التسامح والتعصب داخل أنماط التقليد الإسلامي
الخميس 20/أغسطس/2020 - 03:33 م
طباعة
حسام الحداد
يقول الأكاديمي والباحث المغربي في التاريخ والفكر السياسي الإسلامي، امحمد جبرون : إن الإسلام تمثل مبكراً في تيارات وفرق كلامية، وفقهية، وسلوكية (أخلاقية )، وذلك لأسباب كثيرة، بعضها يرجع للطبيعة الكُلِّية للدين، وقابليته الكبيرة للتفسير والتأويل تبعاً لنصه؛ وبعضها يرجع لطبيعة الواقع والأسئلة التي يثيرها، والإكراهات التي يفرضها؛ والبعض الآخر يرجع إلى الخبرة الثقافية والتاريخية للجماعات المتدينة. وقد أمست هذه التمثلات مع مرور الوقت المظهر الأساسي للتقليد الديني الإسلامي في الشرق والغرب، فالسُّنَّة والشيعة والخوارج من جهة، والمذاهب الأربعة من جهة ثانية في نهاية المطاف هي تعبير عن التقليد الإسلامي من الزاوية التاريخية. وإذا كان هذا التنوع والاختلاف في التأويل، وما نتج عنه في الواقع -مبدئياً- يبدو طبيعياً، وخاصية جوهرية في كل معتقد، سواء تعلق بالإسلام أو غيره، فإن غير الطبيعي هو تجاهل الكثير من المتدينين لهذه الطبيعة، وميلهم إلى الاعتقاد بإطلاقية تصوراتهم وممارساتهم للدين، وأنها صالحة وواجبة على كل الناس مهما اختلفوا، وهكذا وجدنا الكثير من أتباع الفرق أو المذاهب لا يترددون في السعي وبكل الوسائل إلى إكراه غيرهم على تبني معتقدهم أو مذهبهم، الذي هو في نهاية المطاف تأويل ممكن من بين تأويلات محتملة.
يأتي هذا ضمن كتاب المسبار «الإسلام التقليدي: التشكُّل التاريخي والتحديات الراهنة» والذي قام بدراسة دوائر التقليد الديني في الإسلام السُّنِّي، متتبعاً مسارات التأسيس والتطور العقائدي والفقهي والمؤسساتي، ومبرزاً أهم المخاطر التي يواجهها من قبل الإسلامويين. إن القراءة الموضوعية والمحايدة للتاريخ الإسلامي وصراع التأويلات على فهم الدين، نتج عنهما مدارس فقهية وعقائدية حددت قواعد الفرق والمذاهب، وما تفرع عنها لاحقاً من تمازج بين الديني والسياسي، مما فتح النظر على إسلام متعدد يستند إلى منظومة اجتماعية توارثها المسلمون ورعتها الدولة.
وتتأسس هذه الدراسة للأكديمي والباحث المغربي في التاريخ والفكر السياسي الإسلامي، امحمد جبرون على فرضية رئيسة يمكن اختزالها على النحو التالي: إن التقليد الإسلامي كما جسدته تاريخياً الفرق والمذاهب كانت العلاقة بين مكوناته في مجملها علاقة متسامحة، تجسد الوعي بالجوهر التعددي للإسلام، ولدينا أمثلة ونماذج كثيرة من تاريخ الإسلام، دالة على هذا التسامح، وإن التعصب والإقصاء الديني الذي مارسه البعض وعانت منه بعض المذاهب، لم تكن أسبابه مذهبية صرفة، بل يرجع بالأساس لأسباب سياسية استعمل فيها الدين والمذهب لتصفية الخصوم أو التضييق عليهم، وقليلة هي الحالات التي مورس فيها التعصب المذهبي الصافي. يختبر الباحث تلك الفرضية ومعالجتها من خلال العناصر التالية: التقليد الإسلامي أو الإسلام التاريخي: في الدلالة الثقافية للتنوع الديني: يتحدث خلال هذا العنصر في حتمية الاختلاف والتعدد في مفهوم الإسلام من الناحية التاريخية، وأن الإسلام في منظور الواقع وما جرى في الماضي لا يمكن إلا أن يكون مختلفاً، وفي سياق ذلك يحاول بيان دور الثقافة والموروث التاريخي في تغذية الاختلاف والتنوع، فشيعية بعض المجالات، وسنية البعض الآخر ليس أمراً معرفياً محضاً، متعالياً على البيئة، بل هو في كثير من الحالات متصل بمسبقات ثقافية محلية (القابلية). الشيعة والمالكية بالقيروان في العهد الفاطمي: جدل التسامح والتعصب: يسلط الضوء على أنموذج تاريخي للعلاقة التي جمعت بين مكونين رئيسين في التقليد الإسلامي، ويتعلق الأمر بالمكون السنّي والمكون الشيعي في الغرب الإسلامي، وذلك في سياق تأكيد عجز التعصب عن تغيير التقليد والقضاء عليه. الظاهرية والمالكية بالأندلس: إقصاء سياسي أم تعصب مذهبي: يقف الباحث من خلال هذه الفقرة مع مثال آخر من أمثلة الصدام داخل التقليد الإسلامي، ويعتبر هذا المثال أنموذجاً لبيان الطبيعة المتبدلة لكثير من الصدامات «المذهبية» الإسلامية التي تبدو في الظاهر صدامات مذهبية لكنها في الباطن صدامات سياسية في البدء والختام. كما يعرج الباحث إلى حادثة إحراق»إحياء علوم الدين« لأبي حامد الغزالي بالغرب الإسلامي: حيث شكل إحراق كتاب «الإحياء» في الغرب الإسلامي في العصر المرابطي لدى الكثير من الدارسين رمزاً لتشدد الفقهاء المتحكمين في السلطة المرابطية ضد المتصوفة، فهل الأمر -فعلاً- على هذا النحو أم إن الواقعة تحتمل تفسيراً آخر. أما من الناحية المنهجية، فيوظف آليات متعددة مستمدة من تقاليد منهجية مختلفة، فمن جهة وظف بعض آليات البحث التاريخي في تتبع ومناقشة مظاهر التسامح والتعصب في التاريخ الإسلامي، ومن جهة ثانية تناول بناء الوعي حول بعض القضايا الاستراتيجية في هذه الدراسة من قبيل قضية تشكل الإسلام التاريخي أو التقليد الإسلامي.