خليل عليّ حيدر للفيصل : " الصحوة الدينية " أجهضت تحديث العالم العربي

الإثنين 05/سبتمبر/2022 - 01:35 م
طباعة خليل عليّ حيدر للفيصل روبير الفارس
 


اجرت مجلّة «الفيصل» السعودية في عددها الاخير حوارا مع  الباحث والكاتب الكويتي " خليل عليّ حيدر " كان محوره قضايا «الصحوة الدينيّة» وارتباطاتها بالإسلام السياسي، وتعلّق كلّ ذلك بالمسألة الطائفيّة التي وظفتها قوى سياسيّة في المنطقة العربيّة واعتمدت كورقة في السياسات الإيرانيّة ,والكاتب والباحث الكويتي خليل عليّ حيدر أحد أبرز الكتّاب في الخليج العربي منذ أربعة عقود، على الأقلّ، بعد حصوله على الدرجة الجامعيّة في اختصاصين هما التاريخ والتربية، من جامعة "رود آيلاند" في الولايات المتحدة الأميركية سنة 1984م.


وقال عنه المحاور" نادر الحمَّامي " في تقديم الحوار  إن "خليل " تميزبغزارة إنتاجه وكذلك انخراطه في مشاغل المنطقة العربيّة عمومًا والخليجيّة على وجه أخصّ، سواء ما ارتبط بالمشاغل الراهنة أو التاريخيّة وما يترتّب عليها اليوم، إضافة إلى سعيه الدائم نحو استشراف وقراءة الأحداث ومآلاتها في المستويات السياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة والثقافيّة.


ولئن بدت اهتمامات "خليل عليّ حيدر "كثيرة ومتنوّعة فإنّ خيطًا ناظمًا يربطها وهو ما يمكن تبيّنه عند قراءة كتبه ومقالاته، فقد كتب في قضايا التنمية والديمقراطيّة ومدنيّة الدولة وقضايا المرأة وعلاقات الدول العربيّة بالدول الآسيويّة والغربيّة وقضيّة التحديث، وما سمّي بـ«الصحوة الدينيّة» والطائفيّة والإسلاميّة، وهي قضايا شديدة الارتباط، وكلّ محاولة لفصلها بالنسبة إليه يمثّل تجزيئًا غير مُجْدٍ.

وأضاف نادر قائلا ومن اللافت للنظر في كتاباته أيضًا اهتمامه العميق بالمسألة الثقافيّة التي تمثّل بالنسبة إليه محورًا شبه قارّ، وفي ذلك دلالة على الوعي بقيمة البعد الثقافي في معناه الواسع في العمليّة الإصلاحيّة، وأثرها في تجاوز الواقع المتردّي ومعالجة كلّ أشكال التخلّف والتعصّب والعنف والهيمنة. وممّا تتّسم به كتابات وتحليلات خليل حيدر هو عدم تفسير أيّ ظاهرة ببعد واحد ممّا يجعل الفهم قاصرًا ومنقوصًا؛ إذ كلّ ظاهرة هي بطبيعتها متعدّدة الأبعاد، وهذا الأمر خرج به من الركون إلى التفسير التآمري المستسلم إلى الإلحاح على مبدأ المسؤوليّة الذي ينبغي علينا الوعي به؛ فنحن أيضًا متسبّبون بشكل أو بآخر فيما نعيشه من أوضاع.

مثل هذه التوجّهات نلمسها في كتبه العديدة ومن ضمنها: «نقد الصحوة الدينيّة» (1986م)، و«تيّارات الصحوة الدينيّة» (1987م)، و«الحركة الدينيّة: حوار من الداخل»، و«العمامة والصولجان» (1997م)، و«اعتدال أم تطرّف؟» (1998م)، و«الخروج من مدار بن لكن» (م2006)، و«دوائر متداخلة» (2015م)، و«طرف الخيط» (2015م)، وغيرها من الكتب، إضافة إلى عشرات المقالات. 


وفي الحوار المهم قال "خليل " قد نختلف الآن حول التسمية التي تستحقها «الصحوة الدينية». -عبر مساراتها ومآلاتها وما فعلته بالمجتمعات العربية ومجتمعات العالم الإسلاميّ، وما فشلت في إنجازه- إلا أنها كانت في مختلف مذاهبها، في العالم العربي وإيران وباكستان وأفغانستان وشمال إفريقيا وفي أوربا، حركة مدمرة أجهضت جوانب أساسية من محاولات تحديث العالم العربي والإسلامي. 

وقد استفادت هذه الحركات في انبعاثها الجديد -خلال الأزمنة الحديثة والقرن العشرين والسنوات الأخيرة- من تقدم المواصلات والاتصالات وسهولة التعبئة السياسية والوصول إلى الأرياف والبوادي، واستفادت كذلك من انتشار التعليم وظهور المدن وتأسيس الجامعات وتشكل الشرائح المتوسطة التي أسهمت في تنامي الظاهرة الدينية المعاصرة، إضافة إلى ما تتميز به هذه الحركات من تنظيم حزبي وقيادة هرمية وأيديولوجية شمولية ولجان متخصصة وإعلام مطبوع ومسموع ومرئي وغير ذلك. 


تأسست جماعة «الإخوان»، أبرز وأقوى هذه الجماعات، عام 1928م، أو نحو ذلك، في مصر، وامتدت منها إلى دول أخرى عربية وغير عربية، وهي اليوم في إنجلترا وألمانيا وأميركا ربما أقوى مما هي في دول عربية كثيرة. وعلى الرغم ممّا تعانيه حركة الإخوان اليوم فإنّها لا تزال متماسكة ومؤثرة وجماهيرية كما كانت، غير أن الجماهير المصرية والعربية والإسلامية هي التي تغيرت عما كانت عليه عام 1928م، وبخاصة بعد ما سمي بالربيع العربي عام 2011م. وهذا ما جعلني والكثيرين ممن يدرسون الإسلام السياسي و«الصحوة الدينية» يهتمون بالإخوان لما للحركة من جاذبية فكرية في مجالها، ومن تأثير وامتداد وقدرة على التشكل والتلوّن واللعب في الخفاء وكسب الجماهير في العلن، مستفيدة من تعثر ما طمحت له الدول العربية من تقدم ونهضة، ومستفيدة أيضًا ممّا في العالم العربي والإسلامي من سذاجة سياسية وتعجل واقتناع بالوعود، وانتشار الفقر والبطالة وغير ذلك من أسباب.

كان أبزر ما شعر به مرشد الحركة، عند تأسيسها، بعض أشكال الفراغ فدفع بجماعته تحت مؤثرات المرحلة وما فيها من أنظمة شمولية وحركات فاشية لأن تجمع بين دفتيها كل ما يتمناه الجمهور من حركة سياسية اقتصادية اجتماعية رياضية… إلخ. وظلت الحركة إلى اليوم تتلقى الدعم في كل المجتمعات الإسلامية من «جيش لا آخر له من المتعلمين وغير المتعلمين، وفقراء المدن المقتلعين من الأرياف الذين تمتلئ نفوسهم غضبًا واحتقارًا تجاه سكان المدن والنخب الحاكمة والقيم والقوانين السائدة فيها، ومن الطلاب السذج سياسيًّا، والكثير من الحالمين أو المستفيدين الآخرين والذين يبحثون عن حلول مثالية سحرية سريعة لمشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة. فلا عجب أن تسحرها الوعود الجميلة، والمنجزات البلاغية وأن تسير خلف شعارات وكتب وأشرطة الإسلاميين في أي اتجاه مشوا… إلى أن تصدمهم الحقائق»

واكد خليل علي ان التحولات السياسية في العقد الأخير، في الكثير من الدول العربية -التي حاولت الأحزاب السياسية الدينية وبخاصة جماعة الإخوان الاستفادة منها والهيمنة الكاملة على المنطقة- أثبتت أن تغيرًا قد حدث في موقف نسبة كبيرة من شعوب المجتمعات العربية إزاء تيار الإسلام السياسي وأحزابه. 

وفي مصر خاصة كان الانقسام عام 2013م حادًّا والمشهد دراميًّا ونفور الملايين من جماعة الإخوان واضحًا. فوجئت كالكثيرين بالأداء الهزيل لحركة الإخوان وقياداتها في مصر خلال فترة هيمنتهم، وبخاصة فشلهم في فرز شخصا أقوى من «محمد مرسي» الذي لم يكن أداؤه مقنعًا وبخاصة من قبل حركة عمرها أكثر من ثمانين أو تسعين عامًا. بعد هيمنة الإخوان المسلمين على حكم البلاد كادت مصر أن تدخل نفقًا مجهولًا عام 2013م. وكان من الممكن بسهولة أن ينشأ تحالف بالغ الخطورة له ثلاثة أطراف قوية هي مصر وإيران وتركيا، وربما دول أخرى عربية وخليجية وغيرها. وهو وضع كان سيقلب تاريخ المشرق العربي ومستقبله، وبخاصة دول الشام والعراق والمنطقة الخليجية.وحول مآلات «الصحوة»، اليوم، فالواضح لكل دارس وباحث، بل للإسلاميين أنفسهم، أن التيار مأزوم وممزق من الداخل، بين توجهات وقناعات ومدارس، وبين تجارب الماضي وضغوط المستقبل وبين الحمائم والصقور!


ولا تستطيع جماهير العالم العربي اكتشاف خطورة شعارات «الصحوة الإسلامية» وعدم واقعيّتها بالسهولة نفسها في كل البلدان والأحوال؛ فللتيار الديني، كما هو معروف، وسائله ومغرياته لجذب شرائح المجتمع. فعلى سبيل المثال، أغرق زعماء الثورة الإيرانية الجمهور بين عامي (1978: 1979م) بالوعود والإغراءات، وأعطوا الريفيين والشباب والعاطلين على وجه الخصوص «الشمس بيد والقمر بالأخرى»، وها هي القيادة الإيرانية، منذ أربعين عامًا ونيف، أبعد ما تكون عن تنفيذ وعودها.

وعن سؤال يقول هناك انحسار سياسيّ واضح، خلال السنوات الأخيرة، لحركات الإسلام السياسي. كيف تتوقّعون مستقبلها؟

 قال خليل أتساءل دائمًا عن هذا «الهدوء المريب» للتيار الديني وجماعات الصحوة! هل هو انحسار فعلًا أم كمون، وتغيير جلد، أم شيء ما لا نعرفه؟! هل يمكن لهذا التيار الذي كان ملء السمع والبصر، ومهيمنًا على الناس والإعلام والمساجد، أن يخسر مصر ودول الخليج مثلًا، وأن تقوم في وجهه فجأة كل هذه الحواجز الإقليمية والدولية، وأن يخسر كل هذه الأموال؟ لقد تلقى التيار منذ انتهاء تحولات 2011م ضربات موجعة، وهناك معاناة داخلية مجهولة ضمن الأحزاب والجماعات والقيادات. ولكن هل جرت كذلك تحولات داخل مجتمعاتنا وثقافتنا ومناهج تعليمنا؟ هل فُتحت أبواب النقاش حول الإعلام أو التعامل مع التراث أو علاقة الدين بالدولة والسياسة؟ هل درسنا بعمق ما جرى في عام 2011م و2013م إلى اليوم. أشكّ أن هناك جهودًا فكرية لم تبذل وحوارات لم تجر وقضايا لا يزال من الصعب الاقتراب منها.


إن توازنات المشرق العربي في هذه المرحلة قائمة على علاقات وثيقة بين مصر والدول الخليجية، ولكن هل الأمور بخير إن كانت العراق وسوريا ولبنان واليمن خارج الحسابات؟ الحاجة مُلِحّة لظهور تيار سياسي وثقافي واقعي مضاد للتعصب وغير معادٍ للدين وقادر على اجتذاب الشباب بتوجهات منفتحة على العصر. ولكن أين العالم العربي وسط معاناته، ومن كل هذه الأماني! توقعاتي أن تلجأ الصحوة وجماعاتها إلى إعادة ترتيب أوراقها ومحاولة الاستفادة من كل خلاف وانقسام. وهناك كذلك النموذجالتركي ومدى قدرته على تهميش أو تبديل الإسلاميين العرب.

 ثمة رصيد هائل في العالم العربي والإسلامي من الفهم المنغلق والاستعلائي للدين الذي يشارك فيه الأميون والمتعلمون والأطباء والمدرسون والمهندسون على حد سواء. ثمة أوهام سياسية وهناك الكثيرون ممن يروجون للحلول السهلة والمرتجلة لمشاكل التخلف والفقر، وهناك من الدول من تصرف عليهم بسخاء أحيانًا ومجانًا أحيانًا أخرى؛ ولهذا وغيره من المستبعد أن تزول الظاهرة على الرغم مما يبدو عليها من انحسار وتراجع.


شارك