دراسة: تطور سياسة مكافحة التطرف في ألمانيا تجاه جماعة الإخوان المسلمين

الأحد 05/يونيو/2022 - 01:02 م
طباعة دراسة: تطور سياسة حسام الحداد
 
رغم أن الجمهورية الألمانية كانت من أوائل الدول التي استضافت على أراضيها جماعة الاخوان المسلمين وعناصرها في نهاية النصف الأول من القرن العشرين، واستطاعوا في ظل الديمقراطية الألمانية الانتشار والتغلغل في المجتمع الألماني، إلا ان بداية التغير تجاه هذه الجماعة وخطرها كان بعد أحداث سبتمبر 2001، ويقدم لنا موقع "عين أوروبية على التطرف" واحدة من الورقات المركزة التي تناقش التواجد الاخواني في المانيا وكيفية مواجهته في ظل التغيرات الجديدة
تقول الورقة: مرَّت السياسة الألمانية تجاه جماعة الإخوان المسلمين، منذ وصولها إلى ألمانيا عام 1950، بمراحل عدة من التطور. في المرحلة الأولى، شاب هذه السياسة عدم فهم كبير للخطر الذي تشكِّله الإسلاموية بشكلٍ عام، وجماعة الإخوان المسلمين بشكلٍ خاص على المجتمع. الجدير بالذكر أن  جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا تأسست من طرف سعيد رمضان (1926-1995)، صهر مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا (1906-1949)، الذي كان مسؤولًا عن “لجنة بناء المساجد” والتي بنت مسجد ميونيخ. تحول مسجد ميونيخ في فترة الستينيات، بالتعاون بين رجل الأعمال المصري يوسف ندا والسوري-الإيطالي غالب همت، ليصبح ليس فقط مقرًّا للإخوان المسلمين في ألمانيا فحسب، بل في أوروبا بأسرها.
من جانبٍ آخر، تطورت لجنة المساجد لتصبح مركز تنسيقٍ لوجود الإخوان المسلمين في ألمانيا، يربط بين المساجد والمراكز الإسلامية، ومختلف الجماعات والجمعيات “الواجهة” في جميع المدن الألمانية الكبرى. في منتصف فترة الثمانينيات، أصبحت هذه اللجنة الهيكل الممثل الرئيس للإخوان المسلمين في ألمانيا، وغيَّرت اسمها إلى الجماعة الإسلامية في ألمانيا أو (IGD)، تحت إشراف مهدي عاكف، عضو جماعة الإخوان المصرية، الذي أصبح إمام المسجد، وبعد ذلك المرشد الأعلى للإخوان بشكلٍ عام. تعزَّز وجود الإخوان في ألمانيا من خلال تدفق الإخوان من مصر وسوريا، الذين هربوا من حملات القمع الحكومية على أنشطتهم. الإخوان السوريون الذين استقروا في ألمانيا بعد إخفاق تمردهم الكامل في أوائل الثمانينيات يميلون إلى التركز حول مدينة آخن، بالقرب من الحدود مع بلجيكا. تعاونت مجموعة آخن التي يهيمن عليها السوريون مع الإخوان المصريين في ميونيخ، لكن كلا الفريقين بقيا منفصلين.
تسبب هذا الافتقار إلى الفهم واللا مبالاة من جانب صناع السياسة الألمان في توسيع وجود الإخوان المسلمين في جميع أنحاء ألمانيا. وفي هذا الصدد، قال دبلوماسي ألماني: “كان هناك رأي سائد مفاده أن الصراعات بين جماعة الإخوان المسلمين وحكوماتها لا تهم ألمانيا، وأن هذه كانت “مشاجرات داخلية”. لم يستوعب صانعو السياسات لدينا أهمية الحركة الإسلاموية لأن الدين كان يُعتبر على نطاقٍ واسع عاملًا مهمًا للتخلف، وبدا الإسلامويون متخلفين في حين كان يُنظر إلى الديكتاتوريات في الشرق الأوسط على أنها عناصر تحديثية”.
من بين الأمثلة على كيفية حدوث ذلك سيطرة الجماعة الإسلامية في ألمانيا على عددٍ من المؤسسات، لا سيّما المركز الإسلامي في كولونيا (IZK)، الذي تأسس في عام 1978 على يد النسخة التركية من جماعة الإخوان، المعروفة باسم “ميلي جوروش”. كما خضعت رابطة الطلاب المسلمين الألمان (MSV) لتأثير الجماعة الإسلامية في ألمانيا.
ومع ذلك، فإن الدولة الألمانية، من خلال أجهزة استخباراتها، حافظت على قدرٍ من المراقبة على جماعة الإخوان المسلمين، وجمعت معلومات عن الشبكات، وربما حاولت تجنيد مخبرين، ولكن يبدو أن النية كانت ببساطة مراقبة ما كان يحدث في أوساط المهاجرين الذي تفهمه الحكومة بشكلٍ سيئ، بدلًا من أي نيّة استراتيجية أو أي قلق بشأن التهديدات المجتمعية أو الأمنية للإخوان المسلمين. كما أن أجهزة الأمن الألمانية “تصرَّفت بشكلٍ غير متسق: فقد أشرفت عن كثبٍ على مسجد ميونيخ في سنواته الأولى، ولكن يبدو أنها فقدت الاهتمام بعد ذلك”.
حدثت نقطة التحوّل الرئيسة لألمانيا في كيفية تعاملها مع جماعة الإخوان المسلمين في عام 2001، بعد هجمات 11 سبتمبر. إذ بدأت ألمانيا التحقيق في شبكات الإخوان المسلمين، وتأثير الأيديولوجية على التطرف والإرهاب في الدولة. وبدأ الدور التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين كمنصة انطلاق للإرهابيين البارزين، بمن فيهم مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن والزعيم الحالي، أيمن الظواهري، في جذب الانتباه.
وقد بدأ الألمان في النظر، على وجه الخصوص، في مدى ارتباط الجماعة الإسلامية في ألمانيا باتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE)، المعروف باسم مجلس المسلمين الأوروبيين (CEM) منذ عام 2020، الذي يعتبر أحد أهم الشبكات العابرة للحدود الوطنية لشبكة الإخوان المسلمين في أوروبا. كانت هذه بداية المرحلة الثانية من السياسة الألمانية، عندما امتنعت عن الاتصال الرسمي مع جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من الجماعات التي تتبنى الإسلام السياسي أو الإسلاموية، كجزء من برنامج التعاون الألماني لمكافحة الإرهاب مع حكومات دولٍ مثل الأردن وسوريا ومصر. ومع ذلك، استمر الإخوان في اكتساب النفوذ بين المسلمين في ألمانيا، ونشروا أفكارهم حول الشريعة الإسلامية والنظام السياسي المثالي، وهي أفكار تتناقض بشكلٍ حاد مع المفاهيم الغربية للسيادة الشعبية، والديمقراطية الليبرالية.
بدأت المرحلة الثالثة من سياسة ألمانيا تجاه جماعة الإخوان المسلمين في عام 2011، مع بداية الربيع العربي، عندما تحوَّلت برلين إلى تبني سياسة “الانخراط الحذر”. لقد فوجئت الحكومة الألمانية بالثورات العربية، التي قادت إلى وصول الإخوان إلى السلطة في مصر وتونس، وصعودهم إلى مواقع السلطة في ليبيا، وسارعت إلى إيجاد سياسة جديدة. ورأت أن الحكومة التركية ربما تمثل حلًا وسطًا معتدلًا لحزب إسلاموي في السلطة داخل بنية دولة علمانية. بيد أن ذلك خلق توترات فورية لأن جماعات الإخوان، على الرغم من أنها قالت الأشياء الصحيحة عن الديمقراطية وحقوق الأقليات، فإنها احتفظت بوجهات نظر تتعارض مع السياسة الألمانية، مثل العداء لوجود إسرائيل.
غير أن هذه السياسة لم تدم طويلًا. فقد سقط نظام الإخوان المسلمين في مصر في عام 2013، وانزلقت ليبيا في دوامة الحرب الأهلية في عام 2014، وتبدَّل موقف تركيا بشكلٍ حاد نحو الاستبداد في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان. وقد أدّى إنشاء “خلافة” داعش وموجة الإرهاب في أوروبا من عام 2014 إلى عام 2017 إلى تغيير التصورات في جميع أنحاء القارة عن الإسلامويين “غير العنيفين”. وفي صيف عام 2021، انهارت حكومة الإخوان التونسيين أيضًا في مواجهة المقاومة الشعبية.
في المرحلة الرابعة بالنسبة لألمانيا من التعامل مع جماعة الإخوان، حذا الألمان حذو دول مثل النمسا وفرنسا، التي عززت تدابير مكافحة الإرهاب والتطرف على أراضيها. ومن ثم، شرعت ألمانيا في بحث الأضرار الاجتماعية التي تسببها الجماعات المتطرفة، ليس فقط الإسلامويين مثل جماعة الإخوان المسلمين، ولكن أيضًا جماعات مثل الذئاب الرمادية القومية المتطرفة التركية. وبدأ الألمان في الانتقال إلى سنِّ تشريعاتٍ، خاصة تلك التي تهدف إلى تقييد مصادر التمويل الأجنبية للجماعات الإسلاموية، وتحديد خريطة التمويل من المساعدات المالية الحكومية، والإعفاءات الضريبية، والاستثمارات مثل العقارات، وتنظم أنشطة الإسلامويين داخل ألمانيا.
هناك دلائل على أن جهود ألمانيا لتقييد المساحة التي تتحرك فيها الجماعات الإسلاموية تؤتي ثمارها. ففي الآونة الأخيرة، طرد المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا (ZMD) التجمع الإسلامي الألماني (DMG)، وهي واحدة من الواجهات التي يختبئ وراءها الإخوان المسلمون في الدولة. وفي نوفمبر، أصدر البرلمان الأوروبي تقريرًا رسميًا رسم خريطة مفصلة لتغلغل جماعة الإخوان المسلمين في عشر دول أوروبية. وركَّز التقرير على العديد من الأفكار، بما في ذلك التباين الأيديولوجي بين الجماعات المرتبطة بالإخوان، ونهج الجماعة تجاه الوطنية، وموارد تمويلها.
على المستوى الأمني، يتخذ “المكتب الفيدرالي الألماني لحماية الدستور” نهجًا أكثر نشاطًا تجاه جماعة الإخوان، ويراقب هياكلها ونواياها.
وقد حدَث ذلك في إطارِ التحوُّل السياسي العام على كافة المستويات في مواجهة مدِّ الإخوان المسلمين. وقد تجلى ذلك أيضا في المناقشات الدائرة داخل أروقة البرلمان الألماني في الوقت الحالي، حيث يجري مناقشة مشروعي قرارين لمواجهة المنظمات الإسلاموية، خاصة جماعة الإخوان.
وفي الوقت الذي يستمر فيه الصراع، حيث تقوم جماعة الإخوان المسلمين بالتعتيم على وجودها، ويوفر حلفاؤها السياسيون لها الغطاء، يوجد الآن وعي أكبر في ألمانيا وأوروبا بما تمثله جماعة الإخوان المسلمين، وآليات اشتغالها، وأساليب تحركاتها في الميدان. وهذا بلا شك يُعتبر تقدمًا يمكن البناء عليه.

شارك