الدعوة السلفية والعمل السياسي الجدلية والإشكالية

الثلاثاء 26/نوفمبر/2019 - 06:31 م
طباعة الدعوة السلفية والعمل ماهر فرغلي
 
في صراع وجدال شديد مع جملة من الإشكاليات الفكرية والمنهجية التي يؤمن بها السلفيون، التي تجزم بحرمة كل أشكال العمل السياسي القائم على منازعة ولاة الأمور حقوقهم، مع الرفض لمفردات العمل السياسي من الديمقراطية والانتخابات، والحزبية، خرج السلفيون بأكثر من تنظير فكري، وما بين الحرمة والحل كان هناك بون شاسع، كان أكثر اتضاحاً في كتاب ياسر برهامي، شيخ الدعوة السلفية بمصر، الدعوة السلفية والعم السياسي، ومحاضرة الشيخ محمود عبد الحميد في ندوة "الدعوة السلفية والعمل" بتاريخ الثالث من يونيو 2011.

رغم أنهم كانوا يؤمنون بحسب ما يرى ياسر برهامي أن معطيات هذه اللعبة في ضوء موازين القوى المعاصرة عالميًّا وإقليميًّا وداخليًّا لا تسمح بالمشاركة إلا بالتنازل عن عقائد ومبادئ وقيم لا يرضي بها أحدٌ من أهل السنة أن يضحي بها في سبيل الحصول على كسب وقتي، أو وضع سياسي، أو إثبات الوجود على الساحة.

كما كانوا يرون ما كان عبد المنعم شحات يراه بأن مشاركة الإخوان السياسية جعلتهم يدفعون ثمنًا باهظًا بسبب خوضهم غمار السياسة والدخول في لعبة الديمقراطية، حيث قدموا برأيه تنازلات للاندماج في هذه اللعبة منها الاعتراف الضمني بالوصاية الأمريكية على التجربة الديمقراطية في مصر، والتحالف مع الأحزاب العلمانية المخالفة للشريعة الإسلامية.

يرى الشيخ ياسر برهامى أن الواقع مخالف للإسلام مخالفة تامة، وأن كل دساتير مصر بداية من دستور 23 كانت بعيدة عن الإسلام، ثم فتح الله على هذا البلد فكانت هناك عودة جزئية من البعض إلى مبادئ الاسلام بعد هزيمة 67 وظهر هذا الأثر فى دستور 71، إذ يقول (ونعلم أن الواقع غير إسلامى سواء فى مقاصده أو فى آلياته، أو فى تأ صيله النظري، أو في تطبيقه العملي).

حينما تكمل ستأخذك الدهشة وتتساءل هل هو  ياسر برهامي، أم أيمن الظواهري؟!، حيث يقول (بالتالى فنحن نقاوم كل باطل، لكننا ندرك أن هناك أشياء لا نستطيع تغييرها الآن، فقضية الأضرحة مثلا نحن نعتقد بطلان إقامة المساجد على القبور، ونعتقد أن ما يصرف من عباده من دعاء واستغاثة وطواف ونذر ونحو ذلك لأصحاب القبور شرك وكفر، وسيظل اعتقادنا فى إقامة الحدود وقتل المرتد ومقاتلة الكفار (من هم الكفار؟) مطابقاً لكتاب الله وسنة رسوله).

المفهوم هنا أن الحاكم يجوز الخروج عليه ومحاربته ومقاتلته إن توفرت القدرة، بنص كلامه (أما مسألة الخروج ومقاتلة الحكام سواء ثبت ولايتهم شرعاً، أو لم يثبت فهي من باب تغيير المنكر، ولذلك فهي مبنية على مسألة القدرة والعجز والمصلحة والمفسدة).

يقول ياسر برهامي: (لا يمكن أن نقبل الديمقراطية التي تنص على أن التشريع للأغلبية، وأما بالنسبة لغير المسلمين فنحن لم ولن نقبل ما يخالف الشرع فى ذلك، فما الذي يجبرنا بولاية غير المسلم ومشاركته في الوظائف السيادية، وكذلك مسألة ولاية المرأة فعندنا نص في هذا، ومحاولة التحايل على النصوص بحجة أن الولاية في بلادنا ليست الولاية العظمى كلام باطل قطعًا).

في "الدعوة السلفية والعمل السياسي" تعرض "برهامي" إلى وسائل التغيير عند التيارات السلفية الأخرى وخلص في النهاية إلى أن التغيير من خلال الانتخابات البرلمانية مخالف لشريعة الله فالتشريع حق خالص من حقوق الله والقوانين الوضعية مخالفة للشريعة الإسلامية وكل ما يخالف الشريعة فهو باطل والحكم بغير ما أنزل الله سبب يوجب غضب الله وينزل مقته وعقابه والنظام الشرعي المخالف لتشريع الله تحكيمه كفر والشورى في الاسلام ليست الشورى في النظام الديمقراطي كما لا يجوز شرعا عرض الشريعة على الأفراد ليقولوا أتطبق أم لا والمجالس التشريعية التي تسن قوانين مخالفة للشريعة يلزمون بها العباد مجالس كفرية والأحزاب التي تقوم على مبادىء العلمانية والديمقراطية والاشتراكية والشيوعية وغيرها من المبادىء الوضعية كلها من العصبية الجاهلية والولاء للكافرين والمنافقين مما يستوجب على كل مسلم رده وهجره ومحاربته والتبرؤ منه، أما المؤهلون لتحقيق التغيير المنشود وإقامة الحق على صورته الكاملة وعودة الخلافة على منهج النبوة فهم كما يرى برهامي "طائفة أهل السنة والجماعة".

سنجد أن التطور اللاحق فيما بعد من إنشاء أحزاب سلفية، شغل كثير من القواعد حول الوضعية القديمة، وهو ما دفع القيادي محمود عبد الحميد يتحدث في نفس العنوان عن أسباب المشاركة السياسية، ويعتبرها نصرة للدين، قائلاً: ينبغى أن نعرف أن مشاركة الدعوة السلفية فى العمل السياسى إنما الغرض منها نصرة دين الله سبحانه وتعالى فى ظل واقع يعاديه ويعادى التدين وهذا معروف ومُشاهد، وأنتم شاهدون أن هناك جبهة ليست، كبيرة ولكنها تمتلك الإعلام وهى من الليبراليين والعلمانيين وغير المسلمين، والشيوعيين وغيرهم يقفون صفاً واحداً لمعاداة الدين ومحاولة منع الإسلاميين من الوصول إلى تحقيق مكاسب تخدم أهدافهم المشروعة.

 يعتبر محمود عبد الحميد أن الديمقراطية الآن أصبحت نوعاً من الدعوة إلى الله قائلاً: نحن لن نترك الدعوة إلى الله ﻷنها هى العمل الأصلي لنا، والمشاركة السياسية تمثل حماية الدعوة فنحن لن ننشغل عن الدعوة إلى الله بهذه المشاركة السياسية، والأمر الثاني فنحن نريد من المشاركة أن نصل لصياغة قوانين تكون موافقة للشريعة الإسلامية وأن نمنع أى قوانين تخالف الشريعة الإسلامية، وأن نطهر القوانين السابقة التى كانت مخالفة للشريعة، أو أن نزيل تلك القوانين وأن نعيدها إلى الموافقة للشريعة الإسلامية.

السياسة بوجهة النظر السلفية الجديدة، هي التي تعني جلب المصالح ودفع المفاسد، ومراعاة المقاصد التى جاء بها الشرع، حيث يعتبر عبد الحميد أن الديمقراطية هي وسيلة لتطبيق الشريعة، وهي طريق مرحلي لتحيق أهدافهم، قائلاً: إننا نريد أن نطبق الشريعة الإسلامية من خلال الحصول على الأغلبية، نحن والإسلاميون معاً إذا وصلنا للأغلبية فسيكون بمقدورنا تطبيق الشريعة الإسلامية، وتقليل الشر والفساد، وعدم ترك الساحة للعلمانيين ﻷنهم إذا انفردوا بالساحة سنوا قوانين تخدم مناهجهم.

عن التغير الذي حدث بين منهج برهامي والمنهج الجديد، يقول عبد الحميد: أما بالنسبة ﻷمر تغير الفتوى الذى تكلم فيه الشيخ ياسر فالفتوى فى مصر مرت بمراحل كما ذكر من دستور 1923 حتى دستور 1971 وحتى الثورة، إلى أن وصلنا للمرحلة الرابعة وهى سقوط الدستور كله بعد الثورة، فلم يعد هناك دستور وإنما إعلان دستورى ينص على هوية الدولة، وبالتالى قول معظم أهل العلم كان الدخول لتلك المجالس ﻷنه ليس هناك دستور ولنص المادة 60 من الإعلان الدستورى أنه سيتم عمل دستور بعد انتخابات مجلسى الشعب والشورى، وبالتالي صارت الفتوى بعد ذلك على دخول ذلك البرلمان والمشاركة فيه.

إن ملفات داخلية كثيرة أصبحت محل نقاش وجدل كبيرين بعد الانتقال إلى العمل السياسي الذي فرض هيكلة جديدة، وعلاقات بين المستويات السلفية المختلفة، وفرض تحديات لتطوير الخطاب الفكري والأيديولوجي، وعكس ذلك عدم توافق الرؤية بين الجناح الذي قرر ممارسة سلفية سياسية، وبين مشايخ السلفيين الكبار في الحركة، فالجناح الأول يبدو الأكثر تطورًا مع الأيام، والآخر لم ينزل إلى الملعب السياسي ومن ثم ظل أكثر انغلاقًا وتحفظًا علي تقديم تنازلات، سواء في خطاب الحركة، أو في موقعها الحركي داخل النظام السياسي الجديد.

لا شك أن هناك جدلية، وإشكالية كبيرة جداً بين الدعوة السلفية، وحزبها المنبثق عنها النور، تمثلت فى أنه لا فرق بين الجماعة السلفية والحزب، ولا فاصل مطلقاً بين العمل الدعوى والسياسي، وأن قادة الدعوة السلفية كإسماعيل المقدم، وحطيبة، وأحمد النقيب، وغيرهم، يعملون بازدواجية كبيرة جدًا، فهم رقباء على كل المواقف السياسية، بالنقد والتجريح، ونفى المسؤولية، نظراً لأنهم بعيدون عن أرض العمل السياسي، وفى ذات الوقت يدعمون، ويحشدون، ويجمعون، حول مواقف، حزب النور.

ما سبق أدى إلى عودة للوراء، وانزواء لعدد غير قليل من السلفيين الممارسين لتلك العملية، بل وانفصال لجموع أخرى، فيما استمر الظهور التدريجي لتشكيلات سلفية جديدة، مثل سلفيي كوستا، والجبهة السلفية، والجبهة الشرعية، ولعل هذا ما سيفرز انقسامات متعددة بعد ذلك، وما كتبه برهامي، ثم ما شرحه محمود عبد الحميد خير مثال على ذلك.

شارك