تحية عسكرية وابتسامة.. آخر لحظات «النقراشي» قبل اغتياله على يد الإخوان
السبت 28/ديسمبر/2019 - 12:58 م
طباعة
محمد عبد الغفار
في العاشرة وخمس دقائق من صباح الثلاثاء 28 ديسمبر 1948، كان الطالب بكلية الطب البيطري عبد المجيد حسن يرتدي زي ضابط برتبة ملازم أول، متجهًا إلى باب سكرتير وكيل الزراعة، حاملًا في عقله خطة شيطانية.
هكذا أعد عضو جماعة الإخوان الإرهابية نفسه لقتل رئيس الوزراء المصري آنذاك محمود فهمي النقراشي، بعد أن وصل لمدخل وزارة الداخلية سائرًا في الطريق المؤدي إلى المصعد.
تحية عسكرية وابتسامة، هما آخر ما قام به رئيس الوزراء قبل أن يصوب عضو الإرهابية مسدسه نحوه، ويطلق رصاصتين ليسقط شهيدًا بعد دقائق.
- أحداث متلاحقة
لم تكن علاقة محمود فهمي النقراشي بجماعة الإخوان الإرهابية على ما يرام، فقد عمدت الجماعة على تنفيذ عمليات إرهابية متعددة منذ مطلع عام 1948، وهو ما أحدث هزة في المجتمع المصري، وهو ما سبب أزمات لحكومة النقراشي.
ومن ضمن ما قامت به الجماعة في تلك الفترة، تدريب مجموعة من شباب الإخوان سرًّا على السلاح في منطقة جبل المقطم، ومع اكتشاف البوليس السياسي للأمر في يناير 1948، تمت مداهمة المكان، وضبط 165 قنبلة، ومجموعة من الأسلحة.
وبرر سيد فايز، زعيم المجموعة وقائد أساسي بالجهاز السري لجماعة الإخوان، الأمر خلال التحقيقات قائلًا: «إن السلاح يجري تجميعه من قبل الإخوة من أجل فلسطين، وهذا الشباب يتدرب من أجل فلسطين أيضًا».
وبعدها بشهرين، أقدم اثنان من أعضاء جماعة الإخوان على قتل المستشار أحمد الخازندار، 22 مارس 1948، وهنا بدأت الشرطة في جمع خيوط العلاقة ما بين مجموعة المقطم، والجهاز السري المسلح لجماعة الإخوان وهذه العمليات، وتم القبض على المرشد حسن البنا، ولكن أفرج عنه لعدم توافر الأدلة.
ثم وجهت الجماعة أنظارها تجاه منازل وممتلكات اليهود؛ حيث أحرقت عددًا كبيرًا من المنازل في حارة اليهود، 20 يونيو 1948، وفجرت محلي شيكوريل وأركو المملوكين ليهود، 19 يوليو 1948.
ثم دبرت عدة انفجارات في ممتلكات اليهود داخل العاصمة وخارجها، يوليو 1948، وتم تدمير محال عدة مثل بنزايون، وجاتينيو، ومحطة ماركوني للتلجراف اللاسلكي، وشركة الدلتا التجارية وغيرها، واستمر الأمر حتى سبتمبر 1948، عندما تم تدمير مبنى شركة الإعلانات الشرقية.
واستمر الإرهاب الإخواني في العام نفسه؛ حيث تم ضبط سيارة جيب بداخلها وثائق أرشيفية للجهاز السري لجماعة الإخوان، وضمت أسماء القادة والأعضاء والتشكيلات والخطط الإرهابية التي اعتمد عليها، وذلك في 15 نوفمبر 1948.
ومع تزايد أصابع الاتهام الموجهة لجماعة الإخوان باعتبارها مسؤولة عن الأحداث السابقة، سافر حسن البنا إلى أداء فريضة الحج، في نهاية شهر أكتوبر، وبعد أن عاد في مطلع شهر نوفمبر تم إلقاء القبض عليه؛ حيث ظهرت دلائل ضده في وثائق السيارة الجيب.
وخرج طلاب جماعة الإخوان للاعتراض على ذلك، مستغلين الأحداث في فلسطين للتستر على مظاهراتهم أمام كلية طب قصر العيني، مركز قوة لطلاب الجماعة آنذاك، ودارت معارك بين الأمن وطلاب الجماعة، الذين استخدمهم القادة لتخفيف الضغط عن الجماعة، والإفراج عن قائدها.
حل الجماعة
وأسفرت المواجهات التي استخدم خلالها الإخوان المتفجرات عن إصابة اللواء سليم زكي، حكمدار العاصمة، بقنبلة مصوبة تجاه سيارته مباشرة؛ ما أدى إلى وفاته، وأصدر الحاكم العسكري قراره بإيقاف صحيفة الجماعة.
وأعد عبد الرحمن عمار، وكيل وزارة الداخلية، مذكرة توصي بحل جماعة الإخوان، وقدمها إلى مجلس الوزراء، تضمنت كل أعمال العنف التي ارتكبتها الجماعة لخدمة مصالحها.
لذا أصدر مجلس الوزراء قراره بحل الجماعة، 8 ديسمبر 1948، وجاءت المادة الأولى منه، والتي أذيعت على الراديو في ذات اليوم، «حل الجمعية المعروفة باسم جماعة الإخوان المسلمين بشعبها أينما وجدت، وغلق الأمكنة المخصصة لنشاطها، وضبط جميع الأوراق والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال وكافة الأشياء المملوكة للجمعية».
وأضافت المادة الأولى «الحظر على أعضائها والمنتمين إليها بأية صفة كانت مواصلة نشاط الجمعية، وبوجه عام عقد اجتماعات لها أو لإحدى شعبها أو تنظيم مثل هذه الاجتماعات أو الدعوة إليها أو جمع الإعانات أو الاشتراكات أو الشروع في شيء من ذلك، ويعد من الاجتماعات المحظورة في تطبيق هذا الحكم اجتماع خمسة فأكثر من الأشخاص الذين كانوا أعضاء بالجمعية المذكورة، كما يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي السماح باستعمال أي مكان تابع له لعقد مثل هذه الاجتماعات، أو تقديم أي مساعدة أدبية أو مادية أخرى».
سعى حسن البنا إلى لقاء النقراشي باشا، خصوصًا بعد أن حاصر الأمن مبنى المركز العام، وألقى القبض على كل من به، ولكنه ترك البنا نفسه بسبب عدم وجود أمر باعتقاله، ورفض النقراشي طلبات البنا الفاقد رفاقه وجهازه السري؛ حيث فكك الأمن سبل الاتصال بين أعضائه.
لذا لجأت الجماعة إلى اغتيال النقراشي عبر طالب بجامعة فؤاد الأول، وأثناء التحقيق معه من قبل النائب العام محمود منصور وسؤاله عن دوافعه، قال: «قتلته لأنه خائن للوطن»، وأضاف لقد اتخذ موقفًا متهاونًا من قضية السودان وفلسطين التي ضاعت، وتم الحكم عليه بالإعدام في 1949.
البنا وبيانه المتناقض
وللهروب من المسؤولية، أصدر مؤسس الجماعة بيانًا بعنوان «بيان للناس»، 11 يناير 1949، قال فيه تعقيبًا على مقتل النقراشي، واتهام الجماعة بالأمر «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»، وهو ما يتعارض مع حديث أبرز قادة تنظيمه الخاص محمود الصباغ، تعقيبًا على الحادث، والذي قال «كان عبد المجيد حسن ورفاقة متأكدين وهم يقومون بهذا العمل أن قتل المحاربين لدين الإسلام فرض عين على كل مسلم ومسلمة».
ورغم البيان، إلا أن أحد أعضاء الجماعة وجهازها السري حاول بعد صدوره بيومين تفجير محكمة استئناف مصر، ليخرج البنا مرة أخرى بمقال بعنوان «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»، للتبرؤ مما حدث.
وقال البنا «ذكرت الجرائد أن مرتكب الحادث كان من الإخوان المسلمين، فشعرت أنه من الواجب أن أعلن أن مرتكب هذا الجرم الفظيع وأمثاله، لا يمكن أن يكون من الإخوان ولا من المسلمين.. وإني لأعلن أنني منذ اليوم سأعتبر أي حادث من هذه الحوادث يقع من أي فرد سبق له اتصال بجماعة الإخوان موجهًا إلى شخصي، ولا يسعى إزاء إلا أن أقدم نفسي للقصاص، وأطلب إلى جهات الاختصاص تجريدي من جنسيتي المصرية، التي لا يستحقها إلا الشرفاء الأبرياء».
- النقراشي والقضية الفلسطينية
دعم النقراشي باشا القضية الفلسطينية بصورة كاملة، ووضعها على رأس أولوياته، ولكن صعب من مهمته تأزم الوضع الداخلي المصري، بعد أن فشل الوفد المصري في مفاوضاته مع الحكومة البريطانية، وكذلك فشل عرض القضية المصرية على مجلس الأمن، بعد أن عقدت لندن اتفاقيات ومساومات مع العواصم العالمية، بالإضافة إلى انتشار الاضطرابات والمظاهرات في عموم مصر.
ومع صدور قرار تقسيم فلسطين من قبل الأمم المتحدة برقم 181، والمتضمن تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين إحداهما عربية والأخرى يهودية، وتقع القدس في وضع دولي خاص بها، مع إنهاء الانتداب البريطاني، وسحب قواتها من فلسطين.
أصر النقراشي على مواقفه الداعم، ولكنه رفض اللجوء إلى القوة المسلحة في معالجة القضية، وخشى أن يدفع الجيش المصري إلى شغل محل القوات البريطانية، ولكنه تراجع عن موقفه بعد ذلك، وطلب اجتماعًا للبرلمان كي يحصل على الموافقة اللازمة لدخول الجيش في فلسطين.
وحدث ما خشي منه النقراشي؛ حيث خسرت الجيوش العربية، وتم توقيع اتفاقية رودس 1949، والتي تعهد فيها الطرفان بعدم القيام بأي عدوان على الطرف الآخر، والسماح للقوات العربية بالانسحاب بأسلحتها من الأراضي الفلسطينية.