دراسة: «خطاب التكفير».. سلاح الجماعات الإسلامية في العصر الحديث
الخميس 31/أكتوبر/2019 - 03:15 م
طباعة
معاذ محمد
نشر المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ومقره ألمانيا، الثلاثاء 29 أكتوبر 2019، دراسة جديدة للباحث عادل كريمي، تحت عنوان: «خطاب التكفير.. سلاح الجماعات الإسلامية في العصر الحديث»، لمناقشة الواقع السياسي العربي المعاصر الذي شهد بروز جماعات إسلامية وحركات تجمع بين ما هو سياسي وديني.
وبحسب الدراسة، فإن تلك الجماعات والحركات، تحمل في مؤلفاتها وأدبياتها وبياناتها الشعبية التأسيسية شعارات التغيير والتنوير والإنقاذ والإصلاح، غايتها الأولى المعلنة تحرير المجتمعات العربية الإسلامية من مظاهر البدع الضالة، وتطهيرها من «الكفار، و دعاة التكفير، وداعمي الإلحاد والزندقة»، مشيرة إلى أن المجتمات العربية الإسلامية من وجهة نظر هذه الجماعات تعيش جاهلية ثانية.
وتشير الدراسة، إلى أن دور هذه الجماعات وغيرها لم ينته عند البعد الديني فقط، بل اختلط بما هو سياسي، وأصبح قادتها وزعماؤها يطمحون إلى الحكم والسلطة ويريدون إدارة شؤون البلاد، كما هو الشأن مع حزبي العدالة والتنمية في المغرب وتركيا، وجماعة الإخوان في مصر، وحركة النهضة في تونس.
ويضيف الباحث، أنه بالإضافة إلى ذلك برزت حركات أخرى متطرفة، رفعت في العلن سلاح التكفير ولم تحترم سيادات الدول التي تنتمي إليها، منها: «تنظيم القاعدة، وجماعة السلفية الجهادية، والتكفير والهجرة، وأنصار الشريعة في تونس، وداعش»، مؤكدًا أن ما يميز هذه الحركات اعتمادها على سلاح التكفير.
وفقًا للدراسة، فإن الأسباب الداعية إلى التكفير، تتمثل في الاختلافات السياسية والدينية بين الفرق والجماعات الإسلامية، وهو ما يفضي إلى تناقض مصالحها، واضمحلال أيديولوجيتها، وفهم الأمور الواقعية والسياسية والدينية فهمًا ساذجًا سطحيًا، دون أن يتم التعمق في حيثياتها الحقيقية، بالإضافة إلى سوء فهم الدين الإسلامي، والجهل بمقاصده البعيدة والقريبة، والتوقف عند ظاهر النص دون استنطاق دلالاته العميقة.
ويضيف الباحث، أنه من الأسباب التي تدعو إلى التكفير، عدم القبول بفكرة التعايش مع الآخر المختلف عنهم في اللغة والدين والعادات والتقاليد، والإسراف في التحريم، مما أدى إلى التباس المفاهيم والتداخل في ما بينها، والاشتغال بالقضايا الجانبية، بدلًا من الاهتمام بالقضايا الكبرى كالبطالة والفقر والجهل والتخلّف.
وشدد المركز الأوروبي في دراسته، على أن التسرع في الأحكام الدينية والفقهية، دون التثبّت منها ومدى مشروعيتها، من أكبر الأسباب الداعية إلى التكفير، وذلك عائد بالأساس إلى جهل بالدين، والنزوع وراء الرّغبة في الابتداع واتباع الهوى، والتظاهر بفهم مقاصد الشريعة ومعنى الجهاد في سبيل الله.
وأوضحت الدراسة، أن الأسباب المذكورة تفاعلت في تنمية «الوعي التكفيري»، داخل عقلية هذه الجماعات الدينية، التي سعت إلى احتلال العالم وتقسيمه وفق شهواتها وأهوائها الإيديولوجية، مشيرًا إلى أنها وجدت الدّعم الخارجي من مال وسلاح، والداخلي متمثلًا في الحاضنة الشعبية التي وجدتها في العديد من الدول مثل: أفغانستان والعراق والصومال وليبيا.
ويقول الباحث، إن كل هذه العوامل ساهمت في نموّ ظاهرة التكفير وتزايدها في الفكر الحديث.
وأوضحت الدراسة، أنه توجد أنواع كثيرة للتكفير، ظلت تنتقل من جيل إلى آخر، وفي كل انتقال تكتسب حدة أكثر وتكتسي خطورة أكبر، مشيرة إلى أنها تتمثل في تكفير «ديني، سياسي، فكري»
وأشار الباحث، إلى أبرز الحركات الإسلامية، وابتدأها بـ«الجماعة الإسلامية»، التي أسسها أبو الأعْلَى المودودي، والذي يعد رأس التكفيريين، وأول من بعث فكرة التكفير في العصر الحديث، عام 1939 بالهند في مرحلة أولى، ثم بباكستان.
وأكد المركز الأوروبي، أن جماعة الإخوان عرفت مبدأ التكفير مع سيد قطب، الذي كان متأثرًا بأفكار «أبوالأعلى المودودي».
وأوضح الباحث، أن حركة النهضة الإخوانية في تونس، قامت بحملات تكفير شهدتها أغلب المساجد بالبلاد، وكان يعلنها أئمة موالون لها، مشيرًا إلى أن هذه الحملات طالت عناصر الأمن الوطني والجيش، ثم شملت معارضين سياسيين من اليسار المعارض، انتهت باغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
انتقل الباحث إلى الحديث عن «تنظيم القاعدة»، فقال إن زعيمه السابق أيمن الظواهري كفر بالديمقراطية بكل مظاهرها وتجلياتها واعتبر الحاكمين بها كفارًا، خصوصًا أنها حكم الشعب، في حين تتميّز الشريعة بربانية مصدرها، مضيفًا أنه كفر كل من لم يحكم بشريعة الله.
وأشارت دراسة المركز الأوروبي، إلى أن جماعة التكفير والهجرة، تعتبر من أهم الحركات السياسية الإسلامية التي رفعت سلاح التكفير لمحاسبة خصومها، والتي تأسست في سجون مصر عام 1965، موضحة أنها كفرت مرتكبي الكبائر الذين لم يتوبوا منها، والحكام والمحكومين والعلماء الذين يتمادون في الضلالة.
ويقول الباحث، إنه يبدو من خلال الحركات الإسلامية والجماعات الإرهابية المذكورة، أن ظاهرة التكفير تحضر بشكل مبالغ فيه في المجتمعات العربية الإسلامية المعاصرة، مؤكدًا أنها تنمّ عن غلوّ وتطرّف وجحود فكري، خصوصًا أنه من غير المعقول أن يتهَمَ مسلم بالتكفير وهو يؤمن بالله ولا يشرك به أحدًا، ويقيم فرض الإسلام.
وشدد المركز الأوروبي، أن الغلو الذي تبنته الجماعات، تحوّل في بعض الأحيان إلى عنف معنوي وإرهاب دموي، كما أن التكفير عند الحركات والجماعات الإسلامية اتخذ طابعًا سياسيًّا في جوهره.
وأكدت الدراسة، أنه يجب على الحركات الإسلامية المعاصرة كافة، وخصوصًا المتطرفة، الاعتراف بالاختلاف الفكري والتنوع الإيديولوجي والانخراط في المجتمع الحداثي والتفاهم مع كل مكونات المجتمع، بالإضافة إلى استبدال الخلاف السياسي المؤدي إلى العنف والإرهاب وسفك الدماء، باختلاف بناء يهدف إلى تحقيق المصلحة الوطنية، ومراعاة الخصوصية الفردية وحرية المعتقد، لما فيه من منافع للأفراد والجماعات والدول بشكل عام.