لمواجهة التوغل التركي.. إستراتيجية «ألمانية – إسلامية» لمحاربة أئمة التطرف

الثلاثاء 24/ديسمبر/2019 - 10:13 م
طباعة لمواجهة التوغل التركي.. شيماء حفظي
 
تتحرك السلطات الألمانية، لمواجهة انتشار الأفكار المتطرفة بين المسلمين الألمان سواء كانوا من المهاجرين أو الجيل الثاني من أبنائهم الذين يولدون على أراضيها، من خلال إستراتيجية «إسلام من أجل ألمانيا».
تعتمد إستراتيجية برلين، على حماية «الخطاب الإسلامي» من التطرف ومواجهة التحكم السلفي في التعليم الإسلامي الذي يقدم في المساجد من خلال جمعيات مستقلة، يتم الإشراف عليها من دول أخرى تتقدمها تركيا.
كما تتضمن الإستراتيجية الاهتمام باختيار الأئمة، من خلال تحسين معايير اختيارهم، لتشمل ضرورة اندماج هؤلاء الأئمة بشكل كبير في المجتمع، وإجادتهم للغة الألمانية، بالإضافة إلى أن يكونوا مسلمين معتدلين وغير خاضعين لمفاهيم معينة عن الإسلام ترتبط بأيديولوجيا جماعات أو بلاد معينة.

مواجهة التوغل التركي
في نوفمبر 2019، بدأت الحكومة الألمانية تنفيذ برنامج لتدريب الأئمة المسلمين، من خلال  مؤسسة تعليمية بدعم من وزارة داخليتها.
وعلى الرغم من أن بعض المنظمات الإسلامية تدرب الأئمة طبقًا لخلفيتهم المجتمعية في ألمانيا، فإن غالبية الأئمة العاملين في ألمانيا ينتمون للاتحاد الإسلامي التركي لشؤون الأديان «ديتيب» خاصة أن عدد المسلمين الأتراك في ألمانيا يبلغ نحو 3 ملايين مسلم من إجمالي 4.5 مليون مسلم في البلاد.
ويعد اتحاد "ديتيب" أكبر مظلة إسلامية في ألمانيا ويضم 900 مسجد بأئمة أتراك مدربين وممولين من أنقرة.
الوجود التركي في ألمانيا، يحمل إشكاليتين، إحداهما هي الولاء الثقافي والولاء السياسي، فالأول تدعمه اللغة والثاني يدعمه تلقي التمويل، ما دفع الحكومة الألمانية للتعامل بشكل مكثف مع هذه القضية في السنوات الأخيرة.
وبحسب بيانات مؤتمر الإسلام الألماني الذي انبثق عن مبادرة وزراء الداخلية فإنه نحو 90% تقريبًا من أئمة المساجد تابعون للمؤسسة التركية.

مشروع قانون بشأن اللغة
بدأت الحكومة الألمانية في نوفمبر 2019 صياغة قانون يفرض على علماء الدين الراغبين في العمل في البلاد والوافدين من الخارج تعلم اللغة الألمانية، وهو ما وصفه المتحدث باسم الداخلية الألمانية في برلين بأنه "سيصبح شرطًا أساسيًّا لحصول الأئمة على تأشيرة لدخول البلاد.
وتنص مسودة القانون على أن هؤلاء الأئمة يمكن فقط أن ينجحوا في عملهم إذا كانوا منذ البداية يجيدون الألمانية، ما يسهل عليهم عملية التواصل مع أبناء الجالية الدينية والمحيط الاجتماعي بهم. كما تساهم هذه الخطوة في تعزيز عملية اندماج علماء الدين وأئمة المساجد في المجتمع الألماني.
ودفع مجلس الوزراء الألماني في 7 نوفمبر 2019، بمشروع المرسوم، إلى البرلمان الذي سيصوت عليه قبل اعتماده.
وأوضح وزير الداخلية، هورست زيهوفر، أن هذه المبادرة التي قدمتها وزارته توفر مساهمة مهمة لإنجاح الاندماج، "فلا يمكن الاستغناء عن الإلمام بقدر من المعلومات الألمانية لإنجاح الاندماج، خاصة عندما يكون علماء الدين بمثابة مرجع للكثير من المهاجرين".

تدريب الأئمة
يشارك في جمعية التدريب الجديدة عدة منظمات إسلامية؛ بينها المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، الذي اعتبر تأسيس الجمعية «خطوة ملموسة وتطور إيجابي، وكان ينبغي عملها منذ عقود».
ويمنع الدستور الألماني الحكومة من التدخل في الشؤون الدينية للمجتمع، ومع ذلك ستحافظ الدولة على حيادها من خلال تأسيس جمعية مستقلة لتدريب الأئمة سيكون مقرها في ولاية ساكسونيا السفلى.
وتُدرس معاهد أكاديمية في مدن مونستر وتوبنغن وأوسنابروك وغيسن وإرلانغن نورمبرغ حاليًا الدراسات الإسلامية. وفي أكتوبر 2019 افتتحت جامعة هومبولت في برلين معهدًا للدراسات الإسلامية.
ومع ذلك لا يستطيع الطلاب الدارسون بتلك المؤسسات العمل ببساطة كأئمة لأنها لا تُدرس قراءة القرآن، وكيفية أداء الصلاة وغيرها من المهام العملية التي يؤديها إمام المسجد، وبالتالي هناك حاجة لتعليم منفصل وعملي.
وقالت وزارة «ساكسونيا السفلى» للعلوم والثقافة، إن الخطة تتضمن "إنشاء جمعية مسجلة بالتعاون مع المنظمات الإسلامية ومجتمعات المساجد المهتمة بالبرنامج".
وأكدت أن خبراء الدراسات الإسلامية سيكونون جزءًا من الجمعية الجديدة، كما اقترحت الوزارة أن الطريقة يمكن أن «تطبق كنموذج» لتعليم الأئمة في أماكن أخرى.
وقال رؤوف سيلان من جامعة أوسنابروك، الذي سبق وصاغ «خارطة طريق"» حول كيفية بناء برنامج تعليمي للأئمة في ألمانيا، إن المبادرة الجديدة بمثابة «وضع قدم في الباب».
ومع ذلك حذر سيلان من أن المشروع الرائد يجب ألا يبدأ بـ «توقعات كبيرة» ولكن نحتاج فقط إلى البدء فيه، وأعتقد أنه عندما تظهر الجودة نفسها على المدى البعيد ستحصل على قبول المجتمع لها.

كلية للدراسات الإسلامية
تتضمن أيضًا خطة مواجهة الأفكار المؤدلجة، خلق منصات أكاديمية لتعلم الدراسات الإسلامية، حيث وافق مجلس جامعة مونستر الألمانية بشكل رسمي على تحويل مركز الدراسات الإسلامية بالجامعة إلى كلية، مطلع العام الحالي، وتعيين البروفيسور مهند خورشيد، عميدًا للكلية.
وكان خورشيد، بحث مع الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، آليات مواجهة خطابات جماعات الإسلام السياسي من خلال نشر الإسلام المعتدل ودعم جهود الشخصيات التنويرية، ومحاولة نشر المفاهيم الصحيحة عن الإسلام في أوروبا، والتوصل إلى حلول كافية لمخاطبة الشباب المسلم بشكل صحيح، خاصة الألمان منهم.
وكشف «خورشيد» ألاعيب جماعات الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية التي تستغل نصوصًا وفتاوى ليست في سياقها لتبرير الجرائم البشعة التي يقومون بها.
وتهتم ألمانيا بتقديم صورة مغايرة للإسلام عن الصورة التي تروجها الجماعات الإرهابية، ومحاولة تبسيط الصورة للمجتمع الألماني، في ضوء محاولة البعض لفرض أفكارهم والدعوة لإدخال الشريعة الإسلامية في القوانين الألمانية، بحسب خورشيد.

شارك