دراسة تكشف دور المنظمات الإقليمية في مواجهة الظاهرة الإرهابية
السبت 07/ديسمبر/2019 - 02:54 م
طباعة
محمد عبد الغفار
تعد الظاهرة الإرهابية أخطر ما يواجه العالم في العقود الأخيرة، إذ تؤثر بصورة واضحة على البنية التحتية للدول، كما تدمر الاقتصاد وعوامل النمو على نحو واسع، نتيجة العمليات المنظمة التي تقوم بها التنظيمات المتطرفة.
وزاد من انتشار هذه العمليات عدم وجود تعريف واضح وموحد متفق عليه حول العالم للظاهرة الإرهابية، إذ تعرفه كل دولة وفقًا لأهدافها الخاصة، ومصالحها الذاتية، وهو ما يجعل مواجهة هذه التنظيمات أمرًا بالغ الصعوبة على المستوى الدولي.
ومع فشل المؤسسات الدولية في تنفيذ أهدافها لمواجهة الإرهاب، نظرًا للعوامل السياسية، ظهرت أهمية المؤسسات الإقليمية، التي تقوم بدورها في مواجهة التنظيمات المتطرفة، ومحاولة سن قوانين للحد من هذه الظاهرة، وهو ما ركز عليه الباحث "ظفار سلمان محمد" في رسالته المقدمة لنيل درجة الماجستير في جامعة "أم درمان" بالسودان، بعنوان «المنظمات الإقليمية ودورها في مكافحة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان».
ويرى الباحث أن المرادف الصحيح لترجمة كلمة الإرهاب هو: الرعب، وذلك لأن الأثر الناتج للفعل الإجرامي الذي تلجأ إليه الجماعات الإرهابية مثل الخطف والقتل والتدمير لا يجوز اقتران اسم الفعل فيه بالفاعل، وإنما هو مجرد خوف من عمل مادي يعبر بالرعب والخوف وليس بالإرهاب.
ويضيف أن انتشار ظاهرة الإرهاب دفع العديد من الدول إلى محاولة إيجاد تشريعات قانونية للحد منها، وذلك بعد الفشل في وضع تعريف محدد نظرًا للحسابات السياسية والاقتصادية لكل دولة.
تشريعات الدول الأمريكية
قسم الباحث ظفار سلمان محمد، التشريعات التي استهدفت الظاهرة الإرهابية بصورة جغرافية، وكانت البداية مع دول أمريكا اللاتينية التي تم استهداف الدبلوماسيين التابعين لها، ما دفعها إلى إبرام اتفاقيات في هذا المجال، أبرزها اتفاقية منع ومعاقبة الأعمال الإرهابية التي تأخذ شكل الجرائم ضد الأشخاص، وأعمال الابتزاز، والتي دخلت حيز التنفيذ في 16 أكتوبر 1973، وطالبت بضرورة تسليم الدول جميع الأفراد المتهمين بتنفيذ عمليات إرهابية وبدء محاكمتهم بصورة فورية.
وهناك إتفاقية البلدان الأمريكية لمناهضة الإرهاب، التي تم توقيعها عام 2002، والتي وسعت نطاق مفهوم العمليات الإرهابية، إذ شمل الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، والحماية المادية للمواد النووية، ومواجهة تمويل الإرهاب، واستهداف المنصات البحرية.
اتفاقيات القارة العجوز
ترى الورقة البحثية «المنظمات الإقليمية ودورها في مكافحة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان»، أن دول القارة الأوروبية تعتمد على الجانب الاقتصادي والتنموي بصورة أساسية، لذا كانت حريصة بصورة كبيرة منذ فترات كبيرة على وضع تشريعات واضحة لمواجهة العمليات الإرهابية، ومن أبرزها الاتفاقية الأوروبية لقمع الإرهاب، والتي تم توقيعها في عام 1977 بمدينة ستراسبورج، بهدف مواجهة العمليات الإرهابية التي اجتاحت أوروبا في بداية السبعينيات، وتهدف إلى حماية الحقوق والحريات الشخصية للأفراد.
ويتضح أن الاتفاقية الأوروبية وسعت دائرة الإرهاب إلى نطاق الجرائم السياسية، أو الجرائم ذات البواعث السياسية، مع الضغط على الدول بضرورة تسليم الإرهابيين، أما في حالة كان مواطنًا لدولة أوروبية، فيجب على دولته أن تقوم بتجهيز القضاء المناسب لمحاكمته داخل أراضيها، وهو ما يختلف عن الاتفاقية الأمريكية.
ثم تطورت الاتفاقية الأوروبية ونتج عنها اتفاقية مجلس أوروبا لمنع الإرهاب، والتي تم توقيعها في مدينة وارسو في عام 2005، وركزت الاتفاقية في نصوصها الجوهرية على تجريم الأفعال التي تؤدي لارتكاب الجرائم الإرهابية، مثل التحريض عليها، أو التجنيد أو التدريب من أجل تنفيذها.
كما تضمنت الاتفاقية الأوروبية تجريم كل أفعال الشروع، وأفعال الشريك المنظم والموجه لهذه الأفعال الإرهابية، مع اعتبار أنها جرائم جنائية بموجب القوانين الداخلية للدول الموقعة على الاتفاقية كافة.
وتتميز هذه الاتفاقية بأنها لم تقتصر على الجوانب القانونية مثل غيرها، ولكنها طالبت باتخاذ الاحتياطات اللازمة في مجالات التربية والثقافة والإعلام، بالإضافة إلى ضرورة توعية المواطنين بمخاطر التنظيمات الإرهابية.
الاتفاقيات العربية والأفريقية
يرى الباحث أن الدول العربية والأفريقية شهدت ظهورًا واسعًا للتنظيمات الإرهابية، ومع إدراك هذه الدول أن المواجهة الفردية لهذه الظاهرة لن تكون ذات أثر فعال، لجأت إلى إبرام اتفاقيات بصورة إقليمية لمكافحة الإرهاب.
وعلى المستوى العربي، وقع وزراء الداخلية والعدل العرب على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والتي وقعت في القاهرة عام 1998، ووضعت الاتفاقية تعريفًا واضحًا للظاهرة الإرهابية، لذا تعد من أولى الاتفاقيات في هذا الشأن.
وعرفت الاتفاقية الظاهرة الإرهابية بأنها (كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به، مهما كانت بواعثه وأغراضه، ويقع تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، يهدف لإلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر).
وركزت الاتفاقية على أن العقوبة تفرض على الجاني، وذلك بناءً على القانون الوطني للدولة التي تم بها الفعل الإرهابي، أي أنها لم تحدد العقوبات الواجبة على مقترفي الجرائم الإرهابية، ولكنها أسندت الجزاءات إلى تشريعات الدول الداخلية.
وعلى الجانب الأفريقي، هناك الاتفاقية الأفريقية لمنع الإرهاب ومحاربته، والتي وقعتها دول منظمة الوحدة الأفريقية في الدورة الخامسة والثلاثين العادية لرؤساء الدول والحكومات في اجتماعهم بالجزائر عام 1999.
وعرفت الاتفاقية العمل الإرهابي أنه أي عمل يعد انتهاكًا للقانون الجنائي للدولة الطرف، ويمكن أن يعرض حياة الأفراد للخطر، ويشكل خطرًا على التكامل الطبيعي، والحريات، أو يسبب إصابة خطيرة، أو يسبب الموت لأي شخص أو أي عدد، ويسبب خسارة للممتلكات العامة والخاصة، أو الموارد الطبيعية أو البيئية أو التراث الفكري.
وتوصل الباحث إلى أن الاتفاقيات السابقة ينقصها وضع عقوبات محددة على مرتكبي الجرائم الإرهابية، وترك ذلك للتشريعات الوطنية، وهو ما لا يتوافق مع مبادئ القانون الجنائي، والتي تنص على أن كل جريمة لها عقوبة تتناسب مع خطورة الفعل الإجرامي، مشيرًا إلى أن هناك صعوبات كبيرة تقابل التنظيمات الإقليمية في مواجهة الظاهرة الإرهابية، إذ تسعى الدول الكبرى إلى عالمية المواجهة، وهو ما يجعلها صعبة ومعقدة.
كما توصل الباحث فى جامعة "أم درمان" السودانية إلى أن المنظمات الإقليمية يمكنها القيام بدور فعال في مواجهة الظاهرة الإرهابية، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي، ولكن يحتاج ذلك إلى تطوير التعاون بين الدول الأعضاء.
وأضاف أن هذه المنظمات تحتاج إلى إيجاد آلية واقعية لتفعيل دورها على أرض الواقع، أي تحويل النصوص القانونية إلى ممارسة تطبيقية عملية، مطالبًا بضرورة إنشاء المحاكم الإقليمية، التي تضمن محاكمة الإرهابيين وفق قواعد قانونية واضحة يتوافر بها مبدأ شرعية الجريمة والعقاب بعيدًا عن الحسابات السياسية، والبعد عن المحاكم المحلية.
وتوصل ظفار سلمان محمد" في رسالته المقدمة لنيل درجة الماجستير في جامعة "أم درمان" إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى الهيمنة في صياغة القواعد القانونية الخاصة بمسألة إدراج إرهاب الدول أو الكفاح المسلح من أجل تقرير المصير، وينطلق ذلك من سياسة واشنطن عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.