السلفية وتحولاتها في مصر ما بعد مبارك
الجمعة 31/يوليو/2020 - 11:46 ص
طباعة
حسام الحداد
كثيرة هي الدراسات التي تناولت السلفية المصرية من قريب ورغم أنه ليس هناك سلفية واحدة بل عدة سلفيات تنتمي لمرجعيات مختلفة إلا ان الدراسة التي قام بنشرها مركز دراسات الوحدة العربية تناقش السلفية بمفهومها العام، بما ينضوي تحت رايتها من حركات متأسلمة مختلفة المرجعيات والأهداف، هذا من ناحية ومن ناحية أخرة عنوان الدراسة الذي حمل تركيبة "السلفية الثورية" والذي قصدت به الدراسة "السلفيون الذين تفاعلوا مع الحراك الاجتماعي في مصر في 25 يناير 2011".
وحسب الدراسة، لم يكن الإسلامويون في مصر، وعلى غرار بقية بلدان الربيع العربي، في طليعة الثورة. تطلّب الأمر عدة أيام لينضم الإخوان المسلمون وأنصارهم إلى الحركة الثورية. أما الأغلبية العظمى من السلفيين فقد تأخروا لمدة أطول قبل الحشد للاحتجاج؛ فلم تسمح الدعوة السلفية؛ وهي التنظيم السلفي الأكثر تنظيماً في مصر، لأعضائها بالنزول إلى ميدان التحرير رسمياً إلا في الثامن من فبراير 2011. وسرعان ما يُغادر الإسلاميون ميدان التحرير من جديد بعد الإطاحة بمبارك مباشرة في الحادي عشر من شباط/فبراير من العام نفسه. وبتجدد التظاهرات بدءاً بشهر أبريل 2011 ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة هذه المرة، كانت الحركات الشبابية اليسارية ذاتها، أو تلك التي ليس لها انتماء أيديولوجي، هي من تقود حركة الاحتجاج.
وتؤكد الدراسة أن الحضور المتنامي للإسلاميين بدأ في هذه التظاهرات أمراً مستغرباً، ولا سيّما أن هؤلاء لم يكونوا منتمين إلى أيٍّ من التنظيمين الكبيرين في الحركة الإسلامية المصرية: الإخوان المسلمون والدعوة السلفية؛ فقد اختار كلاهما الانصياع لشروط المرحلة الانتقالية تحت الوصاية العسكرية. وفي حين لا تخضع الحركة الجديدة للتنظيم بالضرورة، إلا أنّ أعضاءها يجتمعون حول عدد من السمات المشتركة؛ فهم يدعون علناً إلى الثورة، ويعتبرون أنها لا يمكنها أن تقبل بوجود سلطة من الجنرالات الذين جرى تعيينهم أو ترقيتهم من قِبل النظام القديم. كما يتبنّون العمل الاحتجاجي في الشارع، ولا يثقون في النظام السياسي المؤسساتي، ومن يشاركون فيه، بمن فيهم الإسلاميون. وهم يدعون إلى السلفية؛ لكنها سلفية لا تقبل التسويات، ومستعدة لإقامة الشريعة فوراً. وعليه؛ يمكن توصيف هذه الحركة التي تمثل ظاهرة جديدة في حقل التأسلم المصري، باستخدام مصطلح يُجليها بوضوح، وهو السلفية الثورية.
تحولت السلفية الثورية منذ ظهورها إلى فاعل مهم في الحياة السياسية المصرية، ونسعى من خلال هذه الدراسة إلى تفسير صعودها القوي. وسنوضح كيف استطاع السلفيون الثوريون الإفادة من خبرات نضالية ومن بنىً للتعبئة كانت موجودة قبل الثورة، وكيف ساعد دور القائد الكاريزمي الذي جسده الشيخ حازم أبو إسماعيل على توحيدها. وسنبيّن كيف نجح هؤلاء في بناء خطاب جاذب لكثيرين بالدعوة إلى قيمتين من أكثر القيم رواجاً في مصر ما بعد مبارك، وهما: الثورة والشريعة. وكيف استطاعوا الإفادة من سياق سياسي أصبح مُواتياً بفضل الصعوبات التي واجهتها الأحزاب الإسلامية المندمجة في النظام السياسي المؤسساتي، بحيث استطاعوا الظهور بمظهر القادرين على جمع مئات الألوف من الأنصار في شوارع القاهرة.
وتؤكد الدراسة أن هذا التيار المتأسلم امتلك قبل الثورة ذاتها الشبكاتِ والخبرةَ النضالية، لكن مواطن ضعفه كانت في تشتته؛ بحيث انعدم، أو كاد، التواصل بين المجموعات المختلفة التي تشكّله بسبب الانتشار الجغرافي وقمع الشرطة، لتعود وتتوحد هذه الحالة السلفية الثورية وتنجح في اكتساب الدعم والجماهيرية، بفضل ظهور شخصية كاريزمية غداة ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير، هو الشيخ حازم أبو إسماعيل الذي تمكّن من جذب الجماعات المختلفة، فتولدت عن ذلك دينامية انتشار غير مسبوقة.
وحسب الدراسة فإن قوة السلفية الثورية لا تكمن في قدرتها على تجسيدٍ قويٍّ لاستمرارية التيار السلفي القطبي الموجود فعلياً منذ مرحلة ما قبل الثورة فحسب. فقد استحث ظهور أبو إسماعيل انضمام آلاف الشباب الذين جذبتهم شخصيته الكاريزمية وخطابه الحاسم الذي لا يقبل التسويات؛ بعضهم جاؤوا من جماعة الإخوان المسلمين أو من التيار السلفي، لكن كثيرين منهم هم بلا انتماء أيديولوجي أو حزبي مُسبق. يمكن أن نجد بينهم أيضاً، كما سنرى لاحقاً، أفراداً من الألتراس؛ وهم مشجعو كرة القدم، الذين عُرفوا بعدائهم الجَذري لقوات الشرطة، وشاركوا بفاعلية في الثورة وما تلاها من أحداث. تصبح السلفية الثورية على هذا النحو حركة اجتماعية؛ أي حركة احتجاجية غير رسمية وغير متجانسة، تجمع أفراداً يرتبطون بعضهم ببعض، بفضل انتمائهم إلى هوية مشتركة، ومواجهتهم العدو نفسه.