حسن حماد يتحدث عن دور الفلسفة في معالجة أزمتنا المجتمعية والفكرية
الإثنين 01/مايو/2023 - 03:56 م
طباعة
حوار: حسام الحداد
مشاريع الفكرية فقد سبق لمفكرين وفلاسفة مصريين أن قدموا مشاريع فكرية مثل المشروع العلمى لزكى نجيب محمود، ومشروع حسن حنفى حول لاهوت التحرير الإسلامى، ومشروع سلامة موسى وامتداداته لدى مراد وهبة حول علمنة المجتمع، ومشروع التيار الماركسى الشيوعى الذى كان يحلم بدولة المساواة والعدل والحرية، والمشروع الليبرالى الذى بدأ مع كتابات الشيخ رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وقاسم أمين وأحمد لطفى السيد وطه حسين وغيرهم
كان لـ «البوابة نيوز» هذا الحوار مع الدكتور حسن حماد أستاذ الفلسفة بجامعة الزقازيق
■ هل تتفقون مع الذين يقولون بأننا نعاني من أزمة منهج وليس أزمة مشاريع فلسفية؟
-المنهج بالمعنى العلمى يرتبط بوجود مناخ علمى ويرتبط بوجود علماء مثل ديكارت (مؤسس المنهج الرياضي) وبيكون (مؤسس المنهج التجريبي) ظهرا فى الفترة التى بدأت فيها نهضة أوروبا العلمية على أيدى كوبرنبكوس وجاليليو وكبلر وغيرهم، كيف نتحدث عن منهجية علمية فى ثقافة تجمدت عند مرحلة التفكير السحرى – الأسطورى؟!.
أما عن المشاريع الفكرية فقد سبق لمفكرين وفلاسفة مصريين أن قدموا مشاريع فكرية مثل المشروع العلمى لزكى نجيب محمود، ومشروع حسن حنفى حول لاهوت التحرير الإسلامى، ومشروع سلامة موسى وامتداداته لدى مراد وهبة حول علمنة المجتمع، ومشروع التيار الماركسى الشيوعى الذى كان يحلم بدولة المساواة والعدل والحرية، والمشروع الليبرالى الذى بدأ مع كتابات الشيخ رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وقاسم أمين وأحمد لطفى السيد وطه حسين وغيرهم. كل هذه المشروعات أخفقت، ولم تستطع أن تستحوذ على أفئدة وعقول الجماهير، لأنها كانت فى معظمها نخبوية، باستثناء المشروع الليبرالى الذى حقق نجاحات مثمرة فى بعض اللحظات التاريخية مثلما حدث فى ثورة ١٩١٩، لكنه توقف عند حدود الحرية الاقتصادية، ولم يستطع أن يحقق الحرية السياسية والفردية، ولذلك ظل مشروعًا مبسترًا وفاشلًا، بل وساعد بصورة غير مباشرة على تشكيل طبقة رأسمالية بغيضة جعلت جل همها الاستحواذ على المال واختطاف السلطة، وكانت النتيجة المزيد من إفقار عشرات الملايين من الشعب، وتزايد سطوة وقوة جماعات الإسلام السياسى نتيجة انتشار اليأس بين الجموع وتطلعهم الدائم إلى مخلص أو إلى منقذ. فكلما ضاقت الأرض اتسعت السماء!.
■ لكن ما هو دور الفلسفة اليوم ؟
- الفلسفة هي رؤية للعالم مثلها مثل الفن، وبدون وجود رؤية لا توجد فلسفة، وأهم الوظائف التى يمكن للفلسفة أن تمارسها: النقد والتفكيك والتنوير: نقد الفكر والواقع معًا، تفكيك المسلمات وتقويض كافة التابوهات، أما التنوير فيعنى الجرأة على استخدام العقل دون قيد أو شرط بالمعنى الذى أراده كانط.
هناك ارتباط جدلى بين الأسئلة الفلسفية الكبرى وبين الدراسة النظرية للفلسفة. الفلسفة يجب أن تعاش كرسالة، جزء كبير من أزمة الفلسفة فى مصر يكمن فى أن دارسى الفلسفة وأساتذتها يتعاملون مع الفلسفة كمهنة وليس كرسالة حياة، معظم أساتذة الفلسفة فى مصر يعيشون ازدواجية غريبة جدًا يقومون بتدريس فلاسفة لا دينيين وملحدين من أمثال فويرباخ وماركس ونيتشه وسارتر ورسل، ويدرسون الشك عند ديكارت وهيوم وغيرهما من الفلاسفة، ومع ذلك تجد أن تدينهم لا يختلف عن تدين السلفيين والمتشددين، بل وتجد منهم من ينتمى لجماعة الإخوان أو للتيارات السلفية، ولذلك فإن رؤيتهم للعالم لا تختلف عن رؤية الدهماء والسوقة والغوغاء. ووعى معظم حملة الدكتوراه فى مصر داخل وخارج الجامعة لا يزيد عن وعى سائق «توتوك». إننا أمام كارثة فكرية حقيقية، ولا يمكن أن تبدع فلسفة فى مصر بدون علمنة الفكر، وبدون التحرر من التابوهات التى تعتقل العقل وتغتال حرية الفكر والإبداع.
وأظن أن أهم قضية على الفلسفة أن تتصدى لها اليوم هى: «الوعي»، بعث وايقاظ الوعى لن يكون إلا بترسيخ القيم والمبادئ العقلية وإدخال العقل فى تفاصيل الحياة اليومية. والعقل يستدعى الحرية، أو إن شئنا الدقة، القدرة على التحرر وعلى ممارسة الحرية، ولذلك فعلى الفلسفة أن تواجه الفكر الدينى التكفيرى الذى يُصادر حق الإنسان فى التفكير بحرية، وحق الإنسان فى اختيار الأسلوب الملائم لإيمانه وتدينه، والذى يُهدد تمامًا حق الإنسان فى أن يكون ذاته ووجوده وفرديته. بالإضافة إلى ذلك على الفلسفة أن تسعى لحماية الإنسان العربى والمصرى من السقوط فى التفاهة والابتذال، فنحن نعيش عصر التفاهة والانحطاط الثقافى، نتيجة سيطرة ثقافة السلعة وأغانى المهرجانات وكل ما يخدم تسطيح الوعى وتزييفه وتشويهه ومسخه.
يوجد موضوعات ينبغى على الفلسفة أن تتجنبها، على العكس على الفلسفة أن تنتقد وتنتهك كافة تابوهات: الجنس واللاهوت والسلطة.
■ ما هو توصيفكم للأزمة المجتمعية والفكرية التى نعانيها الآن ؟
- إن لدينا ازمة ثقافية شاملة لا تقف فقط عند حدود المنهجية أو المشاريع الفكرية بل تمتد لقيمة ومكانة الثقافة ذاتها، إذ يُنظر للثقافة حاليًا بوصفها حلية أو نوعًا من الديكور، ومن ثم فإن الدولة تنظر إلى المثقف نظرة دونية وترى أنه كائن زائد عن الحاجة.
والمثقف الذى تعترف به الدولة هو رجل الدين، ولذلك يحظى بالانتشار فى الفضاء العام وفى الفضائيات والسوشيال ميديا وكافة الوسائط الإعلامية والتقنية، ولن أجاوز الحقيقة لو قلت أن المثقف اللاهوتى هو الوحيد الملتحم بالجماهير المسكونة بالهوس الديني والمفتونة بالجهل المقدس.
إن أحد أهم أسباب الأزمة الفكرية والثقافية للمجتمع المصرى هو أننا لم نمر بمخاض الحداثة، والتى تعنى ميلاد الفرد الحر المستقل الذى يفكر بغير وصاية من أحد.
معظم مجتمعاتنا العربية، وخاصة المجتمع المصرى لم تعرف من الحداثة غير وجهها التقنى المرتبط باستخدام أحدث ما أنتجه الآخر. ورغم كثرة ما لدينا من جامعات ومراكز بحثية وعلمية، إلا أن العلم لم يستطع أن يغير من رؤيتنا للعالم، نحن محكومون بالرؤية اللاهوتية، وعلاقتنا بالعلم هى علاقة استهلاك: نحن نستهلك نظريات الآخر وندرسها، ولا نضيف إليها، نحيا كالكائنات الطفيلية، الآخر يفكر ويبدع لنا، ونحن نستهلك ولسان حالنا يقول سبحان من سخر لنا هذا.. ونكتفى بأن نوهم أنفسنا أنهم عبيد لنا، ونحن فى واقع الأمر العبيد، لأننا نحيا على إنتاجهم ونتلقى بقاياهم ونفاياتهم. وإذا عدنا للوراء سنجد أننا قد كفرنا معظم الفلاسفة والعلماء من أمثال الفارابى وابن سينا ومحمد ابن زكريا الرازى وابن الراوندى واكتفينا من تراثنا بابن حنبل وابن تيمية وأبو حامد الغزالى، ومن ثم فقد تم اعتقال العقل العربى مبكرًا وجرى تصفيته من كافة العناصر الإبداعية والحداثية والتحررية.
وترتبط الأزمة الفكرية بالأوضاع السياسية، وبالنسبة لهذا الجانب أقول رغم أننا عشنا ثورتين أو انتفاضتين هما انتفاضة ٢٥ يناير التى فشلت وجاءت بالإخوان، وانتفاضة ٣٠ يونيو التى أطاحت بالإخوان، ولكننا لم نستطع أن نؤسس لنظام مدنى جديد، ولم يُسفر عن هذا الحراك السياسى أحزاب سياسية جديدة تستطيع أن تملأ الفراغ الشاغر داخل الشارع المصرى. كنت أتوقع أن تتحول «حركة تمرد» إلى حزب سياسى، لكنها ذابت وتلاشت واختفت!. خطورة الموقف السياسى الآن تتمثل فى أن الفجوة مازالت واسعة بين النخبة التى تحكم والجماهير التى ضاعت من أقدامها معالم الطريق، ولم تزل حتى هذه اللحظة مؤدلجة بخطاب دينى إخوانى – سلفى متشدد، فتحت قشرة الحداثة الزائفة التى يعيشها المجتمع المصرى حاليًا نجد ركامًا من التصورات والأفكار والمعتقدات الدينية الوهابية التى قد تنفجر فى أى لحظة فى مواجهة النظام.
أما عن علاقة الأوضاع السياسية بالفلسفة والعلم. فلا يوجد أدنى اهتمام بالخطاب الفلسفى لا فى المجال السياسى ولا حتى الثقافى. أما الخطاب العلمى فهو قاصر على قاعات الدرس فى المعاهد والكليات العلمية، وخارج هذه القاعات يوجد الخرافة والسحر والتفسير الغيبى والميثولوجى (الأسطوري) لكل شيء ولأي شيء. وباختصار لا يوجد لدينا علماء ولكن يوجد لدينا طبقة أو فئة من التقنيين الذين يشبهون الآلات خاصة فيما يُسمى بميكنة مؤسسات الدولة.
■ ما هو السبيل للخروج من الأزمة ؟
- لا شك أن الأمر ليس سهلًا، لتراكم الأسباب وتعددها وتعقدها، ولكن لابد من أن نتذرع نحن كمثقفين بأخلاقيات العناد والمقاومة والرفض وعلينا أن نقوم بتعرية الحقائق بكل قسوة ودون خوف أو مساومة. والحل النظرى فى رأيى هو الدفاع عن الحرية فى كافة صورها وأبعادها وتجلياتها والنضال من أجل علمنة كافة مؤسسات الدولة، خاصة مؤسسات التعليم، لأن علمنة التعليم أخطر عندى من علمنة المؤسسات السياسية.
كان لـ «البوابة نيوز» هذا الحوار مع الدكتور حسن حماد أستاذ الفلسفة بجامعة الزقازيق
■ هل تتفقون مع الذين يقولون بأننا نعاني من أزمة منهج وليس أزمة مشاريع فلسفية؟
-المنهج بالمعنى العلمى يرتبط بوجود مناخ علمى ويرتبط بوجود علماء مثل ديكارت (مؤسس المنهج الرياضي) وبيكون (مؤسس المنهج التجريبي) ظهرا فى الفترة التى بدأت فيها نهضة أوروبا العلمية على أيدى كوبرنبكوس وجاليليو وكبلر وغيرهم، كيف نتحدث عن منهجية علمية فى ثقافة تجمدت عند مرحلة التفكير السحرى – الأسطورى؟!.
أما عن المشاريع الفكرية فقد سبق لمفكرين وفلاسفة مصريين أن قدموا مشاريع فكرية مثل المشروع العلمى لزكى نجيب محمود، ومشروع حسن حنفى حول لاهوت التحرير الإسلامى، ومشروع سلامة موسى وامتداداته لدى مراد وهبة حول علمنة المجتمع، ومشروع التيار الماركسى الشيوعى الذى كان يحلم بدولة المساواة والعدل والحرية، والمشروع الليبرالى الذى بدأ مع كتابات الشيخ رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وقاسم أمين وأحمد لطفى السيد وطه حسين وغيرهم. كل هذه المشروعات أخفقت، ولم تستطع أن تستحوذ على أفئدة وعقول الجماهير، لأنها كانت فى معظمها نخبوية، باستثناء المشروع الليبرالى الذى حقق نجاحات مثمرة فى بعض اللحظات التاريخية مثلما حدث فى ثورة ١٩١٩، لكنه توقف عند حدود الحرية الاقتصادية، ولم يستطع أن يحقق الحرية السياسية والفردية، ولذلك ظل مشروعًا مبسترًا وفاشلًا، بل وساعد بصورة غير مباشرة على تشكيل طبقة رأسمالية بغيضة جعلت جل همها الاستحواذ على المال واختطاف السلطة، وكانت النتيجة المزيد من إفقار عشرات الملايين من الشعب، وتزايد سطوة وقوة جماعات الإسلام السياسى نتيجة انتشار اليأس بين الجموع وتطلعهم الدائم إلى مخلص أو إلى منقذ. فكلما ضاقت الأرض اتسعت السماء!.
■ لكن ما هو دور الفلسفة اليوم ؟
- الفلسفة هي رؤية للعالم مثلها مثل الفن، وبدون وجود رؤية لا توجد فلسفة، وأهم الوظائف التى يمكن للفلسفة أن تمارسها: النقد والتفكيك والتنوير: نقد الفكر والواقع معًا، تفكيك المسلمات وتقويض كافة التابوهات، أما التنوير فيعنى الجرأة على استخدام العقل دون قيد أو شرط بالمعنى الذى أراده كانط.
هناك ارتباط جدلى بين الأسئلة الفلسفية الكبرى وبين الدراسة النظرية للفلسفة. الفلسفة يجب أن تعاش كرسالة، جزء كبير من أزمة الفلسفة فى مصر يكمن فى أن دارسى الفلسفة وأساتذتها يتعاملون مع الفلسفة كمهنة وليس كرسالة حياة، معظم أساتذة الفلسفة فى مصر يعيشون ازدواجية غريبة جدًا يقومون بتدريس فلاسفة لا دينيين وملحدين من أمثال فويرباخ وماركس ونيتشه وسارتر ورسل، ويدرسون الشك عند ديكارت وهيوم وغيرهما من الفلاسفة، ومع ذلك تجد أن تدينهم لا يختلف عن تدين السلفيين والمتشددين، بل وتجد منهم من ينتمى لجماعة الإخوان أو للتيارات السلفية، ولذلك فإن رؤيتهم للعالم لا تختلف عن رؤية الدهماء والسوقة والغوغاء. ووعى معظم حملة الدكتوراه فى مصر داخل وخارج الجامعة لا يزيد عن وعى سائق «توتوك». إننا أمام كارثة فكرية حقيقية، ولا يمكن أن تبدع فلسفة فى مصر بدون علمنة الفكر، وبدون التحرر من التابوهات التى تعتقل العقل وتغتال حرية الفكر والإبداع.
وأظن أن أهم قضية على الفلسفة أن تتصدى لها اليوم هى: «الوعي»، بعث وايقاظ الوعى لن يكون إلا بترسيخ القيم والمبادئ العقلية وإدخال العقل فى تفاصيل الحياة اليومية. والعقل يستدعى الحرية، أو إن شئنا الدقة، القدرة على التحرر وعلى ممارسة الحرية، ولذلك فعلى الفلسفة أن تواجه الفكر الدينى التكفيرى الذى يُصادر حق الإنسان فى التفكير بحرية، وحق الإنسان فى اختيار الأسلوب الملائم لإيمانه وتدينه، والذى يُهدد تمامًا حق الإنسان فى أن يكون ذاته ووجوده وفرديته. بالإضافة إلى ذلك على الفلسفة أن تسعى لحماية الإنسان العربى والمصرى من السقوط فى التفاهة والابتذال، فنحن نعيش عصر التفاهة والانحطاط الثقافى، نتيجة سيطرة ثقافة السلعة وأغانى المهرجانات وكل ما يخدم تسطيح الوعى وتزييفه وتشويهه ومسخه.
يوجد موضوعات ينبغى على الفلسفة أن تتجنبها، على العكس على الفلسفة أن تنتقد وتنتهك كافة تابوهات: الجنس واللاهوت والسلطة.
■ ما هو توصيفكم للأزمة المجتمعية والفكرية التى نعانيها الآن ؟
- إن لدينا ازمة ثقافية شاملة لا تقف فقط عند حدود المنهجية أو المشاريع الفكرية بل تمتد لقيمة ومكانة الثقافة ذاتها، إذ يُنظر للثقافة حاليًا بوصفها حلية أو نوعًا من الديكور، ومن ثم فإن الدولة تنظر إلى المثقف نظرة دونية وترى أنه كائن زائد عن الحاجة.
والمثقف الذى تعترف به الدولة هو رجل الدين، ولذلك يحظى بالانتشار فى الفضاء العام وفى الفضائيات والسوشيال ميديا وكافة الوسائط الإعلامية والتقنية، ولن أجاوز الحقيقة لو قلت أن المثقف اللاهوتى هو الوحيد الملتحم بالجماهير المسكونة بالهوس الديني والمفتونة بالجهل المقدس.
إن أحد أهم أسباب الأزمة الفكرية والثقافية للمجتمع المصرى هو أننا لم نمر بمخاض الحداثة، والتى تعنى ميلاد الفرد الحر المستقل الذى يفكر بغير وصاية من أحد.
معظم مجتمعاتنا العربية، وخاصة المجتمع المصرى لم تعرف من الحداثة غير وجهها التقنى المرتبط باستخدام أحدث ما أنتجه الآخر. ورغم كثرة ما لدينا من جامعات ومراكز بحثية وعلمية، إلا أن العلم لم يستطع أن يغير من رؤيتنا للعالم، نحن محكومون بالرؤية اللاهوتية، وعلاقتنا بالعلم هى علاقة استهلاك: نحن نستهلك نظريات الآخر وندرسها، ولا نضيف إليها، نحيا كالكائنات الطفيلية، الآخر يفكر ويبدع لنا، ونحن نستهلك ولسان حالنا يقول سبحان من سخر لنا هذا.. ونكتفى بأن نوهم أنفسنا أنهم عبيد لنا، ونحن فى واقع الأمر العبيد، لأننا نحيا على إنتاجهم ونتلقى بقاياهم ونفاياتهم. وإذا عدنا للوراء سنجد أننا قد كفرنا معظم الفلاسفة والعلماء من أمثال الفارابى وابن سينا ومحمد ابن زكريا الرازى وابن الراوندى واكتفينا من تراثنا بابن حنبل وابن تيمية وأبو حامد الغزالى، ومن ثم فقد تم اعتقال العقل العربى مبكرًا وجرى تصفيته من كافة العناصر الإبداعية والحداثية والتحررية.
وترتبط الأزمة الفكرية بالأوضاع السياسية، وبالنسبة لهذا الجانب أقول رغم أننا عشنا ثورتين أو انتفاضتين هما انتفاضة ٢٥ يناير التى فشلت وجاءت بالإخوان، وانتفاضة ٣٠ يونيو التى أطاحت بالإخوان، ولكننا لم نستطع أن نؤسس لنظام مدنى جديد، ولم يُسفر عن هذا الحراك السياسى أحزاب سياسية جديدة تستطيع أن تملأ الفراغ الشاغر داخل الشارع المصرى. كنت أتوقع أن تتحول «حركة تمرد» إلى حزب سياسى، لكنها ذابت وتلاشت واختفت!. خطورة الموقف السياسى الآن تتمثل فى أن الفجوة مازالت واسعة بين النخبة التى تحكم والجماهير التى ضاعت من أقدامها معالم الطريق، ولم تزل حتى هذه اللحظة مؤدلجة بخطاب دينى إخوانى – سلفى متشدد، فتحت قشرة الحداثة الزائفة التى يعيشها المجتمع المصرى حاليًا نجد ركامًا من التصورات والأفكار والمعتقدات الدينية الوهابية التى قد تنفجر فى أى لحظة فى مواجهة النظام.
أما عن علاقة الأوضاع السياسية بالفلسفة والعلم. فلا يوجد أدنى اهتمام بالخطاب الفلسفى لا فى المجال السياسى ولا حتى الثقافى. أما الخطاب العلمى فهو قاصر على قاعات الدرس فى المعاهد والكليات العلمية، وخارج هذه القاعات يوجد الخرافة والسحر والتفسير الغيبى والميثولوجى (الأسطوري) لكل شيء ولأي شيء. وباختصار لا يوجد لدينا علماء ولكن يوجد لدينا طبقة أو فئة من التقنيين الذين يشبهون الآلات خاصة فيما يُسمى بميكنة مؤسسات الدولة.
■ ما هو السبيل للخروج من الأزمة ؟
- لا شك أن الأمر ليس سهلًا، لتراكم الأسباب وتعددها وتعقدها، ولكن لابد من أن نتذرع نحن كمثقفين بأخلاقيات العناد والمقاومة والرفض وعلينا أن نقوم بتعرية الحقائق بكل قسوة ودون خوف أو مساومة. والحل النظرى فى رأيى هو الدفاع عن الحرية فى كافة صورها وأبعادها وتجلياتها والنضال من أجل علمنة كافة مؤسسات الدولة، خاصة مؤسسات التعليم، لأن علمنة التعليم أخطر عندى من علمنة المؤسسات السياسية.