الصوفية في أوروبا خلال 2019 (1 - 3).. «المولوية» في مواجهة التطرف

الجمعة 20/ديسمبر/2019 - 01:46 م
طباعة الصوفية في أوروبا شيماء حفظي
 
وجدت الصوفية طريقها للانتشار في الغرب وأوروبا خلال العام 2019، باعتبارها «القوة الناعمة» لمواجهة الصورة النمطية –المغلوطة- لدى الأوروبيين عن الإسلام، مع انتشار عمليات الإرهابيين من إسلاميين متطرفين.
ظهرت الصوفية على المستويين الشعبي والسياسي، وفي دوائر صنع القرار باعتبارها النمط المقابل للإرهاب، والمعنى الروحي للدين؛ بعيدًا عن العنف الطاغي على أفكار السلفية الجهادية، التي تعد منبع الأفكار المتطرفة للإرهابيين.
وتحاوط الصوفية الكثير من الالتباسات حول التعريف والممارسات؛ خاصة في المجتمعات التي تزيد فيها هيمنة التيار السلفي، لكن بشكل عام فالتصوّف هو ظاهرة سلوكيّة وعباديّة، وتطهير للنفس الإنسانيّة، وتأمل وفكر في الوجود، تستمد التربية الروحيّة في المجتمع الإنسانيّ، وصياغة شخصيّة الإنسان في ظلها؛ لكي تحفظ توازنها أمام مغريات الحياة، والتي يراها المتصوفة من المهمات الواضحة للوحي (القرآن والسنة).

أوروبا ودعم الصوفية 
اهتمام الدول الأوروبية بتصعيد الصوفية يمكن تحليلها من جانبين، أولهما محاولة المجتمعات الإسلامية في تلك الدول تصحيح المفاهيم المغلوطة في الغرب عن الإسلام، ومواجهة الأفكار المتطرفة بين أبنائه، أما الجانب الآخر فهو محاولة حكومات الدول الأوروبية الحفاظ على أمنها الداخلي -مع تحول أجانب للقتال بين صفوف تنظيم داعش- بعدما أصبح ينظر إلى الصوفية كبديل لطيف، وأداة في سياسات مكافحة الإرهاب في العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة وغيرها.
وبحسب دراسة «الترويج للصوفية في الحرب على الإرهاب» ظهرت الصوفية في دوائر صناعة السياسات الأمريكية باعتبارها حصنًا أيديولوجيًا ضد التطرف، كما تم استخدامها حتى في الجهات غير الحكومية في عملية معقدة من أعلى إلى أسفل، ومن القاعدة إلى القمة في الممارسات الدبلوماسية، ما كان له أثر وطني وعالمي.
وتشير الدراسة إلى أنه يمكن أن تقدم الصوفية بديلًا مناسبًا لأشد التعبيرات الراديكالية للفهم المتطرف للإسلام، ولقد تم تقديم الصوفية مرارًا وتكرارًا كإسلام حقيقي يحتاج إلى اعتناق «مواجهة الإرهاب» ونزع الشرعية عن التطرف وهزيمته، وهكذا تم بناء التصوف والإسلام المتطرف كمفهومين متعاكسين.
يقول جوناثان جرانوف، العضو السابق في لجنة المنظمات غير الحكومية المعنية بنزع السلاح والسلام والأمن التابعة للأمم المتحدة في المنتدى العالمي للصوفيين لعام 2016: إن العالم بأسره يحتاج إلى إعادة التفكير، وإصلاح استراتيجيته الحالية لمكافحة الإرهاب، فالصوفية هي الترياق الملهم الذي يوقظ القدرة البشرية على الحب والرحمة والسلام.
وأضاف أنه في الوقت الذي تكون فيه القومية الهندوسية، التي تقود نزاعات قوية معادية للمسلمين في السلطة، يُنظر إلى الصوفية كأداة محتملة للنعمة الدينية في الهند، مشيرًا إلى أنه تم أيضًا تضمين عناصر الصوفية في السياسات الداخلية والخارجية لمختلف الدول، مثل باكستان وإندونيسيا، وحكومات شمال أفريقيا وحتى دول الخليج.

منصة دولية لنشر الصوفية
وفي أبريل 2019، تأسس المنتدى الصوفي العالمي، والذي يتخذ له مقرين، أحدهما في فرنسا والآخر في القاهرة؛ من أجل تحقيق الترابط بين الفرق الصوفية، وخروج الصوفية من الخلوات إلى الجلوات، وتحول الصوفية من صالحين إلى مصلحين، وقيادة عملية الإصلاح، ونشر تعاليم الإسلام الصحيحة، كما يدعو الاتحاد الصوفيين في العالم إلى ممارسة أدوارهم السياسية والاقتصادية؛ خاصة أنه لا يوجد إرهابي واحد تحت عباءة الصوفية، على حد وصف الصوفيين.
ويأتي اختيار فرنسا، انطلاقًا من كثافة الوجود الصوفي فيها، فبحسب دراسة للباحث أحمد كامل البحيري ففرنسا وإسبانيا (الأندلس سابقًا) تعدان أهم مراكز الحركة الصوفية في أوروبا، ويتركز أغلب وجود الحركة الصوفية بالعاصمة باريس وضواحيها من خلال بعض المؤسسات الدينية، وتسيطر الطريقتان الصوفيتان «القادرية والتيجانية» على مُجمل الحركة الصوفية في فرنسا.
ويرجع الفضل في انتشار الحركة الصوفية في فرنسا للمهاجرين المغاربة في بدايات القرن العشرين؛ حيث وصل الأمر لتأثر بعض الكُتَّاب والمثقفين الفرنسيين بالحركة الصوفية الوليدة في فرنسا، مثل الكاتبين «لويس ماسينيون وهنري كوربان»؛ حيث انعكست الأفكار الصوفية في كتابتهما.
وحدد المنتدى الذي أقيم في إندونيسيا 2019، بحضور أسماء ومعالم الصوفية في العالم، عددًا من الوسائل لتحقيق الأهداف، تتضمن توحيد الجهد الصوفى العالمي بالدعوة إلى اجتماع مشايخ الطرق الصوفية والمتخصصين في سائر الخبرات لترتيب مفردات العمل الصوفي العالمي، وتفعيل المكتب الدائم للمنتدى الصوفي العالمي، وتنشيط الجانب العلمي والفقهي لضبط العمل الصوفي، والعمل على تأسيس جامعة صوفية عالمية، وإطلاق قناة فضائية عالمية صوفية المنهج، والعمل على تأمين محفظة مالية استثمارية لتغذية المشاريع العلمية والدعوية، وإقامة ورشات عمل للتوعية الاجتماعية والوطنية والأخلاقية.

المولوية تنشر الصوفية في العالم
وبالإضافة إلى ذلك، زاد ظهور الصوفية في أوروبا كحركة ثقافية اجتماعية أكثر من كونها اتجاهًا سياسيًّا أو دينيًّا، فيتم الترويج كثيرًا للمزارات الصوفية حول العالم، كما يتم الترويج للرقصة الصوفية «المولوية» وتناولها من جانب روحاني على نطاق واسع؛ خاصة في الدول ذات الأغلبية الإسلامية، وزاد الاهتمام الدولي بالصوفية، في ماليزيا، وباكستان، وأفغانستان، ودول الشمال الأفريقي؛ لمواجهة الوجود الكبير للسلفية في تلك الدول.
والمولوية هي رقصة يمارسها المتصوفون على أشعار «مولانا» جلال الدين الرومي (فقيه وشاعر وأشهر المتصوفين)، ويتم تداولها عالميًّا كإحدى أشهر 10 رقصات في العالم.
ويرى الباحث البحيري، أن الدول الأوروبية تعتمد على الحركة الصوفية، ووسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام في حشد التأييد، ودعم سياسات مكافحة الإرهاب.
ويضيف: في المجمل؛ تُعتبر الحركة الصوفية في أوروبا إحدى أهم أدوات نشر الخطاب الإسلامي الوسطي وسط الجالية الإسلامية بالقارة، ورغم عدم خضوعها للاهتمام والدراسة الكافية، فإن الحركة الصوفية في أوروبا حاليًّا تمارس تأثيرًا كبيرًا وملموسًا في أوساط المهاجرين الأوروبيين؛ خصوصًا في أوساط الشباب؛ نتيجة الدعم المُقَدَّم من قبل السلطات الرسمية لها، ولعل هذه المحاولات قد لفتت الأنظار داخل وخارج أوروبا؛ خاصة في ظلِّ التخوف من انتقال الأفكار المتطرفة لشباب المسلمين في أوروبا.

شارك