أزمات متفاقمة... اضطرابات الشرق الأوسط بعد اغتيال سليماني
الثلاثاء 14/يناير/2020 - 06:42 م
طباعة
مرﭬت زكريا
قامت الولايات المتحدة الأمريكية، في 3 يناير لعام 2020، باغتيال قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري، ومهندس العمليات الإيرانية في المنطقة، اللواء «قاسم سليماني»، و نائب قائد ميليشيا الحشد الشعبي العراقية، الموالية لطهران «أبو مهدي المهندس»، إثر ضربة جوية، من خلال إسقاط 3 صواريخ كاتيوشا، بالقرب من مطار بغداد الدولي، و أكدت واشنطن، أن سليماني كان بصدد التجهيز لبعض العمليات، التي من شأنها استهداف مصالح أمريكية في العراق بشكل خاص، والمنطقة بشكل أعم؛ ردًّا على الضربات التي قامت بها واشنطن على أهداف، تابعة لكتائب «حزب الله» في بغداد، أواخر ديسمبر 2019.
وعليه، شهدت منطقة الشرق الأوسط، تحديات كبيرة، و تصعيد خطير بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، و كل من طهران و دول المنطقة من ناحية أخرى، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، بعد أن أعلنت واشنطن قيامها باستشارة دول المنطقة، قبل اتخاذ هذا القرار، وبدأت مرحلة جديدة من التصعيد بين العراق و الولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية تصويت البرلمان العراقي؛ لإصدار مشروع قانون؛ لإخراج القوات الأمريكية من بغداد؛ اتساقًا مع حملة الضغوط الإيرانية المتصاعدة ضد العراق، و مطالبتها بإنهاء الوجود الأمريكي في العراق، فضلًا عن تأهب جماعة الحوثي اليمنية لتلقي توجيهات إيرانية، بالعمل ضد المصالح الأمريكية في المنطقة.
أولًا: النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط
تقوم العقيدة السياسية الإيرانية لنظام ولاية الفقيه، منذ قيام الثورة الإسلامية، لعام 1979، على فكرة تصدير الثورة، القائمة على التدخل في شؤون دول الجوار، التي تربطها بها مصالح مباشرة، وتسعى إلى تعميق النفوذ الإيراني بداخلها؛ حيث بات ذلك واضحًا في كل من «سوريا، العراق، لبنان و اليمن»، بعد سعي طهران لتكوين ما يسمى بالهلال الشيعي.
كانت سوريا من أولى الدول، التي دعمتها طهران في المنطقة، من خلال تكوين علاقات جيدة مع حافظ الأسد، و ظلت العلاقات مستمرة، على الرغم مما عصف بها من أحداث عصيبة، منذ أحداث الربيع العربي، في عام 2011؛ حيث تتمحور الأولوية القصوى لدى طهران في سوريا، حول بقاء النظام، واستمرار سيطرتها على دمشق؛ لأنها توفر لها مساحة من الحركة؛ لتكون اللاعب الرئيسي في بلاد الشام، والفاعل الإقليمي المتحكم في شؤون الشرق الأوسط(1).
بينما توغلت طهران في العراق بشدة، لاسيما منذ الغزو الأمريكي، في عام 2003؛ نتيجة التغيرات الإقليمية و الدولية الحادثة في هذه الفترة، و الإطاحة بالرئيس العراقي «صدام حسين» في ذلك الوقت؛ حيث سعت إيران لتعزيز علاقتها مع الحكومات العراقية المتوالية منذ الغزو، وتمكنت من ذلك تمامًا، عن طريق أذرعها السياسية، التي تلاعبت بالعملية السياسية برمتها، ونجحت في الهيمنة على مراكز صنع القرار في بغداد مبكرًا، قبل أي دولة أخرى، و استطاعت تعزيز هذا الدور، بعد الخروج الأمريكي، في عام2011، من خلال ميليشياتها الموجودة هناك، و التي يتربع على رأسها الحشد الشعبي(2).
أما فيما يتعلق بلبنان، فامتد النفوذ الإيراني بداخلها، عن طريق جماعة «حزب الله» الشيعية، وهو المحور الذي لطالما لعبت عليه طهران؛ للتدخل في شؤون الدول الأخرى، و استخدامه كورقة ضغط على الجانب الإسرائيلي، في تهديد لحدوده الجنوبية؛ حيث يصف الكثير من المحللين، العلاقة بين طهران و حزب الله، بأنها علاقة مذهبية، تصل إلى حد التوحد في الرؤى و السياسات، بين وحدة دولية و فاعل من غير الدول، الأمر الذي يتمثل في تحدث كلا الطرفين باسم الآخر، في المواقف الدولية و الإقليمية)3).
كما مرت العلاقات الإيرانية اليمنية بمنعطفات كثيرة، منذ قيام الثورة الإسلامية، لعام 1979، فتارة تتجه إلى التحسن و التطور، و تصل إلى حد التأزم، تارة أخرى؛ حيث بدأت طهران منذ عام 2013، في دعم جماعة الحوثي الشيعية، التي كانت تعادى الدولة اليمنية، في ذلك الوقت، إلى أن باتت هذه الجماعة بمثابة الذراع السياسي لطهران في اليمن؛ الأمر الذي أدى لاستخدام إيران لها، في مواجهة منافسيها في المنطقة، مثل المملكة العربية السعودية، التي قامت جماعة الحوثي بالهجوم على منشأتي نفط، تابعة لها، في سبتمبر لعام 2019 (4).
ثانيًا: التصعيد الأمريكي الإيراني بعد اغتيال سليماني
اشتعل فتيل الأزمة المستمرة حتى الآن، بين الولايات المتحدة الأمريكية و الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على خلفية اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني «قاسم سليماني»، الذي يعد من أبرز القادة العسكريين داخل إيران؛ حيث كان مرشح لتولي منصب قيادة الحرس الثوري، بل و منصب المرشد الأعلى في إيران، على خلفية وصفه بثاني أهم رجل داخل الجمهورية الإسلامية.
الأمر الذي جاء رد إيران عليه حاسمًا شديد اللهجة؛ ما تمثل في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، بداية من المرشد الأعلى «علي خامنئي»، الرئيس الإيراني «حسن روحاني»، ووزير الخارجية «جواد ظريف» و صولًا إلى قيادات الجيش و الحرس الثوري، وأعلنت طهران أن اغتيال سليماني، بمثابة انتحار سياسي لواشنطن؛ لذا فإنها سترد في أي وقت، و بالشكل الذي تراه مناسبًا، و هو ما اتضح في تصريح الرئيس الإيراني «حسن روحاني»، في 4 يناير لعام 2020، عندما قال: «إن هذه الجريمة ستبقى وصمة عار في تاريخ الأمريكان، و سيحاسبون عليها لسنوات طويلة قادمة»(5).
وهو ما أثار حفيظة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، و أكد على أن اغتيال سليماني، يعد بمثابة القضاء على الإرهابي، الأكثر خطورة في العالم، الذي كان يقوم ببعض التجهيزات؛ للإضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة، وهو الأمر الذي أكده وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو»، بقوله: «انتهى عصر مسايرة الولايات المتحدة الأمريكية للإرهابيين»، وهو ما ردت عليه طهران عسكريًّا، عن طريق ضرب بعض القواعد الأمريكية في العراق؛ حيث استهدفت صواريخ بالستية إيرانية، فجر يوم 8 يناير لعام 2020، قاعدتين عسكريتين، يتمركز فيهما جنود أمريكيون، من خلال إسقاط 17 صاروخًا، على قاعدة عين الأسد الجوية، و 5 آخرين على مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان.
لكن لم تسبب هذه الضربات في أي خسائر بشرية أمريكية، أو عراقية، و هو الأمر الذي علق عليه الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، بأن «كلّ شيء على ما يرام»، مشيدًا بالقدرات العسكرية، التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تمتلك أقوى جيش بالعالم، مُجَهّز تجهيزًا جيدًا في أي مكان، في إشارة إلى فارق قوة الردع، بين كل من طهران وواشنطن، و أن ما قامت به إيران، لم يكن إلا لحفظ ماء الوجه، أمام دول العالم فقط.
اتسق ما سبق، مع التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الإيرانى «جواد ظريف»، في الثامن من يناير لعام 2020، مؤكدًا على أن الضربات التي قامت بها طهران في مواجهة القوات الأمريكية بالعراق، كانت بغداد على علم بها؛ ما مكن القوات المتمركزة في هذه القواعد، من أخذ الحيطة و الحذر، الأمر الذي لم يسفر عن وقوع أي خسائر(6).
ثالثًا: التوترات الحالية في المنطقة
شهدت منطقة الشرق الأوسط، درجة غير مسبوقة، من التصعيد، بعد اغتيال قائق فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، اللواء «قاسم سليماني»، على خلفية كون المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة و دولة الكويت، من أهم حلفاء واشنطن في المنطقة، كما تجمعهم علاقة متوترة نسبيًّا بإيران؛ ما خلق حالة كبيرة من التأهب؛ خوفًا من أن يكون الرد الإيراني داخل أراضيهم في السياق ذاته، تعد العراق بمثابة طرف رئيسي في معادلة التصعيد الإيراني الأمريكي، على خلفية اعتبارها حليفًا هامًّا، بالنسبة لطرفي الصراع، و تجري على أرضها الحرب، بالوكالة بين الطرفين، منذ وقت طويل، بينما ترغب جماعة الحوثي اليمنية، في الثأر من واشنطن، على خلفية اغتيال سليماني، واعتبار ذلك بمثابة رد جميل لطهران، التي تعتبر الداعم الرئيسي لها في المنطقة.
1- العراق
مارست طهران حملة كبيرة من الضغوط على بغداد؛ للمطالبة بخروج القوات الأمريكية من العراق؛ و هو الأمر الذي اتضح في تصريحات رئيس الوزراء العراقي «عادل عبد المهدي»، خلال بيان صحفي، صدر في 6 يناير لعام 2020، أقر فيه بأن «الحكومة العراقية، تعد مذكرة قانونية وإجرائية؛ لتنفيذ قرار مجلس النواب العراقي، القاضي بانسحاب القوات الأجنبية من البلاد، على خلفية إقرار مجلس النواب العراقي، بإلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإنهاء تواجد القوات الأجنبية في البلاد، فضلًا عن إلغاء طلب المساعدة من التحالف الدولي، وإلزام الحكومة بتقديم شكوى ضد واشنطن في مجلس الأمن».
ولكن تلقت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الأمر بالرفض القاطع؛ حيث أكد الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، أنه لا نية أمريكية لذلك؛ لأن البديل سيكون أسوأ، الأمر الذي يتيح فراغًا كبيرًا لإيران لتعزيز نفوذها، و هو ما تعمل الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء عليه في الوقت الحالي، ومع الهجوم الإيراني على القواعد العسكرية الأمريكية، في الثامن من يناير 2020، اعترضت الحكومة العراقية على لسان رئيس مجلس النواب العراقي «محمد الحلبوسي»، الذي أقر بأن الهجمات الإيرانية تعد بمثابة انتهاك لسيادة الدولة العراقية، وهو الأمر الذي من شأنه، تحويل العراق إلى ساحة حرب، بالوكالة بين الطرفين «الأمريكي و الإيراني»(7).
2- دول الخليج
سعت الدول الخليجية، و على رأسها المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة؛ للتخفيف من حدة الأزمة المتصاعدة، بين طهران وواشنطن، على خلفية اغتيال القائد العسكري الإيراني «قاسم سليماني»، وفي هذا السياق، قام نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز، بعدة زيارات متلاحقة، لكل من واشنطن و لندن؛ للتأكيد على ضرورة ضبط النفس، و التهدئة من حدة الأزمة المتصاعدة في المنطقة، بالتوازي مع ذلك، قام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بدور دبلوماسي كبير على المستوى الإقليمي، من خلال التنسيق مع غالبية دول المنطقة، ولا سيما مع رئيس الوزراء العراقي «عادل عبد المهدي»؛ لمنع تحويل بغداد إلى ساحة للحرب(8).
بينما نفت «أبو ظبي» مزاعم بتهديدات إيرانية، موجّهة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وأفادت وزارة الخارجية والتعاون الدولي، في بيان نقلته وكالة أنباء الإمارات «وام»، في 8 يناير 2020، أن التطورات الإقليمية الأخيرة، لن تؤثر على الدولة أو مواطنيها أو المقيمين على أراضيها، وكذلك الزائرين لها، كما أن كافة الأنشطة في الدولة، وفي جميع قطاعاتها، مستمرة، وتسير بشكل اعتيادي، يتوازى ذلك مع تأكيد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش: «إن خفض التصعيد، و اتباع المسار السياسي؛ من أجل استقرار المنطقة أمر ضروري»(9).
أما فيما يتعلق بدولة الكويت، نفت بدورها نبأ انسحاب القوات الأمريكية من معسكر «عريفجان»، على خلفية ظهور تغريدة على «وكالة الأنباء الكويتية (كونا)»، في الثامن من يناير لعام 2020، أفاد خلالها وزير الدفاع الكويتي، أنه تلقى خطابًا رسميًّا، من قائد معسكر «عريفجان»، يقر بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستسحب قواتها، في غضون الأيام الثلاثة المقبلة، وأن قرار الانسحاب كان مفاجئًا لهم، ولكن شددت في تغريدة أخرى على عدم صحة ما تم تداوله، بل و إعلان السفير الأمريكي لدى الكويت التزام واشنطن بأمن دولة الكويت، ودول مجلس التعاون الخليجي كافة، وسلامة أراضيها(10).
3- اليمن
أعلنت أغلب الميليشيات التابعة لطهران في المنطقة، و على رأسها جماعة الحوثي اليمنية، رغبتها و قدرتها على الانتقام لمقتل اللواء قاسم سليماني، الأمر الذي عكسته ردود فعل القيادات الحوثية الغاضبة والمرتبكة؛ حيث أكد زعيم الجماعة «عبد الملك الحوثي» في سياق تعزية القيادة الإيرانية، بأن دماءه «لن تذهب هدرًا»، بينما أعلن رئيس ما تسمى اللجنة الثورية العليا، التابعة للحوثيين، محمد علي الحوثي قائلًا: «إن الرد السريع والمباشر، بضرب القواعد العسكرية الأمريكية، المنتشرة في المنطقة، هو الحل، و الخيار الأفضل، ولكن الأمر المؤكد، أن جماعة الحوثي لن تتخذ أي إجراء، وستبقى في انتظار التوجيهات التي ستأتيها من إيران؛ حيث أشار بعض الباحثين، أنه لطالما دعمت إيران القدرة البحرية للحوثيين، و حان موعد رد الجميل، من خلال خوض حرب عصابات في البحر الأحمر، وتنفيذ عمليات بدافع الانتقام(11).
الهوامش:
1- Aniseh Bassiri Tabrizi and Raffaello Pantucci, Understanding Iran’s Role in the Syrian Conflict,Occasional Paper, Royal United Services Institute for Defense and Security Studies, 2016, pp. 1-3.
2- Michael Eisenstadt, Iran and Iraq, Iran Primer, 2015, available athttps://www.washingtoninstitute.org/uploads/Documents/opeds/Eisenstadt20150913-IranPrimer.pdf .
3- Emile Hokayem, Iran and Lebanon, Iran Primer, 2016, available at https://iranprimer.usip.org/sites/default/files/PDF%20Iran%20Region_Hokayem_Lebanon.pdf.
4- MOHAMMAD HASSAN AL-QADHI, THE IRANIAN ROLE IN YEMEN and its Implications on the Regional Security, Arabian Gulf Centre for Iranian Studies, pp. 37-50.
5- محمود الورواري، مقتل "قاسم سليماني".. استفادة النظام الإيراني وخيارات الرد، العين الإخبارية، 7/1/2020، متاح على الرابط التالي https://al-ain.com/article/the-killing-of-qassem-soleimani-benefited-iran .
6- ترامب بعد الضربة الإيرانية: كل شيء على ما يرام "حتى الآن"، سكاي نيوز عربية، 8/1/2020، متاح على الرابط التاليhttps://cutt.ly/0rshTjo .
7- كيف سيؤثر مقتل قاسم سليماني على الأوضاع في العراق؟ وكالة الأنباء الألمانية (دويتشة فله)، 3/1/2020، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/ArsjnoA .
8- نائب وزير الدفاع السعودي يزور واشنطن ولندن لبحث التهدئة في المنطقة، 24: الخبر بين لحظة و ضدها، 5/1/2020، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/zrskpj2 .
9- حكومة دبي تنفي مزاعم بتهديدات إيرانية موجّهة للإمارة، الشرق الأوسط، 8/1/2020، متاح على الرابط التاليhttps://cutt.ly/srskK0C .
10- الدفاع الكويتية: انسحاب القوات الأمريكية من معسكر عريفجان خلال 3 أيام، 8/1/2020، اليوم السابع، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/8rslo20 .
11- الحوثيون يعمّقون ولاءهم لإيران بحشد مظاهرات، الشرق الأوسط، 7/1/2020، متاح على الرابط التاليhttps://cutt.ly/lrslGHl .