الصلاح تبرز ابعاد «الأخوّةُ المنفتحةُ» بين البابا فرنسيس والإمام الطيب
اهتمت مجلة الصلاح التى تصدرها البطريركية الكاثوليكية بالقاهرة في عددها
الاخير بتناول مفهوم "الأخوّة المنفتحة" كما جاءت في «وثيقة "الأخوّة
الإنسانيّة" من أجل السّلام العالمي والعيش المشترك»، التي وقّع عليها البابا
فرنسيس وشيخ الأزهَر أحمد الطيب، بالعاصمة الإماراتيّة أبوظبي (فبراير 2019)، وفي
«الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"» للبابا فرنسيس (3 أكتوبر 2020). حيث كتب
الدكتور أشرف ناجح إبراهيم عبد الملاك الحاصل علي الدكتوراة في اللاهوت العقيدي من جامعة
الاوربانينا بروما دراسة كشفت ابعاد للعلاقة الأخويّة المنفتحة التي تربط بين البابا
فرنسيس والإمام أحمد الطيب، وأيضًا لما تعتقده وتعلّمه الكنيسةُ الكاثوليكيّة بشأن
المسلمين، والإسلام
في البداية وتحت عنوان البابا فرنسيس والإمام أحمد
الطيب و«وثيقة "الأخوّة الإنسانيّة"» كتب الدكتور اشرف يقول
لقد أشار البابا فرنسيس، في رسالته العامّة الأخيرة
("جميعنا إخوة")، صراحةً وعدّة مرات (البنود 5، 29، 131، 136، 192، 275،
283، 285)، إلى شيخ الأزهَر أحمد الطيب و«وثيقة "الأخوّة الإنسانيّة"». وبالإضافة
للحديث المستمرّ والمشترك عن مَعنى "الأخوّة" كما جاء في وثيقة أبوظبي، ينعت
البابا الكاثوليكيّ لقاءه بالإمام المسلم بـ"اللّقاء الأخويّ"، والذي يتذكّره
بفرح (بند 285). وليس هذا فحسب، بل يقول قداسة البابا: «الذي شجّعني بشكل خاص في كتابة
هذه الرسالة، إنما هو شخص الإمام أحمد الطيب الذي التقيت به في أبو ظبي» (بند 5).
لذا، فمِن أجل فهم جيّد لرسالة البابا العامّة في
ما يتعلّق بـ"الأخوّة المنفتحة" (بند 6) و"الأخوّة العالميّة الشّاملة"
(بنود 9، 106، 110، 142، 173، 176، 276، 286)، يتعيّن علينا إعادة التّفكير في «وثيقة
"الأخوّة الإنسانيّة"» المشتركة بين قداسة البابا وفضيلة الإمام، فهي تتعرّض
لمفهوم "الأخوّة" انطلاقًا من الأديان المختلفة، ولا سيّما المسيحيّة والإسلام.
وكبرهان على هذه النّقطة الجوهريّة، يكفي أنْ نتذكّر أنّ عنوان الفصل الثّامن والأخير
من الرّسالة العامّة هو "الأديان في خدمة الأخوّة في العالم" (ولا سيّما
البنود 271-285).
وحول علاقة
الكنيسةُ الكاثوليكيّة بالمسلمين والإسلام كتب الدكتور اشرف
يذكّرنا المجمعُ الفاتيكانيّ الثّاني (١٩٦٢-١٩٦٥) بموقف الكنيسة الكاثوليكيّة
تجاه المسلمين، والإسلام، و"إله الإسلام"؛ فيقول: «تنظر الكنيسة بتقدير إلى
المسلمين الذين يعبدون الله الأحد، الحي، القيّوم، الرحمن القدير، فاطر السماوات والأرض
الذي كلّم الناس. إنهم يجتهدون في التسليم بكلّ نفوسهم لأحكام الله وإن خفيت مقاصده،
كما سلّم الله إبراهيم الذي يفخر الدين الإسلامي بالانتساب إليه. وبرغم أنهم لا يعترفون
بيسوع إلهًا فإنهم يكرّمونه نبيًّا ويكرّمون أمّه العذراء مريم ويذكرونها في خشوع.
ثُمَّ إنهم ينتظرون يوم الدين الذي يجازي الله فيه جميع الناس عندما يبعثون أحياء،
من أجل هذا يقدّرون الحياة الأدبيّة ويعبدون الله بالصلاة والصدقة والصوم. ولئن كان
عبر الزمان قد وقعت منازعات وعداوات بين المسيحيّين والمسلمين، فإن المجمع يهيب بالجميع
أن ينسوا الماضي، وأن يجعلوا، باجتهاد صادق، سبيلًا للتفاهم فيما بينهم، وأن يتماسكوا،
من أجل جميع الناس، على حماية وتعزيز العدالة الاجتماعيّة والقيم الأدبيّة والسلام
والحرية» (وثيقة "في عصرنا"، بند 3).
وعلى خُطى المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، عاد البابا
فرنسيس مؤخّرًا، في إرشاده الرّسوليّ "فرح الإنجيل" (2013)، للحديث عن علاقة
الكنيسة الكاثوليكيّة والكاثوليك بـ"المؤمنين المسلمين" الحاضرين "في
عدة بلدانٍ ذاتِ تقليدٍ مسيحيّ"، وعن إيمانهم، وكُتبهم المقدَّسة، وإكرامهم ليسوع
المسيح ومريم العذراء، وصلواتهم، والتزامهم الأخلاقيّ ومعاملاتهم (بند 252)، وكذلك
عن "الحوار مع الإسلام" الذي يتوجّب إزاءه التّنشئة على التّأصُّل في
"الهُويّة" وعلى التّعرُّف على "قيَم الآخرين" (بند 253)، وأيضًا
عن مسألة "خلاص غير المسيحيّين" (بند 254). ومن ناحية أخرى، شجّع قداسة البابا،
في وثيقته "الخضراء"، أعني الرّسالة العامّة "كُنْ مُسَبَّحًا"
(2015)، جميعَ الأديان، ومن بينها المسيحيّة والإسلام، للحوار فيما بينها في ما يتعلّق
بـ"الإيكولوجيا المتكاملة الشّاملة" و"الأزمة الإيكولوجيّة". وطَالَب
بالتّجاوب مع المشاكل البيئيّة، والتّعاون مع العلوم والحركات الإيكولوجيّة في البحث
عن حلول لها؛ وشدّد أيضًا على تربيّة وروحانيّة إيكولوجيّتيْن. فقال البابا: «إن أغلبية
سكان الأرض يعلنون أنهم مؤمنون، وهذا ينبغي أن يدفع الأديان للدخول في حوار فيما بينها
يهدف إلى العناية بالطبيعة، والدفاع عن الفقراء، وبناء شبكة من الاحترام والأخوة»
(بند 201).
وعلاوةً على التّعبيرات واللّفتات الحبريّة العمليّة،
تؤكّد هذه التّعاليم والتّصريحات الكنسيّة كلّها على قبول الكنيسة الكاثوليكيّة للمسلمين
والإسلام و"إله الإسلام"، واحترامهم وتقديرهم؛ وأيضًا أنّنا جميعنا– كمسيحيّين
ومسلمين– إخوة أمام الله الواحد الأحد، وأمام العالم بأسره. ومن جهة أخرى، تشير أيضًا
إلى أمر في غاية الأهمّيّة: إنّ مفهوم "الأخوّة المنفتحة" له خلفيّة وجذور
دينيّة ينطلق منها ونحوها. وهذا هو بالتّحديد ما دفع البابا فرنسيس إلى تناول مفهوم
"الأخوّة" انطلاقًا من الأديان المختلفة، بواسطة إعادة قراءة «وثيقة
"الأخوّة الإنسانيّة"».
وبالطّبع، لا يعني هذا أنّ مفهوم "الأخوّة"
وممارستها يقتصران على أتْباع الأديان فحسب، وإنّما يؤكّد مرارًا وتكرارًا على أنّ
الأديان عينها، ومن بينها المسيحيّة والإسلام، من خلال تعاليمها ومماراستها، يمكنها
أنْ تدفع البشريّة جمعاء وترافقها نحو "الأخوّة المنفتحة" و"الأخوّة
العالميّة الشّاملة". ففي الواقع، يمكن للأديان والمؤمنين، بواسطة خبرة الإيمان
والكنوز الرّوحيّة والحكمة التي نَمَت عبر القرون، أنْ يساهموا في بناء وتعزيز الأخوّة
بين البشر أجمعين، وفي الدّفاع عن العدالة بالمجتمع. فيقول البابا فرنسيس، في رسالته
العامّة: «يجب أن يكون هناك مجال لتفكير يأتي من خلفية دينية تجمع قرونًا من الخبرة
والحكمة. في الواقع، "النصوص الدينية الكلاسيكية يمكنها أن تقدّم تفسيرًا لجميع
العصور، ولها قوّة تعليل" ولكن في الواقع "يحطُّ من قدرها قِصَرُ فهم العقلانيات"»
(بند 275).
وقدمت الدراسة الخطوط العريضة المتعلّقة بمفهوم
"الأخوّة المنفتحة" و"الأخوّة العالميّة الشّاملة"، وخلفيّتهما
وجذورهما الدّينيّة، وَفقًا لـ«وثيقة "الأخوّة الإنسانيّة"» و«الرّسالة العامّة
"جميعنا إخوة"» حيث كتب الدكتور اشرف يقول
اولا نقطةُ انطلاق الأخوّة المنفتحة هي الإيمان
بالله الخالق والأب
إنَّ الله «خَلَقَ البَشَرَ جميعًا مُتَساوِين في
الحُقُوقِ والواجباتِ والكَرامةِ، ودَعاهُم للعَيْشِ كإخوةٍ فيما بَيْنَهم»
("الأخوّة الإنسانيّة"). ولذا، فيرى المؤمنون «أنه بدون الانفتاح على أبي
الجميع، لن تكون هناك دوافع قويّة وثابتة للدعوة إلى الأخوّة»؛ وقناعتهم الرّاسخة هي
«أنه "لا يمكننا أن نعيش بسلام فيما بيننا إلاّ بواسطة هذا الوعي لكوننا أبناء
ولسنا أيتامًا". لأنّ "العقل وحده قادر على قبول المساواة بين البشر وإرساء
تعايش مدنيّ بينهم، لكنه لم يستطع تأسيس الأخوّة"» ("ج. إ."، 272).
ثانيا الأخوّةُ
المنفتحة تستند على الأخلاق الدِّينيَّة والنّصوص الدّينيّة الكلاسيكيّة
إنَّ «أهمَّ أسبابِ أزمةِ العالمِ اليَوْمَ يَعُودُ
إلى تَغيِيبِ الضميرِ الإنسانيِّ وإقصاءِ الأخلاقِ الدِّينيَّةِ، وكذلك استِدعاءُ النَّزْعَةِ
الفرديَّةِ والفَلْسَفاتِ المادِّيَّةِ، التي تُؤَلِّهُ الإنسانَ، وتَضَعُ القِيَمَ
المادِّيَّةَ الدُّنيويَّةَ مَوْضِعَ المَبادِئِ العُلْيَا والمُتسامِية"
("الأخوّة الإنسانيّة"). فيدعو قداسةُ البابا وفضيلة الإمام الجميعَ إلى
الأخذ في الاعتبار الخلفيّة الدينيّة التي تجمع قرونًا من الخبرة والحكمة، وأيضًا النصوص
الدينيّة الكلاسيكيّة وتفسيراتها، من أجل أخوّة حقيقيّة منفتحة ("ج. إ."،
275).
ثالثا الأخوّةُ المنفتحة تعزّز مِن القِيَم الرُّوحِيَّة
والشُّعُور بالمَسؤُوليَّة
بالبرغم من عدم تجاهل قداسة البابا وفضيلة الإمام
للتقدّم الإيجابيّ الذي حدث في العلوم والتكنولوجيا والطبّ والصناعة والرفاهية، إلَّا
أنهما يناديان بالاهتمام بالمسار الإنسانيّ الحقيقيّ، وتعزيز القِيَم الرُّوحِيَّة
والإنسانيّة. ويحذّران أيضًا من التّراجع الملحوظ للأخلاق الضَّابِطة للتصرُّفاتِ الدوليَّةِ،
وغياب القِيَم الرُّوحِيَّة والشُّعُور بالمَسؤُوليَّة؛ فهذا كلّه قد أسهَمَ في نَشْرِ
شُعُورٍ عامٍّ بالإحباطِ والعُزْلَةِ واليَأْسِ، وسيطرة الضَّبابيَّة وخَيْبَة الأملِ
والخوف من المُستَقبَلِ، وتحكّم المَصالح الماديَّة الضيِّقة، وزيادة الأزماتِ السياسيَّة
الطاحنة، والظُّلم وافتِقاد عَدالةِ التوزيعِ للثرواتِ الطبيعيَّة، وموت مَلايين الأطفالِ
جُوعًا، وتحَوّل أجسادهم– من شِدَّةِ الفقرِ والجوعِ– إلى ما يُشبِهُ الهَيَاكِلَ العَظميَّةَ
الباليةَ ("ج. إ."، 29).
رابعا الأخوّةُ
المنفتحة تحتاج إلى العلاقة بينَ الشَّرْقِ والغَرْبِ
للوصول إلى أخوّة منفتحة، يؤمن قداسةُ البابا وفضيلة
الإمام بضَرُورة العلاقة بينَ الشَّرْقِ والغَرْبِ، «فبإمكانِ الغَرْبِ أن يَجِدَ في
حَضارةِ الشرقِ ما يُعالِجُ به بعضَ أمراضِه الرُّوحيَّةِ والدِّينيَّةِ التي نتَجَتْ
عن طُغيانِ الجانبِ الماديِّ، كما بإمكانِ الشرق أن يَجِدَ في حضارةِ الغربِ كثيرًا
ممَّا يُساعِدُ على انتِشالِه من حالاتِ الضعفِ والفُرقةِ والصِّراعِ والتَّراجُعِ
العلميِّ والتقنيِّ والثقافيِّ» ("ج. إ."، 136).
خامسا الأخوّةُ
المنفتحة تنادي بثقافة التَّسامُح والتّعايُش والسَّلام
يطالب قداسةُ البابا وفضيلة الإمام صُنَّاعَ السِّياساتِ
الدَّولِيَّةِ والاقتصادِ العالَمِيِّ «"[...] بالعمَلِ جدِّيًّا على نَشْرِ ثقافةِ
التَّسامُحِ والتعايُشِ والسَّلامِ، والتدخُّلِ فَوْرًا لإيقافِ سَيْلِ الدِّماءِ البَرِيئةِ".
وعندما تَزرع سياسةٌ معيّنة الكراهيةَ أو الخوفَ تجاه الدول الأخرى باسم مصلحة بلدها،
فمن الضروري أن نهتمّ ونتفاعل في الوقت المناسب ونصحّح المسار على الفور» ("ج.
إ."، 192).
.سادسا
الأخوّةُ المنفتحة تتطلّب مفهومَ المواطنة الكاملة
إنَّه من المهمّ «تطبيق مفهوم "المواطنة"،
الذي "يقومُ على المُساواةِ في الواجباتِ والحُقوقِ التي يَنعَمُ في ظِلالِها
الجميعُ بالعدلِ؛ لذا يَجِبُ العملُ على ترسيخِ مفهومِ المواطنةِ الكاملةِ في مُجتَمَعاتِنا،
والتخلِّي عن الاستخدام الإقصائيِّ لمصطلح ’الأقليَّاتِ‘ الذي يَحمِلُ في طيَّاتِه
الإحساسَ بالعُزْلَةِ والدُّونيَّة، ويُمهِّدُ لِبُذُورِ الفِتَنِ والشِّقاقِ، ويُصادِرُ
على استحقاقاتِ وحُقُوقِ بعض المُواطِنين الدِّينيَّةِ والمَدَنيَّةِ، ويُؤدِّي إلى
مُمارسةِ التمييز ضِدَّهُم« ("ج. إ."، 131).
سابعاالأخوّةُ المنفتحة تحترم قدسيّة الحياة وترفض
العنف
انطلاقًا من التّصريح بأنَّ الإرهابَ البَغِيضَ
الذي يُهدِّدُ أمنَ الناسِ– سَواءٌ في الشَّرْقِ أو الغَرْبِ، وفي الشَّمالِ والجَنوبِ–
ليس نِتاجًا للدِّين، يؤكّد قداسةُ البابا وفضيلة الإمام على أنَّ «عبادة الله الصادقة
والمتواضعة "لا تؤدّي إلى التمييز والكراهية والعنف، بل إلى احترام قدسيّة الحياة،
واحترام كرامة الآخرين وحرّيتهم، والالتزام المحبّ تجاه الجميع" [...] فالمعتقدات
الدينية فيما يتعلّق بالمعنى المقدّس للحياة البشرية تسمح لنا بـ"الاعتراف بالقيم
الجوهرية للإنسانية المشتركة، وباسم هذه القيم، يمكننا ولا بد لنا من أن نتعاون، ونبني
ونتحاور، ونغفر وننمو، فنسمح لمختلف الأصوات بأن تلحّن نشيدًا نبيلًا ومتناغمًا، بدل
صرخات متعصبّة من الكراهية"» ("ج. إ."، 283).
ثامنا الأخوّةُ
المنفتحة تسعى إلى السّلام والعدالة وثقافة الحوار
إنَّ «الأديان لم تَكُنْ أبَدًا بَرِيدًا للحُرُوبِ
أو باعثةً لمَشاعِرِ الكَراهِيةِ والعداءِ والتعصُّبِ، أو مُثِيرةً للعُنْفِ وإراقةِ
الدِّماءِ»؛ ولذا، فيُحِثّ قداسةُ البابا وفضيلة الإمام على السلام والعدالة والأخوّة،
وأيضًا على «تَبنِّي ثقافةِ الحوارِ دَرْبًا، والتعاوُنِ المُشتركِ سبيلًا، والتعارُفِ
المُتَبادَلِ نَهْجًا وطَرِيقًا» ("الأخوّة الإنسانيّة" و"ج. إ."،
285).