رهانات «داعش».. هل ينجح التنظيم في تأسيس ولاية بـ«الجزائر»؟

السبت 23/نوفمبر/2019 - 11:09 ص
طباعة رهانات «داعش».. هل دعاء إمام
 
لا يزال الخوف من عدم الاستقرار قوة مهولة في الجزائر، فالبلاد ما زالت تشهد حوادث إرهابية محدودة ومحلية بشكلٍ كبير، خصوصًا في مناطق مثل منطقة القبائل على ساحل البحر المتوسط، عبر العناصر المتطرفة المحلية، والتي تنقسم إلى أعضاء في مجموعات مستقلة ذاتيًّا أو على ارتباط بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.



وأعلن تنظيم «داعش» الخميس 21 نوفمبر 2019 مسؤوليته عن مقتل 8 جنود جزائريين على الحدود مع مالي، أثناء محاولة 3 طائرات هليكوبتر جزائرية القيام بعملية إنزال جوي في منطقة توندرت في تمرناست، وفيما لم تعلن الجزائر عن أي رد، فيما قال التنظيم إنه يوجد من بين الجنود الجزائريين أحد القيادات في الجيش.



على خلفية العملية الأخيرة للتنظيم، يشعر الجزائريون بالقلق من احتمال العودة إلى الاضطرابات؛ خصوصًا مع اندلاع النزاعات في بلدان مجاورة كليبيا، وتونس، والتي قد تمتد إلى الجزائر.



ورغم نجاح الجزائر في تكبيد «داعش» خسائر بشرية منذ تأسيس التنظيم، وسعيها الدائم لمنع تسلل شبابها للقتال في بؤر الصراع، شهدت الفترة الماضية حالة نشاط عند مقاتلي التنظيم الذين حاولوا استغلال الاحتجاجات الشعبية، لتنفيذ عمليات إرهابية في عدد من الولايات، تمكنت قوات الأمن من إبطالها، وتوقيف المتورطين.

بدورها، قالت دالية غانم يزيك، الباحثة المتخصصة في شؤون الجماعات المتطرفة: إن عدد الجزائريين الذين يقاتلون في الخارج، لا يتجاوز الـ63 عنصرًا، وهو رقم يُعتبر صغيرًا للغاية قياسًا بزملائهم التونسيين والمغاربة، ومع الوضع في الاعتبار أن الجزائريين كانوا من الدفعات الأولى التي تدفقت إلى أفغانستان في العام 1979 للانخراط في الجهاد ضد القوات السوفييتية، وأن آلاف الجزائريين انضموا إلى صفوف الجماعة الإسلامية المسلحة والحركات الجهادية الأخرى في الساحة الجزائرية، خلال الحرب الأهلية في البلاد في تسعينيات القرن العشرين.



وتابعت: «رغم التراجع الحاد في النشاطات المتطرفة منذ نهاية الحرب الأهلية، إلا أن السلطات الجزائرية واصلت الحديث عن إرهاب مُستلحق من حقبة السنوات الـ15 المنصرمة، إذ يتواصل النشاط الإرهابي داخل الجزائر، في الوقت الحالي، وإن  كان على نطاق عمليات فردية محدودة ومتفرّقة».

استراتيجية الجزائر



ورجحت «يزيك» ضعف أعداد المنضمين للتنظيم الإرهابي، إلى سياسة الحكومة التي عوّلت صدمة الجزائريين العميقة من الخوف من اللااستقرار، والعودة إلى الأحداث التي شهدتها البلاد في حقبة التسعينيات فيما عُرف بـ«العشرية السوداء»، وغذته من خلال البيانات الحكومية التي ركزت على فكرة أن الأمن التام يسود الجزائر، وكان  خطاب الدولة (في الإعلام الحكومي وفي خطب المسؤولين) متمحورًا حول مخاطر الإرهاب، وحول الحاجة إلى أمن وطني صلب.

 

وبحسب الباحثة الجزائرية، يمكن تفسير أسباب العدد المحدود من المقاتلين الآتين من الجزائر -وبشكل أعم نفوذهم الضئيل في البلاد- بمجموعة من العوامل، منها: الخطاب العام الجزائري، والدائرة الدينية وسياسات الدولة نحوها، ومستوى الأمن في البلاد.



ولفتت إلى عامل آخر يُسهم في إبقاء مشاركة الجزائريين في التنظيمات الجهادية منخفضة، خصوصًا في الخارج، هو الرقابة المشدّدة التي تفرضها الأجهزة الأمنية التابعة للدولة على هذه التنظيمات.. لا يعني ذلك غياب العنف المتطرف كليًّّا في البلاد.



وتقدّم الدولة الجزائرية حوافز إلى أعضاء أجهزة الأمن للحفاظ على ولائهم؛  ففي العام 2010، زادت الدولة رواتب موظّفي الجهاز المرتفعة أصلاً بنسبة 50%، ويتمتع أعضاء الأجهزة الأمنية بامتيازات مهمّة، في مجال الإسكان، كما يحصل أعضاء الشرطة على مكافآت متعلقة بأدائهم، وعلى بدل خطر تصل نسبته إلى 70%، من راتب الموظف، فضلاً عن مدفوعات إضافية مخصّصة للأعضاء الذين ينتقلون إلى مناطق نائية، ومكافآت تصل إلى 400 دولار للأعضاء الذين ينجح أولادهم في امتحانات الثانوية العامة.



من خلال هذه القدرات، عزّزت الجزائر حدودها، وأرسلت المزيد من القوات لمراقبة حدودها مع ليبيا ومالي والنيجر، وبحلول العام 2014، كانت الجزائر قد أغلقت حدودها كلها، ما عدا حدودها مع تونس، وحوّلتها إلى مناطق عسكرية لا يستطيع أحد دخولها من دون تصريح أمني خاص.

ماذا بعد؟

وتقول الباحثة إن كل التدابير التي اتخذتها الدولة غير كافية، إذ تشكّل الآليات الأمنية الصارمة نهجًا خطيرًا؛ وذلك بسبب انتشار ثقافة الإفلات من العقاب في صفوف أعضاء الشرطة والأجهزة الأمنية، ما يتيح لهم ممارسة التعذيب وسائر انتهاكات حقوق الإنسان من دون الخضوع إلى المحاسبة، وقد ينجم عن ذلك تطرف الشباب، كما حدث في الجزائر في التسعينيات، حين أدّى فتح مراكز الاحتجاز في الجنوب إلى سعي آلاف الشباب إلى الانتقام والثأر.



وأضافت: «ينبغي على الجزائر أن تفكّر في إصلاح قطاع الأمن، ما قد يشكّل خطوةً أولى في مسار بناء علاقات مدنية-عسكرية أكثر توازنًا..  فعلى المستوى السياسي، ثمة نقص، لا بل غياب كامل للتجديد والسماح للأجيال الجديدة بالظهور بدلًا من بقاء المسؤولين أنفسهم في السلطة منذ مرحلة ما قبل استقلال البلاد في العام 1962، الذين حالت سلطويتهم واستراتيجياتهم دون ظهور معارضة حقيقية، كما أدّت إلى نشوء مجتمع محلّي يعاني من فقدان المعايير».

 

وحذرت «غانم» من أثر الأزمات الاجتماعية والبطالة على الشباب؛ ما قد يدفعهم إلى الحركات المتطرفة باعتبارها وسيلة للتعبير عن استيائهم والانتقام؛ خاصة أنه مع تواصل نشاط الحركات في البلاد، برزت بيئة مؤاتية لاستقبال الشباب الساخطين.

شارك