حرب المناوشات الصغيرة.. أمريكا وإيران بين محدودية الصراع وتصعيد العداء
السبت 18/يناير/2020 - 01:30 م
طباعة
أحمد سامي عبدالفتاح
توتر غير مسبوق للعلاقات بين الولايات المتحدة وايران، على إثره حاصر أنصار الحشد الشعبي السفارة الأمريكية، واقتحموها؛ ما دفع واشنطن للرد القاسي والسريع على تلك البلطجة الإيرانية، وكان يوم 3 يناير 2019، موعدًا لهذ الرد، الذي كان عبارة عن اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني.
بداية الأزمة
بدأ الأمر، حينما قصفت الولايات المتحدة، نهاية ديسمبر 2019، خمسة مواقع، لفصيل كتائب حزب الله العراقي؛ ما أدى إلى مقتل ثلاثين من عناصره، وردًا على هذا الأمر، حاصر أنصار الحشد الشعبي السفارة الأمريكية، وحاولوا اقتحامها؛ ما دفع الولايات المتحدة لاتخاذ رد حاسم، قبل أن تقوم إيران بالرد، من خلال استهداف قاعدة عسكرية أمريكية في العراق.
الخطوة الأمريكية باستهداف قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، ومهندس المعارك الإيرانية في الشرق الأوسط، كانت جريئة وغير متوقعه تمامًا، من قبل الولايات المتحدة، خاصةً أن سياسية الرئيس ترامب دومًا ما تركز على المنافع الاقتصادية والاستثمار في النزاعات، دون التورط بشكل مباشر.
في الوقت ذاته، اعتقدت إدارة الرئيس ترامب، أن عدم اتخاذ رد حاسم على محاولة اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد، سوف يقلل من شعبيته في الفوز بفترة رئاسية ثانية، مع الأخذ في الاعتبار، أن الرئيس ترامب قد تبني برنامجًا انتخابيًّا قوميًّا، تعهد فيه بوقف جماح إيران، ومنعها من التمدد في الشرق الأوسط.
و كانت إيران قد أسقطت طائرة أمريكية مسيرة، فوق مضيق هرمز، قبل عدة أشهر، هنا قرر ترامب أن يردع طهران؛ لتذكيرها بما يمكن أن تؤول إليه الأمور، في حالة اندلاع حرب، على جانب آخر؛ لتدعيم قواعده الانتخابية في الداخل الأمريكي.
على صعيد متصل، بدأت دول الخليج في الفترة الأخيرة التقارب مع روسيا؛ بسبب تداخل المصالح في عدد من دول الشرق الأوسط، ولا يخفى على أحد أن أحد أسباب التقارب، هو رغبة دول الخليج في إقناع روسيا، بالتخلي عن دعم إيران عسكريًّا ودبلوماسيًّا، أو على الأقل تقليله، وفي نفس الصدد، ترغب دول الخليج بإقامة أواصر علاقات قوية مع روسيا، حليف إيران القوي؛ من أجل اللجوء إليها؛ للتوسط في حالة اشتداد النزاع بين الطرفين، وقد اتضح الدور الروسي المتزايد في الخليج، من خلال الزيارات المتبادلة بين الملك سلمان والرئيس بوتين؛ حيث زار الأخير السعودية، في أكتوبر 2019، في أول زيارة رسمية للرئيس الروسي إلى السعودية، منذ 12 عامًا، وقد جاءت هذه الزيارة؛ ردًّا على زيارة الملك سلمان لموسكو في 2017.
محدودية رد الفعل الإيراني وأبعاده
بعد اغتيال سليماني، تعهدت إيران بالرد بقوة؛ ما أثار تكهنات حول إمكانية اندلاع حرب مباشرة، بين الطرفين هنا، كانت إيران أمام خيارين صعبين للغاية.
أولهما، الرد بقوة واستهداف الجنود الأمريكيين في العراق، أو في دول الخليج.
ثانيهما، القيام بقصف منشآت عسكرية فارغة، تابعة للولايات المتحدة؛ من أجل حفظ ماء الوجه.
هنا يتعين أن ندرك، أن إيران تعاني من أزمة اقتصادية حادة؛ نتيجة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وقيامها بفرض عقوبات قاسية على الجانب الإيراني، ويعني ذلك أن إيران ليست في حالة اقتصادية تسمح لها بتقليل الإنفاق العام، وتوجيهه لتغطية نفقات الجيش.
بطبيعه الحال، كان من المتوقع أن تكون سوريا والعراق ساحتي المواجهة بين إيران والولايات المتحدة، رغم قيام إيران بالتهديد بقصف القواعد العسكرية الأمريكية في دول، مثل قطر والإمارات، ويمكننا إرجاع ذلك لامتلاك إيران قوات عسكرية موالية لها على الأرض في البلدين.
ففي العراق، تمتلك إيران قوات عسكرية، تابعة لها، تقوم بتدريب قوات الحشد الشعبي الموالية لها، وفي سوريا، هناك العديد من الميليشيات الشيعية الإيرانية، مثل لواء فاطميون، الذي يقاتل على الأرض مع النظام السوري، ضد المعارضة المسلحة، وإذا أخذنا في الاعتبار أن الولايات المتحدة تمتلك قوات عسكرية، في كل من سوريا والعراق، فكان من المتوقع، أن يكون الرد في إحدى هاتين الدولتين.
بالفعل، جاء الرد في العراق، من خلال قصف إيران لقاعدة عسكرية أمريكية، ورغم تضارب التصريحات بخصوص الضحايا، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه، عقب القصف الإيراني، أكد أن الهجمات الصاروخية الإيرانية، لم توقع ضحايا مدنيين أمريكيين أو عراقيين، كما أكد في تصريحه، أن الولايات المتحدة ستتجاوز الأمر، وستمضي للأمام، في إشارة إلى عدم قيام الولايات المتحدة بالرد على هذه الهجمات الصاروخية.
ضرورة الرد كانت حتمية بالنسبة لإيران، ليس فقط من أجل تعبئة النزعة القومية لدى المواطن الإيراني، ولكن أيضًا من أجل إقناعه بأن إيران تطبق إجراءات تقشفية؛ نتيجة الحرب غير مباشرة، التي تخوضها مع الولايات المتحدة في المنطقة، بعبارة أخرى، سوف تستغل الحكومة الإيرانية الصدام مع الولايات المتحدة؛ من أجل تبرير الفشل الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد منذ فترة طويلة، على صعيد آخر، سوف يستغل الراديكاليين الحرب مع الولايات المتحدة؛ من أجل رفع أسهمهم في الشارع الإيراني، على حساب الإصلاحيين، المؤيدين للتفاوض مع الولايات المتحدة.