نهج استنزاف التنظيمات الإرهابية – داعش أنموذجًا
الأحد 11/يونيو/2023 - 12:19 ص
طباعة
حسام الحداد
اتخذ مرصد الأزهر عنوانا مميزا للدراسة الأخيرة التي نشرها اليوم 11 يونيو 2023، على بوابة المرصد التابعة لبوابة الأزهر الالكترونية، تلك الدراسة التي قام عليها مرصد اللغة التركية حيث ظن كثيرون كما تقول الدراسة أن تنظيم داعش الإرهابي قد طويت صفحته بعد هزيمته وسقوط معاقله الرئيسة في سوريا والعراق عام 2019م، لكن التنظيم الإرهابي اعترف بالهزيمة، واستطاع التكيف معها؛ واتبع استراتيجية إسقاط المدن، واللجوء إلى الجبال، والبوادي، والقرى المهجورة، وتنفيذ عمليات ذات طابع فردى تختلف عن العمليات التي كان يقوم بها إبان قوته في الفترة من 2014م وحتى 2017م، مما أسهم في بقاء التنظيم، وحمايته من الاندثار. ولكن بالرغم من ذلك، كانت هناك عوامل أثرت سلبًا على هذا التنظيم الإرهابي، وعلى قدراته القتالية، وطبيعة العمليات التي قام بها في مرحلة ضعفه. ونرى أنه من المهم استراتيجيًّا معرفة هذه العوامل التي تؤثر سلبًا على التنظيمات الإرهابية عند مكافحتها. والتي يمكن اختصارها في عدة نقاط هي:
أولًا: استهداف قادة التنظيم
فقد تنظيم داعش خلال الثلاث سنوات الماضية ثلاثة من قادته الذين احتلوا صدارة التنظيم وقيادته، ففي أكتوبر 2019م، قُتل "أبو بكر البغدادي"، وفي فبراير 2022م، قُتل "أبو إبراهيم القرشي"، وفي أكتوبر من العام ذاته، قُتل "أبو الحسن الهاشمي". وربما قريبًا يعترف التنظيم بمقتل زعيمه "أبو الحسين الحسيني" الذي أعلنت تركيا مقتله نهاية أبريل الماضي 2023م، هذا بخلاف عدد آخر من قادة الصف الثاني في التنظيم من أمثال "ماهر العقال"، و"خالد عيد الجبوري". والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إلى أي مدى أثر مقتل هؤلاء القادة على التنظيم؟ تضاربت الآراء حول الإجابة على هذا السؤال بين مؤيدٍ، ومعارضٍ لحدوث تأثير على التنظيم بسبب مقتل قائده، أو زعيمه الذي يتبوء الصدارة؛ حيث ذكر المستشار السابق للتحالف الدولي ضد داعش "كاظم الوائلي"، لوكالة أنباء "سكاي نيوز عربية"، أن عمليات قتل زعماء الإرهابيين أدت إلى حدوث انهيار نفسي داخل التنظيم، مشيرًا إلى أن ذلك يؤثر سلبًا على عناصره . من جهته يؤكد الأمريكي (Norman Roll)"نورمان رول"، ـــ وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية ولديه خبرة في قضايا الشرق الأوسط ـــ في مقال نشرته صحيفة "تايم" بعنوان: "مات البغدادى، أين يوجد داعش؟" أن موت القادة يؤدي في كثير من الأحيان إلى انقسامات داخل التنظيمات الإرهابية، والتوجه نحو اتجاهات جديدة في استراتيجياتها . وفي دراسة بعنوان: "تداعيات مقتل القادة على مستقبل التنظيمات الإرهابية: داعش أنموذجًا" للكاتب "على نجات"، يوضح الكاتب أن نتائج البحث الذي أجراه (Patrik Johnson) "باتريك جونسون" ــ الخبير في شئون التنظيمات الإرهابية ــ أظهرت أنه إذا استُهدفت قادة التنظيمات الإرهابية، فإن فرص انهيار التنظيم تكون كبيرة، وهنا يمكن القول إن َّمقتل زعيم التنظيم بإمكانه أن يضعف بشدة مركز القيادة، والسيطرة فيه . أما الباحث المصري "مصطفى زهران" فله وجهة نظر أخرى؛ حيث يرى: "أن مقتل القيادات بات أمرًا تقليديًّا، ولا يؤثر على التنظيم." . ويتبنى وجهة النظر ذاتها الدكتور حمادة شعبان بمرصد الأزهر حيث ذكر في مقال له بعنوان "أبو حمزة اليمني واستهداف قادة التنظيمات الإرهابية" أن مقتل القادة في التنظيمات التي تشكلت على أسس أيديولوجية وفكرية لا يؤثر عليها، لأن هذه التنظيمات تقاتل من أجل فكرة، وليس من أجل شخص، مهما كانت الكاريزما التي يمتلكها هذا الشخص، والتاريخ يثبت ذلك فقد قُتل "أسامة بن لادن"، ولم ينته تنظيم القاعدة، كما قُتل "أبو بكر البغدادي" ولم يتفكك تنظيم داعش. ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن تصفية قادة داعش لا تُحدث انقلابًا حقيقيًّا في التنظيم، ولا تترك تأثيرًا ملفتًا للنظر في ديناميكية الحرب عليه، ولكنها من ناحية أخرى لها تأثير مهم على المدى القصير، حيث يواجه التنظيم بسببها بعض التطورات السلبية، وخصوصًا في القيام بعمليات إرهابية؛ إذ يستغرق بعض الجهد، والوقت في اختيار زعيمًا جديدًا، خصوصًا في الوقت الراهن الذي لم يعد لدى التنظيم أيًّا من القيادات التاريخية القديمة. كذلك يمكن أن يظهر تيار بين المليشيات يترك التنظيم بسبب عدم الإنسجام وانخفاض الروح المعنوية. لكن من الصعب نظرًا للبنية التنظيمية التي يمتلكها داعش أن تستمر هذه الأمور طويلًا، أو أن تتسبب في حل التنظيم كلية. فداعش تنظيم فقد الكثير من قياداته العليا، والتاريخية في هجمات جوية قام بها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وما زال موجودًا، وينفذ عمليات، لكن في الوقت ذاته لا يمكن إنكار تأثير مقتل القادة على التنظيم على المدى القصير، وخصوصًا "البغدادي"، الذي تأثر التنظيم فترة بمقتله على المستوى الإعلامي، والميداني، وظل مدة طويلة حتى أعلن عن مقتله، وتولية "أبو إبراهيم القرشي".
ثانيًا: استمرار عمليات مداهمة التنظيم في أماكن تمركزه في الجبال والمناطق الريفية
إن تنفيذ عمليات عسكرية ضد أي تنظيم إرهابي في مناطق تمركزه له أهمية في استنزاف هذا التنظيم، وتضييق الخناق عليه، وخفض الروح المعنوية لأفراده. وتنظيم داعش الإرهابي نفسه يقوم بعمليات استنزاف للقوات المحلية في بعض الدول الأخرى التي له فيها تواجد، وقد أوصى "أبو بكر البغدادي" في آخر خطاب له عام 2019م، أفراد تنظيمه بالقيام بعمليات الاستنزاف هذه، وأصدر التنظيم بخصوصها عدة مقاطع مرئية؛ لذلك يمكن مواجهته بالسلاح ذاته لا سيما، وأن التنظيم يعتمد في التخفي على المناطق الريفية، والجبلية مثل صحراء الأنبار، ومحيط كركوك، ومناطق من ديالى.. جدير بالذكر أنه خلال السنة الماضية أُلقي القبض على عدد من الشخصيات ذو مكانة داخل التنظيم في عمليات نوعية في سوريا، والعراق، وأفغانستان، تم تنفيذها في مناطق تمركز التنظيم في الجبال، والمناطق الريفية، وكان لها أهمية في الحصول على معلومات أفادت في الحرب عليه، ومعرفة مزيد من أسراره الفكرية، والاقتصادية، والسياسية، ودارت نقاشات حولها في وسائل الإعلام. وقد رأينا كيف كان القبض على الإرهابي "عبد الرحيم المسماري" مفيدًا في الحصول على معلومات عن داعش الإرهابي في ليبيا، وكذلك كان مفيدًا من الناحية الفكرية، والتنظيرية من خلال الحوار الذي أجراه معه الإعلامي "عماد أديب" على قناة الحياة المصرية، وقد سبق، وفند مرصد الأزهر مزاعم هذا الإرهابي، وبيَّن انحرافها. كما كان للحوار الذي أجراه الصحفي "أحمد الدريني" مع "رشيد المصري" أمير الحدود في داعش عظيم الأثر على معرفة كثير من المعلومات المهمة عن داعش الإرهابي، ونشأته، ونظرته للمرأة، كما وضح أهداف، ووسائل كافة الفصائل المسلحة في سوريا ... وغير ذلك من المعلومات المهمة للغاية التي يمكن أن يكون لها عظيم الأثر في حماية الشباب من مخاطر الاستقطاب. وفي العراق، وعلى مدار السنوات الماضية أُجريت كثير من الحوارات مع مثل هؤلاء، وكانت مهمة للغاية في كشف حقيقة داعش، وضلاله، وضحالة فكره، وجهل أفراده، من أهمها الحوار مع "عبد الناصر قرداش"، و"محمد علي" صهر "أبو بكر البغدادي" ومرافقه الشخصي، والذي وضح في شهادته الإجراءات الأمنية التي يتخذها قادة داعش لحماية أنفسهم من الاعتقال، أو الموت. لذلك يمكننا القول إن مُداهمة التنظيم، والقبض على أفراده، وإجراء حوارات تلفزيونية معهم عامل مهم في استنزاف التنظيمات الإرهابية، وفي الوقت ذاته يُعد خطوة مهمة في صياغة خطابٍ إعلامي مضاد للخطاب الإعلامي لهذه التنظيمات، وهذا بلا شك خطوة مهمة على طريق حماية الشباب من مخاطر الاستقطاب.
ثالثًا: تجفيف منابع الموارد المالية
من أهم العوامل التي تُسهم في الحفاظ على سلامة التنظيمات الإرهابية، وبقائها، وقدرتها على تنفيذ عمليات هو القدرات المادية الرئيسية التي يحتاجون إليها. فليس من السهل على التنظيمات الإرهابية خوض معركة ناجحة بدون الإمكانيات المالية اللازمة، والدعم اللوجستي؛ لهذا السبب، فإن القضاء على الموارد المالية لهذه التنظيمات له تأثير قوي عليها. والقوة المالية لتنظيم داعش الإرهابي ستكون أكبر نقاط ضعفه، إذا أمكن فصل التنظيم عن مصادر تمويله العديدة، والتي تناولها مرصد الأزهر بشيء من التفصيل في العدد (37) من مجلة "مرصد" الصادر في شهر يوينه 2022 في تقريرٍ بعنوان "الأموال وأثرها على التنظيمات الإرهابية... داعش نموذجًا". وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من الدول التي تكافح التنظيمات الإرهابية من خلال منع الفرص المادية عنها مثل الموارد الاقتصادية، واللوجستية، والأسلحة.
رابعًا: تجفيف المنابع الفكرية
من أجل حماية الهوية الجمعية للتنظيمات الإرهابية، ولضمان سلامتها، تحرص هذه التنظيمات على أن يكون لدى أعضائها ثقة كاملة في قادة التنظيم، ودعاته، ومنظريه، وأن يكون لديهم إيمان تام بأيدولوجية التنظيم. ومن هنا، يمكن أن تكون التنظيمات الإرهابية حساسة للغاية تجاه الأفكار، والسلوكيات المعارضة التي قد تفسد سلامة المجموعة، حتى لو كانت نابعة من الداخل، وتهدف إلى معالجة بعض الأمور. ويؤكد ذلك حرص كافة التنظيمات على قتل أى عملية، أو حركة نقدية في مهدها، فلو أن أحد أعضاء التنظيم فكر في تقييم الفكرة، وتقديم رؤية نقدية لها تسلط عليه سهام الإسكات من نوع "طبيعة المرحلة لا تسمح"، "هذا ليس في صالح الدعوة"، "هذه هدية لخصوم التنظيم"..؛ ولذلك يكون صاحب التجربة الفكرية ذات الطابع النقدي مضطر إلى تقديم تمهيد طويل يتحدث فيه عن ضرورة تقييم التجارب، وأننا جميعا بشر نخطئ ونصيب، وأن تقييم التجربة من الداخل أفضل من أن يأتى النقد من الخارج، وأن الله سبحانه وتعالى عاتب رسوله في سورة عبس، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم عاتب رماة السهام في غزوة أحد.. وهنا نقول إن أي نقدٍ داخلي عند هذه التنظيمات يُعد ــ بالنسبة لقادته ــ تشكيكًا في أيديولوجية التنظيم، واستراتيجيته، وأساليبه، وقرارات القادة، وبالتالي فإنه يؤدي إلى فقدان الثقة بين أعضاء التنظيم تجاه بعضهم بعض خاصة في التنظيمات الهرمية، وهو ما يمكن اعتباره تهديدًا للهوية الجماعية للتنظيم يلحق الضرر بسلامة تماسكه.
ولذلك، فإن تفنيد الأراء المغلوطة، والمتطرفة، وتسليط الضوء عليها في وسائل الإعلام التقليدية، وغير التقليدية، وإظهار انحرافها بالأدلة، والبراهين.. كل هذا يُعد من أهم العوامل التي تؤثر بقوة على التنظيمات الإرهابية، وخاصة داعش القائم على فكرة الأيديولوجية المتطرفة، وليس لديه منظرين علميين أقوياء، وقائم فقط على دغدغة المشاعر بشعار الدولة التي لم يعد لها تواجد سوى في أذهان أفراده، وفي الفضاء الإلكتروني. مما سبق يتضح لنا أن القضاء على أي تنظيمٍ إرهابي يتطلب وقتًا، وخططًا، وجهودًا كثيرة، ومتداخلة أمنية، وفكرية، واقتصادية، وإعلامية، وكلها مكملة لبعضها بعض؛ إذ لا يمكن التعامل فكريًّا مع من يرتدي حزامًا ناسفًا، ولا يمكن التعامل أمنيًّا مع من قُبض عليه، ويُحاكم. حفظ الله بلادنا، وأوطاننا من كل سوء.