ليس كل السلفيين إرهابيين.. جدل فرنسي بشأن بزوغ نجم التيار في فرنسا
السبت 30/نوفمبر/2019 - 11:08 ص
طباعة
علي عبدالعال
حالة جدل كبيرة رافقت ظهور السلفية في فرنسا، والتي تعكسها الصحف وتقارير المراكز البحثية، فضلًا عن تعليقات المسؤولين الفرنسيين بوصف السلفية تيارًا أصوليًّا وافدًا غير مرغوب فيه، يصعب عليه أن يتلاءم مع نمط الحياة الغربية عامة، والقيم الفرنسية خاصة.
إذ ينظر إلى العلمانية ومنذ قرون باعتبارها «الدين الرسمي» في فرنسا، وذلك بعد صراع طويل خاضته «مدينة النور» باريس في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية، لكن علمانية فرنسا اليوم تواجه -على ما يبدو- خصمًا دينيًّا صعب المراس.
«نعم لدينا عدو ولا بد من تسميته، إنه الإسلام المتشدد.. والسلفية هي أحد عناصره»، مانويل فالس، رئيس وزراء فرنسا الأسبق، متحدثًا أمام النواب الفرنسيين في التاسع عشر من نوفمبر الماضي 2015.
وغالبًا ما يشار بأصابع الاتهام إلى السلفية عند أي اعتداء يقع في البلاد، مع أنها لا تؤيد العنف ولا من يمارسونه، بحسب تقرير نشرته صحيفة (لوموند) في أبريل 2015 قالت فيه: «أن أغلب سلفيي فرنسا مسالمون يبحثون عن السكينة، ويرفضون العنف المسلح، رغم أنهم يؤولون النصوص الدينية حرفيًّا، ويتمسكون بالمبادئ القديمة للإسلام، ويتميزون خاصة بطريقة لباسهم».
وأثار تقرير أصدره مجلس الشيوخ 10 يوليو 2018 الكثير من الضجة، بعدما ألقى الضوء على «التقصير الكبير» في معالجة «التهديد الداخلي» الذي تمثله السلفية.
وقالت اللجنة التي أعدت التقرير إن «النقص في الشجاعة غالبًا ما يؤدي إلى غضّ النظر عن حجم السلفية في فرنسا، بينما لا يُمنع أشخاص يخضعون للمراقبة من الانتقال إلى التنفيذ».
ودعا عضو مجلس الشيوخ، برنار كازو، إلى «خطاب سياسي قوي يندد بوضوح بالسلفية على أنها عدو لقيم الجمهورية» أمام ما اعتبره »جمودًا خاطئًا للسلطات»، كما حث التقرير على تعبئة الترسانة القضائية، أو حتى إدراج السلفية على قائمة التجاوزات الطائفية.
الهواجس الحضارية والثقافية لم تكن غائبة عند الحديث عن «الخطر» الذي تمثله السلفية على المجتمع والحياة في فرنسا. ففي تصريحات عكست القلق الذي تعيشه بعض الأوساط الفرنسية، اعتبر رئيس الوزراء الاشتراكي، مانويل فالس، أبريل 2016 أن السلفيين بصدد الفوز بالمعركة الأيديولوجية والثقافية للإسلام في فرنسا.
وقال -محذرًا من تنامي نفوذ التيار السلفي في ظل تمسك فرنسا بقيم العلمانية- أنه بالرغم من أن السلفيين يشكلون اليوم 1% من مسلمي فرنسا فإن رسائلهم على مواقع التواصل الاجتماعي لا يسمع غيرها، خاصة في فئة الشباب، فالمنظومة الفكرية السلفية لها القدرة على الاختراق الثقافي والقيمي للمجتمعات؛ خاصة لدى شريحة الشباب، ومن هنا جاء تعبير «فالس» الذي أثار جدلًا واسعًا، عندما استخدم تعبير حرب الحضارات ضد «البربرية».
الانتشار السلفي
لكن هذه الجهود الرامية للحدِّ من الانتشار السلفي لم تحل دون وجود سلفي فاعل وناشطين (من الرجال والنساء) يتحركون بين أروقة الحياة الفرنسية، يتأثرون بأجواء الحريات فيها ويؤثرون، بل ويتمددون على رقعتها، وهو ما جعلها ظاهرة مثيرة للاستغراب وللقلق لدى بعض الأوساط؛ خاصة خلال الأعوام القليلة الماضية؛ حيث شهد التيار السلفي تناميًا ملحوظًا في أوساط مسلمي فرنسا، ترافق مع ارتفاع عدد المساجد التي يديرها ويرتادها سلفيون.
وقدر تقرير مجلس الشيوخ لعام 2018 -بالاستناد إلى أرقام أجهزة الاستخبارات- أن للتيار السلفي نحو 130 مكان عبادة، ويتبعه ما بين 40 و60 ألف شخص في فرنسا، وهي أرقام كانت قد تضاعفت كثيرًا خلال الفترة الماضية، ففي أبريل 2015، نشرت صحيفة (لوموند) تقريرًا حول تنامي التيار السلفي، قالت فيه إن التيار يحقق انتشارًا ملحوظًا وبشكل لفت انتباه أجهزة الأمن التي أفادت بأن عدد المساجد التي يرتادها السلفيون ارتفع إلى 90 مسجدًا، أما على صعيد الأفراد فحتى العام 2004 لم يكن عدد السلفيين قد تجاوز الخمسة آلاف شخص من إجمالي نحو ستة ملايين مسلم في فرنسا، وهو ما يعني أن الأعداد في تزايد ملحوظ خلال سنوات قليلة، ولذلك أبدى جهاز الاستخبارات الداخلي قلقًا كبيرًا في تقرير نشره العام الماضي 2018 من سرعة انتشار التيار السلفي.
وحقق السلفيون أكبر انتشار لهم في باريس، ومارسيليا، وليون وليل، كما جذب هذا التيار معتنقي الدين الإسلامي في فرنسا للهوية التي يطرحها من حيث الشكل والمضمون.
ففي كتاب بعنوان «ما هي السلفية؟»، أشرف على إعداده الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط (برنارد روجيه) وتضمن فصلًا كاملًا عن السلفية في فرنسا، يشير الباحث في معهد العلوم السياسية بباريس، محمد الإدراوي، إلى أن «التيار الإسلامي الأوسع انتشارًا في ضواحي المدن الكبرى كباريس وليون هو التيار السلفي»؛ حيث تلقى الأفكار السلفية رواجًا خاصة لدى قطاعات من الشباب.
وزاد حضور هذا التيار بشكل خاص في المناطق الحضرية في أحياء العاصمة باريس ورون ألب وكوت دازير وإيل دوفرانس، بالإضافة للمعاقل التقليدية للمسلمين على غرار فيتري سيرسان وسان دوني، وقال المسؤول السابق عن الشؤون الدينية في وزارة الداخلية الفرنسية (برنار غوبار) في كتابه «مسألة المسلمين في فرنسا» إن المجموعات السلفية بدأت تسيطر على مساجد كبيرة ومهمة في عدة مدن فرنسية.
وفي 29 يوليو 2016 طالب البرلمان المحلي في كورسيكا، السلطات الفرنسية بغلق أماكن العبادة التابعة للسلفيين في الجزيرة، وقالت حركة تدعى «جبهة التحرير الوطني لكورسيكا» في بيان نشرته صحيفة «كورس ماتن»: إن «ما يريده السلفيون هو بوضوح أن يرسخوا هنا سياسة داعش ونحن سنواجه ذلك».
وتقول التقارير التي ترصد الحالة الفرنسية إن السلفيين يضمون في صفوفهم الكثير من الشباب المنظم والمتصلب في تعامله مع الشرطة والبلديات؛ حيث لا يتوانون عن إعلان أفكارهم بصوت عالٍ، كما أنهم يحسنون التموضع داخل الجمعيات الإسلامية التي تسيّر المساجد، وخاصة في مدينة مرسيليا التي تعتبر معقلًا للسلفيين في فرنسا؛ حيث يديرون 19 مسجدًا يجتمعون فيها للعبادة والقيام بأنشطة متنوعة.
كما يعرف للتيار السلفي كذلك انتشارًا في المدن المتوسطة، على غرار جوي لوتور ومدينة براست التي يوجد فيها أحد أشهر الأئمة، رشيد أبو حذيفة، كان داعية سلفي لكن حدثت له تحولات حتى صار يرفض إطلاق اسم السلفي عليه، وأجرى دراسات في العلمانية، واقترب من أسلوب الإخوان.
كما يدير السلفيون بعض المدارس الخاصة في مدينة روبي في الشمال ومدينة مارسيليا، ويحافظون على علاقات طيبة مع السلطات المحلية هناك، بحسب تقرير لـ (لوموند) أبريل 2015.
وقالت الصحيفة إن الانتشار السلفي وصل إلى الأوساط الريفية؛ حيث تفضل بعض العائلات السلفية الانتقال إلى الريف للابتعاد عن المضايقات في المدن، وللحصول على مزيد من الحرية في ممارسة شعائرها.
وفي هذا السياق، ذكرت الصحيفة أن بلدة شاتونوف سيرشار التي تضم 1500 نسمة، شهدت في سنة 2009 قدوم حوالي عشرين سلفيا بقيادة الإمام محمد زكريا شفا، الذي نظّر لفكرة انتقال المسلمين المتدينين للعيش في الأرياف.
وفي سنة 2013 شهد سكان بلدة مارجيفول البالغ عددهم خمسة آلاف وصول أربع عائلات من مدينة مونبيليي ترتدي نساؤها الحجاب، والشيء ذاته حصل في سنة 2014 في سان إيز التي تضم ألفي نسمة؛ حيث قدمت عائلة فرنسية اعتنقت الإسلام مع أطفالها الستة، وكان بناتها يرتدين النقاب.
مؤلف كتاب (السلفية اليوم)، سمير أمغار، يرى أن توسع التيار السلفي وانتشاره في فرنسا -رغم انعزاله عن المشاركة السياسية- راجع إلى أن أتباعه يجدون فيه ملاذًا للحفاظ على هويتهم.
ويشير في هذا الصدد إلى أن بعض القوانين التي أصدرتها فرنسا دفعت بالعديد للجنوح نحو أفكار أكثر تشددًا وانغلاقًا، على غرار قانون منع الحجاب في المدارس في سنة 2004، وقرار منع تغطية الوجه في الفضاءات العامة في سنة 2010، وقرار حظر البوركيني (لباس للبحر ترتديه نساء مسلمات) بحجة أنه يشكل تهديدًا أمنيًّا، والذي أثار موجة من الاستياء لدى المسلمات، قبل أن تلغي حظره المحاكم الفرنسية في وقت لاحق.
بدايات النشأة السلفية
تذهب الأوساط البحثية إلى أن بدايات الدخول السلفي إلى فرنسا تعود إلى ما بين ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بالتزامن مع تعاظم نفوذ الجماعات الدينية في الخليج والمنطقة العربية.
ألوان الطيف السلفي في فرنسا
ولعل من أبرز الاستنتاجات التي يخلص إليها كتاب «ما هي السلفية؟» الذي أصدره عدد من الباحثين على رأسهم، برنارد روجيه، أواخر العام 2008: هي أن الخلافات بين تيارات الحركة الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي تلقي بظلالها وانعكاساتها بشكل مباشر، وتفرض نفسها على الحالة الفرنسية، والتي برأي الباحثين الفرنسيين «لم تطور بعد نموذجها الإسلامي الخاص»، وبحسب هؤلاء فإن التنوع الواسع للإسلام الفرنسي يمكن تفسيره في ضوء عنصرين رئيسيين: الأول يتمثل في الانفتاح الكبير للإسلام في فرنسا على المؤثرات الخارجية، والثاني هو أن الإسلام لم يعد موروثًا تقليديًّا يستقيه الأبناء من آبائهم، خاصة في ظل التدفق الحاصل من قبل المسلمين الجدد.
ويميز الباحث في معهد العلوم السياسية بباريس، محمد الإدراوي، بين أربعة نماذج من الإسلام تتعايش جنبًا إلى جنب في الضواحي الفرنسية، الأول يتمثل بالهوية التقليدية أو ما يُعرف بـ«إسلام الآباء» الذي يهتم ويركز على التواصل الاجتماعي والتضامن بين أبناء الجالية المسلمة.
والثاني: يتمحور حول الهوية العلمانية التي تقصر دور الدين في المجال الخاص ودور العبادة فقط، والثالث: يدعو إلى هوية تجمع بين الدين والمواطنة، وبحضور الدين في المجال العام، والرابع يمثله السلفيون الذين يعرفون أنفسهم في حدود الهوية الإسلامية، ويعتبرون أي محاولة للتقارب مع قيم العلمانية الفرنسية ابتعادًا عن تعاليم الإسلام.
وبشكل عام يمكننا تقسيم السلفيين في فرنسا إلى أربعة أقسام رئيسية ينتظمون فيها:
1-«السلفية المدخلية» وهؤلاء هم الطيف الأكبر والحركة الأقوى من بين السلفيين في فرنسا، وأبرز دعاتها «إبراهيم أبو طلحة»، وهو فرنسي من أصل مالي، أما الزعيم التاريخي لهم فهو «عبد الهادي دودي»، إمام مسجد السنة الكبير بمدينة مرسيليا، الذي طردته السلطات الفرنسية وأعادته إلى بلده الأصلي الجزائر في العام 2018، وله الكثير من الخطب المنشورة على الإنترنت.
2- «السلفية الجهادية» وهؤلاء ليس لهم مساجد مخصصة في البلاد، بل ينتشرون في المساجد كغيرهم من المسلمين، ولا يمارسون الدعوة بشكل عام، لكنهم ينشطون من خلال شبكة الإنترنت، وليس لهم زعيم محدد.
3- السلفيون المنتمون إلى (جماعة التبليغ والدعوة)، وهؤلاء يشتغلون بالعمل الدعوي فقط، ويرفضون العنف، ويعادون تنظيماته.
4- سلفيون في إطار الفضاء الديني بين المسلمين هناك، وهؤلاء لا يقولون إننا سلفيون، ولكن يدل عليهم ربما السمت والالتزام الديني أكثر، ومن أبرز الدعاة الذين يمثلون هؤلاء «نادر أبو أنس» وهو فرنسي من أصل مصري.
لكن أمنيًّا يصنف السلفيون إلى فئتين رئيسيتين: الأولى يطلق عليها «الدعويين»، الذين يمارسون عملًا سلميًّا خالصًا، لكنهم يعتبرون أنفسهم في قطيعة مع المجتمع الفرنسي وقيمه على كل المستويات، وهم أيضًا على خلاف «الجهاديين» -الفئة الثانية- الذين يعتقدون أنهم في حالة حرب مع المجتمع الفرنسي.
لكن يرى الجانب الفرنسي أن الصنفين معًا متناقضان مع التركيبة الاجتماعية والثقافية للجمهورية العلمانية، ويرفضون الذوبان أو العيش في إطار قيم المجتمع الفرنسي، وإذا كانت العلاقة عدائية بين الفئتين، إلا أن الرصد الاستخباراتي للجهاديين الذين ارتكبوا هجمات في فرنسا يكشف أن أغلبهم بدأ تطوره الديني في الإطار الدعوي.
جدل العلاقة بين السلفية والجهادية في فرنسا
وفي بلد شهد سلسلة من الهجمات الدامية، وقرابة 1500 من مواطنيه قاتلوا بصفوف داعش في سوريا والعراق (أكبر مجموعة أوروبية بالتنظيم) ورسخت في أذهانه صورة للعنف النابع من شريحة دينية، وتتعالى فيه من وقت لآخر الصيحات المنادية بالتعامل الجدي مع التيار السلفي بوصفه «تهديدًا».. لم تكتف وزارة الخارجية ولا الاستخبارات بدراسات المراكز البحثية المتخصصة والمستقلة، بل أنشأت بداخلها أقسامًا خاصة بالدراسات الإسلامية، وفي القلب منها السلفية، وتستعين أحيانًا برؤية مؤسسات إسلامية كبيرة مثل الأزهر في مصر.
وغالبًا ما تشهد الأوساط الفرنسية المعنية بالملف السلفي، من وقت لآخر، حالات من الجدل حول بعض تعقيدات هذا الملف المتشابك أمنيًّا وإعلاميًّا وسياسيًّا وبحثيًّا، خاصة إشكالية نسبة (الجهاد، أو العنف، أو التطرف، أو الإرهاب) للسلفية، وهي إشكالية دائمًا ما تطفو على السطح ولم يحسمها حتى الباحثون والمتخصصون فيما بينهم.
ففي تصريح نشرته «فرانس إنتر» أبريل 2016 قال جيل دي كيرشوف، منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب: صحيح أن الأيديولوجية «مصدر مهم» للتطرف الجهادي في أوروبا، غير أن الخبراء ليسوا على رأي واحد إزاء هذه المشكلة، فهناك من هم على غرار الكاتب (جيل كيبيل) الذين يعتقدون أن «الإسلام السلفي يغذي التشدد»، ومن هم مثل الكاتب (اوليفييه روا) الذين يعتقدون أن اعتناق الأيديولوجية الجهادية «يأتي في ختام عملية» التشدد.
وكان هذا الأكاديمي الفرنسي (روا) قد ذهب بعيدًا في دراسة له بعنوان (الإرهابيين الشباب) حين رأى أن «الراديكالية عند الجيل المسلم بفرنسا لا يمكن ربطها بالتعليم الديني، ولا حتى بالتشدد الديني المحافظ، والأسرة، بل هو التزام طوعي سابق على الدين والتدين».. يقول: «وهذا المشكل لا نجده عند الجيل الأول والثاني من مسلمي فرنسا».
ويوضح روايته بالقول: «إنهم لم يصبحوا راديكاليين لأننا علمناهم الإسلام الراديكالي في المدارس، والمحاضن الأسرية، وإنما هم يبحثون عن الإسلام الراديكالي لأنهم راديكاليون ويريدون الراديكالية».
رئيس الوزراء الاشتراكي، مانويل فالس، قدم هو الآخر رؤيته في هذه الإشكالية ضمن كلمة كان قد ألقاها صيف عام 2016 أمام عدد من الأكاديميين والباحثين؛ حيث يرى أن «السلفية تنتهي إلى الإسلام الراديكالي وإلى الإرهاب، ذلك أن الأخير يتغذى من الأولى بشكل رئيسي»، وهو ما أعاد تلخيصه بالقول: «ليس كل السلفيين إرهابيين لكن كل الإرهابيين سلفيون».
لكن على العكس من ذلك، ذهب مدير معهد الدراسات الجيوسياسية في باريس، شارل سان برو، في كتابه «الإسلام: مستقبل السلفية بين الثورة والتغريب»؛ حيث يرى أن السلفية ليست متزمتة كما يحاول أن يشيع عنها خصومها، ولا علاقة عضوية لها بالإرهاب، وأهم التحديات التي تواجهها: التغريب والفكر المتطرف، كما يرفض الخلط بين السلفية وتيارات أقلوية تتميز بالمذهبية الثورية أو الإرهاب.
وجهة نظر أخرى نقلتها صحيفة لوموند عن (هواس سينيغر)، الأستاذ المحاضر في كلية العلوم السياسية في ليون، يرى فيها أن «الفكر السلفي لا يقود بالضرورة للعنف والتطرف، ولكن هذا التيار يشهد تحولات كبيرة تدعو للحذر»، على حد قوله.
وفي تقرير لها ترى صحيفة (لوموند): أن العديد من الشباب الذين التحقوا بحركات مسلحة مروا قبل ذلك عبر السلفية، على غرار (محمد مراح) الذي قتل سبعة أشخاص في شوارع تولوز ومونتبان في مارس 2012.
تضيف لوموند: إن «أتباع التيار السلفي ليسوا كلهم مسالمين، فأحد أقدم التجمعات السلفية في بلدة أرتيغا القريبة من تولوز احتضنت (مراح) قبل أن يتورط في أعمال العنف»، كما أنها تضم اليوم عشرات الأشخاص الذين يخضعون للرقابة الأمنية.
«لكن اعتناق التيار السلفي لا يقتصر على ملوك المتفجرات»، تقول مجلة (لوبوان) التي نشرت ملفًا كاملًا عن السلفية في سبتمبر 2016 ذهبت فيه إلى أن «السلفية قد لا تحبذ الإرهاب لكن الإرهابيين مرّوا بها».
ومفصلًا في هذه الإشكالية، يقول محلل شؤون الأمن لدى شبكة CNN الأمريكية، بيتر بيرغن: «ليس كل التيار السلفي يميل للعنف، هناك عشرات الملايين ممن يصفون أنفسهم بالسلفية (في العالم).. وهي مجرد مصطلح يدل على الراغبين باتباع النبي محمد والسلف الصالح، وهم يمتلكون آراء محافظة ومتشددة، ولكنهم لا يميلون للعنف بالضرورة، ما يهمنا هو السلفية الجهادية، وهم مجموعة صغيرة العدد، فكل الجهاديين سلفيون، ولكن ليس كل السلفيين جهاديين».
الطريف في هذه المسألة أن جدل إشكالية (السلفية والجهادية) وصل إلى أروقة القضاء الفرنسي، ففي 18 أكتوبر 2016 حصلت فتاة مسلمة على حكم قضائي برفع الحظر على سفرها، الذي كان قد فرض عليها بسبب انتمائها للسلفية، في قضية كشفت -من جهة أخرى- عن التوترات بين العلمانية الرسمية في فرنسا، والخيارات الدينية لبعض الفرنسيين.
إذ قالت الفتاة (19 عامًا) التي نشأت مسيحية كاثوليكية، واعتنقت الإسلام: «أنا سلفية لكنني لست داعشية».
لكن أبلغت الفتاة التي ترتدي الحجاب المحكمة الإدارية: «أنا سلفية لكنني لست داعشية»، وأضافت قائلة «هناك فرق كبير بين الاثنين»، ومن ثم قالت المحكمة: إن الفتاة مسلمة متدينة كانت لها صلات منتظمة مع سلفيين، لكن لا توجد أدلة على أنها أيدت إرهاب المتشددين، وحكمت بأن «قرار وزارة الداخلية معيب بسبب خطأ في الحكم».