربت أهدافها وعادت إلى قواعدها، وسبق أن أصدر النائب العام الليبي قرارا باعتقال حفتر، هذا القرار الذي لم تقدر الدولة على تنفيذه .

بعد قرار حل البرلمان
- فشل الدولة في بناء قوة نظامية غير حزبية منذ الثورة حتى الآن واكتفت بمحاولة دمج ظاهرية للميليشيات، وهذا أدى إلى تضخم الهيكل الأمني ليبلغ في وزارة الداخلية نحو 200 ألف عنصر، والجيش نحو 100 ألف عنصر، جلهم من عناصر الميليشيات الذين يتلقون رواتب من الحكومة، لكنهم حافظوا على هيكل ميليشياتهم وولاءاتهم بعيدا عن الدولة.

بعد قرار حل البرلمان
الصراع بين قوى النظام القديم ونخب ما بعد الثورة: أظهرت ثورة الـ17 من فبراير تنازع قوى نظام القذافي والقوى الجديدة- والتي تعتبر نفسها قوى الثورة- على الثروة والسلطة في البلاد، وهذا الصراع يعبر بشكل أساسي عن رغبة الطرفين في تصفية حساباتهما القديمة.
فالميليشيات وكتائب الثوار السابقين ترفض تقوية الجيش الليبي من أجل إبقاء سيطرته على العديد من المناطق، إضافة إلى اتخاذ بعض التيارات الجهادية مواقف متشددة ضد الدولة والجيش عموماً.
بعد قرار حل البرلمان
أدى هذا النزاع والاضطراب الأمني إلى العديد من عمليات الاغتيال والاشتباكات المختلفة بين الإسلاميين وقوات نظامية ليبية- خاصة قوات الصاعقة- وصلت إلى حد اختطاف نجل قائد قوات الصاعقة. وتطورت هذه الاشتباكات أحيانا لمصادمات دامية أسفرت عن طرد تنظيم الشريعة من بنغازي في نوفمبر 2013 بعد حرق مقرهم في المدينة، وهذا إلى جانب دور العناصر الجهادية من أنصار الشريعة ومجلس شورى شباب الإسلام الذي أعلن في أبريل 2014 تأسيس إمارة إسلامية في مدينة درنة؛ مما أثار المخاوف الكثيرة والتساؤلات حول تدخل غربي مباشر لصدهم.

الصراع بين الإسلاميين وخصومهم السياسيين، حيث سعى الإسلاميون للتغلب على الأغلبية النسبية التي حظي بها ائتلاف القوى الوطنية، الذي يتزعمه محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي السابق للمجلس الوطني الانتقالي، في المؤتمر الوطني العام عبر العديد من الطرق، لعل أهمها قانون العزل السياسي الذي تم فرضه بقوة السلاح عبر الضغط على أعضاء المؤتمر واقتحامه عدة مرات؛ من أجل الضغط لإقرار القانون، وتفتيت ائتلاف القوى الوطنية والضغط على أعضائه لإجبارهم على التصويت للقانون، وبموجب هذا القانون تم منع كل من عمل في نظام القذافي من تولي مناصب سياسية، وأجبر الموجودين منهم على الاستقالة، ورد خصوم الإسلاميين على هذا القانون فيما بعد برفض التمديد للمؤتمر الوطني العام، وذلك في بيان تجميد عمل المؤتمر في 14 فبراير، والذي ألقاه خليفة حفتر وسماه الكثيرون "الانقلاب التلفزيوني"، ولم تصاحبه تحركات على أرض الواقع.

بعد قرار حل البرلمان
يتجلى مستوى آخر للصراع بين الفصائل الليبية المختلفة وهو الصراع القبلي حيث يسعى حفتر لاستنهاض العديد من القبائل ضد الإسلاميين، خاصة من قبيلة العبيدات، ويبرز هذا الصراع بشكل أوضح في التنافس بين القوتين الأكبر في الغرب مصراتة والزنتان اللتين تقفان مع قوتين سياسيتين مختلفتين، فبينما تدعم مصراتة المؤتمر الوطني تتحالف الزنتان مع تحالف القوى الوطنية، في محاولة لمنع هيمنة مدينة مصراتة على السلطة السياسية في طرابلس، ويتداخل في الصراع بين المدينتين دور القبائل والمناطق الأخرى وعناصر النظام السابق؛ الأمر الذي يغير لحد كبير طبيعة التحالفات السياسية التي أنتجتها الثورة.

موقف الدول الغربية من قرار حل البرلمان

موقف الدول الغربية
تباينت مواقف الدول الغربية تجاه قرار حل البرلمان الليبي، فبينما أعطى تصريح السفيرة الأمريكية لدى ليبيا ديبورا جونز انطباعاً بقبول القرار حيثُ قالت إنها كانت تترقب الحكم، ودعت كل القوى السياسية لاحترام قرار القضاء.
بينما جاء رد الفعل الإيطالي مغاير للموقف الأمريكي حيثُ أعرب وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني عن قلقه حيال قرار المحكمة العليا حل مجلس النواب، الذي انتُخب نهاية يونيو الماضي، ووصفه بأنه أمر "غير مشجّع". 
في المقابل امتنعت باريس عن الإدلاء برد فعل رسمي حول قرار المحكمة؛ خوفاً من الوضع الليبي المضطرب الذي يستلزم الحفاظ على المسار الانتقالي وجمع القوى السياسية.
في نفس الوقت فقد أعلنت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا أنها تعكف على دراسة قرار المحكمة عن كثب، وتُجري مشاورات وثيقة مع القوى الليبية وشركائها في المجتمع الدولي.
ويبدو أن ليبيا الآن تدخل في مرحلة جديدة من مراحل الصراع السياسي، وهو ما يلاقي تخبط من القوى الغربية المختلفة وهو ما يعطي انطباعا أن ليبيا تدخل في نفق معتم لم تظهر معالم الخروج منه حتى الآن. 

شارك