مركز الإمارات للسياسات يبحث نتائج اتفاقية السلام السودانية
الأربعاء 16/سبتمبر/2020 - 09:55 ص
طباعة
روبير الفارس
وقّعت الحكومةُ الانتقالية السودانية في 31 أغسطس 2020 اتفاقَ سلام مع حركات التمرد المسلحة، بما اعتبرته السلطات الحاكمة في الخرطوم إعادةَ تأسيس للدولة السودانية وإنهاء لمسار الحرب الأهلية الطويلة التي انفجرت منذ عقود في المناطق الجنوبية والغربية السودانية.
وحول نتائج هذه الاتفاقية نشر مركز الإمارات للسياسات تقرير
سلِّط من خلاله الضوء على بنود اتفاقية السلام، وحاول استشراف آفاق الاتفاقية على الوضع السياسي السوداني.
وبدأ التقرير بتقديم
خلفية الصراع السياسي المسلح في السودان
وجاء فيه
لم يُنهِ استفتاء 2011 الذي نتج عنه انفصال جنوب السودان، وإعلانه دولة مستقلة، الأزمةَ الداخلية السودانية التي واكبت نشأة الدولة السودانية الحديثة. وتتلخص الأزمة في عجز هذه الدولة عن بناء نظام حكم سياسي ملائم لتنوع البلاد الإثني والديني، بحيث هيمنت طوال العقود الستة التي مضت على استقلال الدولة (1956) المجموعات العربية المسلمة الشمالية التي تشكلت منها القيادات العسكرية والدينية والسياسية، رغم تغيُّر واجهة الحكم ما بين أحكام مدنية وأنظمة عسكرية.
بدأت "الحركة الشعبية لتحرير السودان" التي أسسها جون قرنق عملَها المسلح عام 1983، إلا أنها لم تكن حركة انفصالية بل كانت تدعو إلى دولة علمانية فيدرالية موحدة. وبعد مرحلة طويلة من النزاع المسلح توصلت الحركة عام 2005 إلى اتفاقية سلام مع حكومة الخرطوم (اتفاقية نيفاشا) سمحت بتقاسم السلطة معها إلى حين استفتاء تقرير المصير الذي أفضى في يونيو 2011 إلى استقلال دولة الجنوب.
بيد أن الحركة ظلت نشطة عسكرياً وسياسياً في الولايتين المحاذيتين لجنوب السودان، أي ولاية جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق، وهما منطقتان على تداخل كثيف قومياً ودينياً مع دولة جنوب السودان. ومع أن الجماعات المسلحة في كردفان توصلت عام 2016 إلى هدنة مع الجيش الحكومي، إلا أن الصراع المسلح لم يتوقف عملياً في عهد الرئيس السابق عمر البشير.
أما النزاع المسلح في إقليم دارفور (غرب السودان) فقد اندلع عام 2003 بقيادة حركتي "تحرير السودان " و"العدل والمساواة "، وتركَّز حول المجموعات المنحدرة من القبائل الرئيسة الثلاث في الإقليم (الفور والزغاوة والمساليت)، ونتج عنه 300 ألف قتيل و4 ملايين مهجر (بحسب تقديرات هيئة الأمم المتحدة). ومع أن حكومة الخرطوم توصلت 2010 إلى اتفاق مبدئي للسلام مع الفصائل المسلحة (حركة العدل والمساواة خصوصاً)، إلا أن جوهر الحل المطروح (شبه حكم ذاتي للإقليم) لم يتضح في نهاية المطاف، وظل موضوع تجاذب وتنازع.
ومع سقوط نظام البشير في أبريل 2019 تبلورت فرصٌ جديدة للمصالحة الشاملة في السودان، بعد التسوية التي تمت مع الفصائل السياسية المدنية، بما فتح الطريق أمام مسار المفاوضات الحالية التي نتجت عنها الاتفاقيات الأخيرة.
وتحت عنوان
اتفاق جوبا: البنود والنتائج
جاء في التقرير
وقّعت أربعةُ فصائل مسلحة سودانية منضوية في الجبهة الثورية السودانية (تأسست في نوفمبر 2011) اتفاقَ جوبا مع حكومة الخرطوم، وهذه الفصائل هي:
حركة العدل والمساواة: إحدى أهم حركات التمرد المسلح في دارفور، وتتشكل أساساً من قبيلة الزغاوة، يقودها خليل إبراهيم الذي يُعتقد أن له ميولاً إخوانية.
حركة تحرير السودان (جناح مني أركو مناوي): من أهم حركات التمرد المسلحة في دارفور.
الحركة الشعبية لتحرير السودان (جناح مالك عقار): حركة تمرد مسلحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
المجلس الثوري الانتقالي: الذي يضم المجموعات المنفصلة عن حركات دارفور المسلحة، ويقوده الهادي إدريس.
خرجت عن الاتفاق حركتان أساسيتان هما: "حركة جيش تحرير السودان" (جناح عبد الواحد نور) النشطة عسكرياً في دارفور، و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" (جناح عبد العزيز الحلو) التي تقاتل في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وقد علّقت مشاركتها في المفاوضات اعتراضاً على ممثل الوفد الحكومي الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي.
يتمحور الاتفاق حول ثلاثة بنود كالآتي:
المراجعة الدستورية للنظام السياسي: إذ يؤسس الاتفاق لنظام سياسي يراعي خصوصية المناطق الثلاث، ويمنحها صلاحيات تشريعية وإدارية موسعة تراعَى في الدستور النهائي الذي ستُفضي إليه المرحلة الانتقالية الحالية. وبخصوص إقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ينص الاتفاق على الاعتراف بالتنوع الديني في المنطقتين وفق أحكام دستور 1973 بما يقتضيه من حقوق تشريعية للمسيحيين، كما ينص الاتفاق على إنشاء مفوضية قومية للحريات الدينية ممثلةً في الإقليمين لمراقبة وضمان حقوق المجموعات غير المسلمة. ووفق بنود الوثيقة الموقعة يُمنح الإقليمان حقوقاً دستورية تصل إلى حد الحكم الذاتي الموسع ضمن دولة فيدرالية متنوعة دينياً وقومياً.
تقاسم الثروة والسلطة: فقد نص الاتفاق على تمثيل المجموعات المسلحة في كل هياكل الحكم التشريعية والتنفيذية، ومنحَ الأقاليم المذكورة حقوقاً ثابتة في ثرواتها المحلية، مع بعض إجراءات التمييز الايجابي لإصلاح آثار واختلالات عقود التهميش والاضطهاد. ووفق الاتفاق ستمثل الأطراف الموقعة بثلاث مقاعد في المجلس السيادي الحاكم، وخمسة مقاعد في مجلس الوزراء، و75 مقعداً في المجلس التشريعي، مع تعيين 40 بالمئة من مسؤولي الحكومات الإقليمية من سكان الأقاليم. كما نص الاتفاق على تمتع المناطق المعنية بـ 40 بالمئة من ثرواتها المحلية وعوائد الضرائب المحصلة فيها، وإنشاء صندوق لتنمية الأقاليم الثلاثة بميزانية قدرها 750 مليون دولار.
الترتيبات الأمنية: فقد تضمَّنت دمج الحركات المسلحة بالجيش السوداني والأجهزة الأمنية الحكومية، على أن تُشكل قوات خاصة بحفظ الأمن في الأقاليم الثلاث تُمثل فيها الحركات المسلحة بنسبة 30 بالمئة.
آفاق المصالحة في السودان
وجاء في تقرير مركز الإمارات للسياسات أنه
على الرغم من أهمية الاتفاق الذي دعمته وشاركت فيه حكومة جنوب السودان، ووقّعته أطراف مهمة من الحركات المسلحة، إلا أن هناك عقبات ومصاعب عديدة لا تزال تعترض إمكانية نجاحه العملي، ومن أهمها:
خروج حركتين مهمتين على الاتفاق، وهما حركة جيش تحرير السودان-جناح عبد الواحد نور، الذي هو القوة الأساسية على الأرض في دارفور؛ والحركة الشعبية لتحرير السودان-جناح عبد العزيز الحلو القوية في إقليم كردفان. ومن الواضح أن رئيس الحكومة عبد الله حمدوك يبذل جهوداً قوية لاستقطاب الحركتين اللتين لا تزالان خارج إطار التسوية.
صعوبة تنفيذ الاتفاق في بنوده التفصيلية المتشعبة والمعقدة، خصوصاً ما يتصل منها بتقاسم الثروة والسلطة، وإجراءات التمييز الإيجابي، وتصفية تركة العهد السابق، وما تتطلبه من محاكمات تشمل عدداً من القيادات العسكرية القريبة من النظام الحالي.
تضارُب مصالح ورؤى الأطراف الإقليمية المتشابكة مع الوضع السياسي السوداني، وبصفة خاصة تشاد وجمهورية وسط أفريقيا بخصوص إقليم دارفور، وجمهورية جنوب السودان وإثيوبيا بالنسبة لإقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق