السلفيون في ألمانيا.. انتشار أصولي في فضاء أوروبي

الإثنين 18/نوفمبر/2019 - 09:04 م
طباعة السلفيون في ألمانيا.. علي عبدالعال
 
أوروبيًّا يـُنظر إلى ألمانيا باعتبارها مركزًا للسلفيين في القارة المسيحية، مقارنة بغيرها من الدول؛ حيث تكونت مجموعات من المتدينين الأصوليين في أنحاء البلاد، تدير مساجد ومراكز إسلامية وتنشط في نشر الدعوة، كما صار لها ما يشبه حركة اجتماعية دينية فاعلة، قوامها شباب مسلم من مختلف الأصول والأجناس، قرابة الـ10 في المائة، منهم مسلمون جدد، أي متحولون إلى الإسلام.

السلفيون في ألمانيا..
كما توصف الحركة السلفية في ألمانيا، من قبل جهات عديدة، بأنها الحركة الإسلامية الأكثر نشاطًا. وهي «متهمة»، من أجهزة الدولة ومن مراكز سياسية وبحثية وإعلامية، أنها تحاول من خلال الدعايا المكثفة «أسلمة» المجتع الألماني.
ووفقًا لتقديرات «وزارة الداخلية» و«هيئة حماية الدستور» الألمانيتين، فإن أعداد السلفيين في البلاد تزايدت بشكل مطرد، خلال السنوات الـ15 الماضية، لتصل إلى 11500 شخص، بحسب تقرير نشرته صحيفة «راينيشه بوست» يوم 1 فبراير 2019، مستندةً إلى أعداد من وزارة الداخلية.
وفي تقريره السنوي، الصادر في 24 يوليو/ تموز 2018، قال المكتب الاتحادي لهيئة حماية الدستور - وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية - إن عدد السلفيين يتضاعف، ووفقًا لما ذكره التقرير، يمثل السلفيون أكبر جماعات الإسلاميين في ألمانيا.
وقال التقرير: إن عدد السلفيين كان قد وصل في العام 2017 إلى 10,800 شخص، في ارتفاع مطرد من مستوى 9,700 شخص في عام 2016؛ و8,350 شخصًا في عام 2015؛ و7,000 شخص في عام 2014، و5,500 شخص في عام 2013، و4,500 شخص في عام 2012، و3000 شخص في عام 2011.
وفي تقديرات المكتب، كان يعيش في ألمانيا أكثر من  25,810 إسلاميًّا، بنهاية عام 2017، مقارنةً بعددهم البالغ 24,425 شخصًا في نهاية عام 2016.
فخلال فترة قصيرة نسبيًّا، بدت استراتيجية الانتشار السلفي ناجحة إلى حد كبير، محققةً تضاعفًا في الأعداد، وكسبًا لمؤيدين جدد على حساب التوجهات والانتماءات المنافسة، فهذه الحركة الدينية جلبت إليها أعدادًا كبيرة من الشباب، وذلك ليس فقط بفضل حضورها في الإنترنت أو اللغة البسيطة الموجهة للشباب، إضافةً إلى إلقاء الخطب بالألمانية، ولكن لأسباب عديدة مجتمعة، ساعدت في تمددهم .

بدايات نشأة السلفية الألمانية وتطورها السريع
تذهب أكثر الكتابات في التأريخ للسلفية الألمانية، إلى أنها تأسست في العام 2005، على يد رجل الأعمال الفلسطيني، إبراهيم أبو ناجي، الذي كان يعيش في كولونيا، وعمل في مجال الدعوة؛ لنشر الإسلام، من خلال توزيع ملايين النسخ من القرآن الكريم، متخذًا مقرا لـ«جمعية الدين الحق» في كولونيا، وكان عبارة عن مستودع متواضع في هذه الضاحية، ومن هناك كان أعضاء المجموعة يحملون خطابات ومقاطع فيديو ينشرونها عبر «يوتيوب» وقنوات أخرى في مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو وتحث الألمان على اعتناق الإسلام.
وقال أبو ناجي في مقابلة مع وكالة دويتشه فيله DW»» الألمانية عام 2014، أن «حلمه هو أن يتحول كل ألماني إلى الإسلام»، مؤكدًا أنه «سيأتي اليوم الذي ستنشأ فيه دولة إسلامية في ألمانيا»؛ ما دفع هيئة حماية الدستور إلى تصنيفه كأحد «القيادات السلفية الخطيرة في البلاد»، وأشارت إلى أنه في محاضراته يروج للأيديولوجية السلفية، «ويعبر عن تأييده الجهاد وسيلةً للدفاع عن العقيدة الإسلامية».
وبحسب الباحثة «نينا فيدل»، فإنه سبقت ظهور هذه الحركة السلفية في ألمانيا، حركتان أصوليتان ضخمتان عابرتان للقومية، هما «جماعة التبليغ والدعوة» و«حزب التحرير الإسلامي»، وهاتان الحركتان، مثل السلفيين، انخرطتا في دعوة غير المسلمين، وجذبتا شبانًا مسلمين، من مختلف الخلفيات الإثنية والدينية.

الموقف القانوني والمخاوف الأمنية من السلفيين في ألمانيا
«في الواقع، لا تعتبر السلفية غير قانونية أبدًا، في ألمانيا مسموح للمرء أن يكون سلفيًّا بشرط ألاَّ ينتهك الدستور»، تصريح على لسان الخبير الألماني، بينو كوبفر، الموظف بهيئة الاستخبارات المعروفة باسم «هيئة حماية الدستور»، ضمن مقابلة نشرها موقع «قنطرة» شبه الرسمي في أغسطس 2014 .
لكن بالرغم من هذا، فإن النشاط السلفي في ألمانيا –الرسمي منه وغير الرسمي- يبدو أنه يمارس في ظل رقابة دقيقة من أجهزة الدولة ومنظمات مدنية أخرى، فمن وجهة نظر الدولة وأجهزتها الأمنية والسياسية والبحثية، فإن الانتشار السلفي يطرح تحديات أمنية واجتماعية كبيرة، ومن ثم لا تكف هذه الأجهزة، وخاصة الاستخبارات الداخلية والخارجية عن اتخاذ الإجراءات الوقائية، التي تراها لمواجهة هذا المد السلفي.
صحيفة «راينيشه بوست» تنقل «1 فبراير/ شباط 2019» تصريح لهربرت رويل -وزير داخلية ولاية شمال الراين- يقول فيه: إن هذا الأمر «تزايد أعداد السلفيين»، «لا يبعث على الاطمئنان منذ فترة طويلة»، وأضاف: «علينا أن نضع في حسباننا، بشكل مستمر، أن هناك أناسًا يدبرون خططًا».
وفي كتابها المعنون «حول صناعة سلفية ألمانية: النشأة، التطور، النشاط الدعوي للحركات السلفية في ألمانيا»، تشير الباحثة في قضايا الإسلام السياسي، «نينا فيدل»، إلى «أن سلفيي ألمانيا، أسسوا روابط قوية مع علماء ودعاة وحركات السلفية في« مصر، السعودية والمغرب وغيرها من الدول العربية وغيرها من البلدان العربية»، الذين قدموا إلى ألمانيا؛ لإلقاء محاضرات في المساجد مثل، السعودي محمد العريفي، والمصري محمد شريف حجازى «أبو إسحق الحويني».
وجاء ذلك بالتزامن مع تقارير، تتحدث عن دعم يأتي من الخليج للسلفيين في ألمانيا، ففي ديسمبر 2016، نشرت تقارير إعلامية متزامنة مع حديث الأجهزة الأمنية، عن تزايد الدعم المقدم للسلفيين من كل من «السعودية والكويت وقطر»، وقالت صحيفة «دويتشه تسايتونج» ومحطتا «إن دي آر» و«دبليو دي آر»: إن جهاز الاستخبارات الخارجية «بي إن دي»، وهيئة حماية الدستور «الاستخبارات الداخلية»، كتبا في تقرير إلى الحكومة الألمانية، أن منظمات دينية من دول الخليج الثلاث، أقامت مساجد ومؤسسات تعليمية، كما أنها أرسلت دعاة إلى ألمانيا؛ لنشر السلفية.
وسعت الحكومة الألمانية، ومنذ فترة ليست بالقصيرة؛ من أجل وضع التمويل الخارجي لمساجد السلفيين في البلاد تحت الرقابة؛ بهدف وقفه في المستقبل، ولهذا الغرض أجرت برلين محادثات رسمية مع عواصم الخليج، ومارست ضغوطًا، وكان من نتائج هذه التحركات، إعلان السعودية في أغسطس 2016 إغلاقها «أكاديمية الملك فهد التعليمية» في مدينة بون، ووقف بناء فرعها في برلين، والذي كان قد وصل إلى مراحل متقدمة منه؛ بسبب اتهامات، طالت هذه المؤسسات بنشر السلفية والمنهج الوهابي.
فمن خلال بعض الأنشطة، أثار السلفيون مخاوف المجتمع الألماني، ومنذ بداية العام 2012، حدث تغير نوعى فى الدعوة للسلفية فى ألمانيا؛ حيث بدأ السلفيون فى الترويج لأنشطتهم علنًا، وخاصةً عندما نظموا حملة تحت اسم «اقرأ»، وزعوا خلالها 25 مليون نسخة من المصحف في الشوارع وعلى المنازل.
وفي مارس 2013، أعلنت وزارة الداخلية حظر ثلاث جماعات سلفية قالت: «إنها تسعى؛ لإقامة نظام قائم على أحكام الشريعة الإسلامية في البلاد»، وقالت الوزارة: إن هذا الحظر جاء بعد عملية مراقبة مكثفة في ولاية «هيس» و«شمال الراين ويستفاليا» لأنشطة كل من: «الدعوة إف.إف.إم» و«أناشيد إسلامية» و«النصرة»، وهي جزء من مجموعة «ملة إبراهيم»، التي كان قد سبق حظرها، واعتبر وزير الداخلية، هانس بيتر فريدريش، أن هذه الجماعات تسعى إلى تغيير المجتمع «واستبدال الديمقراطية، بنظام سلفي، وفرض أحكام الشريعة الإسلامية».
وعندما تم حظر شبكة «ملة إبراهيم»، قام مئات من رجال الشرطة، بمداهمة أكثر من 70 منزلًا ومدرسة ومسجدًا، في أنحاء البلاد في حملة؛ لقمع من وصفهم أحد المسؤولين بـ«المتطرفين الخطرين».
وكانت «شرطة الشريعة»، القشة التى قصمت ظهر رؤية الألمان للسلفيين، ففى سبتمبر 2014، شكل القيادي السلفي «سفين لاو» و8 من رفاقه مجموعة، لبست ملابس برتقالية، تشبه ملابس دوريات دائرة حفظ النظام، كتب عليها «شرطة الشريعة» فى مدينة فوبرتال، ونصحت الناس بنبذ الكحول والقمار والمراقص والحانات، كما وعظت المجموعة الناس فى حى فوبرتال- ألبرفيلد بضرورة اتباع «شريعة الله»؛ لأنها البديل الأفضل.  
ونقلت مجلة  Spiegel Online مقتطفات من تقرير للشرطة يتحدث «عن إقامة السلفيين، هياكل قضائية موازية في ألمانيا»، وكانت السلطات الأمنية، اعترضت رسائل متبادلة بين المنظمات السلفية «الدين الحقيقي» في كولونيا مع جماعة «سلفيي ميلانو»، ومنظمة «الدعوة إلى الجنة»، وغيرها، تبحث في عقد قمة سلفية في كولونيا، يحضرها ألف سلفي من دول أوروبا كلها.
ووفقًا لما ذكرته الباحثة في شؤون التنظيمات الإسلامية في برلين، كلاوديا دانتشكة، فإن «التنظيمات السلفية، كانت تسعى من خلال هذا التجمع، إلى إعادة ترتيب صفوف تنظيماتها»، إلا أنها اضطرت إلى الانتقال من برلين إلى ولاية الراين الشمالي ويستفاليا».
وفي أغسطس 2018، أنتج سلفيون في مدينة كولونيا «دمى سلفية»، وقاموا بتسويقها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ بهدف «تعليم أشبالنا وشبلاتنا الحشمة الطبيعية»، حسب ما كتبت المنتجة على «فيسبوك»، بعض هذه الدمى حمل اسم «جند الله»، ووجوه الدمى بلا معالم، والدمى التي على شكل امرأة، منقبة بالكامل، بينما الدمى التي على شكل رجل ملثمة الوجه، لكن قالت وزارة داخلية: أن «هيئة حماية الدستور تعرف بالأمر، وتراقبه عن كثب، غير أنه من الناحية القانونية، لا مانع من بيع هذه الدمى».

أسماء سلفية ومعاقل للسلفيين بالمدن الألمانية
وفي ألمانيا، يوجد ما يمكن وصفها بـ«المعاقل السلفية» في هذا البلد، وتشير تقارير وزارة الداخلية في ولاية شمال الراين فيستفاليا، إلى أن هذه الولاية، تمثل معقلًا للسلفيين منذ سنوات، وأن أعداد هؤلاء في تزايد، وفقًا لتقرير نشرته قناة «دويتشه فيلة»؛ حيث تضم الولاية أكبر عدد من ممثلي السلفية، مقارنةً بأي ولاية ألمانية أخرى.
- بون عاصمة ألمانيا السابقة، تحولت في السنوات الأخيرة، إلى معقل للسلفية الجهادية، ومحطة لنشر الفكر السلفي، لدرجة أن هيئة حماية الدستور قررت عام 2003، وضعها تحت الرقابة الدائمة، بعد أن رصدت أحد المدرسين ينادي أمام التلاميذ بالحرب المقدسة «الجهاد» ضد الكفار، واكتشفت أن المناهج الدراسية تمجد الجهاد وتدعو إلى العنف الديني.
ومن أسباب وجود السلفيين في المدينة، هو كونها العاصمة السابقة لألمانيا؛ ما أدى إلى تركز كبير للأجانب فيها، وما تبعه من انتشار للمساجد في أنحائها؛ حيث حرصت السفارات العربية على إقامة مساجد؛ لتسهيل العبادة للدبلوماسيين وعائلاتهم، وبحسب تقارير إعلامية، فإن «اللغة العربية، هي اللغة الثانية المستخدمة في بون بعد اللغة الألمانية، وفي بعض أحياء المدينة مثل (باد جوديس بيرج)، يستطيع كل من يجيد العربية التحرك بسهولة والقيام بكل أموره»، وفيها تنتشر المحلات العربية، حتى أن إعلانات السكن الخاصة هناك، مكتوبة باللغة العربية، وهو ما يعد أمرًا جذابًا للعرب، خاصةً من لا يجيد الألمانية، لكن هذه العوامل نفسها، جذبت أيضًا السلفيين للمدينة.
- مسجد النور في برلين، الذي قامت السلطات بإغلاقه بعد دعوات لمراقبة الدروس فيه، كان يعد هو الآخر معقلًا سلفيًّا، حسب هيئة حماية الدستور.

أشهر الأسماء السلفية المعروفة في ألمانيا:

1- إبراهيم أبو ناجى
جاء من قطاع غزة إلى ألمانيا فى الـ18 من عمره؛ بهدف دراسة الهندسة الكهربائية، وفتح متجرًا؛ لبيع الملصقات فى 2007، وبعدها كرس حياته للدعوة داخل المشهد السلفي، بالتعاون مع أبرز السلفيين فى ألمانيا ومن بينهم «أبو ولاء» العراقي أو «سفين لاو»، الذى يحاكم الآن فى ألمانيا، بتهمة دعم تنظيم «داعش» .
ألقى أبو ناجى ندوات ومحاضرات فى مساجد مختلفة، كما يقوم بتقديم الإرشادات على قناة «يوتيوب»، لمعتنقى الإسلام الجدد، وذلك بالتعاون مع الداعية السلفي، بيير فوجل، ويعتبر أبو ناجي، حسب هيئة حماية الدستور، من السلفيين الأكثر نفوذًا وتأثيرًا فى ألمانيا،  وحسب تقريرها فى ولاية شمال الراين- ويستفاليا لسنة 2011؛ فإن «أبو ناجى يغطي فى المحاضرات والندوات، التى يعقدها بانتظام، الأيديولوجية السلفية بشكل شامل»، وهو لا يقدم إرشادات دينية فحسب، بل يعبر أيضًا عن تأييده للجهاد كوسيلة «للدفاع عن العقيدة الإسلامية»، حسب التقرير، وقد وُجهت لأبي ناجى، عقب ذلك، سلسلة من الدعاوى القضائية؛ بتهمة التحريض على العنف.

2- بيير فوجل
داعية إسلامى ألماني، وملاكم محترف سابق، يلقب بأبي حمزة، أنهى دراسته الثانوية في برلين، واعتنق الإسلام عام 2001، سافر إلى مكة؛ لتعلم العربية، ثم عاد إلى ألمانيا 2006؛ ليبدأ فى إعطاء محاضرات ودروس عن الإسلام، تصفه بعض وسائل الإعلام، بأنَّه من «دعاة الكراهية»، لكن تقول بعض الوسائل الإعلام الأخرى: إن ذلك الوصف، لا ينطبق على بيير فوجل أبدًا؛ لأنه يعتبر من الدعاة، الذين يتصرفون بما يتوافق مع القانون، ويحذِّر أتباعه كذلك من استخدام العنف، كما أنه ليس جهاديًّا، وهذا ما يميّزه عن الدعاة الآخرين، الذين عبروا عن تأييدهم للهجمات التى تعرَض لها عناصر من الشرطة، في مدينتي «بون وزولينجن» الألمانيتين.

3- سفين لاو
من أكثر السلفيين شهرةً وإثارةً للجدل فى ألمانيا، وُلد لأسرة كاثوليكية، أمضى فترة مراهقته في تدخين المخدرات وحياة اللهو، دون أن يكون لديه أي التزام ديني، ثم اعتنق الإسلام في سن مبكرة، وغيّر اسمه إلى «أبو آدم»، يقبع فى السجن حاليًّا؛ لاتهامات بدعم الإرهاب.
أسس سفين لاو منظمة سنة 2010، في أعقاب حظر منظمته الأولى، من قبل وزارة العدل؛ بتهمة التحريض على الكراهية، لكن اعتقاله، تم بعد تأسيسه «شرطة الشريعة»، التى وصفها رالف ييجر، وزير داخلية الراين الشمالي فيستفاليا، بأنها «حرب على الديمقراطية».
ألقت الشرطة الألمانية القبض على سفين لاو «أبو آدم» في أبريل 2015، بتهمة «التحضير لارتكاب جنايات خطيرة»، وقالت النيابة العامة آنذاك: إنه تم اعتقال لاو في منشنجلادباخ، بتهمة جمع التبرعات للجهاديين، والعمل على تجنيد مقاتلين؛ للقتال في سوريا.
ولكن هانز جيورج ماسين -رئيس مكتب الأمن القومي في برلين- يرى أن هناك تغييرات في المشهد السلفي مؤخرًا، فلم يعد هؤلاء الأشخاص، هم محور الأحداث في المشهد السلفي، كما كان سابقًا، على الرغم من أن أهميتهم لا تزال قائمة، ولكن التغير في الوقت الراهن يتمثل في الغالب في ظهور أشخاص منفردين، يجمعون حولهم أتباعهم، ولهذا لم يعد من الممكن الحديث عن مشهد سلفي واحد، بل عن العديد من النقاط السلفية الناشطة في البلاد.

السلفية الجهادية بين ألوان الطيف السلفي
السلفية في ألمانيا، كما في غيرها منهج إسلامي، يتسع لجماعات دينية بينها فوارق «دعوية، فقهية، سياسية»، ورغم حقيقة أن «السلفيين السياسيين، عادة ما يمتنعون عن استخدام العنف»، بحسب تقرير نشرته وزارة الداخلية عام 2017، إلا أن السلفيين «مصدر التجنيد الرئيس للجهاد»، بحسب التقرير ذاته، بل ورأى تحليل خلصت إليه الأجهزة الأمنية، أن الهجمات التي شهدتها ألمانيا والدول الأوروبية أظهرت أنه «غالبًا ما يسبق الأنشطة الجهادية اعتناق السلفية».
فبشكل عام، لا تعتبر الأجهزة الأمنية الألمانية، أن جميع السلفيين جهاديين، ومع ذلك، فهم يرون أن هناك علاقة عضوية، ما بين السلفيين ومن لديهم استعداد للعنف؛ حيث يخلق السلفيون بيئةً حيويةً لنمو الفكر الجهادي.
وتقول التقارير الأمنية: إن أقلية داخل الحركة السلفية تؤيد استخدام العنف، وعدد قليل فقط منهم مستعد بالفعل لاستخدام العنف؛ لفرض توجهاته الدينية.
لكن لا يزال الجهاديون الألمان، يشكلون رافدًا مهمًا للحركات المسلحة في الشرق الأوسط، فقد ارتفع عدد الجهاديين، حسب بيانات هيئة حماية الدستور، الذين سافروا للقتال ودعم الحركات الجهادية في سوريا والعراق، مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة بصورة مطردة، خلال الأعوام الخمسة الماضية؛ حيث ارتفع عددهم من 170 في أيلول/ سبتمبر 2013 إلى 870 في أيلول/سبتمبر 2016 وإلى 1000 في أيلول/ سبتمبر 2018.
وقد شهدت ألمانيا، خلال السنوات الماضية بعض الهجمات، وكان أبرزها الهجوم الذي نفذه، أنيس العامري، وهو طالب لجوء تونسي، يعتقد أنه تم تجنيده في أحد المساجد السلفية في برلين، في كانون الأول/ ديسمبر 2016، والذي أدى إلى مقتل 12 مدنيًّا، أثناء احتفالات أعياد الميلاد.
وهو ما دفع الأجهزة الألمانية إلى وضع الحركة الجهادية، ضمن الإطار السلفي، تحت مجهر المراقبة المشددة.
وأظهرت دراسة للأجهزة الأمنية في عام 2014، حول خلفيات التطرف للجهاديين، الذين غادروا ألمانيا؛ لدوافع إسلامية، تجاه سوريا والعراق، أن 319 شخصًا، من أصل 323، ممن شملتهم الدراسة، ينتمون إلى التيار السلفي.
وفي يوليو 2015، قالت هيئة حماية الدستور في ولاية هامبورج: إن عدد السلفيين من ذوي الميل للعنف في هامبورج، ارتفع من 70 إلى 270 شخصًا، وقال رئيس الهيئة «تورستن فوس» في تصريح إذاعي لراديو شمال ألمانيا: «إن عدد الفتيات المستعدات للسفر إلى سوريا؛ لدعم تنظيم داعش، يتزايد بصورة مستمرة»، ودلل على ذلك بأن «60 إسلاميًّا، سافروا من هامبورج إلى سوريا، كان من بينهم عشر نساء».
وفي  نوفمبر 2016، شارك مئات من عناصر الشرطة الألمانية، في عملية أمنية واسعة النطاق؛ لملاحقة عناصر، يشتبه في أنها جندت شبابًا لصالح تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وشملت عمليات الدهم 200 موقع في 10 مقاطعات، واستهدفت الحملة تحديدًا جماعة «الدين الحق» السلفية المحظورة، التي تقول السلطات: إنها مسؤولة عن تشدد الشباب، ودفعهم إلى الالتحاق بداعش في العراق وسوريا.
فمن ضمن مجهوداتها لوقف انتشار الأفكار الجهادية بين الشباب، اتبعت الأجهزة الأمنية سياسة «عدم التسامح» مطلقًا مع النشطاء السلفيين العنيفين، وقامت الحكومة بمحاكمة وسجن العشرات، ممن ثبت ارتباطهم بمنظمات مسلحة في الخارج، وفي نفس الوقت، تم إطلاق العديد من المشاريع المتعلقة بالوقاية من العنف و«نزع التطرف»، مثل مشروع «حياة» أو «شبكة الوقاية من العنف».

شارك