دراسة: طالبان.. الهيكل والاستراتيجية والأجندة والتهديد الإرهابي الدولي
الأحد 09/أكتوبر/2022 - 03:12 م
طباعة
حسام الحداد
أجمل سهيل، حاصل على دراسات الإرهاب والتطرف من جامعة لايدن في هولندا، وجامعة ميريلاند في الولايات المتحدة، محللا استخباراتيا، وخبيرا في مكافحة الإرهاب. ولا يزال على اتصال جيد مع الأطراف السياسية في بلاده حيث أنه من مواليد أفغانستان، سواء أولئك الموجودين فعليا في أفغانستان أو أولئك الذين يعملون من الخارج، ما يتيح له تقديم رؤى ثاقبة للوضع الجيوسياسي المعقد للغاية في أفغانستان ومنطقة جنوب آسيا.
سهيل مؤسس مشارك ورئيس مشارك في تحالف مكافحة المخدرات والإرهاب في ألمانيا، حيث يدير ملفات الاستخبارات ومكافحة الإرهاب.
يقدم سهيل في أحدث أعماله " طالبان: الهيكل والاستراتيجية والأجندة والتهديد الإرهابي الدولي"، وصف هيكل طالبان، وهو أمرٌ مهم جدًا لفهم سبب تصرف الحركة الجهادية بالطريقة التي تتصرّف بها منذ أن استعادت السلطة في أفغانستان في أغسطس 2021، وكيف ستتعامل في المستقبل مع القضايا ذات الاهتمام البالغ للمجتمع الدولي. إن التفاعل بين الفصائل، والدينامية بين المؤسسات “الرسمية” و”غير الرسمية”، هي التي تحدِّد الرؤى الأيديولوجية والاستراتيجية داخل حركة طالبان التي تهيمن عليها، وتوجّه سياسات الدولة التي يسيطر عليها الجهاديون الآن. ولشرح هذه الصورة المعقدة، يستند التقرير التالي إلى شبكاتٍ من المصادر التي زرعت على مدى سنوات عديدة، من الغربيين والأفغان، في مختلف المؤسسات الحكومية أو العاملين فيها، في الماضي والحاضر، الذين يجب أن يظلوا مجهولي الهوية من أجل سلامتهم.
ويقول سهيل في تقريره: عند فحص طالبان بطريقةٍ دقيقة، يظهر أن لدى الحركة عنصرين محددين داخل هيكلها. العنصر الأول هو الهيكل الهرمي الجامد لحكومة طالبان الرسمية، والمعروفة باسم الإمارة الإسلامية. الهيئة العليا داخل الإمارة الإسلامية هي “شورى كويتا”، بقيادة الشيخ هبة الله أخوند زادة. ويقود أخوند زادة، الذي يشغل منصب المرشد الأعلى للحكومة، الوزارات الرئيسة في الإمارة الإسلامية، بما في ذلك رئيس الوزراء، والدفاع، والداخلية، والمالية، والعدل، والإعلام. والعنصر الآخر الذي يحدِّد هيكل الطالبان، العنصر الحاسم لفهم طبيعتها الأساسية، هو الجانب الجامع للمنظمة.
وهكذا، فإن حركة طالبان هي مجموعة محددة لها مؤسسات وسلطات محددة، وفي الوقت نفسه حركة أكثر عمومية تستطيع جماعات مختلفة ومتميزة أن تعمل في كنفها. وبالإضافة إلى قيادة “شورى كويتا” التابعة لطالبان والموالين لها، هناك ثلاث مجموعات إضافية رئيسة تعمل تحت اسم طالبان، سيستكشفها التقرير. ثم هناك تجمعات، بعضها منقسم إلى فصائل، تعمل تحت إشراف كيان طالبان الرئيس منذ إعادة تشكيل الإمارة الإسلامية.
ويضيف: مع إعادة “طَلْبَنة” أفغانستان، ذاعت شائعات من داخل الإمارة الإسلامية تشير إلى أن الهيكل الحكومي الجديد سيضم عناصر من القيادات القبلية، التي كانت منفصلة تقليديًا عن حركة طالبان. وكانت الفكرة أن هذه الشمولية من شأنها أن تضمن الاستقرار الطويل الأجل لنظام الإمارة الإسلامية. غير أنه لم تلاحظ أي علامة على وجود هيكل شامل.
ويستنتج سهيل أنه، لم يتغيّر أسلوب عمل طالبان كثيرًا منذ ظهورها كجماعةٍ جهادية متمردة في عام 1994 تهدف إلى إنشاء دولة ثيوقراطية إسلامية في أفغانستان. منذ عودتها إلى السلطة في أغسطس 2021، شرعت طالبان في ترسيخ سيطرتها وسلطتها المطلقة، وهي مسؤولة عن العديد من الهجمات العنيفة لقمع المقاومة واجتثاث المعارضين. وتنفّذ هذا القمع بطرائق مختلفة، بدءًا من نشر المسلحين ضد المتظاهرين، ومداهمات المنازل والشركات، إلى استمالة المؤسسات المجتمعية المختلفة.
وبصرف النظر عن نواياها القمعية، أضحت أفغانستان تحت قيادة طالبان، دولة تعاني عزلة شديدة وتفتقر للكفاءة: قدرات ضعيفة في مجال الإدارة المؤسسية الحديثة؛ وعجز عن استخدام التكنولوجيا من أجل تحسين حياة المجتمع الأفغاني؛ ونقص في الخبرة للاستفادة من الموارد الطبيعية للدولة (لا سيَّما الموارد الزراعية والمعادن الطبيعية)؛ والحاجة إلى العلاقات الخارجية لتعزيز التجارة ومصادر الإيرادات، ولكنها عاجزة عن إقامة مثل هذه العلاقات بسبب التهديدات التي تمثلها للمجتمع الدولي.
وفي حين توجد مجموعة واسعة من الفصائل داخل طالبان، فإن دائرة صغيرة من الجهات الفاعلة في جنوب غرب أفغانستان، خاصة من ولاية قندهار، هي من تحتكر السلطة السياسية والعسكرية. وبصرف النظر عن الهيئات الإدارية الرسمية للحركة، يوجد فريق استشاري خاص بأخوند زادة يتألف من أربعة شيوخ متشددين، يسيطرون بحكم الأمر الواقع على الإمارة الإسلامية بأكملها، وهم أهل الحل والعقد في كلِّ قرار أجنبي وداخلي يُتخذ.
لا تزال طالبان تشكّل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين، وتمثل تهديدًا أمنيًا كبيرًا للمنطقة وخارجها، فما زالت طالبان تستضيف مجموعة متنوعة من الجماعات الجهادية الدولية. كما أن الصراعات الداخلية على السلطة بين شبكة حقاني، وشيوخ المنطقة الجنوبية الغربية، هي أيضًا مصدر محتمل لعدم الاستقرار السياسي في دولة شبه فاشلة بالفعل، الأمر الذي قد يضيف إلى المشكلات التي يواجهها المجتمع الدولي.
وثمة تعقيد آخر يتمثل في أن طالبان تخضع بشكلٍ كبير لتأثير وكالة استخبارات أيديولوجية عابرة للحدود، هي الاستخبارات الباكستانية.