بـ«رسائل الجمعة».. «خامنئي» يحاول إنقاذ «سفينة الملالي الغارقة»
الأحد 19/يناير/2020 - 01:52 م
طباعة
وليد منصور
في خطوة لا تتكرر كثيرًا ألقى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أيه الله علي خامنئي، خطبة الجمعة 17 يناير 2020، وهو أمر لم يفعله منذ 8 سنوات تقريبًا، فدائمًا ما كان صعوده المنبر مرتبطًا بأزمة كبيرة تتعرض لها دولة الملالي، ولا يلجأ له إلا من أجل إيصال العديد من الرسائل.
ويكفي أن نذكر آخر مرتين صعد فيهما المنبر لإلقاء خطبة الجمعة، إذ ظهر في عام 2009 أثناء ما يعرف بالثورة الخضراء، التي اشتعلت بعد حديث التيار الإصلاحي بقيادة مهدي كروبي وحسين موسى بتزوير الانتخابات الرئاسية لصالح مرشح المحافظين في ذلك الوقت محمود أحمدي نجاد (رئيس الجمهورية الايرانية لفترتين متتاليتين من 2005 إلى 2013)، والتي اندلعت بشكل كبير من أنصار النظام، وكانت تشير إلى أن هناك انقسامًا كبيرًا بين رجال المرشد الأعلى، لكن هدأت الأمور بعد خطبة "خامنئي" بشكل كبير إلا أن شرخًا في جدار السلطة حدث ولم ينته، وانتهى الأمر بفرض الإقامة الجبرية على مهدي كروبي حتى الآن.
الخطبة الأخرى لخامنئي كانت عام 2012، للرد على الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حينما أعلن أن جميع الخيارات متاحة للرد على إيران من أجل منعها من الحصول على السلاح النووي.
ظهور 2020 مختلف
ظهور المرشد الإيرانى على منبر الجمعة هذه المرة مختلفًا تمامًا وسط أزمات داخلية وخارجية لم تشهدها البلاد من قبل سواء انتشار المظاهرات في أكثر من 134 نقطة في مختلف المناطق، وإهانة لرموز النظام على رأسهم المرشد، واتهامه بالفشل وتمزيق صوره، وكذلك انتقادات كبيرة لتعامل النظام الإيراني مع حادث استهداف الطائرة الأوكرانية، وسط تصعيد أمريكي باستهداف الرجل الثاني في إيران قاسم سليماني قائد فيلق القدس، فيما يشير إلى انتهاج واشنطن سياسة جديدة تجاه طهران تعتمد على الردع المباشر وليس على الصبر الإستراتيجي والاكتفاء بفرض العقوبات الاقتصادية القصوى.
عدة رسائل حاول المرشد إيصالها للداخل والخارج كانت أهمها هي محاولة تهدئة الأوضاع واستعادة الهيبة المفقودة، والتاكيد على أنه لا يزال الحاكم الأول المتصرف في شؤون الحكم، وذلك عقب الخلاف الكبير مع رئيس الجمهورية حسن روحاني الذي حمل الحرس الثوري وخامنئي، مسؤولية تفاقم الأمور والانهيار الاقتصادي.
رسائل التنصل من المسؤولية
حاول المرشد خلال الخطبة التنصل من الفشل الاقتصادي بتحميل الأمر إلى الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولم يتحدث عن دعمه الميليشيات المسلحة في أربع دول عربية بمليارات الدولارات، كما عمل على إيصال رسالة دعم وتأييد للحرس الثوري بأنه حامي البلاد بعد الانتقادات الشديدة الموجهة له وتحمله استهداف الطائرة الأوكرانية.
كما عمل على إيصال رسالة للمتظاهرين ضده، أنهم يعيشون وسط مؤامرة تحيكها الدول الغربية ضدهم، وأنهم مغرر بهم ولا يفهمون ما يدور خلف الكواليس.
تصدير رسالة الوهم إلى الخارج
لم تكن خطبة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية موجهة للداخل فقط ولكن ثمة إشارات حاول توجيهها إلى الخارج، منها أنه تحدث فى جزء من الخطبة باللغة العربية متطرقًا إلى العلاقات مع العراق، وحاول فيها استمالة الكتلة الصلبة من الشيعة بالعالم العربي والتي انقلبت على مشروعه بشكل كبير وأصبحت تطالب بإخراج النفوذ الإيراني من العراق ولبنان، وهو تحول كبير في رؤية الشيعة العرب للمشروع الإيراني.
ومن أهم الرسائل الموجهة إلى الخارج، انتقاده الكبير للدور الأوروبي بأنه حليف وتابع للولايات المتحدة الأمريكية، وبأنه لا يستطيع إلا الانصياع للأوامر الأمريكية، وفي نفس الوقت لم يغلق باب التفاوض مطلقًا، ولكنه اشترط أن يكون مع أي أحد إلا واشنطن.
خطاب تعبوي
في المجمل يمكن وصف خطبة خامنئي بأنها "خطاب تعبوي" حاول جمع شمل الإيرانيين واستدل بآيات قرانية وبأن الضربة الإيرانية للقواعد الأمريكية، هي من «أيام الله» ليضيف قداسة، ويعمل على تحويل أيديولوجية المواجهة بين إيران والغرب على أنها صراع ديني وليس صراعًا سياسيًّا، ومحاولة بث الصبر فى جموع الشعب في مواجهة المشروع الأمريكي، واستخدام نظرية المؤامرة في وصف كل المظاهرات التي تطالب بإسقاط المشروع الإيراني في العراق ولبنان وغيرها بأنها مؤامرات غربية ضده يجب التصدي لها.
ونهاية هناك تنازلات كبرى تخص المشروع التوسعي الإيراني يجب أن يخضع لها المرشد، خاصة بعد استهداف «قاسم سليماني» وهو مهندس المشروع التوسعي والذي عمل عليه طوال مدة 22 عامًا من وجوده على رأس فيلق القدس، وتأتى تلك التنازلات في مقابل بقاء النظام، ويقول إن هناك أمورًا وتغييرًا كبيرًا قد يطرأ على النظام الإيراني في الفترة المقبلة، لن تفيد فيها خطب المرشد ولن تستطيع استرجاع شعبيته المتآكلة بالفعل.