باستباقية التفكيك والهوية الوطنية.. هكذا أدار المغرب ملف الإرهاب باقتدار
السبت 22/فبراير/2020 - 11:08 م
طباعة
أحمد عادل
كان للنهج المغربي في مواجهة التطرف، بأبعاده الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، من القوة والحسم، الكفاية؛ ما حاز بصدى عالمي لدى الأوساط السياسية الدولية؛ حيث ترجم المغرب قناعته الأمنية العميقة بأن الأولوية هو الارتكاز على التحرّك الاستباقي، بجانب عمليات الإصلاح الديني التي مارست البلاد مع العناصر الإرهابية.
الاستباقية في التفكيك
وترتكز الاستراتيجية المغربية لمكافحة الإرهاب على مرتكزات متعددة، منها المقاربة الأمنية الاستباقية، بتفكيك الخلايا الإرهابية، وإنفاذ القانون، وإصلاح المجال الديني، من خلال ضبط الحقل الديني، والخطب الدينية، والمساجد والأئمة، وإطلاق مشاريع تنموية موجهة للمناطق المهمشة؛ خاصًة الريفية، التي كان ينتعش فيها الخطاب المتشدد.
وفي عام 2017، أطلق المغرب استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب في البلاد، تعرف بـ«المصالحة»، والتي تهدف إلى تأهيل العناصر المتطرفين المسجونين في قضايا تتعلق بالإرهاب تمهيدًا لإعادة دمجهم في المجتمع، ويقوم على ثلاثة محاور، هي: المصالحة مع الذات، والمصالحة مع المجتمع، والمصالحة مع النص الديني، وبلغ مجموع المستفيدين من البرنامج 150 من سجناء التطرف والإرهاب، من أصل 500 سجين، وذلك بحسب بيان أصدرته وزارة الداخلية المغربية.
ومن ملامح الضربات الاستباقية، التي بدأت تتضح رؤيتها بعد تفجيرات الدار البيضاء، والتي هزت أرجاء المملكة في عام 2003، والتي راح ضحيتها ما يقرب من 45 شخصًا، وعلى إثرها أقر البرلمان المغربي قانونًا لمكافحة الإرهاب يعطي صلاحيات واسعة للأجهزة الأمنية، كما جرى اعتقال الآلاف من الأشخاص ينتمون في أغلبهم إلى ما يسمى بـ«السلفية الجهادية»، وحكم عليهم بالسجن لمدد مختلفة تصل إلى المؤبد، بموجب هذا القانون؛ حيث اعتقل ما يقرب من 2000 شخص مشتبه بهم لعلاقتهم بصورة أو بأخرى بالهجمات في مايو 20004.
تقوية قدرات الرصد
وبحسب فرانس 24، أشارت إحصائيات رسمية إلى أن المملكة المغربية فككت أكثر من 140 خلية إرهابية منذ تفجيرات الدار البيضاء، في إطار خطة استباقية للأجهزة الأمنية المغربية، ومن بين تلك العمليات إحباط مشروع شبكة إرهابية تنشط بالمغرب وإسبانيا ضمن تنظيم داعش الإرهابي.
وفي عام 2019، قالت وزارة الداخلية المغربية، في بيان لها، إنها عملت على تقوية قدرات الرصد والمراقبة على مستوى نقط العبور الحدودية، وتقوية العمل الاستعلاماتي، وتبادل المعلومات، والتنسيق مع مختلف المصالح الأمنية، مضيفًا أنها تبنت بتنسيق مستمر مع المصالح الأمنية في مجال محاربة الإرهاب سياسة تتغير وفق استراتيجيات المجموعات الإرهابية.
وفي عام 2008، أطلقت المغرب عملية لإصلاح الخطاب الديني، وذلك عن طريق فقهاء الشرط في المناطق الريفية؛ حيث يعد تلك الفقهاء من المجتمع المغربي مهمتهم أداء الخدمات الدينية، مثل إمامة الناس في صلواتهم، وإفتاء بالآراء الدينية فيما يخص دينهم ودنياهم، وما كان يميز فقهاء الشرط، أنهم كانوا يعملون وفق ارتباط شفوي مع وجهاء وعوائل القرى المغربية، فالعوائل تتكفل بإسكان الفقيه وإطعامه، وتقدم المبالغ المالية له.
وفي عام 2014، أصدر مرسوم ملكي من الملك محمد السادس، يحظر على الأئمة والخطباء في المساجد تبني المواقف السياسية الخاصة بالأحزاب والجماعات السياسية في البلاد، وفي أعقاب تفجيرات 2003، تطورت الحكومة المغربية، والمؤسسات الدينية؛ حيث تم هيكلة وزارة الأوقاف؛ لضمان سيطرتها على معظم المساجد في المغرب، واستحداث مديرية التعليم العتيق الديني بها؛ حيث تم تطويره بتلقي طلاب العلوم الشرعية دراسة عدد من اللغات الأجنبية، والانفتاح على العلوم الإنسانية والاجتماعية.
المذهب المالكي.. والهوية المغربية
وفي أعقاب تفجيرات 2003، أصبح التصوف السني من مسلمات الخطاب الديني الرسمي في المغرب، وعماد السياسة الدينية، وأحد الركائز الأساسية في تعريف الهوية والخصوصية الدينية المغربية، إلى جانب المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية؛ ما أدى إلى صعود التصوف بعد وضع خطة إعادة هيكلة الحقل الديني التي اتخذت من التصوف السني أحد معالمها الأساسية في ضمان الأمن الروحي للمملكة، بحكم أنه يعكس طبيعة الإسلام الشعبي الذي يتسم بطابعه الروحي المسالم والبعيد عن التعصب والتشدد.
وتبرز مظاهر الرعاية الرسمية للطرق الصوفية في تسليم الهبات الملكية لبعض الزوايا، وكذلك في تنظيم الندوات العديدة والمهرجانات الفنية ذات الاتجاه الصوفي، فضلا عن تخصيص برامج إعلامية عديدة في القنوات التلفزيونية لبث شعائر التصوف وسط المغاربة؛ ما تزايد عدد أعضاء التيار الديني الشعبي الموالي للسلطة السياسية في المغرب.