باحث بمركز "تريندز": لم يعد من الممكن اعتبار الولايات المتحدة قوة عظمي وحيدة
الإثنين 13/سبتمبر/2021 - 12:28 م
طباعة
جوار - روبير الفارس
باحث رئيسي بمركز "تريندز "للبحوث بالامارات ومدرس بمعهد الدراسات الدولية بجامعة كيبك بمونتريال
دكتور وائل صالح في حوار خاص -بعد 20 عاما علي 11 سبتمبر لم تكن كان هناك حربا دولية حقيقية على الإرهاب ولا يمكن تجاهل عودة طالبان
- لم يعد من الممكن اعتبار الولايات المتحدة قوة عظمي
- مجابهة الأيديولوجية الإسلاموية المتطرفة بطبيعتها هي عمل تشاركي دائم
- أفغانستان ستكون لحد الإسلاموية التي سَتُحْرِقُ فيها جماعات الإسلام السياسي بعضهم بعضاً
حوار – روبير الفارس
يقول الدكتور وائل صالح.ان مرور عشرون عاما على أحداث 11 سبتمبر يتزامن أيضا مع زوال أو موت الإسلاموية في نسختها الاخوانية وهناك مؤشرات عديدة على ذلك ولكن في المقابل توجد مؤشرات أخري على محاولات إعطاء قبلة حياة أو إعادة بعث لتلك الأيدلوجية. وفي حواره بمناسبة 20 عاما اكد الدكتور وائل وهو باحث رئيسي بمركز "تريندز "للبحوث بالامارات ومدرس مشارك بمعهد الدراسات الدولية بجامعة كيبك بمونتريال بكندا أنه لم تكن كان هناك حربا دولية حقيقية على الإرهاب. والي نص الحوار
مع أي مستجدات عالمية يتزامن مرور عشرون عاما على أحداث 11 سبتمبر وما دلالات ذلك؟
أولا يتزامن مرور عشرون عاما على أحداث 11 سبتمبر مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ومع أفول الدور الأمريكي في العالم كما تنبأ الأكاديمي الأمريكي (بول كينيدي) في كتابه "صعود وسقوط القوى العظمى، 1987" والذي تنبأ فيه إن الولايات المتحدة لا بد من أن يصيبها ما أصاب غيرها من دول عظمى قبلها في التاريخ، بسبب التوسع الزائد عن الحد (overstretch) في فرض النفوذ والذي بلغ أقص مدى له بالتدخل في العراق وأفغانستان.
وجو بايدن أكد بمناسبة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أن الولايات المتحدة لم تعد تريد أن تلعب دور شرطي العالم. ورد عليه وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، أنه لم يعد من الممكن اعتبار الولايات المتحدة قوة عظمى، قائلا: "القوة العظمى غير المستعدة للالتزام بشيء ما قد لا تكون على الأرجح قوة عظمى".
والكل يستعد لإعادة رسم القوي إقليميا ودوليا فض ضوء خفوت دور الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال أعتقد أن "قمة بغداد" التي استضافتها العاصمة العراقية بغداد، يوم 28 أغسطس، وحضرها دول كل من مصر والإمارات العربية وتركيا، وإيران، والمملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وقطر، والكويت وفرنسا كانت بداية تفاوض بين الفاعلين على شكل النظام البديل الذي سيرث الدور الأمريكي في المنطقة. وإذا أخذنا في الاعتبار أيضا أنه من المقرر أن تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق نهاية هذا العام، تأكدنا أن هؤلاء الفاعلين الرئيسيين أرادوا الاتفاق على صيغة للعراق ما بعد الانسحاب الأمريكي لتفادي سيناريو الانسحاب الأمريكي العبثي والغير منظم كما حدث في أفغانستان.
يتزامن مرور عشرون عاما على أحداث 11 سبتمبر أيضا مع ما أسميه زوال أو موت الإسلاموية في نسختها الاخوانية وهناك مؤشرات عديدة على ذلك ولكن في المقابل توجد مؤشرات أخري على محاولات إعطاء قبلة حياة أو إعادة بعث لتلك الأيدلوجية.
ومن أهم مؤشرات زوال أو موت الإسلاموية هو ما حدث مؤخرا في تونس. فلقد تلقت جماعة «الإخوان» واحدة من أقوى الضربات الموجعة لها في البلد التي انطلقت منها شرارة ما يسمّى ب «الربيع العربي»، بعد أن قام الرئيس التونسي قيس سعيد يوم 25 يوليو الماضي بإقالة حكومة رئيس الوزراء هشام المشيشي وتعليق عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن أعضائه، بعد أن أيقن هو والشعب التونسي أن البلاد ماضية نحو طريق الهلاك تحت سيطرة حركة «النهضة» الإخوانية. يضاف إلى ذلك إقرار البرلمان المصري قانوناً يتيح فصل موظفين ينتمون إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، كل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تناقص مجموع القوة الشاملة للإخوان المسلمين.
أثبتت مصر ومن بعدها تونس أن الإسلامية فقدت حاضنتها الشعبية بعد أن أدركت شريحة مؤثرة من المجتمع العربي خطورة جماعة الاخوان المسلمين وهو ما أصبحنا نطلق عليه في الأدبيات خصوصا في مركز تريندز للدراسات "متلازمة الإسلاموية"، أي مجموعة من العلامات والأعراض والظواهر المرتبطة مع بعضها تلازم وتنتج عن أي تواجد للإخوان في الفضاء العام وتتنافى مع القيم الأساسية للمواطنة والعيش المشترك: 1. احتكارهم الحقيقة والدين حيث يقدمون تفسيرا واحدا للدّين وللتاريخ الإسلامي على أنه من الحقائق الثابتة، بل ويسعون لفرض هذا التفسير – دون غيره – بالقوة على المجتمع، 2. عزلة منتسبيهم الشعورية عن المجتمع، 3. الاستعلاء بنمط تدينهم على المجتمع، 4. سيادة شعار "أينما تكون مصلحة الجماعة فثم وجه الله" في ممارستهم السياسية، 5. تحول المجتمع لحالة الصراع الدائم، ليصبح مجتمعا منقسما على نفسه وصولا للحروب الأهلية، 6. غياب مفهومي الوطن والمواطنة، 7. وسيادة فكرة ولاء الفرد للجماعة وامتداداتها العابرة لحدود الدولة الوطنية، 8. سيادة مبدأ التكفير المبرر للعنف في نهجها السياسي للوصول للحكم، مستندة إلى الاعتقاد بكونها الفرقة الناجية الحارسة للدين، 9. حصر التفكير على القضايا "العقائدية" الخلافية القديمة، مما يجعل المجتمع رهينة لفقه العصور القديمة وبمعزل تام عن حركة العلم والفلسفة والتقدم البشري. 10. الخلط بين الدين والسياسية فيدنس الديني بإنزاله لمستوى السياسي ويرفع من شأن السياسي بتقديسه فينتج خلطة أيديولوجية يختلط فيها الرأي والتفسير بالنص المقدس، فيتداخلان ويكونان تدينًا جديدًا ينفجر إن عاجلا أم آجلا في وجه كل من لن ينضوي تحت لوائه.
المؤشر الثاني على أفول الإسلاموية هو تنامي مقاربة أوروبية أكثر مناهضة لأيدلوجية جماعة الإخوان. فمن المعروف أنه في حين أن الإسلامية قد بدأت المرحلة الأولى من أفولها كما أسلفت إلا أنها كانت حتى وقت قريب تعيش أزهى عصورها في الغرب حتى بعد سقوط حكمها الواحد تلو الآخر في العالم العربي. ولكن لوحظ في الفترة الأخيرة تكثيف لسياسات أوروبية مناهضة لأيدلوجية الإخوان المسلمين.
فبدأنا نشهد ما يمكن أن نصفه بصحوة أوروبية في مواجهة الجماعة، حيث اتخذت بعض الدول الأوروبية عدداً من الإجراءات التي تستهدف تشديد الرقابة على أنشطتها وعلى الجهات والمؤسسات التابعة لها وتوضيح مدى خطورة الخطاب الإخواني على هذه الدول، ومحاصرة مصادر تمويل الجماعة وتجفيفها. فتبلورت أكثر فأكثر مقاربة أوروبية أكثر حزماً تجاه "الإخوان" في دول مثل (فرنسا والنمسا وألمانيا). وبزغت تحالفات جديدة لمواجهة أيديولوجية الإخوان مثلما حدث بين دولة الإمارات العربية المتحدة والنمسا أثناء زيارة الشيخ محمد بن زايد الأخيرة للعاصمة النمساوية.
ولكن في المقابل هناك محاولات لإعطاء قبلة حياة أو إعادة بعث لتلك الأيدلوجية من بينها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
ونستطيع القول إن هذا البلد هو الذي يبدأ فيه غالبا صنع سياسات المنطقة، خصوصا فيما يتعلق بالإسلام السياسي منذ ظهوره على يد جمال الدين الأفغاني في نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن. وهي أيضا في ذات الوقت الأرض الذي يحسم فيها القوى العظمى صراعاتها ويحدد فيها موازيين القوة لكلا منها. وخير أمثلة على ذلك هو ما حدث بداية من الغزو السوفييتي ثم تحويل أفغانستان إلى بؤرة استقطاب لمجرمين يوظفون الإسلام كدين سلام سماوي لتحقيق أغراض سياسية أرضية قبل أن يوظفوا هم بعد ذلك كدمي للقوي العظمي تحقق بهم أهدافها الجيوستراتيجية. غير مشهد دخول ما يسمون المجاهدين أفغانستان ونتج عنه فيما بعد عالم أحادي القوي بعد تفك الاتحاد السوفيتي.
التاريخ صنع أيضا في أفغانستان للمرة الثانية في العصر الحديث من خلال ما سمي بالحرب على الإرهاب والذي بدأت غداة الحادي عشر من سبتمبر وفعل من خلالها نظرية صمويل هينجتون عن صدام الحضارات وحتمية المواجهة بين الحضارة الغربية والإسلام.
فبعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وعودة طالبان للحكم تنامى القلق العربي من أن تعطي سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، أملاً ودفعة لجماعة الإخوان، وخصوصاً بعد أن روجوا بأن جماعة بدائية كطالبان استطاعت أن تهزم القوى العظمى في العالم، وهو ما قد يعيد إلى المنطقة مخاوف محاولات استنساخ النموذج الطالباني كما فعلت وصول العمائم السوداء إلى سدة الحكم في إيران عام 1979. ولا أدل من بوادر ذلك النهج من تبني بعض منتسبي الإسلام السياسي لمقولات على شاكلة: "اتبعنا الديمقراطية فكانت النتيجة سقوط جماعتنا(..) ماذا نفعت الديمقراطية أليس منهج طالبان هو الصواب؟
والسؤال الآن: هل سيعطي الانسحاب الأمريكي وعودة طالبان للحكم قُبلة الحياة للإسلامية، هل من الممكن أن يبعث انتصار طالبان دينامية جديدة في تيارات الإسلام الحركي الجهادي وهو ما يجعل المنطقة مقبلةً على مستقبل غامض سيحتد فيه الصراع بين الأيديولوجيات الأصولية المتشدّدة الساعية إلى إقامة وفرض تصورتها عن الدولة على المجتمع؟ هل ستكون أفغانستان" ملاذ آمن ".. لأفغان عرب جدد"، أم ستكون أفغانستان البوتقة التي سَتُحْرِقُ فيها جماعات الإسلام السياسي بعضهم بعضاً، باتفاق دولي رأينا بعض مظاهره في رصد المواقف الدولية على عودة طالبان ورأينا أول تجلياته في تفجيرات مطار كابول؟
المؤشر الثاني على محاولات إعطاء قبلة حياة أو إعادة بعث لأيدلوجية تحالف الإسلاموية والأوراسية الجديدة هو إمكانية التحالف بين الإسلاموية والأوراسية الجديدة.
المنظّر والباحث المثير للجدل، والذي يعتبره بعض المحللين أحد الملهمين الرئيسيين لروسيا الجديدة ألكسندر دوغين، والذي قدمته قناة روسيا اليوم بالمفكر والفيلسوف الروسي وزعيم الحركة الأوراسية الدولية، والذي كان ضيفاً على برنامجها "أبعاد روسية"، في 31 ديسمبر2019، ليجيب عن أسئلة حول سياسة روسيا الخارجية خلال السنوات العشر القادمة، ونمو القطب الأوراسي، وتأثيره على العالم واستراتيجيته نحو منطقة الشرق الأوسط- أشار هذا الرجل إلى أنه بالتعاون الوثيق مع الإسلام السياسي، "ستكون روسيا من الآن فصاعداً رافعة لقطب إسلاموي مستقل وجيش لتحرير العالم العربي من ظلم الولايات المتحدة ومن الخضوع للهيمنة الغربية. ويرى دوغين" أن هذا التحالف سيوحد العالم الإسلامي في النهاية، وسوف نذهب (روسيا والإسلام بنسخته الإسلاموية) إلى اليمن وليبيا ومصر، وسوف ترحب بنا شعوب هذه البلدان بالزهور ".
وما قاله دوغين في ذلك البرنامج يمكن أن يفسر بشكل كامل التقارب المذهل (الاقتصادي والعسكري والجيوستراتيجي) بين روسيا بوتين وتركيا أردوغان منذ عام 2016، كما يمكن أن يفسر أيضاً التقارب المطرد بين روسيا بوتين من جانب وإيران الملالي من جانب آخر.
لقد عملت بعض النخب الروسية في سياق بلورتها للأيديولوجية الأوراسية كما عمل مُنَظِّرُو الإسلاموية على توظيف كل ما هو معادٍ للغرب وللثقافة الغربية الحديثة؛ فلجأت الأوراسية إلى العقائد المسيحية الأصلية الأرثوذكسية منها والكاثوليكية في الحالة الروسية، وأعطتهما أهمية كبيرة للتناقض بين قيم الإسلام وبين منظومات الحداثة، وراهنا على هذا التناقض، ورأى الاثنان في الثقافة الإسلامية أحد أهم أعمدة العداء للأطلنطية أو الغرب، واستعادتا الأدبيات السوفيتية والإسلاموية المعادية للغرب، وتواصلا مع قوى أوروبية تَخْدِم على قضاياهم، خصوصاً بعض تيارات ما بعد الحداثية، وأعاد كلٌّ منهما قراءة الفكر الغربي وكل ما يمكن توظيفه في مهمة نقد الغرب، وهدم ثقافته الليبرالية.
فهل سيكون هذا التحالف- إن تم- بمنزلة إعادة بعث للإسلاموية بتغيير اليد التي تتحكم فيها وتستخدمها جيوسياسياً أم أنه سيسرع رصاصة الرحمة التي سيطلقها الغرب على فرس رهانه الذي استخدمه طويلاً واستهلكه حتى الرمق الأخير، وآن له أن يواريه الثرى؟
هل فشلت الحرب العالمية على الإرهاب التي بدأت غداة الحادي عشر من سبتمبر؟
بداية أنا أعتقد أنه لم تكن كان هناك حربا دولية حقيقية على الإرهاب. كتبت ذلك في بعض مقالتي، ولا أحد أحد يستطيع إنكار أن الإرهاب والتطرف يستخدم جيوسياسيا من قبل بعض ساسة هذا العصر اللذين يعتقدون أن: بما أن الحرب هي ممارسة السياسة بوسائل أخرى فالإرهاب هو الآخر ممارسة السياسة بوسائل أخرى! لذا يري بعض الباحثين وأنا منهم أنه لم تكن هناك حربا لا على الإرهاب ولا على التطرف وإنما حرب بالإرهاب والتطرف.
حرب بالإرهاب والتطرف كانت تشن على العالم وبالأخص على العالم العربي من قبل الإسلاموية المتطرفة المشرعة للعنف بطبيعتها وشريحة من الباحثين والإعلاميين وقادة الرأي الغربيين ممن يبيضون تلك الأيدلوجية ومن قادة وأجهزة دول تستخدم تلك الظاهرة لتحقيق أهداف ومكاسب جيوسياسية قصيرة النظر. ودون مكافحة هؤلاء بالحرب على الحرب بالإرهاب لن تكون هناك حرب حقيقية ناجعة على الإرهاب.
لذا نعتقد في مركز "تريندز للبحوث" أن مجابهة الأيديولوجية الإسلاموية المتطرفة بطبيعتها هي عمل تشاركي دائم، فرغم أن الإسلام السياسي في أضعف حالته الآن كما أسلفت، وأننا نعتقد أنه دخل مرحلة بداية النهاية منذ ثورة الثلاثين من يونيو في مصر عام 2013، فإننا نعتقد أيضا وفي الوقت نفسه أنه للقضاء على فكر تلك الجماعات، في أسرع وقت، ولما يمثله هذا الفكر من خطورة على الدولة الوطنية وعلي المجتمعات كما نوضح دائما في كتابتنا، يتوجب على كل الفاعلين في مجابهة ذلك الفكر التشارك والتعاون من أجل تحقيق ذلك الهدف، فالمجابهة والتوعية ضد مخاطر جماعات الإسلام السياسي هي مواجهة مستمرة وعمل تشاركي بامتياز، يجب أن تتعاون فيه جميع المؤسسات المعنية البحثية والأكاديمية والدينية، سواء داخل الدول أو على المستويين الإقليمي والعالمي.
هل من الممكن أن تفصل لنا تأثير الانسحاب الأمريكي على الجماعات الإسلاموية؟
الكثير من الباحثين في مجال الإسلام السياسي يرى أننا سوف نشهد على الأرجح طفرة وانتعاشه في النشاط الجهادي العابر للحدود باسم الإسلام، لا تقل عما حدث بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي وخروجه من أفغانستان قبل ثلاثة عقود تقريبا. ومن المرجح أن تعطي عودة طالبان للحكم دفعة معنوية قوية للتطرف والعنف باسم الإسلام في المنطقة كلها مثلما حدث مع قيام ما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والتي شجعت على ظهور تيارات وجماعات تتبنّى نهج العمائم السوداء للوصول للحكم.
عودة طالبان من المتوقع أن تنعش الحركات الجهادية في الشرق الأوسط ويتوقع أيضاً أن تؤدي إلى دينامية جديدة في تيارات الإسلام الحركي المتطرفة، وهو ما يجعل المنطقة على شفا مستقبل غامض يسوده الصراع بين تلك الأيديولوجيات الأصولية المتشدّدة الساعية إلى إقامة وفرض تصوراتها على الدولة وعلى المجتمع والتي ترى في نجاح حركة طالبان للعودة للحكم من جديد، انتصارا للحركات الإسلامية، ونموذجا أعلى يمكن الاحتذاء به في الوقت الحالي وفي بعض الأحيان ملاذا آمنا لأفغان عرب جدد ستوفر لهم طالبان تلك المرة الخبرات والمعلومات والتدريب مما سيشجع جماعات الإسلام السياسي في الدول العربية على الانخراط أكثر فأكثر في اللجوء للسلاح والقتال لتحقيق أهدافها. ومن المتوقع إذ إن عودة طالبان للحكم في أفغانستان ستمثل نقطة جذب لكثير من الشباب المتطرفين، كما حدث بعد سيطرت داعش على أجزاء من العراق وسوريا في 2014 وجذبت آلاف الشباب من الدول العربية والأوروبية والعالم.
ومن المتوقع أيضا احتمالية زيادة تهديدات القاعدة وداعش، فبعد أن أصبح تنظيم القاعدة هشا وتبعية فروعه له شكلية أكثر منها تنظيمية وبعد هزيمة داعش وفقدها للكثير من عناصر جذب الشباب المتطرف لها، فمما لا شك فيه أن سيطرة طالبان على أفغانستان ستمثل لهما دفعة معنوية كبيرة. وللتدليل على واقعية ذلك قال كبار قادة البنتاغون، في يونيو 2021، إن جماعة متطرفة مثل القاعدة قد تكون قادرة على تجديد نفسها في أفغانستان، بحيث تشكل تهديدًا للولايات المتحدة في غضون عامين من خروج الجيش الأميركي من البلاد.
بالتأكيد كان لافتاً أن يحظى صعود "طالبان" إلى السلطة في أفغانستان بترحيب من الإسلام الحركي ومن بينها الجماعات الإسلاموية في أفريقيا "حيث يتم حالياً تصنيف الاجتياح الطالباني على أنه انتصار قائم على كفاح مخلص انتصاراً لعقيدة دينية"، مما قد يؤثر في ظاهرة "انتقال الإسلاموية من دول المركز إلى دول الهامش بعد خسائرها بعد" ما سمي بالربيع العربي ".
والسؤال الآن: هل سيعطي الانسحاب الأمريكي وعودة طالبان للحكم قُبلة الحياة للإسلامية، هل من الممكن، كما أتفق معظم الباحثين، أن يبعث انتصار طالبان دينامية جديدة في تيارات الإسلام الحركي الجهادي وهو ما يجعل المنطقة مقبلةً على مستقبل غامض سيحتد فيه الصراع بين الأيديولوجيات الأصولية المتشدّدة الساعية إلى إقامة وفرض تصورتها عن الدولة على المجتمع؟ هل ستكون أفغانستان" ملاذ آمن ".. لأفغان عرب جدد"، أم ستكون أفغانستان البوتقة التي سَتُحْرِقُ فيها جماعات الإسلام السياسي بعضهم بعضاً، باتفاق دولي رأينا بعض مظاهره في رصد المواقف الدولية على عودة طالبان ورأينا أول تجلياته في تفجيرات مطار كابول؟
أنا أعتقد أن أفغانستان ستكون لحد الإسلاموية التي سَتُحْرِقُ فيها جماعات الإسلام السياسي بعضهم بعضاً، باتفاق دولي رأينا الكثير من مظاهره في رصد المواقف الدولية على عودة طالبان ورأينا أول تجلياته في تفجيرات مطار كابول.