الإسلام السياسي بين الخطاب العقائدي ورهان السلطة (1-3)
الإثنين 18/مايو/2020 - 12:02 ص
طباعة
حسام الحداد
يعد موضوع الإسلام السياسي من الموضوعات الراهنة التي لا زال يشوبها الغموض، ولم تستوف حقها بعد من التحليل والاستقصاء خاصة بعد دخول عديد من الأحزاب ذات التوجه الديني مجال العمل السياسي الرسمي مما بات يطرح عدة تساؤلات حول حقيقتها ومنهجها السياسي ومحاولة استقصاء طبيعتها ومرجعياتها و البحث عن مستقبلها السياسي .
ومن هنا يعالج كتاب نعيمة كراولي "الإسلام السياسي بين الخطاب العقائدي
و رهان السلطة مع التركيز على تونس" الصادر عن المركز العربي الديمقراطي – برلين في مايو 2020، إشكالية الإسلام السياسي المطروحة في المجتمعات والدول الإسلامية من حيث المصدر والممارسة والتأثير ومدى تطابق ذلك مع حقيقة الإسلام بحضارته البناءة ورسالته القائمة على العدل والمساواة .
يتضمن الكتاب من جهة أولى دراسة تحليلية نقدية خاصة حول موضوع التباين وأحيانا التناقض بين الإسلام الحقيقي والمصادر الإسلامية البناءة والنبيلة ومن جهة ثانية الإسلامي السياسي وممارساته الميدانية من خلال الحركات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي.
تمّ التركيز على تونس نموذجا ووفق ذلك تمّ تقديم قراءة في الكتاب متمثلة في أن السائد في تونس من طرف الحركات الإسلامية وعلى رأسها حركة النهضة، هو التغليط أو التمويه باسم الإسلام بهدف الوصول إلى السلطة والبقاء فيها بعيدا عن المحتوى والعمق الحقيقي للإسلام الذي تجتمع حوله الأغلبية الساحقة من المجتمع التونسي وتصبو إليه. إن توجه حركة النهضة وممارساتها اعتبرها الغرب نموذجا مثاليا للديمقراطية، ليس طبعا بحكم المبدأ، ولكن بحكم أن ذلك يساير الاستراتيجية الغربية الشاملة في العالمين العربي و الإسلامي.
وتكمن إشكالية الدراسة التي بين أيدينا في أن حركات الإسلام السياسي في العالمين العربي والإسلامي بتناميها المتزايد باتت تثير تساؤلات عدة حول هذه الحركات التي تمكنت من الوصول إلى الحكم رغم إعلان الغرب - بزعامة الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب و على التنظيمات الإسلامية – وحسب الباحثة تتمحور إشكالية الدراسة حول البحث عن عوامل نشأة وصعود حركات الإسلام السياسي ومن يقف وراءها، ومدى تشبثها بالديمقراطية وتطبيقها لها والمشاركة السياسية؟ وهذا ما تحاول الإجابة عليه من خلال تعرضها في الجزء الأول لنشأة الإسلام السياسي وتطوره ، وفي الجزء الثاني للخلفيات السياسية للإسلام السياسي وفي جزء ثالث نهاية الإسلام السياسي مع التركيز عل تونس كدراسة حالة.
نشأة وطبيعة الإسلام السياسي
تقوم الباحثة في هذا الفصل بتعريف الإسلام السياسي فتقول: "يعتبر مصطلح الإسلام السياسي من أكثر المصطلحات جدلية في مجال العلوم السياسة والعلوم الاجتماعية ككل، والذي كان محل عديد من الأبحاث والدراسات، وهو يعبر عن الحركات والقوى التي تصبو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية منهجا حياتيا، مستخدمة بذلك منهجية العمل السياسي الحديث القائم على المشاركة السياسية في السلطة، و كلمة سياسي في مصطلح " الإسلام السياسي " ليست توصيفا للإسلام بمقدار ما هي تعريف للحركات التي تقبل بمفهوم المشاركة السياسية، وخوض الانتخابات والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
و من حيث طبيعة وأهداف حركات الاسلام السياسي، اختلف المفكرون في ذلك انطلاقا من خلفياتهم الفكرية والسياسية والثقافية. كما اختلف في تحديده المختصون ضمن الدائرة الغربية عن الدائرة الاسلامية، وأيضا أصحاب الدائرة الواحدة، فاختلف الكثير من المفكرين والمختصين في الدائرة الاسلامية طبقا لتوجهاتهم السياسية الاسلامية وبيئاتهم السياسية والثقافية وطبيعة الرؤية الاسلامية تجاه
الاسلام من حيث كونه صاحب رؤية شمولية للحياة أم رؤية روحية وأخلاقية للإنسان
إلا أن هذه الاختلافات حول تحديد ماهية ظاهرة حركات الاسلام السياسي لا يعني عدم وجود قواسم أساسية أو مشتركة يمكن الارتكاز عليها . ويطلق على ظاهرة حركات الاسلام السياسي عدة تسميات من أهمها "الاسلام السياسي"، "الأصولية الاسلامية"، "الصحوة الاسلامية" إلى غير ذلك من مصطلحات لديها نفس الدلالة في العرف السياسي إلا أن كلها تجمع بين الاسلام والسياسة . ويرجع اختلاف
تسميات هذه الظاهرة حسب الباحثة إلى تشعبها وصعوبة دراستها من زاوية مستقلة ومحايدة، ويستعمل الفكر السياسي الاسلامي متمثلا في معظم مفكريه مصطلح "الحركات الاسلامية" للتعبير عن "الاحزاب السياسية الاسلامية" بتوجهاتها وأساليب نشاطها . علما بأن الفكر السياسي الاسلامي لا يفرق بين مصطلح "حركة
الاسلام السياسي" أو "الحركات الاسلامية" كما يعبر عنها في العلوم الاجتماعية ، فهذان المصطلحان تضمنتها مفردات اللغة، ويستخدمهما المفكرون المسلمين كتعبير عن حزب إسلامي سياسي
وقد دخلت حركة النهضة منعرجا حاسما على صعيد الممارسة والخطاب بعد الثورة التونسية 2011، التي أعادت النهضة إلى تونس، وأوصلتها للحكم، وطورت خطابها وعدلت تصوراتها، وهو ما ظهر جليًا في مؤتمرها التاسع الذي عقد سنة 2015 والعاشرسنة 2016 الذي تم فيها إقرار الفصل بين الدعوي والسياسي في الحركة.
وعرّفت فيه الحركة نفسها على أنها حزبًا ديمقراطيًا وطنيًا، وتبنّت مفهوما تأويليًا جديدًا لأصول التشريع الإسلامي والتاريخ الإسلامي ككل. وعلى صعيد الممارسة انفتحت النهضة على المجتمع المدني التونسي وعلى الأحزاب التونسية العلمانية، وهي تتواجد الآن جنبًا إلى جنب في الحكومة مع حزبين علمانيين » الترويكا « النداء المحسوب على النظامين القديمين، وقبل ذلك شكلت حكومة يساريين هما حزب المؤتمر برئاسة منصف المرزوقي، وحزب التكتل برئاسة مصطفى بن جعفر. وقد فازت مؤخرًا في أول انتخابات بلدية تشهدها البلاد خلال فترة الانتقال الديمقراطي منذ 2011 ، والتي جرت في شهر مايو 2018 ، بنسبة 27.5%
ورغم أن وصول الإسلاميين إلى الحكم في كل من مصر و تونس كان عن طرق بوابة "الديمقراطية"، والاستحقاق الانتخابي إلا أنهم فشلوا في ممارسة وتطبيق الديمقراطية وتحقيق وعودهم وحلّ القضايا الاقتصادية والإجتماعية فالإسلاميون وحدهم هم المفعمون بالثقة في تونس بعد الثورة .
وبعد ظهور اعتراضات عديدة من الناحية العقائدية على الديمقراطية ذهب بعض المفكرين الاسلاميين الى تبرير تبني الاسلام السياسي للديمقراطية، إلى ادعاء الفصل بين الفكر التنظيري الديمقراطي، وبين آليات الديمقراطية، مدعين رفض الأسس النظرية التي تقوم عليها الديمقراطية، باعتبارها تتعارض في الكثير من أسسها النظرية مع العقيدة الاسلامية، في مقابل تبني الآليات الديمقراطية، على أساس أن الآليات هي مجرد وسائل عملية لا تنطوي على فكر أو عقيدة، بل هي آليات محايدة يستخدمها المسلم كما يستخدمها غيره، كالسيارة التي يستخدمها المسلم في الذهاب إلى المسجد ويستخدمها النصراني في الذهاب إلى الكنيسة.
وتعتبر تونس بعد تولي الاسلام السياسي الحكم خير مثال لانحراف مسار الثورة عن أهدافها حيث أفض الاستحقاق الانتخابي والديمقراطية المزيفة، المدعومة غربيا لصعود وسيطرة الفكر التكفيري على الساحة السياسية بما فيها قبة الرلمان. وهذا ما دفع بالبعض إلى اعتبار أنّ " ما يجري تحت قبة البرلمان التونسي خطير إلى درجة يمكن معها اعتباره تمهيدا لإنقلاب على الديمقراطية وعلى مبادئ الثورة التونسية. وهو ما حذر منه الكثيرون في وقت سابق في محاولة منهم لثني النواب عن انتخاب
راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان ما حدث قبل أيام يؤكد أن ذلك التحذير قد بُني على أسس واقعية . "لا يجب الخجل من التكفير لأنه حكم شرعي" ذلك ما صرخ به أحد ممثلي ائتلاف الكرامة الإسلامي في البرلمان ليرد عليه رفيقه في الائتلاف "لا نستحي من التكفير كحكم شرعي ورد في الإسلام"
وتستخلص الباحثة في هذا الفصل أن حركات الإسلام السياسي لا يمكنها أن تتفاعل مع الديمقراطية، والحلّ الوحيد أمامها لمجاراة الديمقراطية أو الحكم وفق أسسها، هي أن تخرج عن الأسس التي قامت عليها من أجل أن تتحول إلى الديمقراطية. وبغير ذلك، فلا يمكنها أن تعيش أو أن تتعايش مع الديمقراطية، أو مع أي من مخرجاتها، لأنها تتنافى مع الأساليب التي يحاول الإسلاميون تمريرها داخل أنظمة الدول الحديثة وفي هذا السياق يؤكد البعض على أن الإخوان قد لعبوا "دوراً جوهريا في إضعاف وطنهم، متجنبين بل ومعادين لكل الفرص الكفيلة ببناء دولة قوية؛ فمنذ نشأتها حتى اليوم كانت الجماعة دوما شوكة في خاصرة الهوية الوطنية لحساب هوية أخرى تنسبها للإسلام، تجعل المشترك بين الناس الدين وليس الوطن الذي يستحيل لديهم حفنة من تراب. تراوحت خطط الجماعة بين الكمون والمساومة بحسب الأحوال، وكرّست معرفيا التناقض بين الدين والوطنية عبر أدبيات مدرسة فكرية أصبح لها وجود مؤثر؛ بفعل تنظيم حركي نشط تشعبت ميادين حركته على امتداد جغرافي وزمني طويل، مما أضعف في المزاج العام الشعور بالرابطة الوطنية وأنعش الطائفية والتعصب، الذي أنتج لنا أحدث طبعاته داعش التي شاركت الإخوان هدف إسقاط الدولة الوطنية، الإطار الذي يعد أفضل ما أنتجته التجربة السياسية البشرية بعد قرون من الصراعات والحروب، كصيغة إنسانية لإدارة الخلافات والمصالح .كرّست الجماعة في الذهن الجمعي التناقض بين المصلحة الوطنية والمصلحة الشرعية، وعلاقة الجماعة بالديمقراطية وكيف كانت تجربتها معها سواء في إدارة التنظيم أو الدولة في تجربتها في مصر حية في الأذهان، وما نزال نعيش تداعياتها المؤلمة.