«كراغلة الجزائر» نموذجًا.. «أردوغان» يستغل الأقليات التركية في مخطط الخلافة المشبوه «2-2»
الثلاثاء 14/يناير/2020 - 06:46 م
طباعة
محمود البتاكوشي
شهية توسعية على حساب الغير، تراود الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في سبيل تحقيق أحلامه العثمانية، التي لا يمل من التصريح بها، والتأكيد عليها في كل مناسبة، فوهم استعادة أملاك الدولة العثمانية البائدة، ما زال يدفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى العدوان على دول الجوار؛ مستغلًا الأقليات التركية كورقة ضغط في مخططه الخبيث.
خلال الحكم العثماني لبلدان المغرب العربي، تزوج جنود الإنكشارية الأتراك، بنساء محليات في الجزائر، وعن هذه الزيجات، نتجت قبائل، مازالت موجودة حتى اليوم، تدعى قبائل الكراغلة، ويطلق عليهم «ابن العبد»، وهو مصطلح شامل، يطلق على كل البلدان التي حكمها العثمانيون الأتراك، ليسوا كلهم بالضرورة من قومية تركية، بل منهم الكثير من دول البلقان والشراكسة والبوسنة و اليونان، وباقي إثنيات شرق أوروبا، التي كانت تشكل القوة الضاربة لجيوش العثمانيين.
كما تشمل هذه التسمية، ذرية الزيجات المختلطة، التي كانت بين رجال هؤلاء العثمانيين، والنساء المحليات، «تونسيات أو ليبيات أوجزائريات»، أكدت الإحصائيات التركية، وجود أكثر من 2 مليون جزائري، من أصول تركية، في بلد المليون شهيد؛ إذ يوجد أكثر من 200 عائلة، تنتمي لقبائل الكراغلة، يشكلون أكثر من 5%، من تعداد الشعب الجزائري الشقيق، ويتركزون في مدينة المسيلة والمدية وغيرها من المدن الساحلية، وهو ما يستغله أردوغان؛ لتنفيذ مخططاته الخبيثة، بعد أن أيقن صعوبة تنفيذ تهديداته بالوجود العسكري في ليبيا.
أردوغان حاول استغلال الحراك، الذي شهده الشارع الجزائري، منذ 22 فبراير 2019، من خلال تأليب أتراك الجزائر، وحثهم على إحداث قلاقل وفتن؛ بهدف أن يصبح له مخلب قط، كما حدث في ليبيا، من بوابة حكومة الوفاق، لكن الشارع الجزائري لفظهم، وطردهم من تظاهراته، التى عمت البلاد؛ للمطالبة بإصلاحات سياسية.
في الوقت الذي كان يتبنى فيه أردوغان سياسة متوددة، للرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، فتح خط اتصالات سري ومكثف، مع عملائه من أتراك الجزائر، فضلًا عن الإخوان، وعلى رأسهم حركة «مجتمع السلم»، التي واكب صعودها إلى التحالف الرئاسي، تولي أردوغان حقيبة رئاسة الوزراء في أنقرة.
ولعجز أردوغان وعدم امتلاكه المعدات، التي تمكنه من عبور البحر المتوسط؛ لإنزال قواته داخل أراضي المختار، وخاصةً أن المسافة تبلغ حوالي 1300 كيلو بحري، حاول استقطاب حلفاء جدد، في عدوانه على الأراضي الليبية، بعد الرفض الدولي لسياساته، ورغبته في احتلال ليبيا؛ لسرقة خيراتها، فزيارة وزير الخارجية التركي، تشاووش أوغلو، إلى الجزائر؛ للقاء نظيره الجزائري صبري بوقادوم؛ لتبادل محادثات العلاقات الثنائية بين البلدين، كانت محاولة بائسة؛ لتوريط الجزائر في عداونه على أراضي المختار.
حسابات أردوغان، كانت تعتمد في إستراتيجيتها على رفض الجزائر الواضح لخليفة حفتر، وخاصةً أنه عند بزوغ نجمه في مواجهة حكومة الوفاق، زار وزير جزائري مناطق في الجنوب، التقى خلالها قيادات عسكرية، غير موالية لحفتر؛ ما دفع قائد الجيش الوطني الليبي إلى انتقاد هذه الزيارة، واعتبارها انتهاكًا لسيادة بلاده، وهو ما يحاول أردوغان استغلاله.
ما لم يضعه أردوغان في حسبانه، أن أطماعه ستصطدم بعقيدة الجيش الجزائري، الواضحة في رفض المشاركة العسكرية خارج الحدود، لكنه قد يحاول خلال مفاوضاته المكثفة معهم على دعمهم السياسي لحكومة السراج، أو على الأقل عدم معارضة التدخل التركي في الأراضي الليبية، وخاصةً أن أي تصرف غير محسوب، قد يسبب رد فعل من الجزائر، التي ترى في ليبيا إحدى حدائقها الخلفية، وبالتالي فأي وجود عسكري أجنبي في ليبيا، ستراه الجزائر موجهًا ضدها، بل إن الجزائر ستقف قريبًا في الحلف المناوئ لحكومة الوفاق، الحاكمة في طرابلس؛ خوفًا من الوجود العسكري التركي، إضافةً إلى الخوف من تأليب قبائل الكراغلة، ذات الأصول العثمانية؛ لتمرير النفوذ التركي داخل البلاد؛ إذ نفذت تركيا نفس السيناريو مع قبرص؛ ما يشير إلى أنها سياسة تنتهجها تركيا تجاه الدول التي تقع في مناطق نفوذها، وتعود تجربة تركيا في قبرص إلى السبعينيات من القرن الماضي، عندما استخدمت القبارصة ذات الأصول التركية؛ للترويج لمشروعها، وعليه اكتسحت تركيا قبرص، منفذة جريمة حرب في حق القبارصة اليونانيين.
محاصرة القاهرة
تحركات الرئيس التركي، من خلال الاستيلاء على مناطق نفوذ، فى شتى الدول العربية؛ تهدف في أن تكون قريبة من مصر، عن طريق التواجد على حدودها، سواءً من جهة السودان وفلسطين، أو من دول شمال إفريقيا، وذلك في محاولة بائسة؛ لحصار مصر، من خلال الاقتراب من حدودها؛ انتقامًا منها على تصديها لخطط جماعة الإخوان الخبيثة، وخاصةً أن التاريخ شاهد على صراع الدولة العثمانية مع الجيش المصري، كما أن الرئيس عبد الفتاح السيسي وقف حجر عثرة، أمام مخطط تركيا لبسط نفوذها في الشرق الأوسط، ومشروعها الإقليمي؛ للاستحواذ على المناطق الاقتصادية، شرق البحر المتوسط، وخاصة بعد أن أظهرت أعمال التنقيب في منطقة شرق المتوسط، خلال السنوات الماضية، العثور على احتياطات ضخمة للغاز، بينها حقل ظهر المصري.
يشار إلى أن تركيا حاولت عقد اتفاقية، تحفظ لها التوازن في شرق المتوسط، مع الرئيس المعزول محمد مرسي، المحسوب علي جماعة «الإخوان المسلمين»، لكن إزاحته من كرسي رئاسة مصر، وإنهاء حكم «الإخوان المسلمين»، ذهب بآمال تركيا أدراج الرياح؛ ما دفعها لتصعيد إجراءاتها العدائية؛ بهدف إسقاط النظام المصري، أو على الأقل إيقاف مشاريعه، إضافةً إلى إفشال مخطط إعادة الخلافة العثمانية، الذي يلهث وراءه أردوغان.
تمويل الخلافة المزعومة
ولتمويل مخطط الخلافة المزعومة في الشمال الإفريقي، برزت على السطح، الطموحات العثمانية الجديدة، في السيطرة على النفط الليبي، والرهان على دور أكبر، للشركات التركية، والأهم السياسة الهجومية؛ لتثبيت وضعٍ متقدمٍ لتركيا في المياه الإقليمية لليبيا، فاحتلالها شمال قبرص، لم يمنحها ما تريده من ثروات المتوسط، الذي يعد مطمعًا كبيرًا لدول المنطقة برمتها؛ لما تحتويه من مخزون هائل من الغاز الطبيعي، يقدر بأكثر من 100 تريليون متر مكعب، أنقرة تريد إذًا أن يكون لها نصيب وفير من تلك الثروات.
ثروات الطاقة والدور، شكلا المحرك الخطير لتركيا في المنطقة، فبدأت أنقرة استخدام القوة العاتية، وجندت مرتزقة سوريين؛ لزجهم في الحرب على الشعب الليبي، وكانت البداية إرسال مئات من المرتزقة التركمان، ويتتابع وصول فصائل من المجموعات الإرهابية المتطرفة، التي تحمل أسماء، مثل «السلطان مراد» و«سليمان باشا» و«المعتصم»، وهي تابعة كلها للمخابرات التركية، فتركيا تستهلك كميات هائلة من الطاقة سنويًّا، وليس لديها موارد كافية، وتستورد ما قيمته 50 مليار دولار في العام الواحد، ورغم عمليات التنقيب التي تقوم بها أنقرة، إلا أن المناطق البحرية التابعة لها، لا يوجد بها آبار غاز أو نفط.
وهو ما دفعها في وقت سابق من هذا العام، خلال شهر يوليو 2019، إلى إرسال سفن؛ للتنقيب عن الغاز، قبالة سواحل قبرص، وهو ما اعتبرته نيقوسيا استفزازًا وتحركًا غير قانوني.