لعبة القط والفأر.. علاقة «الكر والفر» بين تركيا والاتحاد الأوروبي

الأحد 15/ديسمبر/2019 - 10:25 م
طباعة لعبة القط والفأر.. محمود البتاكوشي
 
سئمت دول الاتحاد الأوروبي من الأزمات التي دأب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تصديرها للقارة العجوز، ويأتي على رأسها اتفاقية ترسيم الحدود بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية في طرابلس، والتي تسمح لأنقرة بالتنقيب عن الغاز قُرب السواحل القبرصية واليونانية بالبحر المتوسط، وهو الأمر الذي اعتبره الاتحاد الأوروبي انتهاكًا للحقوق السيادية للدول الأخرى، كما يخلق تهديدات في المستقبل على الصعيد الإقليمي، ويعكس تدهور العلاقات مع تركيا.
الموقف الأوروبي الرافض لسلوك تركيا ليس الأول من نوعه، إذ ندد المجلس الأوروبي في مارس 2018، بمواصلة تركيا أنشطتها غير القانونية في شرق المتوسط، مطالبًا إياها بالتخلي الفوري، وغير المشروط عن تهديد دول حوض شرق المتوسط، والامتناع عن أي تصرفات تضر بعلاقات حسن الجوار معها.
واللافت في هذا السياق، هو أن سلوك تركيا العدائي يجعل تقاربها مع الاتحاد الأوروبي بعيد المنال بفعل مؤشرات تُوحي بأن التقارب، وفرص العضوية تواجه عقبات غير مسبوقة، على نحو بدا جليًّا في تأكيد تقرير المفوضية الأوروبية الصادر في يونيو 2019، على أن أنقرة أصبحت أكثر بعدًا عن معايير الاتحاد الأوروبي.
لعبة القط والفأر..

 

ورقة اللاجئين والدواعش

يمارس الرئيس التركى رجب طيب أردوغان هوايته في التلاعب بالملفات، مثل ملف ورقة اللاجئين، و«داعش»؛ للضغط على أوروبا، وتحقيق أكبر مكاسب ممكنة.
وإلى حد كبير تمكن «أردوغان» من فرض سياسة الابتزاز، ففي عام 2016 جلس الرئيس التركي على مائدة واحدة مع قادة الاتحاد الأوروبي؛ لعقد اتفاق عُرف بـ«إعادة القبول»، يقضي بإنهاء تدفقات الهجرة غير الشرعية من تركيا إلى الدول الأوروبية، وضمان تحسين ظروف استقبال اللاجئين في تركيا؛ حيث يوجد على أراضيها 3.6 مليون لاجئ سوري، مقابل دعم بقيمة 6.7 مليار دولار.
حصلت تركيا بموجب هذا الاتفاق على مكاسب ومساعدات من الدول الأوروبية، وفي مقدمتهم إنجلترا وفرنسا وألمانيا، تنعش الاقتصاد التركي المنهك، وتدفقت بالفعل 6.2 مليار دولار مساعدات من الاتحاد الأوروبي.
وأصبح اللاجئون السوريون ورقة الضغط الرابحة دائمًا في يد أردوغان، يلوّح بها من وقت لآخر في وجه أوروبا، حال اعتراضها على خططه بشأن سوريا، وأفضت في النهاية إلى الوجود التركي في شمال سوريا، بعد ساعات من انسحاب القوات الأمريكية، إثر العملية التي أطلق عليها «نبع السلام» التي شنها جيش أردوغان في 11 أكتوبر الماضي.
ويكفي الإشارة إلى أن «أردوغان» هدد أوروبا 3 مرات قبيل عملية «نبع السلام» من أجل الأموال تارة، ومن أجل تبرير الحرب تارة أخرى، قائلا: «لسنا بصدد طرد اللاجئين عبر إغلاق أبوابنا، لكن كم سنكون سعداء لو نستطيع المساعدة في إحداث منطقة آمنة (في سوريا) وننجح في ذلك».
كما لجأت تركيا إلى استغلال «داعش» في تهديد دول الاتحاد الأوروبي، بإعادة سجناء التنظيم الإرهابي إلى بلدانهم الأصلية في الدول الأوروبية؛ ما يضع الدول الأوروبية في مأزق بالغ الخطورة أمام شعوبهم؛ لأنهم خطر على أمنها القومي، لاسيما أنها تعرضت لعدة هجمات إرهابية في السابق، لذا فليس أمامها سوى محاولة ترضية تركيا ماليًّا لعدم تصدير عناصر داعش.
وتدرك دول الاتحاد الأوروبي جيدًا أن النظام التركي لا يريد المال فقط، فهو يسعى منذ عقود طويلة للانضمام إلى الاتحاد، لكن دائمًا يواجه بالرفض، بسبب تراجع الحريات، والقمع الذي يُمارس على الشعب.

التهديد العسكري
أمر آخر يزعج الاتحاد الأوروبي، من النظام التركي، وهو توسع الأخير في شراء الأسلحة، وآخرها منظومة الدفاع الجوى الصاروخية «إس 400» الروسية؛ ما يهدد الدول الأعضاء، فجوهر الاتحاد الأوروبي حاليًّا هو القوة الناعمة والتعاون، وهذا ما أكده وزير خارجية ألمانيا السابق زيجمار جابرييل أن «الأوروبيين مثل نباتيين في عالم من أكلة اللحوم»،  فالاتحاد الأوروبي لا يضم سوى دولتين تمتلكان ترسانة نووية، وهما بريطانيا وفرنسا، وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد ستصبح أوروبا أشد قربًا من النباتيين، وبالتالي أضحت تركيا تشكل خطرًا كبيرًا، كما أن نظام أردوغان نجح بشكل كبير في كسب عداوات في الفترة القليلة الماضية؛ ما يهدد بتوتير المنطقة.


التنكيل بالمعارضة
تصعب حملة الرئيس التركي على المعارضين وسلطاته الرئاسية الكاسحة الجديدة التي تفتقر للقيود والتوازنات، من مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي؛ بسبب عدم التزامها بمعايير الديمقراطية، فالحريات وحقوق الإنسان في أدنى درجاتها بعد فرض قيود غير محدودة على الإعلام، وحرية التعبير، وسيادة القانون أصبحت في وضع يُرثى له، كما أن الإعلام المتبقي هو المقرب من النظام التركي، بينما الإعلام المستقل تم إسكاته بطرق مختلفة، وهذا يقودنا لمقولة أردوغان «الديمقراطية هي قطار ينقلنا من محطة إلى أخرى وعندما نصل إلى هدفنا نتخلى عنها».

مخاوف مشروعة
وتجلى التجاوز التركي في حوض شرق المتوسط، كما حدث مؤخرًا مع اليونان وقبرص، ونشر النظام التركي شبكات تجسس على معارضيه في أوروبا عبر الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية «ديتيب»، المنوط بها الإشراف على المساجد التركية في أوروبا، والنزعة السلطوية لأردوغان، وهو ما تجلى في معارضة الاتحاد تحول تركيا إلى جهة النظام الرئاسي بموجب التعديلات الدستورية التي شهدتها البلاد في أبريل 2017، وإلغاء نتيجة اقتراع إسطنبول في الجولة في 31 مارس 2019 دون سند قانوني بعد فوز مرشح المعارضة أمام أوغلو.
كما تخشى أوروبا من حجم ارتباطات تركيا بالجماعات الراديكالية، والانخراط السلبي في أزمات إقليم الشرق الأوسط، كما يمثل العامل الديموغرافي عقبة أمام انضمام تركيا البالغ عدد سكانها ما يقرب من 80 مليون نسمة، والمتوقع أن يصل إلى 100 مليون خلال السنوات القليلة المقبلة، في حين أن دول الاتحاد يبلغ إجمالى تعدادها 503 ملايين، وتعاني من مشكلة التراجع في نمو السكان، ما يزيد من وزن تركيا في عملية التصويت حال دخولها البيت الأوروبي.
كل هذه الأسباب تدفع الاتحاد الأوروبي لرفض عضوية تركيا، وهذا يفسر دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يناير 2018، أنقرة إلى ضرورة التخلي عن الحلم الأوروبي، كما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في 3 سبتمبر 2017: إن تركيا يجب ألا تصبح أبدًا عضوًا في الاتحاد الأوروبي.
وينتهج الاتحاد الأوروبي حاليًّا استراتيجية محددة في التعامل مع تركيا، في محاولة للسيطرة على الطموح الأردوغاني، عن طريق إغلاق الباب أمام عضويتها في الاتحاد، وتخفيض مستوى العلاقات، من مستوى مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي إلى مستوى شريك استراتيجي للتكتل، وسحب الاستثمارات الأوروبية من تركيا، والتي تمثل نحو 60% من جملة الاستثمار الأجنبي، إذ وصل حجم المبادلات التجارية بين الطرفين بنهاية عام 2017 ما يقرب من 154 مليار يورو، والامتناع عن منح تركيا قروضًا إضافية من المؤسسات الأوروبية لتجاوز أزمتها الاقتصادية الراهنة، ففي أوقات سابقة اقترضت بتسهيلات مريحة نحو 30 مليار يورو من بنك الاستثمار الأوروبي، و11 مليار يورو من البنك الأوروبي؛ لإعادة البناء والتنمية.
إضافة إلى وقف مبيعات السلاح الجديدة من حكومات الاتحاد الأوروبي لأنقرة، ووضع الاتحاد الإسلامي التركي «ديتيب» تحت مراقبة أجهزة الاستخبارات الأوروبية لدوره في بثِّ خطاب الكراهية، والتحريض على العنف، وتوجيه الأموال المخصصة لتركيا من الموازنة الأوروبية للمجتمع المدني التركي، وبرامج التبادل الطلابي إلى جانب مخصصات دعم اللاجئين السوريين في تركيا.

شارك