بعد مقتل "مهسا أميني" المجلة تكشف ضحايا شرطة الأخلاق في ايران
الثلاثاء 27/سبتمبر/2022 - 12:35 م
طباعة
روبير الفارس
مهسا أميني (22 عاما) أيقونة جديدة قدمت حياتها دفاعا عن حرية المرأة الإيرانية من جانب، وفضح الأوضاع غير الإنسانية التي تعانيها في مجتمع لا يزال يعيش في ظلمات عدة من هذا المنطلق نشرت مجلة المجلة في عددها الاخير ملفا يكشف عن العقلية المغلقة للشرطة الإيرانية في تعاملها مع مواطنيها من جانب ثالث.
تلك هي الأزمة التي تواجهها الدولة الإيرانية على أثر وفاة الفتاة مهسا أميني، عقب توقيفها منذ منتصف سبتمبر الجارى (2022)، لدى ما يطلق عليه الشرطة الدينية بطهران بموجب "تطبيق قوانين الحجاب الإجباري" التي سُنت عقب ثورتها عام 1979 التي ألبستها وصف الإسلامية وهى بعيدة كل البعد عن هذا الوصف، إذ كيف يصدر تشريع يلزم جميع النساء بغض النظر عن الجنسية أو المعتقدات الدينية بوضع حجاب يغطي الرأس والرقبة؟
وقال التقرير الذى كتبه احمد طاهر بعنوان "مهسا أميني.. رمز إنساني في وجه القمع الإيراني " ان هذه الحادثة ألقت قليلا من الزيت على النار المشتعلة تحت رماد الغضب المتزايد ليس فقط لدى المرأة الإيرانية من مأساوية أوضاعها وإنما لدى غالبية أفراد المجتمع وخاصة فئات الشباب من الجنسين الذين ضجروا من تلك الحياة الخانقة التي يدفعون أثمانا باهظة من حياتهم ومعايشهم لخدمة مجموعة من الملالي التي لا تزال تقبض على مقاليد السلطة تحت حجج واهية تعيد إلى الأذهان فكر القرون الوسطى المتعلق بنظرية الحكم الإلهي للملوك، وكأن هؤلاء الملالي مفوضون من العناية الإلهية لحكم شعب كان يوما ما من الشعوب أصحاب الفكر والعلم والحضارة، وأضحى اليوم يتسول قوت يومه ولا يجد الحد الأدنى من متطلبات معيشته (التظاهرات المستمرة في الداخل الإيراني على تردي مستويات المعيشة تارة وعدم وجود المياه تارة أخرى تؤكد على هذه المعاناة).
ويستعرض هذا التقرير جانبا من واقع مأساوي تعيشه المرأة الإيرانية تحت عنوان "شرطة الأخلاق" بما يحمله من دلالات إيجابية على المستوى اللفظي، في حين أن ممارساته الواقعية تؤكد على وحشيته غير الإنسانية، إذ درج النظام الإيراني على صك شعارات وتوظيف مصطلحات جاذبة لتخدع البسطاء من الناس، في حين أنها تحمل في طياتها ومضامينها الكثير من التجاوزات والانتهاكات، ولعل مصطلح شرطة الأخلاق واحد من هذه الشعارات أو التسميات التي تعكس هذا التوجه.
وعليه يتناول هذا التقرير مأساة المرأة الإيرانية في جانب واحد يتعلق بدور "شرطة الأخلاق" وتجاوزاتها، وجاء في التقرير انه في خضم محاولات نظم الحكم السلطوية أو الفردية للهيمنة على مقدرات أوطانها وشؤون مواطنيها، تتعدد أدواتها المستخدمة بين أدوات سياسية ودينية وأخرى أمنية وثالثة إعلامية ورابعة تربوية وخامسة ثقافية وسادسة اقتصادية... إلخ.
حيث يتم توظيف كل هذه الأدوات في سبيل إحاطة حياة المواطنين من الجوانب كافة، خشية خروج المواطن عن الحدود التي رسمها هذا النظام السلطوي فيكون ذلك إيذانا بسقوطه ومحاكمة رموزه كما يسجل التاريخ ذلك في أحداثه ووثائقه.
ولعل ما حدث في طهران منذ انقلاب عام 1979 لم يخرج عن هذا النهج المتبع، إذ سرعان ما وضع الملالي حزمة من الأدوات القمعية في الفكر والمعيشة لفرض رؤيتها وهيمنتها على أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع، وكان من بين هذه الأدوات تأسيس نوع من الشرطة المتخصصة أطلقت عليه "شرطة الأخلاق"، حيث تتولى هذه الشرطة مراقبة مدى التزام المواطنين بالقواعد الصارمة الخاصة باللباس والسلوك، من خلال تسيير دوريات في الشوارع الإيرانية يطلق عليها "دوريات الإرشاد"، حيث تقوم بتوقيف ومعاقبة النساء مثلاً في حال ظهورهن في الأماكن العامة بلباس يخالف الشادور الإيراني أو غطاء كامل.
كما لا يسلم الشباب أيضا من توبيخ وزجر رجال هذه الشرطة إذا كان لباسهم لا يناسب من وجهة نظرهم ، فكل من يخالف "قواعد السلوك والتصرف" يواجه خطر سحبه إلى سيارة "دورية الإرشاد" ونقله إلى "مؤسسة للإصلاح"، حيث يقومون بتعليمه كيفية التصرف كمواطن صالح بالمقاييس والمعايير التي وضعها الملالي الذين يحكمون، وإلا تعرض للعقوبة بالسجن أو دفع غرامة مالية.
وغني عن القول إن هذا الدور المنوط بشرطة الأخلاق دفع مجموعة من الشباب المتخصصين في مجال البرمجة المعلوماتية إلى تطوير تطبيق لنظام أندرويد يتيح للإيرانيين تجنب «"شرطة الأخلاق" أطلقوا عليه اسم "غيرشاد" (Gershad)، حيث يعتمد التطبيق بشكل أساسي على خدمة "GPS" لتحديد الموقع.
فإذا كان الشاب الإيراني من مستخدمي التطبيق، فإن كل ما عليه فعله هو التبليغ عن حاجز لـ"دورية الإرشاد" فور رؤيته، وكلما زاد عدد المبلغين عن موقع الدورية، يقوم التطبيق بضمان تثبيت الحاجز في المنطقة، وبالتالي يتجنب بقية مستخدمي التطبيق المرور بالمنطقة التي توجد فيها الدورية، ويغيرون طريقهم.
وكلما نقص التبليغ عن حاجز معين أزاله التطبيق شيئاً فشيئاً عن الخريطة، لأن تلك الحواجز تتغير بشكل دائم، صحيح أن السلطات الإيرانية بحكم ما تمتلكه من رقابة صارمة وواسعة على الإنترنت تمكنت من منع هذا التطبيق بعد 24 ساعة على طرحه، إلا أنه من الصحيح أيضا أن سرعة تفاعل المواطنين الإيرانيين معه بالشكل الذي دفع الحكومة إلى منعه خلال يوم واحد عقب بدء تشغيله يعكس حالة الرفض العامة لكل ممارسات الدولة الإيرانية في تقييد الحريات وتكبيلها، بل دفعت فكرة هذا التطبيق المواطنين إلى التعليق على ما حدث بنشر تويترات ساخرة من قبيل: "فيما تطور باقي دول العالم تطبيقات لتحديد مكان الشرطة بهدف الاستفادة من حمايتها، نطور نحن (الإيرانيين) تطبيقات لحماية أنفسنا من الشرطة".
وكتب مستخدم آخر يقول: "إلى أي مدى يجب أن تكون قد وصلت درجة يأسنا نحن (الإيرانيين) حتى نطور تطبيقا لتفادي الشرطة في الشارع العام بسبب خوفنا منها"، فمثل هذه الانتقادات لا تحمل إدانة للشرطة الإيرانية فحسب وإن كانت هي الأداة الأكثر استخداما من جانب النظام لقمع المواطنين، وإنما هذه العبارات هي في حد ذاتها إدانة حقيقية لنظام حكم أفلس فى نظر مواطنيه وأصبح فاقدا للشرعية السياسية، فحينما يحاول المواطنون أن يهربوا من شرطتهم التي هي أداة من أدوات حمايتهم كما هو موجود في كل دول العالم المتحضر يعني ذلك أن النظام يواجه تحديا حقيقيا في نظرهم.
ويضاف إلى ما سبق، بعد آخر في النظر إلى دور الشرطة بوجه عام وشرطة الأخلاق بوجه خاص إذا كانت هناك ضرورة لوجود مثل هذا النوع من الشرطة، إذ إن الأخلاق منظومة قيمية تضبط سلوك الفرد دون الحاجة إلى شرطة تجبره على الالتزام بهذه القيم ولكن حينما تتحول هذه القيم إلى قواعد قانونية نكون إزاء شرطة تضمن التنفيذ.
وهنا يجب أن تعيد الدولة الإيرانية رؤيتها في مثل هذه النماذج غير الإنسانية التي تحاول أن تهيمن بها على المجتمع وفكره تحت تسميات براقة لم تعد تجدي نفعا في ظل حالة الانفتاح التي تعيشها المجتمعات بفضل التطور في وسائل التواصل والاتصال، فحينما تتحدث دولة عن رقابة على الإنترنت إنما تتحدث عن شيء لم يعد له وجود، إذ كثيرا ما يعمد الشباب للالتفاف على القيود التي تفرضها السلطات الإيرانية على المواقع الإلكترونية من خلال استعمال الخدمات الوكيلة (Proxy-Server) للدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل "يسبوك"، و«تويتر» وغيرها، وهو ما يؤكد أن العالم أضحى أكثر قربا مما يتصوره ملالي طهران الذين لا يزالون يعتقدون أنهم قادرون على غلق مجتمعهم كما كان الحال حينما تمكنوا من الانقلاب على الحكم والهيمنة على مقدرات البلاد أواخر سبعينات القرن المنصرم، متناسين تطور الأوضاع وتغير الظروف.