البروتستانتية.. الثورة على سلطة الكهنوت
السبت 24/نوفمبر/2018 - 02:35 م
طباعة
على الرغم من أن المتداول في معنى كلمة البروتستانتية هي المحتجون فإنها كلمة لاتينيّة الأصل تعني الشهادة العلنيّة، وهي اسم أطلق على مجموعة الكنائس المسيحية المنتمية إلى ما سُمي بالإصلاح، باستثناء الاتّحاد الانجليكاني، في القرن السادس عشر أراد مارتن لوثر (10 نوفمبر 1483 - 18 فبراير 1546 (Martin Lether) مع أشخاص آخرين أن "يُصلحوا" الكنيسة بالعودة إلى إيمان الكنيسة الأولى كما كانوا يتصوّرونه، كانوا جميعهم يتّفقون في رفض سلطة بابا روما وارتكازهم على سلطة الكتاب المقدس وحدها والتركيز على الإيمان الشخصي كطريقة وحيدة للتبرير والخلاص، تعود كلمتا "بروتستانتي" و"بروتستانتيّة" إلى شهادة الإيمان الإنجيليّ التي شهدها اللوثريون في مجلس سبيرا في 19/4/1529، وإلى احتجاجهم على الحلّ الوسط الذي جاء في قرار ذلك المجلس، والذي اتّخذه شارل الخامس والأمراء الكاثوليك.
.. لوثر والإصلاح
بدأت حركة الإصلاح البروتستانتي عندما نشر مارتن لوثر عقيدته المعروضة في 95 نقطة، أهم ما يميّز هذه العقيدة النظرة السلبية للطبيعة البشرية ورفض أي دور للإنسان في الخلاص، وبالنتيجة رفض وساطة الكنيسة وسلطة رجال الكهنوت بأي شكل من الأشكال، من جهة أخرى كان لوثر يحتجّ على صكوك الغفران - بمعنى غفران الخطايا حسب قيمة التبرع المدفوع - التي كانت تُعطى للمتبرعين لبناء الكاتدرائية الضخمة للقديس بيتر في روما.
وعندما رأى بأن تعاليمه لم تُقبل من الكنيسة الكاثوليكية وبأنه حُرِمَ نتيجة إصراره على مواقفه، لجأ إلى الملك فريديريك الساسوني الذي رأى في العقيدة الجديدة وسيلة ناجعة في الانفصال عن روما، فشجّع على انتشارها وحمى مارتن لوثر من كل اضطهاد، بهذا الشكل انتشرت البروتستانتية في كل أنحاء ألمانيا، كما نشأت في سكاندينافيا كنائس وطنية ذات طابع بروتستانتي.
الأساس المذهبي
وتستمد البروتستانتية جميع الأحكام المتعلقة بالعقائد والعبادات والشرائع من الكتاب المقدس وحده، ولا تقيم لغيره وزناً – أي لا يوجد لديها تقليد رسوليا أو كتاب مثل الدسقولية المعروف في الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية القديمة بأنها تعاليم الرسل، والذى يقدم احكام وشرحات الى جوار . قرارات المجامع وآراء البابوات ورؤساء الكنائس، ومن ثم سميت الكنائس البروتستانتية الكنائس الإنجيلية لاعتمادها على الإنجيل خاصة وعلى سائر أسفار الكتاب المقدس بوجه عام، بينما سميت الكنائس الأخرى الكنائس التقليدية لاعتمادها على التقاليد المستمدة من المجامع ومن آراء رؤساء الكنيسة ، وجعلها لهؤلاء الرؤساء سلطاناً في تقرير حقائق العقائد والعبادات والشرائع.
ولا تقرر البروتستانتية سلطة الكهنوت سواء أكانت سلطة البابوية أو الرياسة العامة في شئون الدين، ولذلك ليس لكنائسهم رئيس عام كما هو الشأن في الكنائس الأخرى، وإنما تجعل لكل كنيسة بروتستانتية رياسة خاصة بها، وليس لها إلا سلطان الوعظ والإرشاد والقيام على شئون العبادات والواجبات الدينية الأخرى، وعلى تعليم مسائل الدين، ولا يسمون رجال الدين قسسا كما هو الشأن في الكنائس الأخرى، وإنما يسمونهم "رعاة" لأنهم يرعون تابعي كنيستهم ويؤدون لهم ما يجب على الراعي أن يؤديه نحو رعيته من واجبات، ويسمى الكهنوت كهنوت جميع المؤمنين أي كل مسيحي مؤمن بالمسيح هو كاهن.
و ليس في البروتستانتية نظام الرهبنة، وهي لا تحرم الزواج على رجال الدين.
و تنكر البروتستانتية كل الإنكار أن يكون لرجل الدين الحق في غفران الذنوب في حالة الاحتضار وغيرها، وإنما تجعل ذلك الحق لله وحده، فيقبل إن شاء توبة العاصي ويغفر له ما تقدم من ذنبه، بل إن أهم ما اتجهت البروتستانتية في نشأتها إلى القضاء عليه هو ما كانت تزعمه الكنيسة الكاثوليكية لرجالها من السلطان في محو الخطايا ، وما تبع هذا الزعم من نظام صكوك الغفران.
كما تقرر البروتستانتية أن الغرض من أكل الخبز وشرب الخمر في العشاء الرباني هو أن يكون وسيلة رمزية لتذكر ما قام به المسيح في الماضي ؛ إذ قدم جسمه للصلب ودمه للإراقة لتخليص الإنسانية من الخطيئة الأزلية ، ولتذكر ما سيقوم به يوم القيامة إذ يدين الناس ويحاسبهم على ما كسبت أيديهم، وبذلك تنكر البروتستانتية كل الإنكار ما تذهب إليه الكنائس الأخرى إذ تزعم أن ما تجريه على الخبز والخمر من طقوس يحولهما إلى جسد حقيقي للسيد المسيح ومن دمه
- تنكر البروتستانتية إنكاراً باتاً جميع ما تقيمه الكنائس الأخرى للسيدة مريم أم المسيح من طقوس واحتفالات وعبادات وأعياد، وتعتبر ذلك خروجاً على أصول الدين.
وترفض البروتستانتية ما تسير عليه الكنائس الأخرى من وضع الصور والتماثيل في أماكن العبادة واتجاه المصلين لها بالسجود، معتمدة على تحريم التوراة لذلك وعلى أن شريعة موسى شريعة للمسيحيين إلا ما ورد نص صريح من المسيح بنسخه أو تعديله.
كما ترفض أن تقام الصلاة بلغة غير اللغة المفهومة للمتعبد، كما تفعل الكنائس التقليدية التي تقيمها بلغة ميتة كاللاتينية والقبطية .
زونجلى وكلفن
ومن الشخصيات التي أثرت في الفكر البروتستانتي بعد لوثر، هناك زونجلي السويسري ((1484-1531) فقد ظهر في العصر نفسه الذي ظهر فيه لوثر ودعا إلى كثير مما دعا إليه لوثر حيث .ثار على صكوك الغفران وغيرها من مفاسد الكنيسة الكاثوليكية وتبعه كثيرون كثير. وقد مات قتيلاً في أثناء صراع وقع بين أنصاره وأنصار الكنيسة الكاثوليكية. وكانت دعوته منفصلة عن دعوة لوثر، وإن التقت معها في مبادئها.
وأما كلفن الفرنسي (1509-1564) فقد قام بعد لوثر بالدعوة إلى البروتستانتية ونشر مبادئها وألف في ذلك بحوثاً ورسائل كثيرة نشر معظمها بعد فراره إلى جينيف بسويسرا. فإليه يرجع تنظيم البروتستانتية وتحرير مبادئها، وكان متزمت جدا لانه اقام حكم ديني واحرق عدد من المخالفين له، وكان ينادي بالاختيار المسبق أي ان الله اختار عدد الذين سوف يخلصون بالدخول الي الجنة بشكل مسبقا فاعمال الانسان لاتجدي شيئا ؟! وقد وضع نظاما لادارة الكنائس قائم على ان يكون بكل كنيسة عدد من الرجال يساعدون القسيس يسمون الشيوخ لذلك تسمى الكنائس الكالفينية الكنائس الإنجيلية المشيخية، وهو المسمى للكنائس الإنجيلية بمصر والسودان.
وقد انتشرت البروتستانتية في كثير من بلاد العالم، من ذلك ألمانيا والدانمرك وسويسرا وهولندا والسويد والنرويج وإنجلترا واسكتلنده وايرلندة الشمالية وامريكا .ومن الناحية العقائدية فلا تختلف البروتستانتية عن باقي المذاهب المسيحية من وحدانية الله وتثليث الأقانيم وصلب المسيح وقيامته وصعوده إلى السموات.