العراق من «الحراك» إلى «العراك».. واشنطن وطهران تنقلان صراعهما إلى بلاد الرافدين

الأربعاء 01/يناير/2020 - 09:34 م
طباعة العراق من «الحراك» نورا بنداري
 
في ظل تواصل مسلسل التصعيد الأمريكي الإيراني في المنطقة، اتجهت الأنظار إلى بلاد الرافدين؛ كي تكون ساحة حرب بين الجانبين على الساحة العراقية، فكلا الطرفين لديه مصالح مختلفة وقضايا متعددة؛ ما جعل العراق خلال الأشهر الماضية ساحة عراك بين القوات الإيرانية والأمريكية الموجودة في العراق، وترتب عليه تصاعد التهديدات بين النظام الأمريكي وأذرع نظام الملالي داخل العراق.

إيران.. وقود النار
ولتفسير ما يحدث داخل بلاد الرافدين، يجب الإشارة أولًا إلى أن العراقيين في أكتوبر 2019، احتجوا لإيصال رسالة إلى إيران بأنها سبب ما يحدث داخل العراق، وأن تدخلاتها هي من أوصلت العراق لما عليه الآن من تردي للأوضاع المعيشية وسوء الحالة الاقتصادية، وطالب المتظاهرون العراقيون بخروج إيران، وهذا ما لا تريده طهران، ورغم محاولات النظام الإيراني لإخماد التظاهرات العراقية خلال الفترة الماضية بقتل وقمع المتظاهرين، إلا أنه فشل في إخماد هذا الحراك.
دفع ذلك نظام الملالي إلى اللعب بورقة أخرى، وهي استفزاز الولايات المتحدة الأمريكية وإحراجها داخل العراق، وهذا الاستفزاز من خلال وكلاء إيران الموجودين في بغداد، ومن ثم يتمكن نظام الملالي من صرف انظار العراقيين عنه وتحويلها إلى أمريكا.

هجمات متبادلة
بداية التصعيد بين الطرفين، في 28 أكتوبر 2019؛ حيث اتهمت واشنطن؛ كتائب «حزب الله العراقي»، أحد أبرز الفصائل الموالية لإيران في الحشد الشعبي في العراق، بشن 11 هجوم على قواعد عسكرية عراقية تضم جنودًا أمريكيين قرب مدينة كركوك شمالي العراق، وقد أسفرت أول عشرة هجمات عن سقوط قتيل وإصابات عدة في صفوف الجنود العراقيين، إضافةً إلى أضرار مادية، ولكن الهجوم الأخير مثل نقطة تحول بالنسبة لواشنطن؛ إذ قتل فيه متعاقد أمريكي وكانت المرة الأولى التي تسقط فيها 36 قذيفة على قاعدة واحدة يوجد فيها جنود أمريكيون، وفقًا لما أعلنته وسائل الإعلام الأمريكية.
هذا الأمر، دفع القوات الأمريكية في 29 ديسمبر 2019، لشن سلسلة غارات استهدفت منشآت قيادة وتحكم تابعة لكتائب «حزب الله» في محافظة الأنبار غربي العراق؛ ما أدى إلى مقتل 28 مقاتلاً من الكتائب وإصابة 48 آخرين بجروح، وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في بيان لها، أن هذه الضربات تأتي ردًا على الهجمات التي شنتها الكتائب على القواعد العسكرية التي تضم جنودًا أمريكيين.
ورغم نفي نظام الملالي للاتهامات الأمريكية، إلا أنه عمل على نقل المعركة إلى العراق وإشغال واشنطن، ولذلك قام مقاتلون من قوات الحشد الشعبي في 31 ديسمبر 2019، أي بعد يومين من هجمات واشنطن، باستهداف السفارة الأمريكية الواقعة في بغداد، واقتحموا العشرات حرم السفارة الأمريكية وأضرموا النيران في بوابتين وأبراج المراقبة، قبل أن تتمكن قوات مكافحة الشغب من إبعادهم من الحرم إلى محيط السفارة.

رد أمريكي
واتهم الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في سلسلة تغريدات على صفحته بموقع «تويتر»، الميليشيا الإيرانية بالهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد، وحمل إيران المسؤولية الكاملة عن أي خسائر بشرية أو مادية تقع في السفارة، وأكد أن طهران ستدفع ثمنًا باهظًا على خلفية اقتحام السفارة، مؤكدًا أن هذا تهديد وليس تحذيرًا.
وأعلن «ترامب»، أن وضع السفارة آمن حاليًّا، وتم نقل عدد من المقاتلين والمعدات الأمريكية إلى موقع السفارة في بغداد لحمايتها، وهذا ما أكده  وزير الدفاع الأمريكي «مارك إسبير»، الذي أعلن في بيان له أمس 31 ديسمبر 2019، أن الجيش الأمريكي أرسل مجموعة من القوات الخاصة «المارينز» إلى مقر السفارة الأمريكية في بغداد لتأمين مقر السفارة، وأضاف أن القوات الجديدة ستساعد على ضمان أمن السفارة والعاملين بها، الأمر الذي ترتب عليه انسحاب أنصار ميليشيات الحشد الشعبي 1 يناير 2019، من أمام السفارة الأمريكية في بغداد بعد تفكيك خيام الاعتصام.

نفي إيراني
ونفي مسؤولو الملالي كعادتهم الاتهامات الأمريكية وتهديدات الرئيس «ترامب» فيما يخص اقتحام السفارة؛ ورد المرشد الإيراني «علي خامنئي» ​في تصريح، عبر صفحته بموقع «تويتر»، على تصريحات «ترامب»​​، بالقول: بأن تصريح الرئيس الأمريكي بأن إيران مذنبة، يعني أنهم يتفوهون بالهراء، ولا دخل لإيران بهذا، وطالب الأمريكيين بأن يدركوا بأن الشعب العراقي مشمئز منهم، إضافةً لذلك، دان «خامنئي» الغارات الأمريكية على مواقع الحشد الشعبي في العراق، واصفها بأنها انتقام أمريكي بعد انتصار الحشد على تنظيم «داعش».
ومن جهته، نفي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية «بهرام قاسمي»، في بيان صادر له، اتهامات الإدارة الأمريكية بوقوف طهران وراء اعتداءات السفارة، بل وحاول «قاسمي» إلصاق التهمة بالعراقيين، قائلًا: إن إدارة واشنطن تريد أن تنسب لإيران احتجاجات الشعب العراقي ضد هذه الهجمات الوحشية التي شنتها واشنطن ضد الأراضي العراقية، وتسببت في مقتل 25 شخصًا من ذلك الشعب، بل وطالب الإدارة الأمريكية بإعادة النظر في سياساتها المدمرة بالمنطقة، وأن تبتعد عن ردود الأفعال القائمة على حسابات خاطئة، وفقًا لزعمه.
ورغم النفي الإيراني، إلا أن الفيديوهات والصور التي نشرتها وسائل الإعلام العراقية وأيضًا نقلها الناشطين العراقيين على موقع «تويتر» فيما يخص اقتحام السفارة الذي جاء بعد موكب تشييع مقاتلي كتائب «حزب الله» الذين قضوا في الغارات الأمريكية، أظهرت وجود بعض الشخصيات التابعين للميليشيا الإيرانية في العراق، كان من بينهم «قيس الخزعلي» و«هادي العامري»، زعيمي ميليشيات العصائب وبدر، يقودان اقتحام السفارة الأمريكية، كما انضم «أبو مهدي المهندس» و«حميد الجزائري» زعيم ميليشيات «الخراساني».

إجهاض الحراك
وما تقدم يؤكد أن كل ما تقوم به إيران هو محاولة لإجهاض الحراك العراقي، خاصة بعد فشلت ميليشياتها في ذلك، كما تريد إيصال رسالة للعراقيين مفاداها أن الولايات المتحدة سبب ما يحدث في العراق وعلى العراقيين محاربة أمريكا وليس إيران.
إضافةً إلى أنه من مصلحة إيران من خلال «الحشد الشعبي» أن تجر الأمريكيين إلى مواجهة؛ إذ إن إيران تعي أن الولايات المتحدة لن تدخل في مواجهة عسكرية مع إيران، وفقًا لتصريحات «ترامب» ولذلك ما تريده طهران هو تكبير الأزمة كي تتدخل أطراف دولية ومن ثم تتسع دائرة الخلاف وتصبح مسألة دولية وتتفاوض إيران مع واشنطن خاصة بعد معاناة طهران من العقوبات الأمريكية.


مآلات الصراع
ولذلك أوضح «أسامة الهتيمي» الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الإيراني، أن التصور الذي يراه البعض بأن التطورات الجديدة في العراق تعد مؤشرًا على تزايد احتمالات اندلاع حرب فيما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وأن العراق ستكون ساحة هذه الحرب، أبعد ما يكون عن حقيقة ما يجري فأمر الحرب مستبعد لأقصى درجة؛ نظرًا لأسباب كثيرة، منها ما هو إستراتيجي ومنها ما هو سياسي واقتصادي وأمني، وعليه فإن ما يجري في العراق لا يعدو عن كونه توتر تحت السيطرة لا يستهدف أطرافه على الإطلاق تصعيده إلى حد  تجاوز خطوط بعينها وتحقيق أهداف خاصة.
وأشار «الهيتيمي»، في تصريح له، أن اقتحام ميليشيا إيران للسفارة الأمريكية جاءت تزامنًا مع تصاعد الحراك الشعبي في العراق، ولذلك ليس مستبعدًا أن يكون الهدف الأساسي لما يشهده العراق في الوقت الحالي هو محاولة إيرانية؛ لإجهاض الحراك السياسي الذي يتواصل على مدار ثلاثة أشهر، ويستهدف بالدرجة الأولى تحجيم النفوذ الإيراني في العراق التي أصبحت خاضعةً تمامًا لسلطة إيران على مدار أكثر من 16 عامًا والمسؤول الأول عما وصلت إليه البلاد، وهو النفوذ الذي لم يكن إلا برضا وترحيب أمريكيين الذين استعانوا بإيران في بادئ غزوهم للعراق في 2003؛ لتفادي اندلاع مقاومة محسوبة على شيعة العراق.

شارك