السم التركي في جسد أوروبا.. رعايا أردوغان وكياناته المشبوهة خطر يهدد القارة العجوز

السبت 28/ديسمبر/2019 - 01:00 م
طباعة السم التركي في جسد شيماء حفظي
 
يحاول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن يلعب دور «زعيم» المسلمين الأوروبيين بعدة وسائل متناقضة، وترتبط تلك الوسائل بالقضايا الداخلية التركية، فرغم أن تركيا ليست دولة أوروبية، لكن ما يحدث في تركيا على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو على مستوى الهوية يمس مباشرة ضواحي كولن أو ستراسبورج أو بروكسل أو أمستردام، ومناطق الأقليات المحددة في اليونان أو بلغاريا أو كوسوفو من ناحية أخرى.

 الأتراك في أوروبا



يتوزع الوجود التركي في أوروبا على مستويات مختلفة جغرافيًّا وسياسيًّا وتاريخيًّا، وبتحليل ما يمكن تسميته بالإسلام التركي في أوروبا فإنه يتخذ معاني مختلفة في أجزاء مختلفة من القارة، ففي أوروبا الغربية، وخاصة ألمانيا والنمسا وفرنسا وسويسرا وبلجيكا وهولندا، يعتبر الأتراك مهاجرين أو أحفاد مهاجرين مولودين في هذه البلدان.



ووفقًا لدراسة لمركز أبحاث «أوازيس» فإن الأتراك في هذه البلاد من أوروبا الغربية يرتبطون بتركيا بكل من القومية والدين، ويتم تأطيرها والسيطرة عليها من قبل السلطات التركية، ومعظمهم ملتزمون بمصالح تركيا، وبالتالي  تتمكن أنقرة من استغلال تشكيل الشتات أو على الأقل عرض الرؤية التركية من خلالها.



تنظر الحكومة التركية، لهؤلاء المهاجرين، باعتبارهم سلاحًا ذو حدين، فهم عرضة لخطر الاستيعاب المحتملة وإعادة «دمجها» للوطن، لكنهم في الجانب الآخر يخدمون المصالح التركية، وهم يشكلون مجموعة كبيرة ومتنوعة يقدر عددهم بين 4 و 5 ملايين فرد.



في أوروبا الشرقية، وخاصة في دول البلقان، تعد الأقليات التركية من ميراث الإمبراطورية العثمانية، ويعيشون بشكل رئيسي في بلغاريا (حوالي 1 مليون تركي)، واليونان (حوالي 150 ألف) وفي بعض المناطق اليوغسلافية السابقة الأخرى مثل كوسوفو ومقدونيا والجبل الأسود، وهم أكثر ارتباطا بأنقرة.

أنقرة تستغل رعاياها



ومن خلال مسلميها الأتراك، تستهدف أنقرة أيضًا السكان المسلمون غير الأتراك وأحفاد جماعات المهاجرين المسلمين الأخرى في أوروبا الغربية وأفراد الأقليات المسلمة أو الأقليات المسلمة في البلقان.



وتريد تركيا أن تصبح بطل الإسلام السني في أوروبا من خلال جهود بناء النموذجية والسياسية ونشاط الهوية وتدعم هذه المحاولات عن طريق تمويل المشاريع الإسلامية (المساجد والمدارس بشكل رئيسي)، وبالتالي، لم يعد من الممكن تقليص الإسلام التركي إلى «الأتراك» فقط.



ويمكن تقسيم الجهات الفاعلة والمروجين للإسلام التركي في أوروبا إلى فئتين مختلفتين مترابطتين للغاية: خارجي (من تركيا) ومتدرب (الأقليات).



تعزيز الأجندة



خلال العقد الماضي، استثمرت أنقرة مبالغ كبيرة في نمو كل من المنظمات الحكومية وغير الحكومية لتعزيز أجندتها السياسية في جميع أنحاء أوروبا، بينما تسعى معظم هذه الأنشطة إلى بناء النفوذ من خلال الضغط، والنشاط، والتعليم، فإن لدى البعض الآخر أهداف أكثر خطورة.



وفي الواقع، كشفت الأجهزة الأمنية في مختلف الدول الأوروبية باستمرار عن زيادة هائلة في أنشطة وكالات الاستخبارات التركية على أراضيها، تلك الأعمال زادت مع إعلان تركيا معاداتها للأكراد وأتباع المعارض التركي فتح الله جولن.



وبحسب مجلة فورين بوليسي، فإنه تم الإعلان عن وثائق الحكومة التركية الداخلية التي تكشف عن بعض هذه الديناميات في عام 2017 من قبل بيتر بيلز ، وهو سياسي نمساوي بارز له حياة مهنية طويلة في حزب الخضر حصل على وثائق مسربة من مصادر لم يكشف عنها.



 وقال بيلز: «لقد فوجئنا بأنفسنا عندما رأينا أن تركيا أردوغان قد بنيت شبكة تجسس مشددة من اليابان إلى هولندا، من كينيا إلى المملكة المتحدة.. في كل ولاية يتم استخدام شبكة تجسس ضخمة تتكون من جمعيات ونوادي ومساجد عبر السفارة والملحق الديني وضابط المخابرات المحلي من أجل التجسس على منتقدي أردوغان على مدار الساعة».



مع ازدهار اقتصاد تركيا استثمر أردوغان في الدبلوماسية الدولية والمساعدات الإنسانية لزيادة نفوذه، سواء في البلدان ذات الأغلبية المسلمة أو في الدول الغربية ذات الأقليات المسلمة المهمة، لخدمة سعيه الأكبر ليصبح زعيمًا بلا منازع للعالم الإسلامي.



بحسب تحليل الوثائق، يستفيد أردوغان من المنظمات الدينية للدولة التركية الخاضعة لسيطرة حزبه، والجماعات الإسلامية التركية مثل ميلي جوروس، والمنظمات ذات المصالح المشتركة والآفاق السياسية مثل جماعة الإخوان المسلمين وانتهاكاتها في الغرب.

ديانيت.. التحول الأيديولوجي

ولأن كل عملية ممنهجة يلزمها طريقة للإدارة، فإن هذا الدور يقوم به الجهاز الإيديولوجي الرئيسي لجمهورية تركيا في مديرية الشؤون الدينية (ديانت) وهي مؤسسة تأسست في عام 1924، وكانت بمثابة حزام نقل لسياسات الدولة المركزية وخاصة في عملية بناء الدولة، وتم توسيع نطاق عملها عام 1980.

وامتد نطاق ديانيت، إلى ما هو أبعد من مجرد الشؤون الدينية، حيث كانت خلال الثمانينيات والتسعينيات الأداة الرئيسية للنضال ضد الإسلام السياسي في أوروبا، لكنها تحولت منذ صعود التيار الإسلامي الحركي للحكم في أنقرة، لتصبح المؤسسة أكبر الصوت الرئيسي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في أوروبا باعتباره هوية وأداة سياسية.



السيطرة التركية.. وهم له كتلة  

لقد أدركت السلطات التركية أنه في المستقبل القريب، لن تقبل دول أوروبا الغربية الأئمة الذين أرسلتهم تركيا (بدأت النمسا بالفعل في عام 2017)، وحذت ألمانيا نفس الحذو من خلال إطلاق خطة «إسلام من جل ألمانيا» يعتمد على اختيار أئمة خارج نطاق السيطرة التركية، يجيدون اللغة الألمانية ومنخرطين في ثقافة البلاد، وهي التجربة التي سيتم تقييم نتائجها لاحقًا.



مهمة مواجهة الوجود التركي في دول البلقان أصعب؛ حيث إن ديانات ليس فقط في خدمة الأتراك ولكن هي واحدة من أجهزة الدولة الثلاث في المنطقة، جنبًا إلى جنب مع مؤسسة يونس أمره، ووكالة التعاون والتنسيق التركية، التي من خلالها تركيا تمارس شكلًا جديدًا من أشكال القوة الناعمة في المنطقة، ووفقًا لبعض المراقبين، أصبحت ديانيت كيانًا دبلوماسيًّا موازيًا في بلدان مثل مقدونيا أو ألبانيا أو كوسوفو أو حتى البوسنة والهرسك.

مواقف الدول الأوروبية تجاه الإسلام (المسلمين) الأتراك في أوروبا، بطبيعة الحال، مختلطة وغير متوافق،  فمن ناحية، تعتبر العديد من الدول (مثل فرنسا والنمسا في أوروبا الغربية ومقدونيا وألبانيا في أوروبا الشرقية) أن النزعة التركية تشكل تهديدًا للتماسك الاجتماعي للمسلمين المحليين، لكنها لا تملك الكثير من الخيارات للتعامل مع الأمر، على المدى القصير.

تراقب السلطات العامة النشاط التركي في الإسلام الأوروبي بشك، ولكن في الوقت الحالي مع عدم القدرة على الرد سريعًا، يبقى هذا الصراع، له تأثير مباشر على العلاقات اليومية بين الأتراك في أوروبا وخارجها، بين جميع المسلمين.

شارك