«الجهاد الإسلامي».. مشروع سياسي قديم دعمته ألمانيا القيصرية

الأربعاء 25/ديسمبر/2019 - 07:18 م
طباعة «الجهاد الإسلامي».. علي عبدالعال
 
تنقل الصحف ووسائل الإعلام الألمانية هذه الأيام، الكثير من تحذيرات المسؤولين ومعلقين يعربون عن تخوفاتهم من انتشار الأفكار الإرهابية في المجتمع، وأيضًا من تصدير بعض المجموعات الألمانية جهاديين لبلدان في الشرق الأوسط؛ لدعم التنظيمات هناك.

قبل 100 عام
لكن البحث في وثائق التاريخ غير البعيد، يظهر أن الوضع كان مختلفا قبل نحو مئة عام؛ إذ تقول وثائق وأحداث تاريخية أن ألمانيا سبق ودعمت الجهاد الإسلامي، ماديًّا ومعنويًّا، بل وصدرت خطاب للعالم الإسلامي يشبه كليًّا الخطاب الحالي للتنظيمات التي تعاديها برلين، على رأسها القاعدة وداعش، وأكثر من ذلك استضافت ألمانيا معسكرات على أراضيها؛ من أجل اقناع مسلمين بالجهاد، وقدمت دعمًا كاملًا؛ من أجل إقناعهم بالجهاد والتدريب على العمليات الجهادية قبل إرسالهم لمناطق القتال.
بل وأسست برلين «وكالة أنباء الشرق»؛ للاشراف على نشر حملة دعاية إرهابية ضخمة؛ لحث المسلمين على ما أسموه «الجهاد» عبر إصدار الصحف وطباعة المنشورات الدعائية، وضمت الوكالة عددًا من المستشرقين إلى جانب مفكرين ومثقفين مسلمين، مثل الكاتب اللبناني شكيب أرسلان، والشيخ عبد العزيز جاويش، أحد زعماء الحزب الوطني التاريخي في مصر.

المتاجرة باسم الجهاد
وكان من نتائج ذلك، أن استضافت برلين صحيفة باسم «الجهاد»، كانت تخاطب العالم الإسلامي بكل المفردات الدينية التي تصور الإسلام دين قائم على ما يدعى «الجهاد ضد الكفار».
وقد استعانت ألمانيا في الحملة لنشر دعاوى الجهاد بالعديد من المستشرقين وعلماء الآثار البارزين، ومن أبرزهم «ماكس فان أوبنهايم»، الذي اعتبره العديد من المراقبين «عراب» حملة الجهاد في الحرب العالمية الأولى.
وهنا تحديدا يتم الإشارة إلى حكم القيصر فيلهلم الثاني Wilhelm الذي حكم ألمانيا بين 1888 و 1918، وحقق شعبية في أوساط المسلمين؛ نتيجة للتقارب الذي حصل في عهده بين ألمانيا والدولة العثمانية، حتى أن الرجل الذي عرف في المصادر العربية بـ«غليوم الثاني» لقبه بعض المسلمين بـ«الحاج محمد وليم الثاني».
ففي نهاية القرن التاسع عشر، رأت ألمانيا في التقارب مع الدولة العثمانية سلاحًا فعالًا في الصراع الذي كان دائرًا على المستعمرات بينها وبين القوى الاستعمارية الأخرى، خاصةً فرنسا وبريطانيا.

معسكر دول الوفاق
وقد حقق هذا التقارب الألماني العثماني الكثير من الزخم مع زيارة قام بها القيصر «فيلهلم الثاني» لمنطقة الشرق الأوسط عام 1898 وقف فيها عند قبر صلاح الدين الأيوبي في دمشق، وظل يثني كثيرًا على هذا القائد الإسلامي الشهير.
ومع اشتعال نيران الحرب الكبرى وانقسام أوروبا إلى معسكرين، معسكر دول «الوفاق» الذي ضم: إنجلترا وفرنسا وروسيا، ومعسكر دول «المركز» الذي ضم: ألمانيا وإمبراطورية هابسبورج النمساوية، والدولة العثمانية. كانت مدينة اسطنبول في شهر نوفمبر عام 1914 مسرحًا؛ لإضفاء البعد الديني على الصراع في الحرب العالمية الأولى.
فقد أصدر شيخ الإسلام مصطفى خيري أفندي عدة فتاوى، تحث المسلمين على الجهاد ضد معسكر الوفاق، الكفار أعداء الإسلام في إشارة إلى بريطانيا وفرنسا وروسيا.
ودعت السلطات الألمانية –على إثر ذلك- إلى برلين العديد من المفكرين والمثقفين المسلمين؛ لإلقاء الخطب والمواعظ التي تحث الأسرى المسلمين على الجهاد، وكان على رأس هؤلاء الشيخ محمد الخضر حسين الذي أصبح شيخًا للأزهر في خمسينيات القرن الماضي.
سعت حملة الدعاية للجهاد إلى كيل المديح لألمانيا، بوصفها صديقة وحليفة للمسلمين، فألمانيا وكما تنقل صحيفة «الجهاد» عن الشيخ محمد الخضر الحسيني في أغسطس 1915 دولة تفي بعهودها ولا تضمر أي شر للمسلمين، وجاء ثناء الشيخ حسين علي ألمانيا خلال خطاب ألقاه في «معسكر الهلال» ببرلين أمام مجموعة من السجناء المسلمين الذين تم أسرهم أثناء مشاركتهم في المعارك؛ بهدف حثهم على المشاركة في الجهاد الإسلامي؛ لنصرة الدولة العثمانية، والذي سيصب بدوره في مصلحة ألمانيا.
أما صحيفة «الجهاد» هذه التي كانت تصدر من برلين؛ لتخاطب العالم الإسلامي، ويكتب فيها كبار المفكرين والمثقفين المسلمين وشيوخ الأزهر، فقد كان كل محتواها قائم على فريضة الجهاد وأحكامها في الشرع الإسلامي، وأجر المجاهد في سبيل الله، وحظ الشهيد في الإسلام، حتى أن من يطالعها سيجد تشابهًا كبيرًا بين مفردات الصحيفة الإسلامية ومفردات التنظيمات الجهادية في وقتنا الحالي.

شارك