توظيف الجهاد الإسلامي في الحرب العالمية الأولى.. (ألمانيا نموذجًا)

السبت 28/ديسمبر/2019 - 12:52 م
طباعة توظيف الجهاد الإسلامي علي عبدالعال
 
في واحدة من أشد مراحل التنافس الاستعماري خلال أحداث الحرب العالمية الأولى سعت ألمانيا إلى توظيف العاطفة الدينية لدى المسلمين من أجل مصالح الألمان في مواجهة القوى الاستعمارية المنافسة.

التحالف مع العثمانيين
في أوائل أغسطس 1914 تحالفت ألمانيا مع الدولة العثمانية التي كانت تشاركها العداء لدول الوفاق (فرنسا، بريطانيا، وروسيا) وكان من نتائج هذا التحالف دخول العثمانيين الحرب العالمية الأولى إلى جانب الألمان.

 

مثل هذا التطور فرصة سانحة للساسة والمفكرين المسلمين المناهضين للاستعمار المطالبين بتحرير بلادهم في العالمين العربي والإسلامي. وارتسم مصطلح الحرب المقدسة (الجهاد) كمعلم مميز في أذهانهم، فنادى به السياسي المصري الدكتور منصور رفعت عام 1914، (وهو من رجال الحزب الوطني المؤيدين للخلافة الإسلامية وربطته علاقات قوية بالدولة العثمانية) إذ كان يدعو وقتها إلى تحرير مصر من ربقة الاستعمار الإنجليزي، وحفلت الصحافة الألمانية بآرائه.

 

المتاجرة بالمصريين

اقترح منصور رفعت  في أحاديثه مع الألمان أن تزحف ألمانيا إلى قناة السويس لمؤازرة المصريين، كتب ذلك في الصحف الألمانية. لكن دعا الشيخ عبد العزيز جاويش إلى موقف أكثر تطورا، وقوف الألمان والعثمانيين معا لتحرير مصر، ولذلك أنشأ مع رفاق له صحيفة «العالم الإسلامي»، التي كانت تحرر في برلين، وتصبو إلى كسب الألمان كصديق للمسلمين.

 

انضم إلى هذا التوجه السياسي الشيخ التونسي صالح الشريف، ومحمد باشا نجل البطل عبد القادر الجزائري، وأفراد آخرون، واتسعت الدعوة إلى تحرير مصر لتشمل دول المغرب العربي وليبيا والسودان.

 

دعم الشيخ صالح الشريف (1869 - 1920)  - وهو شيخ تونسي ومناضل معروف قاوم الغزو الفرنسي لبلاده -  فكرة الجهاد وطلب إليه أنور باشا، القائد العسكري العثماني، أن يسافر إلى برلين للدعوة للفكرة بين الألمان فالتقى المسؤولين الألمان، وعلى رأسهم قيصر ألمانيا.

 

وفي نوفمبر 1914 نشر الشيخ صالح الشريف كتابًا بعنوان: «إرشاد العباد إلى حقيقة الجهاد»، وترجمه إلى اللغة الألمانية (كارل شابنجر) الذي عمل مترجمًا في القنصلية الألمانية في طنجة قبل أن يلتحق بوزارة الخارجية في برلين.. وصدر الكتاب في العاصمة الألمانية في العام 1915 .

 

طرح الشيخ صالح الشريف في كتابه تصوّرا جديدًا لمصطلح الجهاد يستجيب إلى الاعتبارات الإستراتيجية للدولة العثمانية التي دخلت في تحالف مع قوى أوروبية غير مسلمة، إذ كان على الشيخ صالح الشريف النظر في بعض المفاهيم المرتبطة بالجهاد مثل «دار الكفر» و«دار الإسلام» ليستوعب هذا الحدث الطارئ .

ثقة الإمبراطور

وكان قد عُرف عن المستشرق الألماني فون اوبنهايم (1860- 1946) كونه باحثًا ودبلوماسيًّا وعالم آثار ذا معرفة واسعة بأوضاع العالمين العربي والإسلامي، وارتبط بصداقات مع عدد كبير من الشخصيات السياسية والفكرية العربية والإسلامية حققها من خلال رحلاته إلى الشرق.

 

استطاع (اوبنهايم) أن يكسب ثقة الإمبراطور الألماني، وليم الثاني (فيلهلم الثاني)، باعتباره يمتلك برنامجًا لمناهضة دول الوفاق (بريطانيا، فرنسا، روسيا) في مناطق نفوذها واستعمارها، بدعوته إلى استغلال مشاعر المسلمين في إذكاء فكرة الجهاد الإسلامي ضد أعداء ألمانيا، ونالت تقاريره قدرًا كبيرًا من الاهتمام لدى الحكومة الألمانية، حتى تم تكليفه من قبلها بتولى مهمة نشر الدعاية المؤيدة لتحالف ألمانيا والدولة العثمانية، وإشعال فتيل الثورة ضد دول الوفاق في البلاد الإسلامية، وبالفعل سببت نشاطاته إرباكًا لدى الدوائر الاستعمارية البريطانية والفرنسية، حتى أُطلق عليه لقب «الأب الروحي للجهاد الإسلامي».

 

وعندما استهلت العمليات الحربية في أوروبا، تم في برلين تأسيس مكتب استخبارات الشرق Nachrichtenstelle für den Orient التابع لوزارة الخارجية الألمانية والذي كان هدفه تأجيج الأوضاع ضد البريطانيين ومستعمراتهم تحت إشراف المستشرق فون أوبنهايم.

 

كما أسست السلطات الألمانية (الجمعية الألمانية للمعارف الإسلامية) و(وكالة أنباء الشرق) للإشراف على نشر حملة الدعاية الجهادية لحث المسلمين على الجهاد عبر إصدار الصحف وطباعة المنشورات الدعائية.

 
وضمت الوكالة عددا من المستشرقين إلى جانب مفكرين ومثقفين من العالم الإسلامي مثل الكاتب اللبناني شكيب أرسلان، والشيخ عبد العزيز جاويش أحد زعماء الحزب الوطني في مصر.

 

شدد فون إوبنهايم على ضرورة أن تعلن السلطنة العثمانية الجهاد المقدس لتأجيج مشاعر المسلمين وتأليبهم ضد فرنسا وبريطانيا وروسيا، واعتبرت نصيحته النواة الأولى لإستغلال فكر الجهاد.

توظيف الجهاد الإسلامي
وفي الرابع عشر من نوفمبر ا 1914 وقف شيخ الإسلام مصطفى خيري أفندي في اسطنبول معلناً الجهاد لإسلامي ضد أعداء الإمة.

 

وإستكمالاً للمشروع الجهادي الألماني، تم في  1915 بناء معسكر أطلق عليه (معسكر الهلال) بمدينة زوسن و Wünsdorfبالقرب من برلين، في دلالة واضحة على شعار الإسلام.

 

أقيم هذا المعسكر للأسرى المسلمين الذين كانوا يقاتلون لصالح البريطانيين والفرنسيين في مستعمراتهم، وفيه بنى الألمان مسجدا للصلاة من أجل هؤلاء الأسرى، وتم تخصيص إمام لهم، كما تم إصدار صحيفة إسلامية باسم (الجهاد).

 

وقيل وقتها بأن المسجد تم بناؤه من مال القيصر ويليام الثاني الخاص، كي يصلي فيه الأسرى المسلمون الذين عوملوا بإستحسان وإهتمام كبيرين لتشجيعهم على القتال من جديد لكن لصالح ألمانيا والدولة العثمانية.

 

تولى الشيخ التونسي صالح الشريف مسؤولية النشاط الدعوي الإسلامي في المعسكر كما تولى بالتعاون مع إوبنهايم والشيخ الخضر الحسين إصدار الصحيفة.

 

جاء اختيار الاسم (الجهاد) ، تماشيا مع إعلان السلطان العثماني الجهاد بتاريخ 11 نوفمبر  1914. وكانت الصحيفة تصدر باللغات العربية، والتتارية، والروسية.

 

صدرت صحيفة الجهاد لأول مرة في مارس 1915 باللغة العربية، وخصصت كاملة للتأثير الفكري والعقائدي على أسرى الحرب من المسلمين.

 

أشرف على إصدارها، قسم الشرق الأوسط في الخارجية الألمانية، وكان مقررا لها أن تكون صحيفة أسبوعية، لكنها صدرت بشكل غير منتظم.

 

كانت الصحيفة مصورة، وتتكون من صفحتين وأحيانا أربع صفحات، وصدرت اسبوعيا، نصف شهرية، وأحيانا مرة بالشهر، وكان  النصيب الأكبر من كتاباتها خاصة المقالات والرسائل الموجهة إلى الأسرى من نصيب الشيخ صالح الشريف، إلى جانب عدد من مثقفي ومفكري العالم الإسلامي الآخرين.

 

وبنفس الوقت صدرت التعليمات للجنود الألمان في المناطق الإسلامية، بالتعامل الحسن مع المسلمين.

شارك