مع أعياد الميلاد.. لماذا تعد أفريقيا السوق الأكبر لنشاط الجماعات الإرهابية؟
الثلاثاء 31/ديسمبر/2019 - 07:30 م
طباعة
د. كمال حبيب
تحتاج الجماعات الإرهابية لمنصة تقف منها لتعلن أنها ما زالت قوية وقادرة علي التمدد والبقاء رغم موت قادتها، وهذه المنصة النموذجية تمثلها مواقيت أعياد الميلاد، حيث يستعد العالم للاحتفال بتلك المناسبة السنوية.
وكانت أوروبا منصة نموذجية لأعمال إرهابية وقت أعياد الميلاد كما حدث في ديسمبر عام 2016 حين وقع حادث الدهس في العاصمة الألمانية برلين، الذي نفذه التونسي "أنيس العمري" وأدى لمقتل 12 وإصابة 100.
والمثير أن تنظيم «داعش» يعلن أن أعياد الميلاد ستكون مناسبة لتنفيذ تهديداته، خاصة في أوروبا عبر ما يعرف بالخلايا النائمة أو الذئاب المنفردة ، بيد إن تلك التهديدات ركزت كل اهتمامها وعملياتها في القارة السوداء، التي تُعد السوق الأكبر والمجال المفتوح لتصاعد أنشطة الجماعات الإرهابية بنسبة هائلة بلغت 80% عام 2019 مقارنة بالعام الذي سبقه.
وإذا تعقبنا العمليات الإرهابية التي شهدتها القارة قبيل أعياد الميلاد لوجدنا عملية قتل 11 مسيحيًّا في شمال غرب نيجيريا، حيث نشر «داعش» مقطعًا فيديو مدته دقيقة واحدة لرجال ملثمين يتم طعنهم قبل إطلاق النار عليهم.
ويُعد استهداف المسيحيين إحدى استراتيجيات التنظيم؛ حيث نفذ عمليات من هذا النوع ضد مسيحيين مصريين في ليبيا، كما نفذ التنظيم الإرهابي لأول مرة عملية تفجير داخل كنيسة بينما كان المصلون يستعدون لصلواتهم عام 2016، وذلك بالكنيسة البطرسية في القاهرة، وفي العام التالي 2017 نفذ عملية أخري استهدفت كنيستي مار جرجس بمدينة طنطا، ومار مرقس بمدينة الإسكندرية فى مصر، كما يستهدف التنظيم المسيحيين في باكستان وغيرها من دول القارة الآسيوية، وتستهدف عمليات التنظيم بشكل عام المختلفين معه عقائديًّا ومذهبيًّا .
وفي الصومال نفذت حركة الشباب الصومالية الإرهابية المبايعة لتنظيم القاعدة عملية بسيارة مفخخة أدت إلي مقتل أكثر من 60 أغلبهم من الطلاب، إذ وقع الانفجار بينما كانت حافلة تقل هؤلاء الطلاب تمر قرب مركز الجمارك بوسط العاصمة مقديشيو، وكانت الحركة الوفية في ولائها للقاعدة قد وهنت قوتها إلا أنها لم تلبث أن استعادتها وبدأت تنفيذ عمليات كبيرة ضد مؤسسات الدولة وضد الجيش لإثارة الرعب لدي أفراده ولإظهار الدولة بمظهر الضعف.
وفي «بوركينا فاسو» قتل 42 شخصًا مدنيًّا كما تعرضت مفرزة عسكرية لهجوم قتل علي أثره عشرة جنود فى هجوم هو الأسوأ في البلاد منذ خمس سنوات.
وكان تصاعد العنف في أفريقيا سببًا في إشارة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان في رسالته بمناسبة أعياد الميلاد، للتنديد بأعمال الجماعات المتطرفة في القارة الأفريقية؛ خاصة بوركينا فاسو ومالي والنيجر ونيجيريا.
ويكثر وجود الجماعات الإرهابية في أفريقيا للأسباب الآتية:
أولًا: الوجود التاريخي للجماعات الإرهابية في أفريقيا قديم، فالقارة مغرية وجاذبة لوجود الجماعات الإرهابية، لقدم وجودها في دول مثل مالي والصومال ونيجيريا، وكانت القارة موضوعًا لتفكير «القاعدة» للوجود والتوطن بها قبل ظهور «داعش»، إذ كان «أبوعبيدة البنشيري» – علي أمين الرشيدي الرجل الأول للتنظيم في أفريقيا، وكان يرى بضرورة تأسيس وجود له في القارة، إلى أن وجد غريقًا عام 1996 في بحيرة فيكتوريا.
ثانيًا: وجود حواضن لهذه الجماعات في بلدان أفريقيا التي تعاني من الإرهاب؛ كما هو الحال في نيجيريا، والتي يشكل المسلمون فيها أغلبية تصل إلي 75% من سكانها، كما تمثل الدول المحيطة ببحيرة تشاد دولا ذات أغلبية مسلمة، ومن ثم فإن خطاب التنظيمات الإرهابية يجد صدي وسط المسلمين الذين يشعرون إما بالتهميش وغياب العدالة والفقر وانتشار الفساد الذي يعد البيئة الخصبة لتعزيز وتقوية أصوات الإرهابيين في بلدانهم .
ثالثا: ضعف جيوش الدول التي تعاني من الإرهاب وقلة تدريبها، وعجزها عن مواجهة الجماعات التي تطور أدواتها بقدرة أعلي من قدرات تلك الجيوش، فالإرهابيون يستخدمون تكتيكات حرب العصابات بينما لا تملك الجيوش الضعيفة في أفريقيا القدرة علي المواجهة، كما أن الجيوش تعد انعكاسًا للمجتمعات والدول، حيث تبدو مرتبكة وغير قادرة علي المبادأة في التعامل مع الإرهاب.
رابعًا: عدم التوافق علي جدوي وجود القوات الأجنبية علي أراضي الدول التي تعاني من الإرهاب في منطقة الساحل، كقوة تدخل سريع لمواجهة العمليات الإرهابية كما هو الحال بالنسبة للقوة الفرنسية «برخان» التي توجد بدول "جي 5" والتي يبدو أنها تتعثر وتواجه خسائر، وكان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون زار مؤخرًا كلًا من ساحل العاج والنيجر، وطالب بشكل واضح بأن تبدي الدول الخمس في الساحل موقفها من الوجود الفرنسي هناك، واعتبر أن ما يُقال عن وجود امبراطوري لبلاده في تلك الدول محض أكاذيب.
خامسًا: تراجع تدخل قوات «أفريكوم» لمواجهة الجماعات الإرهابية في الصومال وشرق أفريقيا، خاصة مع نزعة أمريكية لا تريد مزيدًا من التورط في البلدان الأفريقية، كما أن تدخل القوات الأفريقية في الصومال لا يبدو أنه قادر علي تحجيم جماعة كحركة الشباب الإرهابية، التي تسيطر علي منطقة الجنوب الصومالي بشكل كامل، كما أن قادتها يظهرون علنًا في العاصمة ذاتها .
سادسًا: انتقال عدد كبير من عناصر تنظيمي «داعش» و«القاعدة» من المناطق التي يواجهون فيها حصارًا أو هزيمة، إلي أفريقيا التي تعد بوابة سهلة لانتقال تلك الجماعات؛ خاصة عبر ليبيا التي تهيمن الميليشيات القريبة في أفكارها من تلك الجماعات علي المنافذ البحرية لها، ولذلك يتعاظم وجود العناصر والمقاتلين الأجانب إلي جانب الجماعات المحلية وهو ما يساعد علي نقل خبراتها إلي تلك الجماعات، بينما لا يبدو أن القوات الأجنبية التي تدرب الجيوش في أفريقيا سواء في غرب أفريقيا أو شرقها جادة في عملية التدريب.
سابعًا: جغرافيا الدول المحيطة بمنطقة الساحل والصحراء وهي جغرافيا مفتوحة بين الدول وحدودها لا تتمتع بالحصانة التي تحول دون انتقال هذه الجماعات في حوض تشاد وفي الصحراء الأفريقية والتمدد إلي دول الجوار، كما أن سيطرة تلك الجماعات علي مساحات كبرى من الدول التي توجد بها، كما هو الحال، في مالي مثلا تمنحها قاعدة تستطيع من خلالها أن تنطلق بحرية إلي الدول المجاورة.