التمدد الإيراني في العراق.. أدوات الانتشار والأهداف
الأحد 22/ديسمبر/2019 - 09:48 م
طباعة
نورا بنداري
عملت إيران منذ الغزو الأمريكي للعراق وإسقاط نظام «صدام حسين» في عام 2003، على مد نفوذها في بلاد الرافدين بطرق وأساليب متعددة، مستغلة انهيار المؤسسات، كما عملت على دفع قياداتها داخل الهياكل العراقية، في محاولة للسيطرة على كل الجوانب السياسية، والاقتصادية، والثقافية، وأيضًا الدينية والخيرية؛ ومن ثم تصبح بغداد الملاذ الإيراني، الذي تستطيع من خلاله طهران التمدد والانتشار إلى باقي دول المنطقة.
أولًا: أسباب اختيار العراق كمنطقة نفوذ إيراني
وجد نظام الملالي في العراق بيئة خاصبة تمكنه من مد نفوذه، وتنفيذ مخططه الشيعي، واستخدام العراق كورقة ضغط في ملفات إيران الخارجية.
وأول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن أذرع وأدوات إيران في العراق، هو الأسباب التي دفعت الملالي إلى اختيار هذا البلد تحديدًا دون غيره، للتوسع والتمدد في المنطقة، لعدة عوامل جغرافية، واقتصادية، وسياسية، وأيضًا دينية.
من حيث التاريخ نجد أن المشروع الإيراني تجاه العراق يختلف عن بقية جيران بلاد الرافدين، إذ إن الحرب «العراقية ــ الإيرانية» التي استمرت ثماني سنوات (1980-1988) أدت إلى نشوب ولاءات مزدوجة للعراقيين داخل العراق وإيران، وكان من ضمن أهداف إيران وقت الحرب هو محاولة تصدير ثورتها، لكنها فشلت، ولذلك عادت بعد عام 2003 لتعطيل نهوض العراق الذي شكل تهديدًا استراتيجيا للنفوذ الفارسي (1).
ومن ثم عملت طهران على محاولة ضمان بقاء النفوذ الإيراني عبر رجال مؤثرين في الهياكل السياسية العراقية، وتشجيعهم لخوض الانتخابات تحت قائمة موحدة، كما دعمت الميليشيات الشيعية وتدخلت في تشكيل الحكومات.
وفيما يخص العامل الجغرافي، نجد العراق جارًا استراتيجيًّا لإيران يمكنها من إحكام السيطرة على مفاتيح دول المنطقة، إذ يتشارك البلدان في أطول حدود، وتبلغ 1500 كيلومتر، ولذلك أرادت إيران خلق ظهير عربي لها؛ لأنها بدونه تفتقد الكثير من المصداقية ومن عناصر ومصادر القوة، وبوجوده تستطيع التحرك بقوة أكبر في المنطقة، كما ترى إيران أن العراق هو بوابة العبور للسيطرة على باقي دول الخليج والدول العربية.
وبالنسبة للعامل السياسي؛ عملت إيران على تصدير الثورة الإسلامية، والقضاء على المعارضة الإيرانية المتمثلة في منظمة «مجاهدي خلق» التي كانت موجودة في العراق، وكانت تلعب دورًا كبيرًا من خلال التمويل الأمريكي، وفيما يخص الدافع الاقتصادي فإن مصالح النفط والغاز الممتدة بين الطرفين، تجعل العراق بوابة اقتصادية مهمة لإيران.
وعن العامل الديني والمذهبي؛ تدخلت إيران في العراق؛ من أجل تعزيز الهوية الشيعية؛ وإضعاف الهوية السنية الکبيرة الموجودة في جنوب العراق، والتي تسيطر علی المنفذ الاستراتيجي المطل على الخليج، ويحوي نحو نصف احتياطي نفط العراق، ولذلك تقوم بنشر منهجها الشيعي بإنشاء المزارات الشيعية، إذا تراهن على شيعة العراق لرؤيتها أنهم أكثر ولاءً لها، وأكثر تجاوبًا مع توجهاتها الأيديولوجية والمصلحية من ولائهم لحكوماتهم الوطنية.
ثانيًا: أدوات إيران للتمدد والانتشار في العراق
تعي إيران أنها لكي تستطيع أن تمد نفوذها في أي مكان، فلا بد أن تقوم بتدشين وتأسيس الأدوات والأذرع داخل هذا المكان، وهذه الأدوات هي أعين إيران في الداخل، وهذا ما يفعله نظام الملالي في الداخل العراقي، بالإضافة إلى الجماعات المسلحة والميليشيا الشيعية التي أسستها وتسيطر عليها إيران في العراق، ووجود شخصيات سياسية تابعة لإيران في المؤسسات العراقية (الحكومة، البرلمان) تسيطر على دوائر صنع القرار في العراق؛ فإنها تمتلك العديد من المؤسسات الاستخباراتية والاقتصادية، وأيضًا الإعلامية، للتمدد بصورة أوسع وذلك كالتالي:
1. مؤسسات استخباراتية بغطاء ثقافي وخيري:
توجد العديد من المؤسسات الاستخباراتية التي تمارس نشاطها في العراق بشكل سري وعلني أيضًا، وهذه المؤسسات تقدم نفسها على أنها تخدم الشعب العراقي، وهي في الحقيقة تعد عين استخبارات الملالي، وهذه المؤسسات منتشرة في مختلف المحافظات العراقية، وتعمل على تنويع نشاطها ما بين الديني والثقافي والخيري، وتخضع لإشراف الحرس الثوري الإيراني، ومساعدة الأحزاب الشيعية العراقية.
وهناك ما يقرب من 30 مؤسسة على ارتباط بالاستخبارات الإيرانية، ومن بينها: مؤسسة الإمام السجاد الخيرية في كربلاء، التي تعد المقر الرئيسي لعناصر المخابرات الإيرانية، ومؤسسة الإمام المهدي، ومؤسسة روح الله، ومؤسسة الخطيب الثقافية الإسلامية، وهي من المؤسسات التي تعمل تحت غطاء ثقافي، ويُشرف عليها عضو البرلمان العراقي «طه درع» الذي ينتمي أيضًا لقوات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ومؤسسة الإمام الصادق.
ومن المؤسسات التي حملت الصبغة الدينية، ورفعت شعار الخدمات الإنسانية، مؤسسة دار القرآن، ومؤسسة الإمام للإغاثة، ومؤسسة الرحمة لليتامي، إضافة للعديد من المؤسسات الأخرى (2).
2. أذرع إعلامية
لم تغفل دولة الملالي تدشين أذرع إعلامية لها في بلاد الرافدين منذ الغزو الأمريكي عام 2003، كي تستطع صناعة رأي عام، ومن خلاله تنشر ما تراه يخدم أهدافها ومصالحها، وتروج لفكرها الشيعي المتطرف، وأيضًا لتنشر ثقافة تصدير الثورة الإيرانية.
وبالفعل استطاعت إيران من خلال هذه الأذرع أن يكون لها دور على الساحة العراقية، ولكي يتنامى ذلك، أنشأت القنوات والصحف، والمواقع الإلكترونية، ومراكز الأبحاث والدراسات، إضافة إلى حسابات مواقع التواصل الاجتماعي.
وتدير الأحزاب والميليشيات الشيعية قرابة 27 محطة فضائية، منها «قناة العهد، والنجباء، والمسار، والبينة»، يضاف إليهم 11 محطة إذاعية، أبرزها إذاعة «ثأر، وميسان، والحشد، والوعد»، وصحف مختلفة جميعها ناطقة باسم تلك الميليشيات والأحزاب أو تتبنى منهجها (3).
وتملك «ميليشيا بدر» وحدها؛ ثلاث محطات فضائية، وتسع محطات تلفزيونية أرضية، وإذاعات محلية يُشرف عليها رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان «هادي العامري»، بالتعاون مع كادر مخابراتي إيراني وفنيين معظم أصولهم إيرانية، ويأتي من أهمها قناة «الغدير» (4).
3. مؤسسات اقتصادية
يعد العراق سوقا مفتوحة لكل المنتجات الإيرانية، ولذلك عملت طهران منذ عام 2003 على إغراق الأسواق بمنتجات وسلع استهلاكية ورخيصة، ومن أجل ذلك دشنت العديد من المؤسسات الاقتصادية لأهداف عدة، يأتي من بينها عمليات غسل أموال أنشطتها المشبوهة، وتغطية النفقات الخاصة بميليشياتها المتطرفة.
كما أقام نظام الملالي بعض المصانع المنتجة للمواد الغذائية، وأخرى متخصصة في تصنيع قطع غيار السيارات، وفي العديد من القطاعات الأخرى، إضافة إلى بعض المؤسسات الاقتصادية التي تُسهم في التمدد الاقتصادي لإيران في العراق، فهناك 4 مصارف مشتركة بين الدولتين لتعزيز التدفقات المالية، وتتولى الشركات الإيرانية مشاريع بناء ملايين من الوحدات السكنية في العراق (5).
وقد كان للبنوك الموالية لإيران دور كبير في تثبيت الوجود الإيراني في بلاد الرافدين، ودعم الأنشطة الإرهابية في دول المنطقة؛ مثل بنك «سبه» ومقره بغداد، وله فروع بالنجف والبصرة، وبنك «التعاون الإقليمي الإسلامي للتنمية والاستثمار» ومقره بغداد، وله فروع بالنجف وكربلاء والبصرة والسليمانية، إضافة إلى منظمة الحج والزيارة الإيرانية في كربلاء(6).
إضافة إلى ما تقدم، عملت إيران منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، واستيلاء تنظيم «داعش» الإرهابي في يونيو 2014 على عدد من المحافظات العراقية؛ على توسيع وجودها الأمني والعسكري، ويمكن القول إن الهدف الرئيس من ذلك هو إرادة إيرانية لتحويل العراق إلى قاعدة لوجودها العسكري، الذي تستطيع من خلاله تصفية الحسابات والصراع على النفوذ مع القوى الإقليمية والكبرى.
ويعني ما سبق أن نظام الملالي سعى لجعل العراق نسخة إيرانية في الشرق الأوسط، ولذلك وقعت بلاد الرافدين بعد عام 2003 تحت نير الاحتلال الإيراني؛ وهذا ما أدركه الشعب العراقي، الذي خرج في تظاهرات نوفمبر 2019؛ محتجًا على التوغل الإيراني، ومطالبًا بخروج طهران الكامل من بلاده، إلا أن ما قامت به ميليشيات الملالي من قمع لهذه الاحتجاجات، يعطي مؤشرًا بأن إيران لن تتخلى عن العراق بسهولة؛ لأنها تعي تمامًا أن بغداد البوابة العربية التي تمكنها من تحقيق أطماعها الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط.
المصادر:
[1]) النفوذ الإيراني في العراق وانعكاساته الإقليمية، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، أغسطس 2007، متاح على:bit.ly/395xKF9 .
2) 36 مؤسسة مخابرات إيرانية تعمل في العراق، موقع أخبار الخليج، 25 يوليو 2016، متاح على: http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1030093
3) يوسف العلي، بث الكراهية.. هكذا تدير إيران الأذرع الإعلامية في العراق، صحيفة الاستقلال، أغسطس 2019، متاح على:https://www.alestiklal.net/ar/view/1584/dep-news-1561636964
4) التغلغل الإيراني في العراق بصورة مؤسسات خيرية وعسكرية وثقاقية، وكالة يقين للأنباء، 21 يونيو 2017، متاح على:https://yaqein.net/reports/42704.
5) معمر فيصل خولي، التغلغل الإيراني في العراق.. الدوافع والأشكال وأدوات التأثير، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية، 11 يونيو 2016، متاح على: http://rawabetcenter.com/archives/27905.
6) المرجع السابق.