حقوق الإنسان ومـجابهة الجماعات الإرهابية المسلحة في دراسة جديدة
الإثنين 04/مايو/2020 - 01:44 ص
طباعة
حسام الحداد
من أهم الموضوعات المثارة بين الفقه الدولي ومنظمات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان موضوع تحقيق التوازن بين حق الدولة السيادى في مواجهة خطر الإرهاب واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومبادئ سيادة القانون إبان إجراءات مكافحة الإرهاب، وهو ما أكدت دراسة رسمية نشرت على الموقع الرسمى للهيئة العامة للإستعلامات تحت عنوان :" حقوق الإنسان ومجابهة الجماعات الإرهابية المسلحة". والتي قام بها المستشــار عادل ماجد نائب رئيس محكمة النقض المصرية وروان عادل ماجد قسم العلوم السياسية، الجامعة الأمريكية بالقاهرة
وموضوع الدراسة تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عدة قرارات صادرة عنها معنونة "حقوق الإنسان والإرهاب"، أعقبتها بحزمة من القرارات معنونة "حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب". ومما لا شك فيه أنه سوف يكون من المستوجب عند تقييم مدى مراعاة الدول لمبادئ حقوق الإنسان وسيادة القانون في سياق مكافحة الإرهاب، النظر إلى حجم الأخطار الناجمة عن الإرهاب، وما تسببه من خسائر في الأرواح والممتلكات، ذهبت في عصرنا الحالي إلى الانتقاص من سيادة وهيبة الدول.
كما يرتبط الموضوع المتقدم ارتباطاً وثيقاً مع موضوع حماية ضحايا الإرهاب. وسوف نلاحظ من خلال هذه الدراسة أن مسألة حماية ومساعدة ضحايا الإرهاب، لا تثير مشكلات سوى تلك المتعلقة بتحديد الضحايا وبالإمكانات والآليات المتاحة لجبر أضرارهم، كما سوف نلاحظ أيضاً أن المجتمع الدولي يولي ضحايا الإرهاب اهتماماً شديداً، آية ذلك ما جاء بالمحورين الأول والرابع من استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، حيث أعتبر المحور الأول من الاستراتيجية أن تجريد ضحايا الإرهاب، بجميع أشكاله ومظاهره، من إنسانيتهم، يُعد من بين الظروف المؤدية للإرهاب، كما ركز المحور الرابع المتعلق بالتدابير الرامية إلى احترام حقوق الإنسان للجميع وسيادة القانون على الموضوعات المتعلقة بحماية حقوق ضحايا الأعمال الإرهابية.
وقد عانت وتعاني المنطقة العربية من خطر الإرهاب وتداعياته بعد أن اجتاحتها موجة عاتية من الإرهاب "المنظم"، تقوم عليه جماعات الإرهاب المسلح، التي ترتكب خلال هجماتها أشد الجرائم بشاعة وجسامة، دون مراعاة لأدنى مبادئ الإنسانية، وترتب على ذلك سقوط أعداد لا حصر لها من المدنيين ما بين قتيل وجريح. وتزامن ذلك مع تدخل قوى إقليمية ودولية تعمل على خلق الصراعات على أسس دينية وطائفية وعرقية، لهدف واضح هو زعزعة الاستقرار وتدمير الجيوش العربية، بما يؤدي حتماً إلى إضعاف النظم العربية، وتفتيت الأوطان. وتتميز هذه الصراعات بأنها تدور أساساً بين قوات نظامية وميلشيات انفصالية أو جماعات مسلحة غير نظامية تستخدم الإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافها، وهي لا تسعى من خلاله إلى إثارة الفزع وإشاعة الرعب في النفوس فقط - وهي الأغراض النهائية للإرهاب التقليدي - بل إلى الانتقاص من هيبة الدول وسيادتها الإقليمية. ولذلك لم تتردد منظمة الأمم المتحدة في النظر إلى الموجة الجديدة من الهجمات الإرهابية منذ بداية هذا العقد على أنها تهدد السلامة الإقليمية للدول وأمنها وتزعزع استقرار الحكومات.
وفي مصر استهدف الإرهاب الأسود أبناء الشعب المصري وأفراد القوات المسلحة والشرطة – على حد سواء - في هجمات غادرة، لا تفرق بين عسكري ومدني، مسلم ومسيحي، ولا تأبه بطفل أو شيخ، بما ترتب عليه سقوط مئات الشهداء والمصابين. وخطورة هذه الموجة العاتية من الإرهاب أنها تقوم عليها جماعات تكفيرية متشددة، لا تتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم، باسم الدين، فتعتمد في شق منها على توظيف الدين لخدمة أهدافها، عن طريق استغلال سذاجة جماعات بعينها أو نزعتها الطائفية وطمعها في السلطة، أو دغدغة مشاعر من ينتمون لتيارات الإسلام السـياسي المتشدد وتمويلهم بالمال والسلاح لتحقيق أهدافهم. ولم تعد العمليات الأمنية التقليدية تكفي لمواجهة هذا النوع الجديد والشرس من الإرهاب، فكان من اللازم تدخل القوات العسكرية لمواجهة تلك العمليات الإرهابية الواسعة بطريقة شاملة، ولاستهداف منفذيها، لمنع وقوع المزيد منها مستقبلاً.
وكالعادة تتشدق بعض الجهات ووسائل الإعلام الأجنبية بالمخاطر الناتجة عن هذه المواجهة العسكرية الشاملة، وما لها من أثر على جوانب حقوق الإنسان المختلفة، فيزعم البعض منها أنه يتم وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان أثناء تلك المواجهات، ويزعم الخبيث منها أنه يتم خلالها قتل "المتمردين" "خارج إطار القانون"! وهي عبارات لها دلالات قانونية خطيرة، على النحو الذي سوف نوضحه لاحقاً. إن موضوع حماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب يثير مشكلات عدة ذات طبيعة قانونية وسياسية واجتماعية، ومن ثم فقد كان من اللازم أن يتم التصدي لمثل هذه المزاعم بالبحث والتحليل والرد عليها بطريقة مدروسة وموثقة، لتبيان حقيقة ما يحدث في سيناء وغيرها من ربوع مصر في إطار العملية الشاملة لمجابهة الإرهاب: سيناء 2018، مع بحث المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان التي تثيرها المجابهة مع الجماعات الإرهابية المسلحة.
وقد خصصت دراسات سابقة للتصدي للعديد من المشاكل التي تثيرها ظاهرة الجماعات الإرهابية المسلحة والإرهابيين الأجانب، خاصة من ناحية تحديد الطبيعة القانونية لتلك الجماعات، والتحليل القانوني الدقيق لأنماط الجرائم الإرهابية التي ترتكبها مع وضع الخطوط القانونية العريضة للاستراتيجيات الميدانية اللازمة لمواجهتها، والطبيعة القانونية لرد سلطات الدولة عليها، في ضوء القواعد والممارسات الدولية، وهي أمور تنظمها عادة – على المستوى الدولي - القواعد المنظمة للصراعات المسلحة، وعلى المستوى الوطني القوانين العسكرية.
أما الدراسة الحالية فقد خصصت لاستجلاء حقيقة الواقع في الموضوعات المتعلقة بحقوق الإنسان حال مجابهة الإرهاب المسلح، باعتبارها تشكل نموذجاً حديثاً يستلزم المزيد من البحث، مع التركيز على الموضوعات المتعلقة بحماية المدنيين، وتعويض الضحايا، في سياق ما تقوم به قوات إنفاذ القانون من عمليات، رداً على الهجمات الإرهابية المسلحة.
والقارئ لهذه الدراسة سوف يلحظ تجاذباً واضحاً بين مجموعتين من القواعد، أولهما تلك المتعلقة بحقوق المشتبه بهم والمتهمين بارتكاب جرائم إرهابية، وثانيهما المتعلقة بحق الدولة في اللجوء إلى القوة المسلحة بل واستخدام القوة الغاشمة ضد الجماعات الإرهابية المسلحة. ولذلك دعت العديد من وثائق الأمم المتحدة إلى العمل على تحقيق التوزان بين موجبات الدفاع عن الأمن القومي حال مكافحة الإرهاب، وبين احترام القواعد الدولية لحقوق الإنسان. إلا أننا سوف نتبين أن هذا التوازن المطلوب تقل حدته عند التعامل مع عناصر الجماعات الإرهابية المسلحة، على النحو الذي سوف تفصح عنه السطور في هذه الدراسة.
وبالنظر إلى اتساع نطاق الموضوعات المتعلقة بقواعد حقوق الإنسان الواجبة التطبيق حال مكافحة الإرهاب، مثل الموضوعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب كحق من حقوق الإنسان وتطبيق قواعد سيادة القانون حال مكافحة الإرهاب وجبر أضرار الضحايا وتعويضهم، فسوف تركز الدراسة على تحديد المنظومة القانونية والحقوقية الواجبة التطبيق على ضحايا الصراعات مع الجماعات الإرهابية المسلحة.
وعليه فقد تناول الدراسة الموضوعات الآتية:
(أولاً) دلالات مجابهة الإرهاب المسلح كحق من حقوق الإنسان، حيث نستعرض مدى التزام الدولة بمجابهة الجماعات الإرهابية المسلحة كأحد التزاماتها الأساسية المتفرعة عن حماية حقوق الإنسان، التي رسخها الدستور، ثم نعرج لبيان طبيعة جرائم الجماعات الإرهابية المسلحة، وما لها من أثر على حقوق الإنسان، تمهيداً لتحديد قواعد جبر الضرر المطبقة بشأنها.
(ثانياً) وضع الجماعات الإرهابية المسلحة من منظومة حقوق الإنسان الدولية، حيث نناقش مدى تمتع عناصر تلك الجماعات بأي حقوق أثناء العمليات العسكرية، سواء طبقاً للمنظومة الدولية لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي، وأثر ذلك على تعامل قوات إنفاذ القانون معهم.
(ثالثاً) الإشكاليات القانونية المتصلة بحماية وجبر أضرار ضحايا النزاعات مع الجماعات الإرهابية المسلحة، مع إبراز أهم القواعد الدولية المطبقة في هذا المجال، وحقوق ضحايا الهجمات الإرهابية المسلحة، حيث نستعرض مفهوم الضحايا، ومدى ما توفره الوثائق الدولية والنظم القانونية الحديثة من حماية لضحايا المواجهات بين القوات المسلحة النظامية وبين الجماعات الإرهابية المسلحة، ونفرق في هذا الشأن بين ضحايا الهجمات المباشرة للهجمات الإرهابية، والضحايا الذين يسقطون عَرضَاً أثناء العمليات، والذين يُطلق عليهم "الضحايا العَرضَيين" collateral damage، بالنظر إلى أن معظم النزاعات الدائرة في البلدان العربية حالياً يتوافر فيها هذا النمط من الصراعات، وتُخلف هذا النوع من الضحايا.
ومن خلال المحاور التي تناولتها هذه الدراسة تم التركيز على مدى خطورة الجرائم الإرهابية، وما تسببه من خسائر فادحة في الأرواح ومعاناة للضحايا. كما خلصنا إلى وجود التزام إيجابي على سلطات الدولة بحماية أرواح مواطنيها من خطر الإرهاب، دفاعاً عن حق الإنسان في الحياة والأمن، ويمتد هذا الالتزام ليشمل جميع الأفراد المقيمين على اقليم الدولة أو الخاضعين لولايتها.
كما دللت الدراسة على أنه لسلطات الدولة، إنفاذاً لهذا الالتزام، أن تستعين بالقوة المسلحة حال مجابهة الجماعات الإرهابية المسلحة، ممارسة لحقها المشروع في الدفاع عن النفس، بما يشمل حق قوات إنفاذ القانون في شن ضربات استباقية ضد الجماعات الإرهابية المسلحة لمنع ارتكاب المزيد من الهجمات الإرهابية.
وأشارت الدراسة إلى أن التزام الدولة الإيجابي بمكافحة الإرهاب، لا يقتصر فقط على استهداف العناصر الإرهابية، والاضطلاع بعمليات قتالية ضد الجماعات الإرهابية المسلحة، ولكن أيضاً يمتد ليشمل تصميم استراتيجيات فعالة للمنع، تعمل على مواجهة الفكر المتطرف، وضحد الفكر التكفيري، الذي يؤدي إلى التطرف العنيف، ويفضي إلى الإرهاب، وأن تبني سياسات تعمل على "تجديد الخطاب الديني"، وفقاً لخطط عمل وسياسات مدروسة، يدخل ضمن سياسة المنع هذه.
وأوضحت الدراسة من خلال جنبات هذه الدراسة أن الجيش المصري يحترم أعراف وقوانين الحروب والقيم الأخلاقية حتى في تعامله مع عناصر الجماعات الإرهابية المسلحة، فضلاً عن حرص القوات المسلحة المصرية وغيرها من قوات إنفاذ القانون، إبان عملياتها العسكرية ضد عناصر الجماعات الإرهابية المسلحة، على حياة المدنيين الذين ينغرس أولئك الإرهابيون بينهم، مما يضطر القوات المصرية إلى استخدام اسلوب قتالي متطور يتوخى الحذر في استهداف الإرهابيين لتجنب وقوع ضحايا عرضيين من المدنيين، فيما يُطلق عليه أسلوب العمليات العسكرية الجراحية.
ونتيجة هذه الدراسة ضحد محاولات بعض الجهات إضفاء الحماية على المقاتلين الإرهابيين الناشطين في سيناء، أو التذرع بحماية حقوق من يقومون بعمليات إرهابية، إذ أنه بحملهم السلاح ضد الوطن يخرجون عن مفهوم المدنيين ويدخلون في مفهوم المقاتلين غير الشرعيين الذين لا يسبغ عليهم القانون الدولي أي حماية، إلا عند ضبطهم بمعرفة قوات إنفاذ القانون، فيتم التعامل معهم وفقاً للقوانين السارية، وبصفة خاصة قانون الإجراءات الجنائية وقانون مكافحة الإرهاب وقانون القضاء العسكري.
وإيضاح أن القانون الدولي يولي حالياً اهتماماً خاصاً بضحايا الإرهاب، ويوفر لهم العديد من معايير الحماية القانونية، إلا أن تلك المعايير مشتتة بين العديد من المواثيق الدولية، وهي تنقسم أساساً إلى معايير إجرائية أثناء مراحل الدعاوى القضائية، ومعايير موضوعية أهمها جبر الضرر والتعويض، فضلاً عن أوجه المساعدة الأخرى التي يمكن تقديمها للضحايا (صحية – نفسية – اجتماعية ...). ويحث الفقه الدولي والعديد من وثائق الأمم المتحدة الدول على وضع استراتيجية وطنية متكاملة للتعامل مع ضحايا الإرهاب، توفر لهم ولأسرهم كافة أوجه الحماية والمساعدة المتطلبة، وتعمل على تسيير حياتهم على الوجه المعتاد.
والتأكيد على أن الالتزام بجبر الضرر الواقع على الضحايا وتعويضهم عن آثار الجريمة أضحى مبدأً راسخ في قواعد القانون الدولي، ومن ثم يجب النظر في وضع معايير ثابتة تلتزم بمقتضاها الدول بتعويض ضحايا جرائم الإرهاب، ويجب أن يكون تعويض الضحايا كافياً وفعالاً ومتناسباً مع جسامة الجريمة وأن يتم بطريقة سريعة.
أما بالنسبة للضحايا العرضيين، فقد انتهت الدراسة إلى أن الشخص الإرهابي يجب أن يحاسب عن قصده الاحتمالي فيما يسقط من ضحايا مدنيين، عند شن العمليات الإرهابية المسلحة، بحيث تكون مسئوليته في جميع الأحوال عمدية، فلا يوجد ما يسمى بالضحايا العرضيين للعمل الإرهابي. أما بالنسبة للضحايا المدنيين الذين يسقطون عرضاً جراء الأعمال القتالية للقوات المسلحة النظامية، ضد الجماعات الإرهابية المسلحة، فيجب على الدولة تعويض أولئك الضحايا وأسرهم عما لحق بهم من ضرر، لعدم خلق حالة مظلومية عامة لدى أهالي أولئك الضحايا، والمجتمع بصفة عامة.
وأكدت في مواضع متعددة من هذه الدراسة أنه يجب على السلطات الوطنية المختصة الرد على ما يصدر من تقارير دولية عن منظمات الأمم المتحدة المعنية بمسألة "حماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب" – خاصة تلك الصادرة عن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان والمقرر الخاص المعني بتشجيع وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب – بطريقة موضوعية بعد دراسة متأنية، وفقاً لما تناولته هذه الدراسة من أسس قانونية(99)، واضعين في الاعتبار أن ولاية المفوض السامي والمقرر الخاص بموضوع حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب وما يتم إعداده من تقارير في هذا المجال، تخضع لتقييم وتقدير الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأشارت إلى أن المتتبع لبيانات المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية، سوف يلحظ بجلاء حرص قوات إنفاذ القانون على احترام معايير حقوق الإنسان حال قيامها بعملياتها العسكرية ضد الجماعات الإرهابية المسلحة، وكذا حماية أرواح المدنيين بدلالة دقة العمليات التي تقوم بها لتجنب سقوط الضحايا العرضيين. لذلك فمن المهم أن تعمل السلطات المختصة برفع التقارير الوطنية لآلية المراجعة الدورية بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، على إظهار كيف تمكنت قوات إنفاذ القانون في مصر من تحقيق الموازنة المطلوبة بالحفاظ على حقوق الإنسان في سياق مجابهة الجماعات الإرهابية المسلحة.