المرأة تحت حكم شريعة الحركات الإسلامية.. طالبان والحوثي
تحاول الجماعات والحركات الإسلامية جاهدة بوسائل شتى تصل حد التطرف والإرهاب، الوصول للسلطة لتحقيق الهدف الأسمى كما تدعي وهو "تطبيق الشريعة الإسلامية"، فهل هناك اختلافات بين هذه الحركات والجماعات رغم كثرتها حول تطبيق الشريعة، وهل الاختلاف المذهبي يوجد اختلافات في التطبيق؟
يحاول هذا التقرير الإجابة عن مثل هذه الأسئلة برصد موقف كل من حركة طالبان السنية وجماعة الحوثي الشيعية من قضية المرأة في ظل حكم الحركتين
المرجعية الدينية
جماعة الحوثي حركة إسلامية سياسية شيعية مسلحة تتخذ من مدينة صعدة شمال اليمن مركزاً رئيسياً لها. عرفت إعلامياً وسياسياً باسم الحوثيين نسبة إلى مؤسسها بدر الدين الحوثي المرشد الديني للجماعة. تأسست الحركة عام 1992 نتيجة شعور أتباعها بأن الحكومة اليمنية تقوم بالتهميش والتمييز ضد الهاشميين.
أما حركة طالبان فهي حركة إسلاميّة سِيَاسِية سُنية ديوبندية مُسلحة تكونت من طلبة المدارس الدينية في باكستان بقيادة الملا محمد عمر خلال فترة التسعينيات، وتهدف لتطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة إمارة إسلامية في أفغانستان. وتحكم حاليًا أفغانستان تحت مسمى إمارة أفغانستان الإسلامية بعد هزيمة واستسلام الجيش الوطني الأفغاني، تأسست سنة 1994
قيود على النساء
عادة ما يظهر العنف ضد المرأة خلال الصراع، وغالباً ما يستمر -أو حتى يتصاعد- بعد الصراع. في كلا المرحلتين، تُستبعد النساء بشكلٍ عام من مناصب السُلطة وصنع القرار في جهود إعادة الإعمار، والعمل الإغاثي، والحياة العامة، كما تؤدي القيود المفروضة إلى محدودية وصولهن إلى الموارد الاقتصادية والسياسية، واستبعادهن من مفاوضات واتفاقات السلام؛ مما يهدد أمن واستقرار المجتمع حتى بعد انتهاء الصراع، وربما لفترة طويلة.
وتزداد أوضاع المرأة الأفغانية صعوبة منذ عودة حركة طالبان إلى الحكم، حيث فقدت الكثير من المكتسبات التي حققتها خلال عشرين عاما منذ الاجتياح الأمريكي عام 2001 وحتى سيطرة التنظيم المتطرف مجددا على أفغانستان في ١٥ أغسطس ٢٠٢١، وعلى مدى عقدين من التدخل العسكري الذي قادته الولايات المتحدة في أفغانستان، حققت النساء والفتيات مكاسب وإن كانت هامشية في الدولة التي تعد ذكورية إلى حد بعيد.
إذ فرضت طالبان قيودا قاسية على النساء والفتيات تتوافق مع تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية. وصار ممنوعا على المراهقات متابعة تعليمهن في المدارس الثانوية، كما أجبرت الموظفات الحكوميات على ترك أعمالهن. كذلك منعت النساء من السفر بمفردهن.
وفي مايو الماضي، أمر المرشد الأعلى لأفغانستان وزعيم طالبان هبة الله أخوند زاده النساء بتغطية حتى وجوههن في الأماكن العامة. كذلك فرضت الحركة على مذيعات التلفزيون ارتداء النقاب على الشاشة، ولكن عددا منهن تحدين القرار في البداية وظهرن بوجوه مكشوفة.
وقاومت أفغانيات كثيرات القيود التي وضعتها طالبان وخرجن في مظاهرات مطالبة بالحق في التعليم والعمل، لكن المتشددين سرعان ما قمعوا التجمعات وأوقفوا قادتها واحتجزوهن سرا، فيما نفت الحركة بأنه تم اعتقالهن. ولزم معظمهن الصمت منذ إطلاق سراحهن
نفس النظرة تقريبا تتبناه حركة الحوثيين حيث ينظرون إلى النساء بتقدير أقل فيما يتعلق بدورها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. ويمكن رؤية ذلك بوضوح في خطابات الحوثيون في منابر مساجدهم ووسائل إعلامهم، وهو خطاب يمكن وصفه بأنه خطاب كراهية ضد النساء.
تلك النظرة المتطرفة لا يتبانها المجتمع اليمني ككل؛ فلعقودٍ من الزمن، وبالرغم من تحفظ اليمنيين دينياً، امتلكت المرأة العديد من الأدوار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكان لها حرية وحقوق مضمونة لافتة للنظر.
وقد وثَّقت العديد من التقارير الصحفية والحقوقية الكثيرَ من الانتهاكات، مثل وضع العراقيل أمام الحصول على خدمات الصحة الإنجابية، منع النساء من العمل في عدد من المرافق مثل المطاعم، فصل الفتيات عن الشباب في الجامعات والمدارس، منع النساء من المرور ببعض الأماكن المكتظة بالرجال داخل المدن، سوء المعاملة واستهداف العاملات في مجال الإغاثة الإنسانية والإعلام.
الأفظع من كل ذلك، أن النساء يمكن أن يتعرضن للإيذاء اللفظي أو البدني عند إلقاء القبض عليهن أو إيقافهن لدى مخالفة التعليمات الحوثية. يمكن أن تصل الانتهاكات في مرافق الاحتجاز إلى التحرش، وحتى الاعتداء الجنسي، كما شكَت الكثير من النساء من معاملتهن كـ “شبكات دعارة أو بائعات هوى”، بمجرد إيقافهن في نقطة تفتيش دون محرم!
تقارير دولية
أصدرت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما) في يوليو الماضي ٢٠٢٢، تقريراً يلخص أوضاع حقوق الإنسان في أفغانستان على مدى الأشهر العشرة منذ استيلاء طالبان على السلطة. وسلط التقرير الضوء على تآكل حقوق المرأة باعتباره "أحد أبرز جوانب إدارة الأمر الواقع حتى الآن". فمنذ 15 أغسطس، تم تقييد حقوق النساء والفتيات في المشاركة الكاملة في التعليم ومكان العمل والجوانب الأخرى للحياة العامة واليومية بشكل تدريجي وفي كثير من الحالات تم إلغاؤها بالكامل.
وقالت يوناما إن قرار عدم السماح للفتيات بالعودة إلى المدرسة الثانوية يعني أن جيلاً من الفتيات لن يكمل تعليمه الأساسي. وفي نفس الوقت، تم تقييد وصول ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى العدالة بسبب حل مسارات الإبلاغ المخصصة وآليات العدالة والملاجئ.
قال بوتزيل: "إن تعليم النساء والفتيات ومشاركتهن في الحياة العامة أمر أساسي لأي مجتمع حديث. إن عزل النساء والفتيات في المنازل يحرم أفغانستان من الاستفادة من مساهماتهن الكبيرة التي يمكنهن تقديمها. التعليم للجميع ليس حقاً أساسياً من حقوق الإنسان فحسب، بل هو مفتاح تقدم الأمم وتطورها."
وعلى الجانب الأخر ذكر المركز الأميركي للعدالة، في بيان له في اليوم العالمي للمرأة (8 أغسطس 2022)، أن النساء في اليمن "يتعرضن لصنوف مختلفة من الانتهاكات، ما بين العنف الأسري والازدراء المجتمعي، وفي حين تعيش ملايين النساء أوضاعاً معيشية صعبة، ويقاسين ظروف النزوح والهرب من الحرب، وما يترتب على ذلك من معاناة في المخيمات التي تفتقر لأبسط متطلبات الحياة الكريمة".
وأضاف أن الأسوأ من هذا "الانتهاكات الممنهجة التي تمارسها المليشيا الحوثية، من إصدار لأحكام الإعدام خارج القانون، واختطاف وإخفاء قسري وإهانة، بل إن تلك الانتهاكات وصلت حد الاغتصاب والاستغلال والابتزاز الجنسي داخل وخارج مراكز الاحتجاز، وتشويه سمعتهن، ودفع ذويهن إلى التخلي عنهن والتبرؤ منهن".
وكذلك منظمة "سام" للحقوق والحريات أفادت في تقرير لها بأنها سجلت أكثر من 150 حالة انتهاك بحق النساء خلال عام 2021 فقط، شملت القتل، والإصابات الجسدية، والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، والتعذيب، والمنع من التنقل، إضافة إلى أن هناك أكثر من 900 ألف امرأة نازحة في مخيمات النزوح.
وأوضحت "سام" أن مليشيا الحوثي تصدرت قائمة أكثر الأطراف المنتهكة لحقوق المرأة، والتي تسببت بـ135 انتهاكا.
وأشارت الأرقام التي جمعتها "سام" إلى أن عدد اليمنيات اللاتي قُتلن خلال هذه الفترة بلغ 40 امرأة، سقط العدد الأكبر منهن في مدينة الحديدة بعدد 12 امرأة، تلتها محافظة تعز 11 امرأة، فيما أصيبت 99 امرأة، وكان لمحافظة الحديدة أيضاً النصيب الأكبر بينهن بعدد 30 امرأة.
وذكرت "سام" أن "من بين إجمالي النساء اللواتي فقدن حقهن في الحياة 12 امرأةً قتلن نتيجة لانفجار الألغام، و5 أخريات قتلن نتيجة لإصابات مباشرة بالرصاص، فيما قتلت امرأتان نتيجة للقنص، وامرأة نتيجة إصابتها بشظايا العبوات الناسفة، فيما فقدت امرأة حياتها نتيجة لجروح مختلفة".
بدوره، وثق تقرير صادر في شهر فبراير الماضي ٢٠٢٢، من فريق الخبراء المعني باليمن التابع للجنة مجلس الأمن، عدداً كبيرا من انتهاكات المليشيا الحوثية بحق النساء في اليمن، من بين تلك الأعمال: اختطاف وإخفاء الناشطات، والاغتصاب، وتلفيق اتهامات كيدية، ومحاكمات صورية بحق المهنيين في القطاعات المختلفة.
واستشهد التقرير بتسع حالات قام فيها الحوثيون باختطاف واحتجاز نساء ناشطات سياسياً أو مهنياً، بسبب معارضتهن لآرائهم الأيديولوجية، أو توجههن السياسي.
وأفاد التقرير بأن الحوثيين استخدموا مزاعم "الدعارة" ذريعة للحد من تقديم الدعم المجتمعي للمعتقلات السابقات، ومنع مشاركتهن النشطة في المجتمع المحلي، وضمان عدم تهديدهن لنظام الحوثيين.
وأضاف التقرير أن المليشيات، وتحقيقاً لهذه الغاية، سجلت فيديوهات مخلة بالآداب، واحتفظت بها لمواصلة استخدامها كوسيلة ضغط ضد أي معارضة من هؤلاء النساء، ووسيلة لردع القيادات النسائية الأخرى، وتخويفهن من الوقوع في المصير نفسه.
وحقق الخبراء في 17 حالة تتعلق بـ50 ضحية من ضحايا انتهاكات القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، فيما يتعلق بالاحتجاز، بما في ذلك العنف والتعذيب على أيدي المليشيا.
نتائج
_ ما تقوم به حركتي طالبان والحوثي لا يندرج بحال من الأحوال ضمن أي شريعة دينية، انما ما يحدث في حق النساء سواء في أفغانستان أو اليمن هو جريمة انسانية بكل المقاييس وعلى الجهات الدولية والمنظمات الحقوقية ان تتدخل بأسرع ما يمكن للحفاظ على حقوق النساء في البلدين
_ رغم الاختلاف المذهبي بين الحركتين الا أنه هناك توافق كبير بينهما حول تطبيق الشريعة خصوصا المسائل المتصلة بالمرأة مثل منعها من التعليم، فرض زي معين، منع الاختلاط، ومنعها من العمل وتقييد حريتها وحركتها بشكل عام.
_ يؤكد هذا انه ليس هناك اختلاف كبير لدى الحركات الإسلامية في مفهومها حول تطبيق الشريعة، فتلك الممارسات التي تقوم بها حركتي طالبان والحوثي تجاه النساء هي التي شاهدناها عند داعش والقاعدة وهي التي نشاهدها في بوكو حرام وغيرها، وان الاختلافات بين هذه الحركات والجماعات وإن اختلفت مذاهبها بين السنة والشيعة لا تعد خلافات جوهرية، إنما هي خلافات ظاهرية للتمايز لا أكثر، وأن التطرف والإرهاب واحد.