دراسة تحذر من استنساخ تجربة طالبان في افريقيا
عن سلسلة اتجاهات استراتيجية صدر عن مركز مركز تريندز للبحوث والاستشارات. دراسة
بعنوان "صعود حركة طالبان : تأثيراته الدولية والإقليمية وانعكاساته على التنظيمات
المتطرفة في أفريقيا " اشترك في تأليفها كل من دكتورفتوح هيكل مدير الأبحاث والمستشار
السياسي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات ,والباحث خالد أحمد عبد الحميد الباحثً المتخصص في الشؤون السياسية والاستراتيجية والدكتور وائل صالح العضو المشارك في معهد الدراسات الدولية بجامعة
كيبيك في مونتريال (UQAM) ومستشار
رئيسي للأبحاث في معهد الدراسات الدينية بجامعة مونتريال والباحث الزائر بالمركز .
و انطلقت الدراسة من استناد حركة طالبان في علاقاتها الخارجية
بعد سيطرتها على الحكم في أفغانستان إلى مجموعة من المبادئ التي أعلنتها، وأهمها التأكيد
على إقامة نظام إسلامي في أفغانستان والانفتاح على المجتمع الدولي، واحترام الحقوق
العامة وحرية المرأة والتأكيد على قدرتها على تحمل مسؤوليات الحكم وإدارة شؤون البلاد،
وطمأنة دول الجوار .
برغم القلق الاقليمي من عودة حركة طالبان وسيطرتها على أفغانستان،
فإن الدول الاقليمية المحيطة وجدت أن هذه العودة قد تحقق مصالحها، ومن ثم كانت هناك
حالة من القبول الضمني بين هذه الدول لعودة الحركة. وهناك بعض الدول الاقليمية التي
ستحاول الاستفادة من عودة الحركة لتحقيق مصالحها وزيادة نفوذها في المنطقة مثل باكستان
وتركيا وإيران، كما ستسعى بعض القوى الدولية مثل الصين وروسيا إلى الاستفادة من الحركة
لتعزيز وجودها في المنطقة وفي ترسيخ نفوذها الدولي عموما . ً
ومن المرجح أن يشكل
صعود حركة طالبان وعودتها إلى حكم أفغانستان مصدر إلهام لحركات التطرف والارهاب في
مختلف أرجاء العالم، لاسيما وأن هذه الحركات ترى أن طالبان الحركة الدينية المتشددة
خاضت صراعا ضد الولايات المتحدة الامريكية، وهي القوة العظمى الوحيدة في العالم واستطاعت
أن تنتصر عليها وأن تجبرها على القبول بعودتها مرة أخرى إلى السلطة.
إن عودة طالبان إلى
افغانستان وسيطرتها على البلاد ستكون لها تأثيرات عديدة في نواح وأماكن عدة، من بينها
القارة الافريقية وداخلها منطقة الساحل، إذ إن نجاح طالبان وقدرتها على التأقلم والحفاظ
على بقائها طيلة أ كثر من 20 عاما برغم الجهود
التي بذلتها الولايات المتحدة لاضاعفها والقضاء عليها يشكل نموذجاً ملهماً للحركات
الارهابية في القارة الافريقية، حيث تسعى هذه الحركات إلى تأسيس وجود قوي لها هناك
. واكدت الدراسة علي انه من المرجح أن يؤدي صعود الحركة وعودتها لحكم أفغانستان إلى
حدوث مجموعة من التأثيرات على حركات التطرف و الارهاب في مختلف أرجاء العالم، و لاسيما
أ نه ينظر إلى طالبان على انها حركة متشددة
خاضت صراعا ضد القوة العظمى الوحيدة في العالم
واستطاعت أن تنتصر عليها وأن تجبرها على القبول بعودتها مرة أخرى إلى السلطة. وفي هذا
المحور تناولت الدراسة بالتفصيل التأثيرات المتوقعة لصعود الحركة على التنظيمات المتطرفة
عموما، وعلى التنظيمات المتطرفة في أفريقيا على وجه الخصوص.
أولا المحددات الحاكمة لموقف حركة طالبان من التنظيمات المتطرفة
هناك مجموعة من المحددات الرئيسية التي تحكم موقف حركة طالبان
من التنظيمات المتطرفة والارهابية، حيث ترسم هذه المحددات الرئيسية ملامح العلاقة بين
الجانبين في المرحلة المقبلة، وهي كالتالي:
1-المحدد
الايديولوجي:
تتشابه الاسس الايديولوجية الفكرية لحركة طالبان كثيراً مع تلك
التي
تستند إليها التنظيمات الاسلاموية بشكل عام، والاكثر تطرفاً
منها بصورة خاصة مثل تنظيم القاعدة؛ فطالبان جماعة دينية سنية متشددة تقوم رؤيتها الايديولوجية
على مجموعة من الاسس منها
•
إقامة الحكومة الاسلامية على نهج الخلافة الراشدة، ولذا تسمى
الدولة باسم "إمارة أفغانستان الاسلامية" وتطلق على زعيم الحركة "أميرالمؤمنين"..
•
الاسلام دين الشعب والحكومة جميعاً
•
قانون الدولة مستمد من الشريعة الاسلامية.
وهذه الرؤية الايديولوجية هي نفسها التي تتبناها تنظيمات مثل القاعدة وداعش ، مع اختلاف زاوية تحقيقها،
ولهذا السبب كان التحالف بين تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن الدن وحركة طالبان في المرحلة
الاولى من حكم الحركة لافغانستان ) 1996-2001 )قوياً؛ لانه كان مستنداً علي أساس ايديولوجي مشترك، وهو التحالف الذي دفعت طالبان ثمنه غاليا بإسقاطها من الحكم بعد التدخل العسكري الامريكي عقب هجمات
11 سبتمبر ورفض الحركة تسليم أسامة بن لادن وفك ارتباطها بالقاعدة ويفسر هذا الطابع الايديولوجي أيضاً طبيعة الصراع
القائم بين تنظيم داعش الارهابي وحركة طالبان التي تختلف أيديولوجيا وفكرياً عن داعش؛
فهذا الاخير هو تنظيم توسعي وعابر للحدود، بينما طالبان حركة إقليمية ليس لها أي نشاطات
خارج حدود أفغانستان والمناطق القبلية للبشتون. وينظر تنظيم داعش إلى العالم أجمع كعدو،
ما "لم يؤمن ويحكم بكتاب
الله وسنة رسوله"، فيما تركز الحركة على مناطق وجغرافيا
معينة، مثل باكستان وأفغانستان؛ فهي ذات توجه قبلي منذ نشأتها. وقد استنكر قادة داعش
في أفغانستان سيطرة طالبان على البلاد، وانتقدوا نسختهم من الحكم ووصفوها بأنها غير
متشددة بما فيه الكفاية، حيث تقاتلت الجماعتان في السنوات الاخيرة. ودفعت هذه الاختلافات
بين الجانبين الرئيس الامريكي جو بايدن إلى وصف تنظيم داعش- خراسان بـ"العدو اللدود
لطالبان" واشارت الدراسة الي
-المحدد
البراجماتي فقالت
يشير هذا المحدد بصورة خاصة إلى أمرين: ألا ول هو مدى استيعاب
طالبان دروس تجربتها الاولى في الحكم، حيث إن دعم الارهاب في السابق كلفها ثمنا باهظاً
إذ أطيح بحكمها في عام
2001
.والثاني هو قدرة الحركة على قراءة الواقع وتحدياته بشكل صحيح؛
فهي قد انتقلت من المعارضة والتمرد إلى موقع السلطة والحكم ؛ فهل ستصرف كسلطة مسؤولة
وعن 3-المحدد الخارجي: قالت الدراسة
يرتبط هذا المحدد بطبيعة المواقف الاقليمية والدولية من سيطرة
طالبان على أفغانستان و نمط حكمها المستقبلي. فقد قبلت دول عديدة، وبخاصة في دائرة
الجوار الاقليمي لافغانستان، بشكل صريح أو ضمني حقيقة سيطرة طالبان على البالد. ويمثل
هذا مكسباً سياسياً للحركة، لاسيما وأن دوالً عديدة مهمة ومؤثرة، مثل روسيا والصين
وتركيا وإيران وباكستان، لم تخف استعدادها للتعامل مع طالبان وهي في السلطة. كما صرح
وزير خارجية الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل بأن "طالبان ربحت الحرب في أفغانستان.
إذن، علينا أن نتحدث إليهم". وعن تأثير صعود حركة طالبان على التنظيمات المتطرفة
قالت الدراسة بالرغم من أن حركة طالبان قد
تعهدت بألا تسمح ألي جهة إرهابية باستخدام أراضي أفغانستان للعمل ضد دول أخرى؛ فإن
ذلك لا يمنع من أن يشكل نجاح الحركة في العودة إلى الحكم وخروج القوات الامريكية مصدر
إلهام لحركات التطرف والارهاب. ومع تأكيد أن هذا الالهام لا يعني بالضرورة قدرة هذه
الحركات على تكرار التجربة الطالبانية في دول
وأماكن أخرى، إلا أنه قد يعني تشجيعا هائلا لها
في العمل من أجل تحقيق أهدافها عبر شن مزيدا من الهجمات الارهابية في عدد من دول العالم وعلى سبيل المثال، فإن إياد
آغ غالي، زعيم جماعة نصرة الاسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة والتي تنشط في
منطقة الساحل في
أفريقيا، هنأ حركة طالبان على انتصاراتها في أفغانستان، حيث
يرغب غالي في استنساخ تجربة طالبان في مالي، مستغلا ضعف النظام في البلاد التي شهدت
ثلاثة انقلابات منذ عام 2012 ،وقرار فرنسا الاخير إنهاء عملية برخان العسكرية في الساحل،
والانسحاب الكامل من شمالي البلاد في مطلع عام 2022
كما أعلنت بعض حركات الاسلام السياسي، عن ترحيبها بما حدث في
أفغانستان، حيث هنأت حركة حماس حركة طالبان بـ"زوال الاحتلال"وأشادت بـ"أدائها"
من جهة أخرى، يرى مفكرون أن ما حدث في أفغانستان "سيعيد الثقة إلى التنظيمات الارهابية
والاصولية العنيفة مثل تنظيم القاعدة وفروعها وتنظيم داعش، وسيؤكد لهم أن ما يسمونه
بالجهاد قد يكون وسيلة لاثبات الذات وتحقيق الاهداف السياسية"، يضاف إلى ذلك أنه
من الممكن تزايد قدرة تنظيمي القاعدة وداعش على استعادة نشاطيهما بعد أن تعرضا لضربات
مؤلمة أفقدتهما الكثير من قدراتهما، إذ ستشكل سيطرة طالبان على أفغانستان دفعة معنوية
كبيرة لهما وللتدليل على واقعية ذلك قال كبار قادة البنتاجون، في يونيو2021 ،إن جماعة
متطرفة مثل "القاعدة" قد تكون قادرة على تجديد نفسها في أفغانستان، بحيث
تشكّل تهديداً للولايات المتحدة في غضون عامين من خروج الجيش الامريكي من البلاد .