الذئاب المنفردة وجهاديو أوروبا.. مواطن الصراع وخلل المعالجة
الأربعاء 18/ديسمبر/2019 - 09:11 م
طباعة
عمرو عبد المنعم
يطرح الباحث العراقي حسام كصاي في كتابه الجديد الصادر حديثًا عن دار نينوى إحدى المحافظات العراقية «الذئاب المنفردة .. جهاديو الغرب وداعشيو أوروبا» رؤية مغايرة وموضوعية لنشأة الحركة الوهابية، كنوّاة للسلفية الجهادية، ثم تنظيم القاعدة وفروعها، إلى فصائل السلفية عامة، وصولا إلى داعش «النسخة الغربية»، كمدخل علمي للولوج إلى ظاهرة السلفية وتحولاتها وصولاً لدواعش أوروبا وجهاديي الغرب، وأسباب تحول هؤلاء في تحديد هدف العدو من الولايات المتحدة «العدو التقليدي» إلى أوروبا «العدو الجديد».
شاهد على الأحداث
أستاذ العلوم السياسية، جامعة تكريت، العراق، والتي صدرت دراسته حديثًا، عن مركز دراسات نينوي، عاني وشاهد تطور هذه الظاهرة في العراق فدفعته لدراستها عن قرب و الكتابة عنها بعمق في معظم دراساته السابقة التي اقتربت من العشر دراسات حصل علي جائزة على أحدها من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» لعام 2015 والموسومة «إشكالية التطرف الديني في الفكر العربي المعاصر» .
تناول بالبحث والدراسة فى كتابه الجديد فلسفة وفكر جهاديو أوروبا ومتطرفيها وأصوليتها و نشاطهم المسلح داخل البيئة الأوروبية من حيث فكرهم، حالاتهم، سلوكهم، إستراتيجيتهم، نشاطهم، انتقالهم خارج القارة وعودتهم!، كيف نشاء عندهم دافع شعوري فردي هيأ لهم الظروف لهذا التحول؛ ليكونوا بؤرة دائرة الاستقطاب الكبرى للذئاب المنفردة .
وفق منهجية الاغتراب ودراسات علم النفس السياسي وعلم النفس التحليلي قدم حسام كصاي تحليلًا لسلوكيات أشخاص غير خاضعين لفكرة المواطنة، مع مهمة علمية أخرى وهي منهج اقتراب الثقافة السياسية ومقتربات تحليل الجماعة، مع التركيز على أوروبا دون عموم الغرب؛ لأن كثيرا من الأنظمة الغربية كانت تعمل مع مواطنيها، باعتبار أن مسلمو أوروبا مواطنين ليسوا رعايا أو مهاجرين .
لماذا أوروبا؟.. «كصاي» يجيب
وهنا حاول الباحث التعمق في لماذا يركز هذا التنظيم «داعش» على تقديم أوروبا على الولايات المتحدة وعلى الكيان الصهيوني، وخاصة بعد حالة «الانشقاق الإيديولوجي»، التي حدثت في فكر تنظيم القاعدة وعموم أطياف السلفية الجهادية، إذ لم تعد أمريكا بالنسبة لداعش «رأس الكفر»، أو«رأس الأفعى»، كما كانت يطرح بن لادن والظواهري وعموم منظري القاعدة التي صنفت أمريكا بالعدو رقم واحد «القريب»، إذ يجيب الباحث أنه علي ما يبدو أن الولايات المتحدة لا تعاني من مشكلة ما مع الإسلاميين بالقدر الذي تعانيه البلدان الأوروبية؛ حيث لم تُسجل حالات انضمام الشباب المسلم الأمريكي لتنظيم «داعش»، إلا عدد بسيط جدًا! ولم يلبوا نداءات الاستقطاب للجهاد كما في حدث في باريس وبروكسل وأمستردام، عكس ما كان يتوقع قياسًا بقدرة التنظيم من اختراق الحصانة الأمنية الأمريكية كما فعلتهُ في هجمات 11 سبتمبر 2001 .
وعدد الباحث تكوينات «داعش» وخرائطها، فأكد أن قوامها من فاري سجون مثل «التاجي، نينوى، صلاح الدين»، وما سُمي بعملية «هدم الأسوار» في سجن أبو غريب أكبر سجون العراق بعد بوكا، لتصب بعد ذلك سطوّة الكتيبة الداعشية في أوروبا وفي قلب مقرها ومستودعها ومختبر تجاربها باريس، مرورًا بأمستردام، مونيبلك، سيلدروف بعد ذلك.
دواعش القارة العجوز
يركز الكتاب على نشاط الجماعات المسلحة «هاديو الغرب» أو «داعشيو أوروبا» في فصول الدراسة الإحدى عشر فصلًا والتي تناولت: أسباب صعود «داعش»، أسباب استهداف أوروبا ، فصل خاص عن انخراط النساء في سلك الذئاب المنفردة وأطلق عليه «اللبوّات المنفردة» في دراسة جديدة من نوعها لحالات الإناث التى مارسن «الجهاد الأنثوي» أو «النسوّي»، وفصل عن جمالية الموت والرغبة في القتل والانتحار، وفصل عن الجنوحيات الصغيرة، و خلفيات الذئاب: العلمية، الأخلاقية والتربوية، النشأة، البيئات، السمعة، الثقافة دور الحيزّات المشبوهة: الجيتوات والضواحي كحواضن للإرهاب، الإنترنت والفضاء السيبيري، فصل عن إسلام السجون وكيف أثرت السجون في عمليات الاستقطاب الفكري والمنهجي، الأمر الذي تطلب استدعاء منهج اقتراب الثقافة السياسية عند الباحث إلى جانب منهج الاقتراب والدراسات المتعلقة بعلم النفس السياسي؛ للتحقق من تلك السرّديات الداعشية ودورها في التحول والارتداد عن وسطية الإسلام، مع نتائج عامة؛ كخُلاصات، واستنتاجات، وخاتمة للدراسة، باعتماد أهم مؤلفات الفكر السياسي وأمهات الكتب التي تناولت الظاهرة بعمق ودراسة .
يربط الكتاب بين ظاهرة التطرف الديني والإرهاب وبين العوامل النفسية والاضطرابات الداخلية التي تحكم السلوك الفردي وتحدد هوية الشخص الفكرية منها على سبيل المسال مفهوم «الاغتراب» كمنهج تحليلي هام، إذ شكل الاغتراب بكونه فقدان الشعور بالانتماء وعدم الالتزام بالمعايير القانونية والمجتمعية أحد مكونات شخصية الذئب المنفرد .
قدم الكتاب تحليلًا نقديًّا لعينات من تلك الذئاب «المنفرّدة أو المنعزلة أو المتوّحدة» قد ترسم لنا صورة شُبه منطقية لواقعها ونشأتها، وهو ما سيقودنا وفق النظرية البراجماتية إلى مصادر تموّيلها، تدريبها، تسليحها، ومن وراءها تتاج إلي رؤية نقديمة كبيرة من متخصصين في مجالات العلوم الاجتماعية وخاصة استخدم علم النفس في فهم الظواهر الإرهابية !!
داعش .. نسخة غربية
يخلص الكاتب فى النهاية إلى القول: إن صعود نشاط داعش بنسختهُ الأوروبية أو جهاديو الغرب هي مسؤولية الغرب وأوروبا أولًا، ولم يتطرق إلي المجتمعات العربية التي لم تستوعب أبناءها في الأساس، فحمل الغرب النتيجة وذلك اولًا: إن هؤلاء المقاتلون هم أبناء جيل الجهاديون والأفغان العرب وأبناء الجيل الأول الذين آوتهم أوروبا وأمريكا وربتهم وغذتهم بأفكارها وثقافتها فدعمتهم ودربتهم على القتال، سواءً في افغانستان أو دول اخرى، والنتيجة فالأبناء أبناء إرهابيين من صنع أوروبا وأمريكا، والثاني: إن هؤلاء المقاتلين والمنخرطين في نشاط الإرهاب يحملون ثقافة غربية ونمط أوروبي في العيش والتعامل وليست ثقافة إسلامية عربية صرف، والثالث: إنهم مواطنون أوروبيون، وتسببت الحكومات الغربية في إهمالهم، تجاهلهم، في مجاعتهم، فقرهم، بؤسهم، عدميتهم، فأصبحوا فريسة سهله لداعش التي عبأتهم بما فيه الكفاية، إذن فالحكومات الغربية هي التي أهدت شُبان المسلمين في أوروبا إلى داعش والجماعات الإرهابية، وهم المسؤولون عنهم وعليهم تحمل أخطائهم، إسقاطاتهم، فهذا الثمر قد أينع حصادهُ وآن لهم جنيّ ما زرعوا!!
الكتاب يستحق القراءة والدراسة والمطالعة للمختصين وصناع القرار والعاملين في سيسيولوجيا نمو وظهور الجماعات المتطرفة.