السلوك لا النظام.. إرادة دولية للتغيير في ظل دعوات الإطاحة بنظام الملالي
الإثنين 13/يناير/2020 - 01:46 م
طباعة
نورا بنداري
أظهرت الأيام القليلة الماضية هشاشة نظام الملالي وجميع أجهزته، وبرز ذلك جليًا بعد أن استطاعت الولايات المتحدة في 3 يناير 2020 قتل «قاسم سليماني» الرجل الثاني بعد المرشد، ما أدى إلى زيادة حالة السخط لدى جموع الشعب الإيراني الذي خرج في مظاهرات في 11 يناير 2020؛ مطالبة بتنحي المرشد الأعلى «علي خامنئي».
ووجه المعارض الإصلاحي الإيراني، «مهدي كروبي» في بيان نشر على موقع «سحام نيوز» الإيراني في 11 يناير الجاري؛ رسالة للمرشد تطالبه بالتنحي وترك منصبه، وقال «كروبي» إن المرشد لا يمتلك صفات القيادة وعليه التنحي، خاصة بعد إنكار فيما يخص حادث الطائرة الأوكرانية التى اًصابها صاروخ إيرانى، ووجه سؤالًا للمرشد عن سبب عدم إدلائه بأي شيء عن هذا الحادث وإنكاره، وعن وجوده وقتها كقائد عام للقوات المسلحة.
وأشار المعارض الإيراني في رسالته، إلى أن هذه ليست الفضيحة الوحيدة التي يتحمل فيها المرشد المسؤولية المباشرة، وطالبه بفتح تحقيقات فى اغتيالات متسلسلة تمت في تسعينيات القرن الماضي، وتزوير الانتخابات عام 2009 والقمع الدموي للمتظاهرين حينها، وكذلك قمع احتجاجات 2018 و2019.
إضافة لذلك، شهدت «طهران» احتجاجات كبيرة بعد اعتراف النظام الإيراني بمسؤوليته عن إسقاط الطائرة الأوكرانية، وندد المحتجون بسياسة المرشد وأطلقوا شعارات وهتافات، من بينها "الموت للولي الفقيه"، "النظام يرتكب الجرائم وخامنئي يبرر"، "قاتل وحكمه باطل"، وفقًا لوسائل الإعلام الإيرانية.
«كروبي» المعارض الشرس
رجل الدين الإيراني «مهدي كروبي» البالغ من العمر 82 عامًا؛ معروف عنه معارضته الشديدة للنظام الإيراني الأمر الذي دفع النظام لوضعه قيد الإقامة الجبرية بمنزله في منطقة «جماران» شمال طهران، منذ عام 2011 وحتي الآن، وسمح له بالتواصل مع أفراد عائلته، ولأن «كروبي» ممنوع من التواصل مع الآخرين والظهور الإعلامي، فكان نجله «حسين كروبي» هو من ينقل رسائله وآراءه ومواقفه في الأحداث التي تقع بين الفينة والأخرى.
وكان «كروبي» مستشارًا للمرشد الإيراني «خامنئي» وعضوًا في مجمع تشخيص مصلحة النظام، ورئيس مجمع علماء الدين المجاهدين، إلا أنه استقال من جميع هذه المناصب الحكومية، نتيجة رفضه نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2005 والتي فاز فيها «محمود أحمدي نجاد»، وبعد ذلك اتجه المعارض الإيراني الأبرز لتشكيل حزب جديد عرف باسم «اعتماد ملي» وأصدر صحيفة إلكترونية تحمل اسم «سحام نيوز» ومن خلالها بات يعبر عن آرائه من خلالها، ودائمًا ما كان يطالب بضرورة رقابة مجلس قيادة الخبراء على أداء المرشد وتقييد صلاحياته.
وطالب بعض المحافظين بإعدامه باعتباره عامل فتنة فى البلاد، إذا أن «كروبي» سبق وأنتقد المرشد، وطالبه بإجراء إصلاحات محورية في طريقة الحكم التي لم يحدث فيها أي تغيير منذ ثلاثة عقود، وفقًا لقوله.
وفي إطار ذلك، تطرح التساؤلات حول مصير المرشد، فهل تلقي رسالة المعارض «كروبي» صدي داخل المجتمع الإيراني ويستقيل المرشد ويحدث تغير جذري في الحكم؟، أم أن النظام لن يسمح بحدوث ذلك وسيقمع كعادته جميع الأصوات المعارضة؟، وهل من الممكن أن يشهد نظام الملالي تغيرات داخل أروقة الحكم خلال الفترة المقبلة خاصة في ظل الأزمات الداخلية والخارجية التي بات يعاني منها باستمرار؟.
طبيعة النظام
للإجابة عن هذه التساؤلات، يوضح «فراس إلياس» الباحث المختص في الشأن الإيراني في تصريح خاص لـه؛ أن رسالة المعارض الإصلاحي «مهدي كروبي» جاءت لتضيف مزيدًا من الضغوط على النظام السياسي في إيران، الذي يعاني حالة تفكك داخلي، إلى جانب فقدان نسبة كبيرة من مدخلات شرعيته السياسية.
ولفت «إلياس» إلى أن حالة الأزمة المزمنة التي يعيشها النظام الإيراني تبدو أنها تفوق قدرة النظام على استيعابها أو حتى التعاطي معها، ويبدو إن السبب الرئيسي في ذلك هو الطبيعة الجامدة للنظام الإيراني، الذي يبدو أنه أصبح اليوم عاجزًا عن تقديم جديد يقنع به المواطن المنتفض.
وأشار الباحث إلى أن الأمر الخاص بإمكانية تنحي أو استقالة «خامنئي»، يبدو صعب قليلًا، إذا أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها مطالبته بالاستقالة أو حتى التشكيك بولايته الشرعية، وعلى هذا الأساس يمكن القول إن دعوة «كروبي» لن تلقى صدى واسعًا لأسباب كثيرة، أهمها أن المعركة اليوم أصبحت معركة وجود بين نظام سياسي يكافح من أجل البقاء بكل مؤسساته وقواعده، وبين معارضة داخلية وخارجية لا تستطيع الذهاب بعيدًا في مغامرة مقارعة هذا النظام، خصوصًا أننا نتحدث عن نظام يمتلك تقاليد سياسية في كيفية إخماد التظاهرات وتحويلها إلى نصر يخدم النظام ومشروعه الإقليمي.
خيارات الملالي
وأضاف «فراس إلياس»، أن الحديث عن تغييرات يمكن أن يقدم عليها النظام السياسي في إيران يمكن أن تكون أحد الخيارات لديه، لأسباب عدة منها تحييد الموقف الأمريكي الداعي لتغيير سلوكه الإقليمي، إلى جانب تطمين الأوروبيين بأن النظام مازال يمتلك قدرة على الحل، أو على الأقل أن يتحول من جزء من مشكلة إلى جزء من الحل.
وبين الباحث المختص في الشأن الإيراني، أن هناك الكثير من المبادرات التي بدأت حاليًا منها القطرية والفرنسية، التي ستحاول تخفيف حدة التوترات في المنطقة، أو على الأقل الدخول كنقاط ارتباط بين الجانبين الأمريكي والإيراني، وعلى هذا الأساس يمكن القول إن التغيير الخارجي هو ما يطمح إليه المجتمع الدولي، أما التغييرات الداخلية فلا تحظى بذلك الاهتمام الكبير، وهو ما عبرت عنه واشنطن في أكثر من مرة، عندما قالت إنها لا تسعى إلى تغيير النظام وإنما تغيير سلوكه.