الإرهاب في «الساحل والصحراء».. بين الجهود الفرنسية وأزمة تمويل «G5»

الثلاثاء 03/ديسمبر/2019 - 11:52 ص
طباعة الإرهاب في «الساحل أحمد عادل
 
لا تزال التخوفات الكبرى من الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، تشغل حيزًا كبيرًا من اهتمام المسؤولين الدوليين، بعد دخول المنطقة نفقًا مُظلمًا بانتشار الجماعات الإرهابية وعملياتها المُسلحة ضد المدنيين والعسكريين.

وأعلنت الأمين العام المساعد للأم المتحدة لشؤون أفريقيا، بنتو كيتا، في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي، الأحد 1 ديسمبر 2019، ارتفاع  معدلات الهجمات في منطقة الساحل والصحراء، إذ تم تسجيل 489 حادثًا هذا العام في "بوركينا فاسو" وحدها على سبيل المثال، في مقابل 151 في العام الماضي.

وأضافت "كيتا": أنه وتزامنًا مع مرور عامين على تشكيل القوة المشتركة المعروفة بـ"G5"، فإن الحوادث الإرهابية في النيجر تضاعفت أيضًا ثلاثة أضعاف في عام 2019، مشيرًة إلي أن العنف تجاوز إلى بلدان غرب أفريقيا الأخرى، وأن الإرهاب مشكلة مشتركة مشكلة للجميع ولا يمكن لأي دولة التعامل معه وحدها.

ودعت "كيتا" إلى تقديم المساعدة المالية لقوة مكافحة الإرهاب التابعة لمجموعة الخمسة للساحل والصحراء المعروفة بـ"G5"، مشددًا على ضرورة مراجعة شاملة للوضع في المنطقة، من خلال دعوة المجتمع الدولي لدعم قوة الساحل، والإصرار على أن يتم تخطيطها وتحديدها، مطالبةً بدعم الدول المعنية للقوات الأممية الموجودة في منطقة الساحل والصحراء.

واختتمت كلمتها بأن معظم دول مجموعة الخمس تخصص بالفعل نحو 20% من موازناتها الوطنية للدفاع والأمن، معربةً عن ترحيبها بالوعود التي قطعتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في سبتمبر الماضي.

من جانبها، قالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، في مقابلة نشرتها صحيفة «لو جورنال دو ديمانش»، إن المعركة التي تخوضها باريس ضد العناصر الإرهابية في الساحل والصحراء ستستغرق وقتًا طويلًا.

وشددت على أن الوضع يتدهور، ويشهد على ذلك الخسائر التي تتكبدها جيوش مالي وبوركينا فاسو والنيجر، مضيفةً: «لكن في الوقت نفسه، تحقق عملية برخان التي ترافق القوات المسلحة الأفريقية نجاحات لكنها ليست على الوجه الأمثل الذي ينبغي أن يحدث».

ولفتت بارلي، إلى أن هذه المنطقة تقع على أبواب أوروبا، وكل الأوروبيين سيدركون أنه إذا لم نفعل شيئًا، ستكون أمامنا أراضٍ شاسعة متروكة من الدول، وستصبح ملاجئ لمجموعات إرهابية تابعة إلى داعش والقاعدة.

وأكدت وزيرة الدفاع الفرنسية أن دولة تشاد وافقت على تعبئة المزيد من الجنود في منطقة الوسط، في إطار القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس، التي تضم:  (مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا)، على أن تحلّ محلّ الجيش الفرنسي بعد تعزيز نفوذها في المنطقة.

كارثة الوضع الإنساني في الساحل:

وفي نوفمبر 2019، ركز اجتماع مجلس الأمن الدولي الذي حضره قادة عسكريون من دول الساحل، على وضعية القوة العسكرية المشتركة التي شكلتها دول الساحل الخمس قبل عدة سنوات من أجل محاربة الإرهاب في المنطقة، لكنها ما زالت تعاني نقص التمويل والتدريب والتجهيز.
وحينها قدمت مبعوث الأمم المتحدة إلى أفريقيا "بنتو كيتا"، تقريرًا مفصلًا عن الوضع الأمني المتدهور في الساحل الأفريقي، وقالت إن الهجمات الإرهابية وصلت إلى وتيرة غير مسبوقة، وخاصة في المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، مؤكدة أن الإحصائيات التي لديها تؤكد أن عدد النازحين وصل في هذه المنطقة إلى نحو مليون نازح، أي ضعف عددهم العام الماضي (2018).

وفي نوفمبر 2019، طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مؤتمر صحفي عُقد في قصر الإليزيه، مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج، بدعم عسكري من حلف الناتو.

وقال ماكرون إن باريس تعمل في منطقة الساحل والصحراء نيابة عن العالم أجمع، مضيفًا أن المهمة هناك ضرورية، مضيفًا أنه طلب من الحكومة الفرنسية وكبار القادة العسكريين بالبلاد، دراسة متعمقة لطبيعة العمليات الفرنسية في المنطقة، داعيًا حلف شمال الأطلسي «الناتو» إلى التركيز على مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية.

بدوره، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، خلال جلسة في مجلس النواب الفرنسي الخميس 28 نوفمبر: إن فرنسا بحاجة ماسة لمزيد من التحرك السياسي في مالي، ورغبة مشتركة في هزيمة الإرهاب، مشيرًا إلى أن ذلك ينطبق أيضًا على بوركينا فاسو، مطالبًا من القوى الإقليمية، والحلفاء العسكريين بدعم بلاده.

ووجه "لو دريان"، رسالة إلى الحلفاء الأوروبيين قائلًا: "فرنسا تتحمل عبء عمليات مكافحة الإرهاب وحدها، وهذا يعود بالنفع على أوروبا بالكامل، مطالبًا بلاده بأن تقنع حلفاءها الأوروبيين بسرعة إرسال قوات خاصة لمنطقة الساحل والصحراء لدعم القوات المحلية".

وتسعى القوى الإقليمية والدولية، التي تأسست عام 2014، والمعروفة باسم قوات الـ«G5»، وتضم بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، وتشاد، كوت ديفوار؛ إلى الحد من انتشار التنظيمات المسلحة ودحر الإرهاب، لكون منطقة الساحل الأفريقي بمواردها القيمة محورًا مهمًّا للدول الكبرى، كما أن استقرارها الأمني نقطة مفصلية لاستقرار عدد من الدول الأخرى.

وتعد منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، واحدة من أهم  بؤر الإرهاب في أفريقيا، إذ ينشط بها إرهابيو تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، مستغلين حالة التردي الأمني، ومستفيدين من إمكانية التنقل بحُرية وسهولة بين بلدانها مثل مالي والنيجر، إذ اضطر عشرات الآلاف من السكان المحليين إلى الفرار، بسبب الهجمات المسلحة، إضافةً إلى الصراعات بين الطوائف، والتي غالبًا ما يغذيها عنف التنظيمات المتطرفة.

وعزز تنظيم داعش من توحشه في المنطقة، منذ أبريل 2019، حينما أعلن أبوبكر البغدادي زعيم التنظيم المقتول في أكتوبر 2019، مباركة وجود عناصره في تلك المنطقة، وتأسيس ولاية غرب ووسط أفريقيا، ومنذ ذلك التوقيت، كثفت عناصر التنظيم المسلح وجودها من خلال شن عمليات إرهابية ضد المدنيين والعسكريين في تلك المنطقة.

كما يتمتع تنظيم "القاعدة"، بحضور قوي في منطقة الساحل الأفريقي؛ إذ تمكن التنظيم من تشكيل أكبر تحالف له على مستوى العالم، وهو ما يُعرف بـ«نصرة الإسلام والمسلمين»، والذي تأسس في مارس 2017، نتيجة اندماج أربع حركات مسلحة في مالي ومنطقة الساحل، وهي: (أنصار الدين، وكتائب ماسينا، وكتيبة المرابطين، وإمارة منطقة الصحراء الكبرى).

الشغل الشاغل للعالم 

يقول محمد عزالدين، الباحث المختص في الشأن الأفريقي، إن منطقة الساحل والصحراء، أضحت الشغل الشاغل للعالم أجمع، إذ أن تجمُع التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة، يلقي بظلاله على الوضع الأمني لمجموعة دول غرب أفريقيا.

وأكد "عزالدين"، في تصريح لـه، أن التنظيمات الإرهابية لديها ما تملكه من عتاد وأموال وعناصر مُدربة، مشيرًا إلي أن هناك استغلًالا كبيرًا من تلك الجماعات لمناجم الذهب والنفط وهي السبب الرئيسي وراء وجودها في غرب أفريقيا.

وأضاف الباحث في الشأن الأفريقي: على القوي الدولية والإقليمية التوحد ضد التنظيمات لإنهاء وجودها في منطقة الساحل والصحراء، حتي لا تصبح تلك المنطقة مثل سوريا والعراق قبل تطهيرهما من فلول التنظيمات الإرهابية.

شارك