غزوة "عزيزة ".. تفاصيل معركة "طه حسين " ضد طالبة حقوق نادت بمنع الاختلاط بالجامعة
الكثير مما قام به عميد الادب العربي الدكتور "طه حسين "في سبيل تحديث المجتمع المصري. لم يزال غائبا .فالرجل وبحق خاض معارك ضارية في سبيل الحداثة والتنوير .
ولم تكن معارك فكرية وأدبية فقط، بل واجتماعية ايضا مثل معركته المجهولة مع الطالبة " عزيزة عباس عصفور " الطالبة بكلية الحقوق التى اندلعت عام 1936، وتحدي فيها القوي الأصولية التي تبنت مطالب " عزيزة " بمنع الاختلاط في الجامعة وتدريسه مادة الدين للطلبة .
وتداخل في المعركة جوانب عدة منها ما هو سياسي فالعام شهد توقيع المعاهدة الشهيرة مع بريطانيا والاستعداد لتنصيب الملك فاروق الذى حظي بصناعة "هالة " دينية وأخلاقية بدأت بمنحه لقب " الفاروق " واغداق صفات التقوي والصلاح عليه، الامر الذى دعمه الأصوليين بقوة ظهر من حشر اسمه وتكرار ذلك كوسيله لتحقيق مطالبهم " الرجعية " .
ومنها ما يتعلق بضرب حكومة الوفد والنحاس الذي وقع الاتفاقية مع بريطانيا، ومنها ما هو اجتماعي حيث وصل عدد الطالبات نحو 200 طالبة الأمر الذى كشف عن اقبال كبير من الفتيات علي التعليم الجامعي، الأمر الذى اقلق القوي الرجعية .
وفي الذكري ال 49 لرحيل عميد الادب العربي واعترافا بفضله الكبير، نعيد قراءة هذه المعركة المنسية برغم أن أصداءها مازالت قائمة للان فمن حين لآخر تظهر الأصوات التى تطالب بمنع الاختلاط وتقلل من شأن المرأة.
عقل "عزيزة"
لكي نتعرف على عقل
"عزيزة عباس عصفور "طالبة الحقوق قائدة الحملة ومشعلة المعركة كان علينا ان نقرا
بعض كتاباتها المنشورة بجريدة الفتح السلفية، لنتفهم كيف كانت تفكر ولماذا وجدت نفسها في هذه المعركة، يتضح من هذه
الكتابات ملامح أساسية أولها دونية المرأة.
تقول عزيزة في مقال بعنوان "هل الأفضل للفتاة أن تتعلم تعليما جامعيا أو أن تنفرد بثقافة خاصة بها ؟ ( نشرت في العدد 545 من الفتح الصادر بتاريخ 4 صفر 1356 ) " فالرجل وحده يا ساداتي هو الكائن البشرى الذى قصدت اليه الحياة أما أنت أيتها الزميلة فمهما اشتعلت حماسة لحريتك . وطلبت لنفسك مهن الرجال ، فانك لتشعرين في أعماق نفسك بأنك ما خلقت إلا للشطر الآخر من المهمة الإنسانية ، وما وجدت في هذه الحياة إلا لتكوني زوجة وأما وشريكة للرجل أما نزولك للميدان فيجعلك تقوضين عرشا عظما كانت تتربع عليه زميلتك المؤمنة فى الماضى ، واليوم أصبحت يداك صفرا منه بسبب المدنية التي تدعينها لنفسك ...وما أباسها من حرية، وما أقبحها من مدنية ! إنك منذ أن توجهت نحو بلوغ حريتك المشئومة .
أعملت معاول الهدم فى عرشك الطبيعي فطمته يديك متوهمة انه السجن أضاع وجودك وكسف مواهبك ، ولم تكتف بذلك بل انقلبت مطالبة بما أو همك به المدلسون أنه من حقوقك، فهتفت تحت تأثير تسويلاتهم مطالبة بحقك في العمل الخارجى كالرجال، وبحقك في مساواة التعليم ، وبحقك فى تولى الوظائف العامة، وبحقك في الانتخاب ، وبحقك في الاشتغال بالسياسة إلخ .
وما دريت أيتها العزيزة أن هذه الحقوق لا تصل بك إلى ما ترمين اليه من السلطان الأدبى ، فهي معترف بها لأضيع الناس وجوداً في المجتمعات فلم تجدهم نفعا . فإذا تجنين من ورائها ؟ لا شيء سوى الخيبة والخسارة " بل هي تلقي خطبة في نادي التجارة العليا بعنوان " المرأة ليس لها الحق في الانتخاب " وتنشر الفتح نصها في عددها رقم 577 الصادر في 22 رمضان 1356 .
وتقول فيها بكل تخلف " أن المرأة ذات عقل يتناول من الأشياء قريبها واما الرجل فذو نظر شامل عميق هي وسيلة لحفظ النوع وهو غاية في حد ذاته ..وهناك فوارق عظيمة بين مخ المرأة ومخ الرجل فبينما هي ذات مخ قليل الثنيات وتلافيفه اقل نظاما نراه عي العكس منها هذا علاوة علي ان وزن مخه يفوق وزن مخها ان الفوارق بين الرجل والمراة عديدة بحيث لا يمكن حصرها وتضيف عزيزة قائلة " لعل معارضاتي يضر بن مثلا بنساء ولين الحكم في التاريخ ، أو قمن بقيادة الجيوش .
أو يستشهدن بأدبيات بارعات ويقلن ليس من العدالة في شيء أن يحرم أمثال هؤلاء من حق الانتخاب ، ولكني أرد عليهن بأن ذلك نادر والنادر لا حكم له ، وقد قضت به الضرورات والضرورات تبيح المحظورات ، ولا . يصح أخذ النادر أو ما قضت به الضرورة قاعدة عامة للمجموع قد تعترض ايضا زميلتى قائلة إن نساء الريف يشتركن مع رجالهن في الرعي والسقي والزرع والحصد ، فلم لا نساوى سيداتنا المثقفات برجالنا المثقفين في حقوق الانتخاب ؟
ولكني أرد عليها قائلة : ان هؤلاء قوم دفعهم الفقر واضطرتهم الحاجة الى حياة لا يرتضونها ابدا يوم يبدل الله فقرهم غنى " وتكرس في كل سطر دونية المرأة بمنطق مضحك فتقول " اذا أعطينا المرأة الحرية قائلين انها يمكنها ان تحرس نفسها ، فمثلها في ذلك كمثل الحارس على مستودع البارود من النار فهو يخاف من الشرارة الصغيرة بقدر ما يفزع من الحريق الأعظم ؛ فاذا تركنا المرأة تحفظ نفسها بحريتها فكأننا تترك مستودع البارود معرضا للخطر في كل سانحة وبارحة.
وأنا اعتقد ألا حرية للمرأة في امة من الأمم ، إلا إذا اعتقد كل رجل بضرورة حفظ كرامة كل امرأة فيها بحيث لو اهينت واحدة منهن ثار الكل من أجلها ؛ يومئذ تصبح المرأة حرة، لا بحريتها هي ولكن لأنها محروسة بملايين من الرجال " ومقالاتها التي تدور في هذا الفلك أكثر من الحصر .
نفاق الملك
أما الملمح الثاني الظاهر بقوة في كتابتها الاخرى يتمثل في نفاق الملك حالة غريبة من تملق الملك فاروق ونفاقه تظهر في كتابات عزيزة داخل المعركة وخارجها، فهي تغدق عليه القاب وأوصاف مبالغ فيها جدا، ولا محل لها من الواقع .
ولكنها تفضح الارتماء الكامل والمستمر للقوي السلفية في حضن السلطة، فقد نشرت مقالا بعنوان اليوم المشهود في عدد ٥٦١) من (الفتح) الصادر في تاريخ ٢٨ جمادى الأولى ١٣٥٦ عن يوم تنصيب فاروق جاء فيه "هو ذلك اليوم الذي كتبه الله تعالى في صحيفة التاريخ وسجل الخلود وديوان المجد بمداد الفخر وأحرف من نور هو ذلك اليوم الذي نقش تاريخه على قلوب المصريين خاصة وسكان الأقطار الشقيقة عامة .. نقش تاريخه بكلمات بارزة من ذهب يدوم بريقها بدوام السرور ، ويزداد رونقها بمر الأعوام وكر الدهور هو ذلك اليوم المبارك الميمون ، الذي جعله المولى جلت قدوته غرة في جبين الدهر وآية هذا العصر، ودليل فخر وعظمة لمصر ، وفضله وآثره بما فيه من عظمة ستدوم ذكراها ماثلة أمام أعين أمة فتية ، وسعادة ستظل ابداً خالدة فى نفوس شعب مخلص وفى لمليكه محب له الحب كله، ولا عجب فالمليك قد أظهر من العطف الشديد و الإخلاص النادر لشعبه ما جعل هذا الشعب مدينا / و مثقل الكاهل بواجب الولاء والحب نعم لقد أسر الفاروق شعبه وأمنه بديموقراطية و عطفه جعل قلوبهم تمتلىء بحبه وألسنتهم تلهج بالثناء عليه وأيديهم ترفع بالدعاء له وأنفسهم تطيب بذكره وعيونهم نفر برؤيته وصحفهم تعج بتعداد مفاخره .
وليس أدل على هذا الحب من أن الصغار والكبار والأغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء ، أذا ما ذكر اسم الفاروق أمامهم، يرفعون الأكف الى السماء راجين المولى أن يكتب له سعادة وهناء في الدنيا ونعما وجنة في الآخرة هو ذلك اليوم السعيد يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر جمادى الأولى المبارك سنة ١٣٥٦ ، ذلك اليوم المجيد الذى تبوأ فيه جلالة مولانا فاروق الأول ملك مصر والسودان عرش وطنه ، وباشر سلطته الدستورية وسيرفع رأس مصر عاليا ويجعلها تسير مختالة فخورة تميل تيها وعجبا بأول ملك مستقل ، وخير عاهل تقى ورع صالح جلس على أريكتها وتقلد امورها وسيقوى دعائمها بقوة الشباب وبعقل راجح وشجاعة نادرة وقلب مملوء بالايمان ونفس طاهرة عفيفة ...وفي مقال اخر بعنوان "فليحي الملك الصالح " نشر بالفتح في العدد رقم 563 مؤكده ان " الأمة جمعاء شهدت له بالتقي والصلاح وهي شهادة الهام من الله ارسلها سبحانه علي السنة خلقه " وكما ان مقالاتها عن دونية المرأة لا تحصي كذلك مقالاتها عن عظمة وطهارة الفاروق !
المرأة والجامعة
وعملنا بنصيحة أستاذنا ، وكانت “مؤامرة” ناجحة ، إذ فوجئ الرأي العام بنبأ قبولنا في الجامعة ، ولكن بعد أن أصبح القبول نهائياً.
وفي عام 1936 بلغ عدد الطالبات نحو 200 طالبه .وهنا اشعلت الطالبة عزيزة عباس عصفور الطالبة بكلية الحقوق معركة حول عدم الاختلاط بين الطلبات والطلبة وتدريس مادة الدين في الجامعة .
بداية المعركة
ولقد كان لوزارة المعارف العذر فيما مضى لأن عدد الجامعيات كان قليلا جداً ويكلفها من النفقات الشيء الكثير اذا هي انشات من قسما خاصا ، ولكن ما عذرها اليوم وقد أصبح عددهن أعظم بكثير من طالبات مدارس تحت حصر عالية فتحت الوزارة أبوابها لهن خاصة ان في الاختلاط من المخاطر ما لا يقع وأن أخلاق المرأة يجب أن تكون بعيدة عما يشينها ويحط من قدرها وإنه لمن الضروري صيانة لهذه الاخلاق من الزلل إنشاء قسم جامعي خاص بالفتيات تحوطهن فيه رعاية منظمة كالتي كنا تتمتع بها في مدارسنا الثانوية هل قطعت الوزارة بانه لا يتقدم للجامعة من الطالبات الا من كان لها أسرة فى القاهرة.
وكيف الحال بنا نحن بنات الريف والسواحل ، وعلى أية حال سيكون مصيرنا فى حياتنا الجامعية ؟ الى أى مسكن ناوى وعلى أي نظام نعيش ليكفل لنا حريتنا ويصون أخلاقنا . لقد كانت هذه حيرة الآباء منا وقد كانت تربيتهم النا تربية اسلامية شرقية ان فى هذا النظام القضاء مبرما على كثير من الفتيات وسيقعدهن في عقر دورهن بعد أن قطعن مرحلة كبيرة من التعليم .
وأن في هذا النظام أيضا لظلما لنفس سعيدة طامحة لتنال قسطها من العلم أن يقضى عليها وعلى آمالها ويفقدها غرضا نبيلا وغاية شريفة ان العلم للمرأة واجب لا لتعيش منه وترتزق فقط أن وقفت بها الحياة موقفا يدفعها الى خوض غمار العمل بل لتثقيفها واخراجها اما صالحة نافعة لبيتها وزوجها وأولادها ، ولا يمكن أن تكون نهضة الامة في حياتها الدستورية نهضة صحيحة ما لم يكن رقى المرأة في مقدمة مقاصدها ولقد تنبهت أفكار الأمة في السنوات الأخيرة وتهافت أفرادها على دور العلم مقدرين فضله ، ولم يكن نصيب البنت في هذه المساهمة بالقليل فهو يتكاثر بنسبة تبشر بلوغ هذا المستوى مبلغه الصحيح الذي يضع الامة في مصاف الامم الناهضة بمستوى المرأة الرفيع . ولا يمكن أن تبلغ المرأة هذا الأمل الا بعد الاستعداد وتمهيد الطريق لمن يطلبن العلم للنهاية
ان في البلاد اليوم وزارة دستورية محترمة ، وقد جاهد أفرادها جهاداً مشرفا طويلا بصبر وجلد، فبرهنوا على اخلاصهم لبلادهم ويهمهم أن يكون في هذا العهد السعيد الذي اقترن سعده بالمليك الشاب الديموقراطي التقى في دينه، وقد دلت باكورة أعمال جلالته على أنه من أكبر انصار الفضيلة ومن خير المتمسكين باهداب دينهم ، للبنت التي رغبت بشغف ان تطرق الحياة الجامعية لتنال بغيتها من العلم - حياة صالحة وليس بعزيز على هذه الوزارة التي يؤيدها برلمان الامة أن تعمل على تحديد مركز البنت في الحياة الجامعية بما يتفق مع شعائر الدين وعادات البلاد، وما يمكنها على الوجه الصحيح من حفظ كرامتها وهي غريبة عن البلد الذي توجد به الجامعة أن تعيش عيشة يأمنها ذووها وتهدأ بها ولا تتعرض لأخطار الاختلاط وما يجره من نكبات عظام وويلات جسام.
عزيزة عباس محمد عصفور
الخطيب يدخل على الخط
وفور صدور المقال علق عليه الداعية الإسلامي السوري محب الدين الخطيب (1886 - 30 ديسمبر 1969م) من مؤسسي جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة صاحب المكتبة السلفية ومطبعتها بمصر أصدر مجلة الزهراء، ثمّ أسس جريدة الفتح، ثمّ تولّى تحرير مجلة الأزهر) في افتتاحية عدد يوليو 1936من مجلة " النهضة النسائية " بعنوان " تطور المرأة المصرية " وإعادة نشره ايضا بالمجلة مؤكدا أن " الاختلاط وأخطاره كانت مصر تتقيهما قبل هذا التطور المشئوم " وأضاف الخطيب قائلا " أن الاختلاط على مقاعد الجامعة جراً بنات من بيوت كريمة على الاختلاط في حمام المعرض ، وعلى التجرد من الملابس للاستحمام أمام الرجال . وان الاختلاط في دور السينما وعلى مقاعد السيارات العامة جراً مئات النساء من طبقات مختلفة على أن يغشين حمامات البحر المختلطة في الثغور المصرية ولا سيما في الإسكندرية .
وكم خربت بسبب ذلك بيوت ، وكم ترتب على ذلك من حوادث طلاق وحوادث خداع ، وكل الناس يرون هذا الشر و يعرفون عنه الشيء الكثير وقل من يجرؤ منهم على إرسال صيحة حق تهيب بالأمة أن ارجعى من منتصف الطريق فان في نهايته هوة سحيقة لا ينهض من يسقط فيها" وتوالت مقالات عزيزة التى تطالب فيها شيخ سيوخ الازهر والاتحاد النسائي بمنع الاختلاط وقالت عزيزة لشيخ الازهر لقد جمعتني مدرستي " حلوان الثانوية الاميرية " بكريمتكم هند" ولقد اتخذت من هند الطاهرة الشريفة التقية ذات الخلق الرصين والادب الجم صديقة وفيه عزيزة لما تجلي فيها من كريم الصفات ولقد نشأت بطبعها يزينها الحياء فهل سيزج بها شيخنا الجليل في هذا الاختلاط الجامعي ؟ "
الاستفزاز
وأحب أن أناقش هذا الرأي بصراحة ، فأوضح أولا كيفية الاختلاط الذي رأيته في كليتي الآداب والحقوق، فهو اختلاط صورى أكثر منه اختلاط حقيقى كما يفهمه من يقرأ كلمات الآنسة، اذ انه عند ما تبدأ المحاضرة تجلس الطالبات فى مقاعد معدة لهن بالصفوف الأولى أو الجانبية ، وعند انتهاء المحاضرة تذهب الطالبات الى حجرات خاصة بهن يمكثن بها حتى تبدأ المحاضرة التالية. ومن هذا يتبين أنه ليس هناك اختلاط يدعو نتائجه التي ترى هي أنها الآنسة الى ابداء مخاوفها من نتائجه التي ترى هي انها سيئة الى حد ما .على أنه اذا كانت الآنسة ترى أن في هذا الاختلاط مفاسد وشروراً ، فما الذي دفعها إلى دخول كلية الحقوق مع أنه كان في إمكانها أن تكتفى بما وصلت اليه من معرفة وتعليم ؟
أليس لأنها تريد أن تحترف المحاماة بعد تخرجها في الكلية ؟ واذا كانت تخشى اختلاطها بالطلبة وهى طالبة ، أفلا تخشى اختلاطها بالرجال وهي محامية ؟ قد يجد القارىء بعض العناء في تفهم غرضها من نقد الاختلاط ، فهل هي تقصد بمنع الاختلاط أن تقوم الجامعة بانشاء كلية حقوق لسبع من الطالبات ، أم أن لها غرضا آخر ؟
اذا كانت حضرة الآنسة المهذبة تقصد أن الاختلاط يدعو الفتيات الى التكلم مع الطلبة فمن الذى يجبرهن أن في امكانهن أن ينصرفن عنهم على التكلم معهم ، مع الى زميلاتهن الطالبات ؟ واذا كانت هي ترى أن بعض
زملائها لا يسلمون من ضعة الاخلاق أفلا تجد واحدا كامل الخلق لا يخشى الاختلاط به ؟ اذن ما الذي يدعونا إلى أن نخشى عواقب اختلاط الطالبات بالطلبة اذا ما وجدنا أنه ليس بين فئة من جهلة الشباب الذين يميلون الى اللهو واللعب ، وانما هو بين فئة تسعى الى أسمى غاية وهى تكملة الدراسة هو العليا المضنية يا آنستي ، هذبى الفتاة وزوديها بالفضائل والعفاف ثم دعيها تختلط بمن تشاء ، فان الحجاب هو مناعة النفوس لامناعة القناع والجدران.
وأخيرا أشكر للآنسة الفاضلة تمسكها باهداب الدين وتعلقها بالفضائل ، وأرجو لها التوفيق على الرغم من أنى لا أقرها على رأيها فما ذهبت اليه.
فضل الشابورى مدرسة الحقوق الفرنسية
عزيزة ترد
. لقد كتبت في الاختلاط الجامعي كفتاة مسلمة شرقية عقيدتها أنه خطر على الاجتماع، خطر على الأخلاق ، ولا يتفق بأي حال مع عادات البلاد وطباع أهلها ولقد كان لى الشرف بأني أول مصرية تعرضت لهذا الموضوع الخطير مقدرة ما يحوطه من نقد وتأييد ، وسأستمر فى الكتابة فيه إلى أن يحقق ولاة الأمور وعلى رأسهم جلالة مولانا المليك المحبوب أمنية شريفة وغاية طاهرة ليست في صالح الفتاة وحدها بل في صالح الجامعيين
على السواء ولقد شرفنى الكثيرون من عقائل ورجال مصر بر سائل التأييد والكتابة بالجرائد والمجلات بما يطمئنني بأن صرخة الحق قد وصلت الى القلوب فحركت أقلامهم الكريمة ، كما شرفنى الكثيرون من أساتذتي ومن شباب مصر المثقف بمثل هذا التأييد ، ولم يصلنى نقد واحد حتى طلع علينا الأهرام بتاريخ ٢٣ أغسطس سنة ١٩٣٦ بكلمتين الأولى لحضرة الزميل فضل أفندى الشابورى الحقوق الملكية الفرنسية، والثانية لحضرة الزميل محمود أفندى عبد المجيد بكلية الحقوق الملكية . والكلمة الاولي للنقد والثانية للتأييد
ولقد ناقشنى حضرة الزميل الناقد مناقشة تلزمني الفكرة أن أرد على نقطه واحدة واحدة يقول حضرة الزميل ان الاختلاط في كليتي الآداب والحقوق صورى أكثر منه اختلاط حقيقي كما يفهم من يقرأ كلماتي
وسواء أكان هذا الاختلاط صورياً كما يقول أم حقيقيا كما يتصور من كلماتي فهو معيب ولا يمكن أن يقره الدين الاسلامى ولا ترضاه الأخلاق والعادات الشرقية، خصوصا وانتى ما توجهت للاختلاط من حيث هو في الجامعة فقط بل ذكرت الاختلاط خارج الجامعة وكيف تعيش الفتاة الغريبة عن القاهرة والتي ليس لها أهل ولا بيت فيها وان سلم الاختلاط الصورى من الشرور والمفاسد داخل الجامعة للاحتياطات التي ذكرها حضرته في هذه النقطة فلا يسلم الاختلاط الخارجي وقد زالت الرقابة . وهل يسمح حضرة الزميل كمصرى مسلم أن تكون له أخت في سن الجامعيات فيتركها في مصر وحدها في بيت من بيوت الأجرة تحت رحمة القضاء في ذهابها وإيابها للجامعة ولا رقيب عليها ولا عين ساهرة ترعاها وهي فتاة في ريعان الشباب وعمرة الطيش يقول حضرة الزميل في النقطة الثانية : اذا كنت أرى فى هذا الاختلاط مفاسد وشروراً فما الذي دفعني الى دخول كلية الحقوق مع أنه كان في إمكاني أن أكتفى بما وصلت إليه من معرفة وتعليم ؟ أما أن الاختلاط فيه مفاسد وشرور فهذا أمر مقطوع فيه لا يحتاج الى بحث .
وأما دخولى كلية الحقوق وعدم الاكتفاء بما وصلت اليهم من معرفة وتعليم فان الزميل الفاضل قد درس كما درست في المدارس الابتدائية والثانوية ، وعلم أن نظام التدريس فيها لا يشفى الغلة ولا يكسب الثقافة المطلوبة لعهد برزت فيه المرأة بالنهضة النسائية ولم يقل قبلك قائل بهذه الفكرة بل قد ثبت أن التعليم الناقص هو الخطر على الحياة الاجتماعية، وأن الانسان لا يكمل إلا بالثقافة الكاملة ولا ينضج فكره إلا بعد المرحلة العالية من التعليم أما قوله إذا كنت أخشى الاختلاط طالبة أفلا أخشى الاختلاط بالرجال محامية . فيا حضرة الزميل ، لقد ثبت أن العقل ينمو بنمو الجسم وينضج بتقدم السن الى حد معين ، ثم يتقهقر الى أن يعود كما بدأ صغيراً . والمفروض أن للشباب نزقاً وطيشا ورعونة ، وأن للعلم أثره الفعال فى العقول، إذ يشع نوره عليها فيجعلها كاملة تقدر العواقب ، ويزن الأمور بميزان الرجاحة. فهل اذا سلمت جدلا معك بأنني أدرس الحقوق لاحترف المحاماة وأرتزق من مهنتها فهل يكون تقديري للأمور كمحامية في معترك الحياة تتحمل مسئوليتها وتقدر ما يحوط بها ، كتقديري لها وأنا طالبة ؟
إن الفرق بين الحالتين شاسع البون عظيم الغور لقد ذكرت أن القارئ يجد بعض العناء في تفهم غرضى من الاختلاط وهل أقصد بمنعه أن تقوم الجامعة بإنشاء كلية حقوق لسبع من الطالبات ، أم أن لى غرضا آخر؟ والله يعلم أن ليس لى غرض غير أني قد تربيت تربية شرقية إسلامية حرمت على هذا الاختلاط، ولما نضج منى العقل وتفهمت الامور رأيت أنه جريمة خلقية يحيط به من فساد وأن إباحته من أكبر المفاسد على الأخلاق وأن الشريعة السمحة لم تمنعه إلا بسبب ما يترتب عليه من شرور ومفاسد.
أما أن تنشى الجامعة كلية حقوق لسبع من الطالبات فان كان هذا صعبا تحقيقه في نظرك فانه لا يصعب على أمة فتية تريد أن تحتفظ بأخلاقها وعاداتها ودينها بين الأمم، وما ينفق فى هذا السبيل خير مما ينفق في بعثة للفتيات ، أو في أي عمل من الأعمال الأخرى المشابهة والتي هي كمالية بالنسبة للأمة . أما ثقافة البنت وأما صيانة أخلاقها من الفساد وأما التمسك بالدين وآدابه وعادات البلاد ، فكل هذه ضروريات لا يمكن الاستغناء عنها لأن في تحقيقها رقى الأمة ونهضتها ان هذا القول من حضرة الزميل حكم على المجموع بالكمال الخلق وهو أعلم مني بأن لكل وسط كفوه وأن العائلة التي لا يتجاوز عدد أفرادها أصابع اليد الواحدة لا بد وأن يكون من بينهم الصالح والطالح ، ولقد دلت التجارب على أنه لا يمكن البرء من الادمان الا بالحرمان ما أنه لا يمكن صيانة الأخلاق إلا بمنع الاختلاط ....
أما قولك ما الذي نخشى من عواقب اختلاط الطالبات بالطلبة، وهن لسن بين فئة من جهلة الشباب الذين يميلون إلى اللهو واللعب ولكنهن بين فئة تسعى الى أسمى غاية هي تكملة الدراسة العليا المضنية أما قولك ان الحجاب مناعة النفوس لا مناعة هو القناع والجدران فان النفس بطبعها شريرة وان تقويمها لا يكون إلا بإبعادها عن طريق الغواية والمفاسد فتنشا في جو بعيد عن الاختلاط الذى يجعلها معرضة في كل الحفظة لأن تحيد عن طريقها السوى، ومتى بلغت كمالها من العلوم ونضوجها من العقل فتصبح كالجسم الذي ، تحصن بمصل الوباء يقاوم الميكروب ويسلم من المرض يا حضرة الزميل أرجو ألا يترك هذا البحث أثراً في نفسك ، فإنني لا أقصد إلا الخير ولا أرجو إلا التمسك بما فرضه علينا الدين الذي يجمعنا ، والعادات التي تربطنا ، والأخلاق التي تدعونا لأن نعمل على صيانتها قائما الأمم الاخلاق ما بقيت فان همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا".
التأييد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد ليس بخاف على حضراتكم أن البلاد في خطوة انتقال ، وما من شك أن الانتقال يحتاج الى مجهودات مضنية ، كما أن الشباب الجامعى سيتحمل العبء الأكبر من هذه المجهودات . ولما كان لابد لكل دور من أدوار التطور من ضحايا ، خشينا أن يكون الشباب ضحايا هذا التطور الذي نجتازه ، فتقدمنا لحضراتكم بهذه المذكرة الموجزة علها تجد منكم الصدر الرحب . وتتلخص نقط البحث فيها بما يأتي : ۱ - ادخال الدراسة الدينية في جميع الكليات
٢ - توحيد زى الطلبة في الجامعة مع تمييز طلبة كل كلية عن الاخرى بشارة خاصة 3- توحيد زى الطالبات شأنهن في التعليم الثانوى و تحتيم لبس الروب أثناء الدراسة ٤ - تحديد دراسة خاصة بالطالبات في كلية الآداب بذلك لاسيما وعددهن يسمح ونظراً لسلامة المطالب واتفاقها مع المنطق سنفصلها متوخين في ذلك الايجاز في التدليل
أولا : ادخال الدراسة الدينية
طالما تاقت نفوس النشء الى التعليم الديني الذي حرم منه في مراحل التعليم الابتدائى و الثانوى ، ولقد نص الدستور في المادة ١٤٩ على أن الإسلام هو الدين الرسمى للدولة ، والمشرع أبعد من أن يحشو الدستور بمواد لايريد معناها ونتائجها ، ومن المسلم به أن مصر للشرق كله نبراس تضئ بعلمها ودينها . والجامعة المصرية تنتهى بها مراحل التعليم في بلادنا ويتخرج فيها أكبر عدد . وكان من الواجب أن يلم الطالب في هذا الميدان بشيء عن دينه القويم . حتى لا يقضى حياته جاهلا بأصوله ، مخالفا لقواعد وقوانينه.
بعد أن استوعب فلسفه أرسطو وأحاط بنظريات ديكارت ، ولا تأتى معرفة الدين وأصوله إلا عن طريق ادخال الدراسة الدينية ضمن منهاج الدراسة في الكليات . ففى الدين نجد الوازع الأكبر للشباب في مرحلته الأخيرة التي تتصادف وساعات الطيش ، وتتقابل وفترات النزق والرعونة ، ويرجع طبعا كل ذلك الى عامل السن في هذه المرحلة .ومن شديد الأسف أن تنتهي مراحل العلم في بلد إسلامي اشتهر بين بلاد العالم بالدين ، وما يعلم الطالب فيها عن أمر دينه شيئا . واننا لا نجد عوضا لنا عن هذا الاهمال بين جدران منازلنا إذ أن من مر الحقائق. أن سواد الشعب أعرض عن الدين وانغمس فيما نهى الله عنه .
ولا شك ان خير طريق للسعادة هو الدين ، فبدراسته يتحقق قوله
تعالى ( ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) أن ترك الحياة الدينية والقاءها ظهريا حتى أصبحت من بقايا العهود البائدة المتمسكة برجعيتها ، بل أصبحت وقفا على قدامى الناس تندثر باندثارهم ؛ إن هذا الترك سيجر علينا الويل لعصياننا أمر الله ورسوله ( ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) ولقد أدى بنا جهلنا الفاضح بالدين وقواعده السليمة الى الغرور بالحياة الدنيا وما الآخرة إلا خير وأبقى، فعثنا في الأرض فساداً ؛ ولولا بصيص من رحمة الله لكنا من الهالكين، ولولا رحمة الله بالناس لهلكنا جميعا ( ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة، ولكن يؤخرهم الى أجل مسمى فاذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون). وان الطريق المعبد لصلاح الحال السير على الصراط السوي ، والتعلق بأهداب الدين ، فيرفع الله سخطه عنــا وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) وأن من حسن الحظ أن يجلس على أريكة الملك ذلك الملك الشاب الورع الذى تمسك بواجبات الدين فانه خير مثال يحتذى، وخير أسوة لشباب الجيل الحديث الذي انعقدت عليه آمال البلاد. واننا لوطيدو الأمل في أنكم ستعملون في إصلاح ما فسد ، فبذلك نصر لدين الله ومن ينصر الله ينصره ويثبت أقدامه ، فما زالت الأبواب مفتوحة يمكن للدراسة الدينية أن تدخل منها الى جميع الكليات دون إخلال بمنهاج الدراسة الجامعية ( فمن يعمل مثقال ذرة خير آيره ).
ثانيا : توحيد زى الطلبة
ليس هذا بالأمر الجديد على الحياة الجامعية - فكل الجامعات فى جميع البلدان لها لباسها الخاص بها - ولسنا تعنى بتوحيد الزى اللباس الجامعي ( الروب) ، ولكن نعنى إيجاد زى خاص يمكن أن يجتاز به كل مكان فينم عن شخصه أنه طالب بالجامعة مادام لابسا لهذا النوع من اللباس، كما يضاف الى ذلك علامة تميز كل كلية عن الأخرى وقد بحثت الجامعة أمر هذه الشارة في مدة سبقت ولكن لاندرى ما الذي وأد الفكرة فلعلها تبعث من مرقدها وتخرج الى ميدان التنفيذ، وان شئتم وسمحتم أن نسوق لكم على سبيل المثال بعض العلامات التي نراها ملائمة لنا فنقول :
كلية الحقوق : نخصها برمز من العدالة وهو ميزان
الآداب : تكون شارتها كتابا مفتوحا
العلوم : ترى أن ترسم لها آلة علمية مستديرة . الهندسة وليرمو لها بالمسطرة حرف T أو
منقلة أو مثلث كلية الطب : يرمز لها بدلالة الحياة والموت وهي جمجمة بجوارها عظمتان متقاطعتان و غصن مورق
كلية الزراعة : خير لنا أن نميزها بآلة زراعية مصرية ولتكن نورجا أو محراثا كلية الطب البيطرى : لا أوفق لها من رمز لرأس حيوان كلية التجارة : وليكن رمز هذه الكلية دفتراً مفتوحا كتب على احدى صفحتيه ( منه ) وعلى الأخرى (له)
ولستم ممن عدموا حسن الاختيار وسلامة الذوق ، فيمكنكم أن توجدوا لنا خير ما أنتجت العقول من علامات مميزة لها معناها ومدلولها
ولا شك أن اللباس الخاص يبعث في الانسان روحا جديدة ، فالطالب مثلا اذا لبس اللباس العسكري في حالة التدريب يشعر بأن الروح العسكرية قد تقمصته فيخرج من طبعه الى الطباع العسكرية ، طالما هو لابس لباسها . فكذلك الشخص الذي يذكر دائما أنه سيكون يوما من الأيام نصيراً للعدالة فلا شك أن هذه الذكرى تجعله يقدر ثقل العب الذي سيقع على عاتقه ، فيخفف من استهتاره ويتجه بنفسه الاتجاه الملائم لحياته المستقبلة . ثم ان وحدة
اللبس تجعل الطلبة يتكاتفون خارج الدائرة الجامعية إذ أن كلا منهم يعرف الثانى بلبسه وشارته ، فتتوثق أواصر الرابطة بينهم خارج الجامعة كما توثقت داخلها
ثالثا : توحيد زى الطالبات
ان رغبة طالبات الجامعة في توحيد زيهن لا تقل عن رغبة طلابها ، بل هن أحوج الفريقين إلى توحيد الزي ففضلا عما فصلناه من الفوائد العامة التي قد نجنيها من توحيد الزي ، نخص زميلاتنا بزيادة في الأدلة التي تجعل توحيد زيهن من أوجب الواجبات على الجامعة . فعدم وجود زى متفق عليه يجعل الطالبات يلبسن ـ عن حسن قصد - ملابس فاقعة الألوان ، متنافية وقواعد الدين ، مفتوحة الصدر ، أقرب الى الالتصاق بأجسامهن ، وذلك تمشيا مع نماذج العصر في صنع الثياب ، وما من شك أن تحلى الفتيات الجامعيات بزي خاص أكبر باعث على احترامهن ، وله تأثير حسن على نفوس من يراهن ، ويا حبذا لو كان الزي ذا لون قائم كالأسود أو الكحلي في فصل الشتاء ولون يميل الى البياض ( كالبيج ) والكاكي في فصل الصيف ، وقد لا يهمنا اللون كما يهمنا أن يكون الثوب فضفاضا ذا اكمام طويلة ورقبة عالية أي أن يكون في جملته متفقا والتقاليد الاسلامية .
رابعا تحديد دراسة خاصة للبنات في كلية الآداب
من بوادر النهضة النسائية في أيامنا هذه اقبال الآنسات عي التعليم العالي باطراد عجيب ففي اعام الماضي لم يكن بكلية الآداب من الطالبات ما يزيد عن العشرين طالبة ولكن في هذا العام وصل عددهن الي ما يقرب من المائتين ولاشك ان هذا العدد سيأخذ في الزيادة خصوصا في كلية الآداب نظرا لأنها الكلية الأكثر ملاءمة لحياة الطالبة المستقبلة لأنها كما سمعنا من عميدها السابق هي الكلية التي تربى الروح ، والفتاة المصرية في مسيس الحاجة الى تربية الروح . وقد يمكنكم أن تجدوا للفتاة فى كلية الآداب دراسة خاصة بها ، لأنه مهما يكن من الأمر فليس كل المواد التي تدرس في كلية الآداب تتفق ومستقبل الفتاة . وقد كان مثل هذا متعذر الاجابة يوم أن كان عدد الفتيات لا يتجاوز العشرة أو العشرين، ولكن الآن والعدد في زيادة مطردة فالواجب أن يتجه بهن الى ما وجدن له ، ونعنى بصراحة القول أن نجد لهن دراسة تتفق وكونهن أمهات المستقبل . ولسنا من درسوا المناهج وطرق التعليم حتى نسوق لكم أمثلة على هذا النوع من الدراسة ، ولكن المطلوب إيجاد نوع خاص من الدراسة يؤدى الى فوائد كثيرة ،
منها : أولا - هناك كثير من الاباء يمتنع عن إيفاد بناته الى الكليات نظراً لحالة الاختلاط القائمة فها ، فيكتفى بتعليمهن الى نهاية الدراسة الثانوية . وقد يكون هذا النوع من الآباء محقاً فطالما نادينا بعدم الاختلاط ولكن ليس من مجيب ، فكان مثل هذا النوع حرم بناته التعليم العالى لما يراه من عدم ملاءمته لهن ، ففي الساعة التي تنشي. كلية الآداب نوعا من الدراسة خاصا بالطالبات يتسابق الآباء الى ارسال بناتهم فيتذوقن التعليم العالى
ثانيا - ان الاختلاط بصورته الحالية في جميع الكليات اسة في يتنافى والشرع الاسلامي ، فلو تحددت دراسة كلية الآداب لمرع اليها البنات بوازع من نفوسهن فنخلص من ظاهرة الاختلاط ، وبذلك تخرس الألسنة ويبطل التقول والحدس الخاطيء الذي طالما طالعنـاه في الصحف البذيئة التي تتسلى على حساب كرامتنا
ثالثا - أن فى الدراسة الخاصة بالفتاة لخير تحديد لمصيرها، وخير معين على حياتها المستقبلة التي خلقتمن أجلها
وأخيراً : هذه نقط أربع سقناها لحضراتكم في ايجاز حرصا على وقتكم واعتمادا على عدالة تقدير كم ، وهى أمس ما يكون بحالتنا الخلقية ، وليس هناك أسهل من علاج هذه الادواء ، ولكونكم خير طبيب هر عنا اليكم نسألكم أن تقيلونا من عثرات الوقت فطالما ریتم أنفسا وعقولا، فهلا ترون أن تضيفوا الى صفحات مجدكم .صفحة جليلة والي مبراتكم المراتكم مبرة يذكرها لكم التاريخ وهو الحاكم العدل فتدخلوا دراسة الدين، وتوحدوا الزي ، وتجعلوا الفتى يشعر بفتوته والفتاة تشعر بأنوثتها.
البلاد في حاجة الى شباب طاهر يعرف حق الله ويعرف حق المجتمع، ويسير على هدى وبصيرة ، مستعينا بدينه وتقاليده . فهلا ساهمتم في إيجاد هذا النوع من الجنود ؟ وفقكم الله الى سواء السبيل ( وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا ) والحمد لله ، والله على ما نقول شهيد
عزيزة عباس عصفور كلية الحقوق
محمود عبد المجيد كلية الحقوق
المؤيدون
وفور نشر المذكرة وبروز لمعركة انهال سيل المؤيدين فمدح محب الدين الخطيب هذه الصحوة واعتبرها في افتتاحية الفتح العدد 539 " وفاء للإسلام بين طلبة الجامعة المصرية "وكتب الاديب الكبير مصطفي صادق الرافعي رسالة الي مجلة"النهضة النسائية" بعنوان الي شباب الجامعة قال فيها " حياكم الله يا شباب الجامعة لقد كتبتم الكلمات التي يصفق لها العالم الإسلامي كله ، وكلمات ليس فيها شيء جديد علي الاسلام ولكن كل جديد علي المسلمين لا يوجد إلا فيها " وتحمس طلبة كلية الطب فكتبوا مذكرة اخري الي مدير الجامعة بعنوان الجامعة المصرية والثقافة الاسلامية طالبوا ايضا بتدريس العلوم الدينية وان يكون تعليم الفتاة علي أساس من التقوي .كما ايد المذكرة الدكتور منصور فهمي بك مدير دار الكتب وعميد كلية الآداب سابقا فابدي اعجابه بهذا الايمان الذى تغلغل في نفوس أبنائه من طلبة الجامعة . واجرت الاهرام حديث مع شيخ الجامع الازهر الشيخ مصطفي المراغي وقال في اهرام 8 مارس 1937 انه يطلب تعميم التعليم الديني وفصل البنين عن البنات وارسل طلاب المعاهد الازهرية بالزقازيق وطنطا للصحف يؤيدون الجامعيين كما ايد ذلك لأمير عمر طوسون .ونشرت الفتح في عددها رقم 541 ان هناك 4000 من طلبة الجامعتين يطلبون بتعميم ثقافة الإسلامية وفصل الجنسين وتوسط صاحب اسمو الأمير محمد علي في تحقيق ارادة الامة.
رد الجامعة
بشان ما أشرنا إلى ما أحدثته المذكرة التي رفعها بعض طلبة وطالبات كلية الحقوق الى سعادة الرغبة في تقوية التعليم الديني في الجامعة المصرية وعدم اختلاط الطالبات والطلبة فى الدراسة وإيجاد زى خاص لهم ، من أثر في الأوساط الدينية واهتمام علماء وطلبة الأزهر بهذا الموضوع وعلى رأسهم حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الازهر.
رأى لطفى السيد باشا
فقلت لسعادته : هذا حسن ولكن ألا يمكن أن نعرف شيئا عن رأي سعادتكم الشخصي في مسألة تعليم الدين بين طلبة الجامعة واختلاط الطلبة بالطالبات؟
وهنا أخذ سعادته يحدثنا عن مهمة الجامعة والتوجيه الدراسي الذي ترمى اليه ، وذكر أن الشريعة تدرس في كلية الحقوق، والتاريخ الإسلامي يدرس أيضا بتوسع في كلية الآداب . ولما فهم سعادته أني أريد أن أدون بعض الآراء الدقيقة التي أبداها سعادته أبدى رغبته في تأجيلها حتى يتخذ رأياً نهائيا.
رأى الدكتور العبادي
وكان الدكتور العبادي يشترك معنا في الحديث بشي من الصراحة فالتفت اليه المدير وقال : أظن أنه لا مانع عندك يا أستاذ من أن تتحدث في هذا الموضوع حديثا يمكن أن يطلع عليه الجميع فى جريدة ( المصرى ) . فقال الدكتور العبادي : لا مانع . فقلت للدكتور : إذن ما رأى حضرتكم في رغبة بعض الطلبة والطالبات فى ادخال التعلم الديني في كليات الجامعة ومنع اختلاط الطلبة بالطالبات في الدراسة ؟
فقال حضرته: سمعتم من سعادة مدير الجامعة أن الغرض من الجامعة المصرية تحقيق غرض جوهري واحد هو أن تساهم مصر من طريق الجامعة في الحركة العلمية العالمية . فالجامعة على هذا الاعتبار مكان الاختصاص العلمي بأدق معانيه ، فكلية الآداب تخلق جيلا ناشئا من المؤرخين والجغرافيين والفلاسفة والأدباء، وكلية الحقوق تعد اخصائيين يخدمون القانون والعدالة ، ومثل ذلك يقال عن سائر الدراسات
فليست الجامعة إذن مكان اختصاص لدراسة الدين انما مكان ذلك هو الأزهر الشريف . وينبغي أن نلاحظ أن المفروض فى كل طالب يتقدم الى الدراسة الجامعية أنه قد حصل فى الدراسة الابتدائية والثانوية على القدر الكافي من التعليم الديني ، وأظن أن ذلك مراعى في مناهج وزارة المعارف العمومية على أنني أوجه نظركم بصفة خاصة إلى أن الشريعة الإسلامية تدرس في كلية الحقوق والى أن القرآن والحديث والفلسفة الاسلامية والتاريخ الاسلامى تدرس دراسة علمية واسعة في كلية الآداب . و ان ادارة الجامعة وضعت تصمها لانشاء مسجد يقيم فيه الصلاة من أراد من أساتذة الجامعة وطلابها وليس يسع الجامعة أن تذهب أبعد من ذلك في هذا الأمر ، من غير أن تؤثر في مهمتها الأساسية وهى الاختصاص العلمي الذي أشرت اليه.
أما أن يفصل بين الطالبات والطلبة في كلية الآداب فاسمحوا لي أن أصرح لكم بأنه الى وقتنا هذا لم يحدث من الدواعي ما يدعو الى هذا الفصل، فسلوك الطلبة والطالبات سلوك محمود بفضل الروح العلمي الذي يسود الكلية أولا وبفضل الرقابة الرشيدة التي تقوم بها ادارة الكلية ثانيا
ولقد قدمت منذ أيام من رحلة جامعية الى شرق الأردن وفلسطين اشترك فيها عدد ليس بالقليل من طالبات الكلية وطلبتها وأشهد أنه لم يحدث في أثناء هذه الرحلة شيء يكدر الخاطر من ناحية سلوك الطلبة والطالبات وإذن فالمطالبة بالفصل بين الجنسين في الدراسة العلمية لا يستند الى سبب واقعى معقول
رأى الدكتور طه حسين بك
قال الدكتور طه حسين بك : أولا : لا أعرف في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسوله نصاً يحرم اجتماع الفتيان والفتيات حول أستاذ يعلمهم العلم والأدب والفن
ثانيا : لا أعرف أن شيئا حدث في الجامعة يخيف من الفتنة ويدعو الى الاحتياط بالتفرقة بين الفتيان والفتيات في قاعات الدرس وإنما أعلم أن سيرة الجامعيات، والجامعيين حسنة لا غبار عليها ، وهي في كلية الآداب بنوع خاص مرضية كل الرضى ، يرضى عنها الأساتذة وترضى عنها الأسر وترضى عنها السلطات الجامعية ولو أحست الأسر شيئا يخاف لنهتنا اليه ولو أحسنا نحن شيئا يخاف لاحتطنا له ولكن الأمور تجرى على خير حال ، وربما كانت إثارة هذا الموضوع شراً في نفسها بانها تلفت الى مالا يلتفت أحد اليه ، فالطالبات والطلاب في الجامعة منصرفون الى الدرس والتحصيل ، فلا ينبغي أن يثار لهم ما يصرفهم عن الدرس والتحصيل
ثالثا : ان الذين يطالبون بالفصل بين الفتيات والفتيان لا يحققون ما يطلبون ولا يقدرون نتائجه ، فإن طبيعة الحياة المصرية الحديثة تقتضى أن يشتد الاتصال بين الرجال والنساء، ولا سبيل الى مقاومة هذه الطبيعة ، كما لا سبيل الى مقاومة كل ما يقتضيه التحول الحديث في حياتنا على اختلاف فروعها
وانت اذا فرقت بين الفتيات والفتيان في الجامعة ومعاهد العلم لم تستطع أن تضمن التفريق بينهم خارج الجامعة ومعاهد العلم فهم يلتقون في الملاعب وهم يلتقون في السينما وهم يلتقون فى قاعات المحاضرات وهم
يلتقون في ألف مكان ومكان ، وليس الخير في أن تثير لهم هذه الشبهات فتلفتهم اليها وتحملهم على التفكير فيها وتضطر هم الى المقاومة .والى ماقد يكون أكثر من المقاومة .وإنما الخير فى أن تخلى بينهم وبين الحرية السمحة النقية التي ليست من الخطر بحيث يظن المتحرجون الذين يتخيلون الاخطار ويختلقونها في أنفسهم ثم يظنون أنها واقعة . ومهما يقل القائلون فانا حسن الظن جداً بأخلاق الشباب المصريين فتيات وفتيانا لا أسيء الظن إلا حين تدعو القرائن القوية الى ذلك ، ولم يقع في الجامعة ما يحمل على سوء الظن
رابعا : ان الذين يدعون الى التفريق بين الفتيات والفتيان في الجامعة لا يريدون بالطبع أن يحرموا التعليم الجامعي على الفتيات ، واذا فهم يريدون أن تنشأ جامعة خاصة للفتيات كما تنشأ لهن مدارس ثانوية ، ولكنهم يرسلون الكلام إرسالا ، ولا يفكرون فيما يقولون ، فلیس انشاء الجامعات بالشيء الذى يكون بين عشية وضحاها وانما هو يحتاج الى كثير جداً من الاستعداد ، وأيسر ما يحتاج اليه المال، وما أظن مصر مستعدة الآن بل ما أظنها قادرة على أن تجد المال لإنشاء جامعة ثانية لانها تتكلف جهداً غير قليل لتنفق على جامعتها الوحيدة .وأنا أقول لك مخلصا ان وزير المالية اذا كان يستطيع أن يوفر فى ميزانية الدولة أموالا تكفي لأنشاء جامعة بهذه الأموال للفتيات ، فاني أنصح له ألا يفعل ، فليس فى حياتنا ما يدعو اليه ، وليس في سيرة الشباب ما يدعو اليه . واذا لم يكن بد من انفاق الأموال واذا كانت الحكومة قد وجدت كل ما تحتاج اليه لتنفيذ المعاهدة والدفاع الوطنى (يقصد معاهدة 1936 )ولمشروعات الإصلاح المختلفة فأني أنصح بأن تنفق الأموال المتوفرة في التوسيع على الازهر الشريف فيما يحتاج اليه من نفقات من جهة، وفى التوسيع على دار الكتب فما تحتاج اليه من نفقات لتصلح الفهارس وتقيم بناء جديداً لها يلائم حاجتها الى الرقى و الى التمشي مع ما ينبغى لدور الكتب في هذا العصر . أما الجامعة فهى ناهضة بواجبها لا تشكو شيئا ولا تخاف إلا هذا الكلام الذى يثار بين حين وحين فيشغل شبابها العامل النشيط عما لا ينبغي أن يشغل عنه
خامسا : وقد ذكر تعليم الدين في الجامعة وأحبب الينا بذلك . ولكن مابال الأزهر الشريف لا يعمل لالقاء المحاضرات العامة في الدين كما تعمل الجامعة لألقاء المحاضرات في العلوم والآداب . فلينظم الازهر محاضرات عامة في الجمعية الجغرافية أو في غيرها ونحن نعد بان تحرض الشباب على أن يختلفوا اليها . واذا تم بناء مسجد الجامعة فسأكون أول من يقترح أن تنظم فيه محاضرات دينية للشباب الجامعي، ولكني سألح في أن يشهدها الفتيات والفتيان معاً
اللبان يرد على الدكتور طه
ويلاحظ وضوح العداء لطه حسين بالتحديد حيث انصب غضب الازهرين علي رده بمفرده .حيث اثر معركته القديمة حول الشعر الجاهلي في عام 1926 كانت باقية في النفوس.
رد الدكتور طه علي الشيخ اللبان
و ننشر فيما يلى رد حضرة صاحب العزة الدكتور طه حسين بك على رد فضيلة الشيخ اللبان . بل يعتبر رد الدكتور ردا على جميع الذين ينادون بضرورة التوسع في ادخال التعليم الديني وفصل الطلبة عن الطالبات في الجامعة المصرية
قال الدكتور طه بك جوابا عن سؤال منا اليه : أول ما ألاحظه ، وما أتمنى أن يلاحظه غيرى ، من الذين لهم في قيادة الرأى حظ صغير أو كبير ، أننا في وقت دقيق أقل ما يجب فيه على كل مصرى أن يصطنع الذوق من جهة وأن يلائم بين أفعاله وأقواله وما تفرضه الوطنية الصادقة من جهة أخرى .فنحن في وقت نريد أن نثبت فيه استقلالنا السياسي وحياتنا الدستورية الداخلية ، وكل عمل أو قول من شأنه أن ينشئ للحكومة مصاعب في سبيل هذين الغرضين ، مهما تكن هذه المصاعب ، يخالف الذوق ويخالف ما تقتضيه الوطنية في وقت واحد وما أكثر ما رغبت مصر في الإصلاح وتحرقت شوقا اليه وتألمت لطول انتظاره . فأي مشقة وأي جهد تشقى بهما مصر ان انتظرت شهراً أو شهرين حتى تفرغ الحكومة من المسائل العاجلة التى ينبغى أن تقف عليها . جهودها وتفكيرها وعنايتها . ثم نطالبها بعد ذلك بما نشاء أو بما نحب من أنواع الإصلاح .اليس مما يؤلم ويسوء أن تكون الحكومة منصرفة أو يجب عليها أن تنصرف انصرافا تاما الى مؤتمر الامتيازات والى دخول مصر عصبة الأمم ، ونأتي نحن فتخلق لها المشكلات ، ونتير في وجهها المصاعب ونعرضها للاشتغال بأشياء تستطيع أن تشتغل بها بعد أن تفرغ من مسائل السياسة الخارجية لذلك أعود فأؤكد لك أني آسف أشد الأسف لأن كثيرين من الذين يثيرون المشكلات الاجتماعية وغير الاجتماعية الآن يخالفون الذوق مخالفة مؤلمة ، ويخالفون الواجب الوطنى مخالفة أشد ايلاما . وما أريد إلا أن يبرأ المصريون من أهوائهم وشهواتهم ولو الى حين حتى يتموا ما بينهم وبين الأجنبي من حساب .ثم لهم بعد ذلك أن يستأنفوا الاستسلام للأهواء والشهوات كما يحبون وكما تدفعهم أمزجتهم وتقديرهم لما يجب لهم وما يجب عليهم والآن ، أقول لك في صراحة لا تحتمل لبساً ولا تثير شكا ، ولا تحتاج الى تأويل : ان هذه المسالة التي أثيرت أخيرا والتي تتصل باختلاط الجنسين في الجامعة مسالة سخيفة لا أكثر ولا أقل . ومن الاثم في حق الذوق وفى حق الوطن أن يشاع الفساد في الجو المصرى خفة كهذه. فقد قلت وما زلت أقول
لا أعرف في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسوله نصاً يحرم على الفتيات والفتيان أن يجتمعوا في حلقة من حلقات الدرس حول أستاذ يعلمهم العلم والأدب والفن. لم تحدث حدثاً ولم تخرج على نص من نصوص الدين. وما ينبغي لأحد أن يعرض لها في ذلك إلا أن يكون محبا لاثارة الخلاف حريصا على افساد الجو .مبتغياً ما يكره الله للصالحين من عباده أن يبتغوه وقد كان الفتيات والفتيان يجتمعون في دروسهم الجامعية في عهد الحكومات الماضية فلم تثر المشكلات ولم تضطرب البيئات التي تضطرب الآن ، ولم يتقدم أحد الى الحكومة في التفريق بين الفتيات والفتيان في دور العلم العالية ، فهل كان المطالبون بهذا نائمين في العهد الماضى ثم استيقظوا في هذه الأيام ؟ ! والذى يؤلم أن صديقي وزميلي الدكتور منصور بك فهمي كان عميداً لكلية الآداب ثلاثة أعوام في ظل وزارات مختلفة ووزراء مختلفين منهم ( وزير التقاليد ) فلم يفرق بين الفتيات والفتيان في دروس العلم ، ولم يتقدم برأى في ذلك الى السلطات الجامعية أو الحكومية فما بالك ... الآن يطالب بهذا بعد أن ترك الجامعة وألقى عن نفسه بعد هذه التبعات الجامعية ؟ وهل أستطيع أن أفهم معنى لقبول الشيء حين كان يستطيع أن يرفضه ثم لرفض الشيء أن نفض يديه منه وألقيت عنه تبعاته
وكذلك أصدقاؤنا الازهريون كانوا يستطيعون أن يطلبوا الى صدقى باشا وعبد الفتاح يحيى باشا وتوفيق نسيم باشا و على ماهر باشا " رؤساء وزراء سابقين اي لماذا الان والنحاس رئيسا للوزراء ؟"التفريق بين الفتيات والفتيان في الجامعة. فما بالهم لم يفعلوا وما بالهم انتظروا حتى ياتى هذا الظرف الدقيق ثم أخذوا يطالبون بما لا سبيل إلى تحقيقه . وأقول لا سبيل إلى تحقيقه وأنا أريد ما أقول وافهمه حق الفهم . فالدستور لا يبيح للحكومة أن تحرم التعليم العالي على الفتيات بحال من الأحوال . والظروف المالية لا تبيح للحكومة أن تنشىء جامعة خاصة للفتيات ولو أرادت الحكومة ذلك لقلنا لها ـ في صراحة وفى اخلاص ونصح للدين والدنيا معا ـ ان هذا اضاعة للمال والجهد في غير وجههما ، والجامعيون لن يقبلوا أن يدخل أحد في شؤونهم على هذا النحو مهما يكن أمره و اذن فقم الضجيج والعجيج ؟ وفيم إثارة اللغط فيما لا حاجة الى اللغط فيه ؟ أحب أن يفهم أصدقاؤنا الأزهريون أن الجامعيين... لم يسلموا ولن يسلموا لهم، ولا لأى هيئة أخرى ، باحتكار حماية الدين والقيام دونه ، فليس للإسلام ما يجعل حماية الدين إلى بعض المسلمين دون بعض . والجامعيون يرون يستطيع . وهم أن كل مسلم مكلف أن يحمى الدين .كما يرون أنهم يفهمون الدين كما يفهمه الأزهريون ويعلمون من أمره مثل ما يعلم الأزهريون . ويعرفون ما يجب عليهم للدين، وينهضون بواجبهم في ذلك ولا يعترفون لأحد بسلطان عليهم فى ذلك. الا لله الذي يملك وحده محاسبة الضمائر ومراقبة القلوب
فالجامعيون إذن لا يتلقون أمراً من معهد آخر مهما يكن ، ولا يريدون أن يتلقوا درسا في الدين من هيئة أخرى مهما تكن، وهم لا يلقون على الأزهر درسا في أى شيء من شئونه وهم لا يتقدمون الى الحكومة باعتراض ما يتصل بشئون الأزهر . فليتركهم الأزهر كما يتركونه وليعن الأزهر بإصلاح أمره كما يعنى الجامعيون بإصلاح أمرهم . وليحترم الأزهر استقلال الجامعة كما تحترم الجامعة استقلال الأزهر . وليعلم أصدقاؤنا الأزهريون ان لا نفع بحال من الأحوال من اثارة هذه المشكلات الان .واتعاب الحكومة والأمة بما لاينبغي ان يتعبها احد .
يريد الأزهر أن يعلم الدين في كليات الجامعة ، وقد قلت في الحديث الماضى أحبب الينا بهذا ، ولكن يجب يفهم تعليم الدين في الكليات على وجهه . فليست الكليات مدارس ابتدائية ولا ثانوية ، وانما طلاب الكليات راشدون يستطيعون أن يتعلموا الدين إن أرادوا وقد عرفوا منه ما يجب على المسلم أن يعرفه في المدارس الابتدائية والثانوية . ولسنا نرى باساً من أن يزيدوا عليهم بالدين بل نحن نحب ذلك . ونرغب الطلبة فيه ونعينهم عليه أن استعانونا . فليلق الازهر محاضرات عامة فى الدين فسنرسل اليه طلابنا ليستمعوا لهذه المحاضرات ، وليرسل الازهر أن أراد من علمائه ووعاظه من يعظ الطلاب في دينهم ويبصرهم بما يجهلون من أموره فسيصير لهم من ذلك ما يريدون . ولكن يجب الا يخدع الأزهر نفسه ، وألا يطلب تعيين أساتذة في الكليات ومنحهم مرتبات ليعلموا الشبان دينهم فان هؤلاء الشبان كما قلت قد بلغوا رشدهم وأصبحوا قادرين على أن يتعلموا بأنفسهم وعلم الدين منهم قريب يلقى في الازهر ويلقى في المساجد ولن يصدهم احد عن الازهر ولا عن المساجد و بعد ، فاذا طلب الازهر أن يعلم الدين في الكليات وطلبت البطريركية الارثوذكسية أن يعلم الدين في الكليات وطلبت البطريركية الكاثوليكية أن يعلم الدين في الكلمات وطلب البروتستانتيون أن يعلم الدين في الكليات ، ثم طلب الإسرائيليون أن يعلم الدين في الكليات ، ماذا تكون النتيجة ؟ أو يظن أصدقاؤنا الأزهريون أن الجامعة قد أنشئت لهذا ؟ أم هم يعلمون أن الجامعة قد أنشئت لتخصص الطلاب في ألوان من العلم ، وليس بين طلابها قاصر ولا عاجز عن تثقيف نفسه في الدين الحق أقول لإخواننا الأزهريين أنهم يشطون ، ويطغون على إخوانهم ويكلفون الدولة من أمرها عسرا ذلك فان الازهر نفسه في حاجة شديدة الى الإصلاح، وفيه مسائل معقدة أشد التعقيد تحتاج الى الحل ، والشعب المصرى ينتظر من رجال الدين أن يعظوه ويبصروه . ألا يظن الأزهر الشريف أن بين يديه من الأعمال ، وأمامه من المشكلات ما يستنفد جوا... ألبس من الخير أن يبدأ بنفسه فينهض بواجباته الأولى
وان يشتغل بما يعنيه قبل أن يشتغل بما لا يعنيه. ان بين الأزهر والجامعة علاقات قوامها المودة والتعاون .على تحصيل العلم ، فالخير في أن يستبقى الأزهر هذه العلاقات. وأن يعمل على تقويتها فقد الأزهر سيحتاج وقتاً طويلا جداً الى الجامعة لتعينه على تنفيذ نظامه الجديد . وعلى إدخال طائفة من العلوم الحديثة في كلياته
فليكن الأزهر عند حسن الظن به وليفرغ لإصلاح نفسه ، وليهيئ للجامعة ما تحب من فرصة معونته والنصح له . فذلك خير له وخير للجامعة وخير للمصريين والشرقيين جميعا وبعد ، فأنا مؤمن بان الأزهر حريص أشد الحرص على ان يثير فى هذه الأيام خصومة لا يكون وراءها إلا الشر ، وإذا أثيرت فلن يصلى نارها الجامعيون وحدهم بل سيصلاها قوم آخرون.
الحكيم في المعركة
توفيق الحكيم
اصداء بلا ختام
رغم مطالبات عزيزة باقامة جامعة خاصة للبنات لم تشير من قريب او بعيد لوجود "معهد التربية العالى للمعلمات" الذى أنشىء في العام الجامعى 1933/1934 و( اي قبل عامين من معركتها )وهو المعهد الذى ضم بعد ذلك إلى جامعة عين شمس عام 1950وبعد صدور قانون تنظيم الجامعات 1956، تم تغير اسم المعهد إلى "كلية البنات". و المعركة بلا ختام لان اثر هذا الصراع مازال قائما في المجتمع المصري حتى الان .