القمة المريبة.. «كوالالمبور» تمهد الطريق لهروب إيران من العقوبات الأمريكية
الأربعاء 18/ديسمبر/2019 - 09:32 م
طباعة
نورا بنداري
منذ شهر تقريبًا، أعلن رئيس الوزراء الماليزي «مهاتير محمد» عن عقد قمة إسلامية في كوالالمبور في الفترة من 18-21 ديسمبر2019، تحت عنوان «دور التنمية في تحقيق السيادة الوطنية»، بحضور كل من قطر، تركيا، إندونيسيا، باكستان، إضافة إلى ماليزيا، ولم يعلن «مهاتير» في البداية عن حضور إيران إلى هذه القمة الانتقائية، إلا أن هناك بعض التسريبات ألمحت إلى أن إيران ستكون من بين الدول المشاركة في هذه القمة، ولم تنفِ ماليزيا ذلك أو تؤكده، ولكن الرئيس الإيراني «حسن روحاني» أعلن في 17 ديسمبر 2019، أنه غادر إلى ماليزيا للمشاركة في قمة كوالالمبور 2019، وذلك تلبية لدعوة رئيس الوزراء الماليزي.
وقد جاء تأكيد الحضور الإيراني لهذه القمة بعد أن اعتذر كل من رئيس الوزراء الباكستاني «عمران خان»، و الرئيس الإندونيسي «جوكو ويدودو» عن المشاركة في هذه القمة، الأمر الذي يعد مؤشرًا على فشل هذه القمة الانتقائية قبل انعقادها، إذا أنها تعقد من دون حضور المملكة العربية السعودية «قبلة العالم الإسلامي».
وتأتي هذه القمة في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة الاحتجاجات في الشارع الإيراني بسبب قرار الحكومة رفع أسعار الوقود لثلاثة أضعاف، وتزايد تأثير العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، مما دفع حكومة الملالي إلى تحميل الشعب سياساتها التقشفية واتباع أساليب قمعية بحق المحتجين الذين نادوا بإسقاط نظام ولاية الفقيه، كما تأتي في وقت تشهد فيه إيران مواقف رافضة لتدخلاتها في كل من العراق ولبنان.
وهو ما أكده «مهاتير محمد» خلال كلمة له خلال منتدى الدوحة 14 ديسمبر 2019، أن ماليزيا لا تدعم إعادة فرض العقوبات أحادية الجانب على إيران، لأن هذه العقوبات تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، مشددًا على أن إيران من حقها حيازة السلاح النووي، لأن طهران وفقًا لقوله؛ لن تهدد أو تهاجم أحدًا، والعقوبات ضدها غير عادلة.
ما سبق يعني أن رئيس الوزراء الماليزي يحاول فك العزلة السياسية والاقتصادية التي يعاني منها نظام الملالي الذي بات منبوذًا من جانب العديد من الدول، بسبب سياستها الداعمة للجماعات الإرهابية والمهددة لأمن واستقرار دول المنطقة، إضافة إلى أنه يواجه رفضًا شعبيًّا بسبب سياساتها القمعية.
وزعم الرئيس الإيراني خلال لقائه بالإيرانيين المقيمين في ماليزيا 18 ديسمبر 2019، أن دولته قادرة على حل أزمتها ومقاومة مختلف الضغوط الخارجية، وأن الشعب الإيراني متماسك رغم الضغوط، وبين «روحاني» أن رؤية إيران لحل الخلافات بين الدول تقوم على سبل الحوار والتفاوض، وأن المشاكل تكمن في الأطراف الأخرى، وطهران على استعداد لحل مشاكل المنطقة والعالم عن طريق الحوار وبناء علاقات طيبة مع الدول الأخرى، وفقًا لوكالة الأنباء الماليزية «بيرناما».
لن تجدي نفعًا
ورغم محاولات إيران لعب دور سياسي يمكنها من توطيد علاقتها مع كل من قطر وتركيا وماليزيا، ورغم موقف رئيس الوزراء الماليزي الرافض للعقوبات الأمريكية تجاه إيران، فإن هذا لن يجدي نفعًا، إذا أن الدبلوماسي الإيراني «قاسم محب علي» قد أكد في تصريحات له لصحيفة "اعتماد" الإيرانية في 18 ديسمبر 2019، أن محطة «روحاني» إلى ماليزيا ستكون دون نتائج، فرئيس وزراء ماليزيا، على الرغم من انتقاده للغرب والولايات المتحدة ورفضه للعقوبات الأمريكية فإنه في الواقع ينفذ العقوبات، لأن الولايات المتحدة هي الشريك الاقتصادي الأول لماليزيا، ولا تريد ماليزيا ضرب الاستثمارات الأمريكية بالطبع.
متنفس إيراني
ولذلك، أوضح «أسامة الهتيمي» الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الإيراني، أن اقتصار قمة ماليزيا على أربع أو خمس دول بينها إيران أمر يثير الريبة ويؤكد أن الإيجابية المحتملة التي يمكن أن تعود بالنفع ستخص الدولة الإيرانية دون سواها، فالقمة في ذاتها محاولة لإيجاد متنفس لإيران التي تتعرض لأقسى عقوبات منذ عام 1979، فيما أنه بدا واضحًا أيضًا أنها خطوة مهمة لكسر العزلة السياسية التي تتعرض لها إيران في الآونة الأخيرة إزاء إصرارها وعنادها لعدم الاستجابة للمطالب الإقليمية والدولية.
ولفت «الهتيمي» في تصريح له، أن هذه الخطوة تأتي مكملة لخطوات أخرى يسعى النظام الإيراني لانتهاجها عبر توطيد علاقاتها بمحاور إقليمية ودولية لتحقيق نصر سياسي يستهدف إجهاض المخطط الأمريكي، وهي الخطوات التي يبرز منها أيضًا مشاركة إيران في الاتحاد الاقتصادي الأورآسيوي، والذي يضم عددًا من الدول الإقليمية بجانب روسيا، الأمر الذي يشي بوضوح أن إيران تبعث برسالة لواشنطن أن بإمكانها كسر الأطر التقليدية فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والتحالفات السياسية.
وأشار إلى أنه على الرغم من أن هذه القمة لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تحقق أهدافها المعلنة والتي يدرك الجميع أنها أكبر بكثير من حجمها وحجم المشاركين فيها وقدراتهم فإن إيران ستكون المستفيد الأكبر، لأنها ربما نجحت في التوصل إلى صيغ جماعية أو ثنائية اقتصادية خاصة مع الطرف الماليزي للتخفيف من حدة ما تتعرض له.
وأضاف «الهتيمي» أن مسار هذه القمة يكشف أن ماليزيا ومعها عدد من الدول الإسلامية لا تزال في حالة غيبة عن حقيقة السلوك الإيراني في المنطقة، وأنه السبب الرئيسي للكثير من الفوضى التي تنتابها، ومن ثم فلا يتسق أن تكون هذه الدولة، بما عليه أحد الأعمدة الرئيسية لهذه القمة، التي يفترض أن تبحث مشكلات وهموم العالم الإسلامي دون سواها، ما كان يفرض أولًا أن تتنبه ماليزيا وغيرها لأهمية لعب دور داعم لكل الجهود التي تستهدف إقناع إيران بالتراجع عن سياساتها، ثم بعد ذلك العمل على تطوير آليات الحوار بين دول العالم الإسلامي عبر فاعلياته المعروفة.