الكلمة تكشف دور خليفة الإرهاب أردوغان في تدمير سوريا
الإثنين 02/ديسمبر/2019 - 12:52 م
طباعة
روبير الفارس
تضمن العدد الجديد من مجلة الكلمة – الصادر في ديسمبر 2019 – عدد من المقالات المهمة منها مقال بعنوان أردوغان والمعارضة السورية المسلحة بقلم الكاتب السوري محمد سيد رصاص الذى كشف خلاله عن دور خليفة الارهاب الاسود في تدمير سوريا حيث اكد الكاتب ان الرعاية التركية لم تقتصر على تنظيمات مسلحة استظلت بـ«الإخوان المسلمين»، بل شمل هذا الأمر تنظيم «أحرار الشام» الذي كان في الموقع الوسط بين اتجاه الأصولية الإسلامية الإخوانية واتجاه السلفية الجهادية، كما شمل «جبهة النصرة»، وهي الفرع السوري لتنظيم «القاعدة»، والتي أعلنت عن نفسها في الشهر الأول من عام 2012. وعملياً، فإن الغالبية العظمى من المنضمّين الأجانب والعرب إلى العمل المسلّح السوري المعارض قد عبروا الحدود التركية-السورية، كما أن الكثير من الجرحى من هؤلاء كانوا يعالجون في المستشفيات التركية، وكانت تلك الحدود مثل الباب الدوار للمسلحين. وجاء في المقال
في شهر أكتوبر 2011، اتخذ «مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا» قراراً بحمل السلاح ضد السلطة السورية. كان هذا القرار حصيلة لفشل المساعي التركية مع دمشق، بين إبريل و أغسطس 2011، من أجل مصالحة بين السلطة السورية و«الإخوان المسلمون»، تلك المساعي التي أتت لاستغلال نشوب الأزمة السورية في درعا 18 آذار/ مارس 2011. لهذا، عندما عاد إلى أنقرة من زيارته دمشق في 9 آأغسطس، قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو عبارته الشهيرة: «ستلتهب سوريا». من أجل اكتمال الصورة، يجب إدراج دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما، في يوم 18 أغسطس 2011، للرئيس السوري إلى التنحّي عن منصبه، بالتوازي مع تنسيق أميركي-تركي-قطري ظهرت ملامحه في خريف 2011، وكانت حصيلته تزعّم «الإخوان المسلمون» للمعارضة السورية.
في هذا الصدد، كان نائب المراقب العام لـ«جماعة الإخوان المسلمين»، فاروق طيفور، المقيم في تركيا، هو المتولي لتنظيم التشكيلات العسكرية السورية المعارِضة، المؤلّفة من ضباط وجنود منشقين عن الجيش النظامي السوري أو مدنيين اتجهوا إلى حمل السلاح، وكان هو الذي يتولى تمويل تلك التشكيلات بأموال يتسلمها من قطر، وكان يشترط مقابل التمويل إعطاء تلك التشكيلات أسماءً إسلامية، وقد كان يتم هذا الأمر بمعرفة أنقرة ورعايتها. هنا، لم تكن مصادفة أن يقوم الأتراك برعاية ولادة «المجلس الوطني السوري»، الذي أُعلن عنه في إسطنبول يوم 2 / أكتوبر 2011، والذي سيطر عليه «الإخوان المسلمون». وكان طلب هذا المجلس لـ«الحماية الدولية» محاولة لتكرارٍ سوريٍ للسيناريو الليبي، عندما قادت الاشتباكات المسلّحة بين نظام معمر القذافي والمعارضة إلى طلب «المجلس الوطني الانتقالي الليبي» الحماية الدولية، وهو ما قام بتأمينها قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1973 في 17 مارس 2011، والذي شكل غطاءً لتدخّل قوات «حلف شمال الأطلسي»، الأمر الذي انتهى بسقوط حكم القذافي في العاصمة طرابلس في 23 أغسطس 2011.
فجاءت عناصر هذا التكرار، عبر السلاح المُعارض للسلطة، الذي ولّد حريقاً سوريّاً، ثم تشكيل تكتل سياسي معارض يطلب من المجتمع الدولي التدخل المسلح لـ«حماية المدنيين». لم تنجح هذه المحاولة لتكرار السيناريو الليبي، وقد اتّضح أن باب مجلس الأمن الدولي كان مغلقاً من خلال الفيتو الروسي-الصيني المزدوج، الذي أتى بعد يومين من تشكيل «المجلس الوطني السوري»، لذلك لم تكن مصادفة دعوة المراقب العام لـ«جماعة الإخوان المسلمين في سوريا» رياض الشقفة إلى تدخل عسكري تركي «لحماية المدنيين من أعمال العنف»، خلال مؤتمر صحافي عقده في إسطنبول يوم 18 نوفمبر 2011، في محاولة لتجاوز فشل التكرار السوري للسيناريو الليبي.
هنا، لم تقتصر الرعاية التركية على تنظيمات مسلحة استظلت بـ«الإخوان المسلمين»، بل شمل هذا الأمر تنظيم «أحرار الشام» الذي كان في الموقع الوسط بين اتجاه الأصولية الإسلامية الإخوانية واتجاه السلفية الجهادية، كما شمل «جبهة النصرة»، وهي الفرع السوري لتنظيم «القاعدة»، والتي أعلنت عن نفسها في الشهر الأول من عام 2012. وعملياً، فإن الغالبية العظمى من المنضمّين الأجانب والعرب إلى العمل المسلّح السوري المعارض قد عبروا الحدود التركية-السورية، كما أن الكثير من الجرحى من هؤلاء كانوا يعالجون في المستشفيات التركية، وكانت تلك الحدود مثل الباب الدوار للمسلحين.
على هذا الصعيد، ويقول الكاتب هناك سؤال ما زال يطرح نفسه: ماذا كان يريد رجب طيب أردوغان من دعم العمل المسلح السوري المعارض؟ ومن أجل الإجابة، يجب الإشارة إلى الاتجاه الأميركي نحو تبنّي وصول «الإخوان المسلمين» إلى السلطة أو المشاركة فيها، في مرحلة ما بعد تنحّي الرئيس المصري حسني مبارك في 11 فبراير 2011، وشمل ذلك القاهرة وتونس وصنعاء وطرابلس الغرب، بينما يوحي الغطاء الأميركي-التركي-القطري لـ«المجلس الوطني السوري»، الذي سيطر عليه الإسلاميون، بأن دمشق لم تكن خارج هذا الاتجاه الأميركي. كان السلاح المعارض السوري هو عود الثقاب الذي احتاج إليه رئيس الوزراء التركي من أجل تحقيق هذا الاتجاه الأميركي، الذي تلاقى مع طموح أردوغان في أن يكون «العثماني الجديد» الذي يهيمن على المنطقة، عبر امتدادات إسلامية تشبهه، أو هي من التنظيم نفسه الذي ينتمي إليه حزب أردوغان، وهو «التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين».
واللافت هنا أن أردوغان استمر في دعم العمل المسلّح السوري المُعارض، بعد تخلي واشنطن عن دعم المسلحين السوريين، بدءاً من اتفاق موسكو في 7 مايو 2013 بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي لحل الأزمة السورية، وفق «بيان جنيف 1»، وهو ما كان نقطة فاصلة بين واشنطن وكل من أردوغان و«الإخوان المسلمين». لم يبدأ أردوغان بالتخلي التدريجي، وبالقطعة والمفرّق، عن المسلّحين السوريين، إلا عندما شعر بتنامي قوة الفرع السوري لـ«حزب العمّال الكردستاني»، أي «حزب الاتحاد الديموقراطي»، الذي رعته الولايات المتحدة، منذ خريف 2014 في عملية قتاله ضد تنظيم «داعش». وقد كان بيع أردوغان للمسلّحين السوريين المعارضين، انطلاقاً من حلب في عام 2016، قد تمّ مع الروس لتكريس تقارب تركي-روسي في ظل تباعد أميركي-تركي. وفي مقابل حلب، أخذ أردوغان خط جرابلس-الباب-أعزاز. أما في مقابل الغوطة، فقد أخذ عفرين عام 2018، وهناك الكثير من المؤشرات على أنه سيبيع مسلّحي إدلب مقابل غطاء روسي لعمليته ضد الأكراد في شرقي الفرات.
لبنان
بعد شهر ونيف من انفجار غضب الناس في لبنان واستنكارهم لما أوصلتهم إليه الزمرة الحاكمة المستهترة بالمصلحة العامة، حان وقت السؤال: ماذا الآن؟ وترى الكاتبة نهلة الشهّال في مقالها الحاجة إلى بلورة البدائل على كل المستويات، ليس النظرية فقط، بل سياسات تتناول الممكن من خلال حلول قابلة للإقناع والتنفيذ، وإشراك المنتفضين فيها.وجاء المقال تحت عنوان لبنان: اللحظة مجدداً: ماذا الآن؟
وقالت الكاتبة أكثر الأشياء خطورة اليوم، هو واقع الافتقاد لمقترحات ملموسة، مجسدة، محددة، وقابلة للتنفيذ، تجمع حولها "الزخم" الذي تمثله هذه الانتفاضة، وتحوّله –وتحولها أيضاً- لقوة مادية دافعة. قوة تفرض نفسها على المشهد السياسي والاقتصادي وعلى مشاريع "الحلول" التي تفبرَك بالخفاء.
واحدة من تعريفات "اللحظة" (بوصفها Momentum) أنها القوة الدافعة التي تُبقي شيئاً أو حدثاً متحركاً ومتطوراً بعد انطلاقه، أي أنها الزخم. يفرض المصطلح نفسه لوصف الحدث الجاري في لبنان منذ 17 اكتوبر. هو "لحظة" بجدارة، تاريخية وسوسيولوجية وسياسية، ظهر خلالها وجه مضيئ للبنان، ولشبيبته بالأخص. تخلّى من كان يبحث عن فرصة للهجرة عن فكرته تلك، وعاد العشرات ولو لأيام ليروا ويسمعوا ويعيشوا ما حلموا به. وهذا ليس بالقليل. يسموا الناس في مثل هذه الأوقات، يصبحون أكثر "تهذيباً" بما هي الالفة والتضامن والمحبة والتسامح والتعاطف مع الاخرين. بما هي الصفات الانسانية. وهذا فرح عظيم. مكسبٌ ثمينٌ ونادر.
ولكننا، وبعد شهر ونيف من انفجار غضب الناس واستنكارهم لما أوصلتهم إليه الزمرة الحاكمة، بكل رموزها، المتحكمة بالسلطة وبالثروة معاً، المستهترة بالمصلحة العامة، الفاقدة للشعور الوطني، الفاشلة والنهّابة (وهذه ليست شتائم بل صفات لكل منها دلالتها القوية كما الأدلة على وجودها). بعد هذا الوقت في الشوارع والساحات في طول لبنان وعرضه، الذي فرض على الحكومة الاستقالة، وفرض على النواب التواري، وجعل "المسئولين" في حالة من الصمت والانكفاء، حان وقت سؤال: ماذا الآن؟
واضافت الكاتبة قائلة الشائعات تملأ الآذان. يتحدث الناس عن الإفلاس القائم فعلاً والذي يمس حياتهم اليومية المباشرة، طعامهم ودواءهم ومدخراتهم القليلة التي افترضوا أنها محفوظة لليوم الأسود، وعن تخلخل الترتيبات التي أنجزوها لتوفير بعض الضمان الصحي، بعض المعاش التقاعدي (للمحظوظين منهم بالأصل)، عن مدارس الاولاد غداً، وسوى ذلك من موجبات الحياة. يتحدثون عن تهريب الكبار لأموالهم خلال فترة اغلاق البنوك أبوابها بوجوههم هم. عن تحركات مريبة لقوى الظل، عن مؤامرات تحاك في الكواليس لفرض أمر واقع ما... يتساءلون عن موقف الجيش. يتحدث الشباب بفرح وثقة أكبر، بحماس، بأفكار أجمل، بطموحات أعلى عما تحقق وعما يريدون... فهم لم يُنهكوا بعد. لم يواجهوا بعد كل هموم ومصاعب الحياة، وإن كانوا قد قاسوا الأمرّين حتى الآن، في القليل الذي خبروه.
فما العمل حتى لا تخيب آمال الشباب، وما العمل حتى لا يجزع الآخرون، وحتى لا يُحبَطون، بعدما تمكنوا من الإعلان عن إراداتهم الحرة طوال هذا الشهر والنيف؟
كل الخصائص الجميلة التي طبعت هذا الانتفاض المهول، صارت تدفع الى مسألة ملحة اليوم: بلورة البدائل، وهذا على كل المستويات. ليس تلك النظرية العامة أو الايديولوجية، وهي مشروعة بالتأكيد، ولكنها لا تجيب على "ماذا الآن؟". بل سياسات بديلة تتناول الممكن من خلال حلول مقترحة، مدروسة، قابلة للمحاجة والتنفيذ. وهي من الضروري ألا تكون وليدة فكر فردي نيّر (فحسب)، بل نتاج تفاوض اجتماعي واسع، يشارك فيه المنتفضون كأفراد، وكذلك التجمعات النقابية والمهنية والسياسية المنخرطة في هذه الحركة.
فمن أكثر الأشياء خطورة اليوم، هو واقع الافتقاد لمثل هذه المقترحات الملموسة، المجسدة، التي يمكنها أن تجمع حولها "الزخم" الذي تمثله هذه الانتفاضة، وتحوّله لقوة مادية دافعة. قوة تفرض نفسها على المشهد السياسي والاقتصادي وعلى مشاريع "الحلول" التي تفبرَك بالخفاء -وهي ليست بحلول، بل قد تكون ترقيعات وتأجيلات في أحسن الاحوال- وهي فاشلة بالتأكيد باعتبار عِظم الكارثة.
وبهذا المعنى، فليس المقصود هو تقديم تصور متكامل يخص كيفية تغيير النظام المفلس والعاجز (وإن كان ذلك سيكون شيئاً رائعاً لو توفر)، بل، وبالتحديد، صياغة بضعة نقاط أساسية، وجعلها مطالب ترفض الانتفاضة التخلي عنها، بل هي من النوع الذي يوحّدها، ويجعلها بديلاً عن الاجراءات التي لا بد أنها آتية. فتصبح نوعاً من "التسوية" الممكن فرضها على تلك الوحوش المتحكمة بنا. ولكنها تسوية من النوع النبيل، أي الذي لا يقفل الباب أمام الصراع المستمر.
ولا بد هنا من استعادة خصائص التجربة السودانية لهذه الجهة، ومن استلهامها كمثال، مع العلم أن كل وضع يختلف عن الاخر وله ظروفه واشتراطاته... لقد بُني "تجمع المهنيين" بدأب وعبر سنين، وهو صار "قائد" الانتفاضة التي استمرت لثمانية أشهر. ولا تعني القيادة هنا الاستبداد بالناس، أو تجاهلهم والحلول مكانهم. فهذا سلوك الوصوليين والمتسلقين وليس المناضلين. وتجمع المهنيين يمثل شبكة اجتماعية شاملة لكل مدينة ومحافظة على الرغم من ترامي أطراف البلاد، ومن تنوعها الشديد، الديني والاثني معاً، ومن تاريخ من النزاعات الدموية. وهو بلور "إعلان الحرية والتغيير" الذي فاوض الاحزاب السياسية بشأنه وتمكن من ضمهم اليه كبرنامج حد أدنى، رفعه المنتفضون بوجه العسكر وفاوضوهم بشأنه وانتزعوا منهم "الفترة الانتقالية" وتقاسم السلطة، التي يصارعون اليوم في ظلها، وكل دقيقة، من أجل إحداث تغييرات عميقة في البلاد وعلى كل المستويات. هذه هي الممارسة السياسية الحقة.وأما التهرب من موجبات هذه الممارسة السياسية بادعاء رفض "السياسة" (ما معنى هذا الرفض حين يكون الشعار هو "اسقاط النظام"؟)، ورفض بلورة برنامج محدد، ورفض بلورة هيئات تمثيلية... الخ. فليس ثورياً بشيء، بعكس ما يظن حاملوه ودعاته. بل هو وعلى الارجح أحد مظاهر أعطابنا والنواقص التي تعتري حركتنا و... وتهددها.