انقلاب نيامي.. يهدد بعودة الإرهاب إلي النيجر

الجمعة 28/يوليو/2023 - 12:00 م
طباعة انقلاب نيامي..  يهدد أميرة الشريف
 
في سادس انقلاب تشهده غرب إفريقيا منذ عام 2020، أعلن قائد الجيش في النيجر، أنه يؤيد انقلاب القوات التي أعلنت استيلاءها على السلطة في البلاد بعد اعتقالها الرئيس المنتخب محمد بازوم.
ووسط استنكار أفريقي ودولي، قطع الحرس الرئاسي الطرق المؤدية إلى القصر في العاصمة نيامي، واحتجز بازوم بداخله.

عزل الرئيس

وبث رئيس الحرس الجمهوري، والعقيد في سلاح الجو، الكولونيل ميجور أمادوعبدالرحمن، مقطعا مصورا في التلفزيون الرسمي أعلن فيه عزل الرئيس محمد بازوم وإغلاق الحدود.
وقال أمادو: "نحن، قوّات الدفاع والأمن، المجتمعين في المجلس الوطني لحماية الوطن، قرّرنا وضع حدّ للنظام الذي تعرفونه"، مضيفًا بأن ذلك يأتي على أثر استمرار تدهور الوضع الأمني وسوء الإدارة الاقتصاديّة والاجتماعيّة".
وأكّد تمسّك المجلس بـ"احترام كلّ الالتزامات التي تعهّدتها النيجر"، مطمئنا أيضا "المجتمع الوطني والدولي في ما يتعلّق باحترام السلامة الجسديّة والمعنويّة للسلطات المخلوعة وفقا لمبادئ حقوق الإنسان.
وأشار بيان العسكريّين الانقلابيين أيضا إلى "تعليق كلّ المؤسّسات المنبثقة من الجمهوريّة السابعة، وسيكون الأمناء العامّون للوزارات مسؤولين عن تصريف الأعمال، قوّات الدفاع والأمن تُدير الوضع، ويُطلَب من جميع الشركاء الخارجيّين عدم التدخّل".
ووفق البيان فقد تم إغلاق الحدود البرّية والجوّية حتّى استقرار الوضع" وفرضوا حظر تجوّل اعتبارا من هذا اليوم، على كامل التراب حتى إشعار آخر.
وقالت رئاسة الجمهورية في النيجر، في وقت سابق،إن الحرس الرئاسي، بدأ حركة "مناهضة للجمهورية"، وأعربت في بيان على تويتر، عن "استعداد الجيش لمهاجمة الحرس الرئاسي إذا لم يعد إلى صوابه"، مؤكدةً أن "رئيس الجمهورية وعائلته بخير.
وفي بيان جديد، أعلن الانقلابيون في النيجر عن حظر أنشطة الأحزاب السياسية في البلاد حتى إشعار آخر، فيما اندلعت أعمال عنف في العاصمة عقب الانقلاب.

من هو بازوم ؟

وانتخب بازوم رئيسًا للنيجر قبل عامين في أول انتقال ديمقراطي سلمي للسلطة منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960.
وينتمي بازوم إلى عرب ديفا، وهو الاسم الذي يطلَق على قبائل البدو التي تعيش في شرق النيجر، ويمثل عرب ديفا نسبة لا تتجاوز 1.5 في المئة من سكان البلاد البالغ تعدادهم حوالي 24 مليون نسمة.
وولد بازوم في يناير من عام 1960، وتلقّى تعليمه الأساسي في بلاده قبل أن يسافر إلى العاصمة السنغالية داكار ليدرس الفلسفة والسياسة بجامعة الشيخ أنتا ديوب.
ولدى عودته إلى النيجر، عمل بازوم مدرسا، قبل أن ينخرط في الحركة النقابية والسياسية في البلاد.
وفي التسعينيات، أسس بازوم مع المهندس مامادو إيسوفو الحزب الديمقراطي الاجتماعي.
وفي عام 1993 انتُخب بازوم عضوا في البرلمان.
وفي عام 2011، ساعد بازوم في وصول إيسوفو إلى رئاسة النيجر، وعلى مدى فترتين حكم فيهما الأخير البلاد، حمل بازوم عددا من الحقائب الوزارية، منها الداخلية والخارجية والتعاون.
وفي عام 2020، استقال بازوم من الحكومة، حتى يتسنّى له الترشح لرئاسة البلاد، وبالفعل وصل بازوم في أبريل 2021 إلى سدة الحكم عبر انتخابات نادرة في النيجر شهدت صعود رئيس ينتمي إلى أقلية في بلد قبائلي.
وبازوم متزوج من خديجة بن مبروك.

التحديات التي واجهته

وكانت التوقّعات تشير إلى استمرار بازوم في السلطة مدة فترتين على غرار سلفه إيسوفو.
وتمثلت التحديات التي واجهت الرئيس بازوم في الفقر الشديد ومعدلات البطالة المرتفعة والحركات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وما يعرف بالدولة الإسلامية وبوكوحرام.
وتعاون بازوم مع دول الجوار الأفريقي فضلا عن فرنسا والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن بالنيجر.
وحارب الرئيس بازوم ضد الأمّية وشجّع تعليم الإناث سعياً لتحقيق المساواة بين الجنسين في بلاده.

إدانات أفريقية ودولية

وأبدت فرنسا "إدانتها الشديدة لأي محاولة لتولي الحكم بالقوة" في النيجر حليفتها الرئيسية في منطقة الساحل والتي تشهد محاولة انقلاب بعدما عمد عناصر في الحرس الرئاسي الى احتجاز الرئيس محمد بازوم.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية في بيان إن "فرنسا قلقة للاحداث الراهنة في النيجر وتتابع بانتباه تطور الوضع".
وأعلنت كولونا أنّ رئيس النيجر محمد بازوم "بصحّة جيّدة" على الرغم من أنّ مدبّري الانقلاب يحتجزونه في مقرّه.
وقالت إنّ بازوم تحدّث إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة 28 يوليو، مضيفة  أنه يمكن الوصول إليه، وقد قال أيضًا إنّه في صحّة جيدة".
وتمثل النيجر كنزا ثمينا لفرنسا باعتبارها أحد أقوى حلفاء باريس في دول الساحل والصحراء، فضلا عن كونها مصدرا رئيسيا للإمداد باليوارنيوم المستخدم في إنتاج الكهرباء لملايين الأسر بالبلاد، حيث تعد النيجر رابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم.
وتوثقت شراكة "نيامي" وباريس في منطقة الساحل والصحراء، بعدما نقلت فرنسا قواتها من مالي عام 2022، إلى النيجر، بداعي الاستفادة من الخبرات الفرنسية في التدريب العسكري ومكافحة الإرهاب.
وأدان الاتحاد الأفريقي "محاولة الانقلاب" داعيا الى "العودة الفورية وغير المشروطة" للعسكريين إلى ثكناتهم.
وأعرب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد في بيان عن "تنديده الشديد بهذه السلوكيات من جانب عسكريين يرتكبون خيانة كاملة لواجبهم الجمهوري"، مطالبا إياهم ب"وقف هذا العمل المرفوض فورا".
هذا وقد نددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بـ"محاولة الانقلاب، داعية الى الافراج "فورا" عن الرئيس المنتخب.
كما أدان الاتحاد الأوروبي على لسان مسؤول السياسة الخارجية فيه، "أي محاولة لزعزعة الديموقراطية وتهديد الاستقرار في النيجر".
وأعرب جوزيب بوريل في رسالة عبر منصة تويتر التي باتت تحمل تسمية إكس عن "قلقه الكبير حيال الأحداث التي تجري في نيامي"، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي ينضم إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في تنديدها بما يحصل.
وفي ذات السياق أكدت المتحدثة باسم الأبيض كارين جان بيير أن واشنطن لم تر أيَّ مؤشِّراتٍ موثوقة على تورُّطٍ روسي في انقلاب النيجر.
وقالت كارين جان بيير "أعلمُ أن هناكَ تساؤلاتٍ حولَ مجموعةِ فاغنر. حتى الآن ، لم نرَ أيَّ مؤشِّرات موثوقة على تورُّط روسي أو فاغنر. لكنْ بالنسبةِ لمواطني الولاياتِ المتحدة الموجودينَ في البلاد، مرة أخرى نُخبِرُهم بأن يكونوا يَقِظين وحَذِرين".
من جهته قال متحدث باسم بعثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، إن واشنطن تدعم قيام مجلس الأمن بإجراءات لخفض التصعيد في النيجر، وذلك بعد الانقلاب الذي أعلنه عسكريون في البلاد.
ووفق وكالة رويترز ذكر بيان أمريكي أن سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد تحدثت إلى رئيس النيجر محمد بازوم.
وأفاد البيان أنها أوضحت أن "الولايات المتحدة راسخة في مساندتها للديمقراطية في النيجر وتدعم اتخاذ إجراءات في مجلس الأمن الدولي لخفض التصعيد ومنع إلحاق الأذى بالمدنيين وضمان النظام الدستوري".
وأعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، تعليق العمليات الإنسانية للمنظمة في النيجر بسبب الانقلاب، علماً بأن البلد المذكور يواجه وضعاً إنسانياً معقداً.
وأفاد مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (اوتشا)، بأن عدد من يحتاجون إلى مساعدة إنسانية في النيجر ارتفع من 1.9 مليون إلى 4.3 مليون شخص في 2023، بينما يتوقع أن يبلغ عدد ضحايا انعدام الأمن الغذائي الحاد ثلاثة ملايين شخص بين يونيو وأغسطس  قبل الحصاد المقبل.

تهديد بعودة الإرهاب

وفق تقارير إعلامية ، أكد خبراء الأمن ومكافحة الإرهاب أن تفكك الدولة في جمهورية النيجر لن يكون خطرًا عليها في حد ذاته بقدر ما سيكون تهديدا لباقي دول إقليم الساحل والصحراء وغرب إفريقيا؛ لأنه "سيقوي شوكة كافة الحركات المتطرفة في هذا الجزء من العالم".
وأعرب كبير باحثي الشأن الإفريقي في مؤسسة تشاتام هاوس البريطانية، باول ميللي، عن أسفه على" ضياع بذور الديمقراطية البازغة في جمهورية النيجر"، واصفا نظام الحكم فيها بالتمتع بدرجة معقولة من الانفتاح على الشركاء في داخل النيجر وخارجها؛ وهو ما أعطى الدولة قدرة وصلابة على مواجهة التهديدات الإرهابية المتطرفة المتمددة في إقليم الساحل الإفريقي؛ ومن أخطرها جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا وتشاد المجاورتين وتنظيم "داعش" في المناطق الحدودية البرية للنيجر مع مالي وبوركينا فاسو.
والنيجر هي أكبر متلقي للمساعدات العسكرية الأمريكية من بين دول إقليم الساحل الإفريقي، وفي مطلع العام 2021 قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية للنيجر لدعم صمودها في مواجهة الإرهاب بلغ إجماليها 500 مليون دولار أمريكي، وذلك في إطار برامج تدريب مشتركة بدأت منذ العام 2012. وفي وقت سابق من العام الجاري، أقر الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات عسكرية وتدريبية على مكافحة الإرهاب للنيجر بقيمة 27 مليون يورو (30 مليون دولار أمريكي)، فضلًا عن الاستثمارات الأوروبية اقتصاديًا وبشريًا.
وبحسب البيانات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، تعد منطقة الساحل الإفريقي ومنها جمهورية النيجر أحد أخطر بؤر العالم على صعيد التطرف والإرهاب، موضحًا أنه خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري شهد الإقليم 1800 هجمة إرهابية أسفرت عن مصرع 4600 شخص، وقع غالبيتها في بوركينا فاسو ومالي، وكان نصيب النيجر منها 66 عملية هجومية للإرهابيين.
وقال رئيس مفوضية تعاون دول غرب إفريقيا (إيكواس)، عمر تيمور، إن انفلات الأوضاع في جمهورية النيجر قد يغري تيار العنف في منطقة الساحل على التمدد صوب دول أخرى في غرب إفريقيا مثل غانا وساحل العاج، وتزاد خطورة ذلك بالنظر إلى انسحاب مقرر لنحو 15 ألفا من قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام من جمهورية مالي، التي طلبت حكومتها من الأمم المتحدة رسميا سحبها الشهر الماضي.
ويتواجد على أراضي النيجر نحو 1000 من قوات مكافحة الإرهاب الفرنسية التي أعادت تموضعها في النيجر بعد خروجها من مالي وبوركينا فاسو في العام الماضي.
من المستفيد؟

و دعا الرئيس بازوم في تدوينة عبر تويتر الشعب لمواجهة الانقلاب، والتمسك بالمكتسبات الديموقراطية.
وقال البيان الرئاسي: إن عناصر من وحدة حراسة النخبة شاركوا في مظاهرة مناهضة للإنقلاب وحاولوا دون جدوى الحصول على دعم من قوات الأمن الأخرى، محذرا من أن جيش النيجر والحرس الوطني مستعدون للهجوم حال لم يتراجع المشاركون في العملية.
 وأعلن وزير الخارجية النيجر، حسومي مسعودو، نفسه رئيسًا للحكومة بالإنابة عن الرئيس، محمد بازوم الذي بعث برسالة من مقر احتجازه في القصر الجمهوري داعيا الشعب للحفاظ على مكتسباته الديمواقراطية ومواجهة الانقلاب، واعتبر مسعودو نفسه ممثلا شرعيا للبلاد لحين إشعار آخر.
وخرج مئات الأشخاص إلى شوارع العاصمة نيامي وهتفوا ضد الانقلاب دعما للرئيس بازوم، لكن الحرس الرئاسي أطلق الرصاص لتفريقهم.
وقبيل تنصيب بازوم الذي يعد حليفا لفرنسا في 2 إبريل 2021، أوقفت السلطات عسكريين بتهمة التحضير لمحاولة انقلابية ضد رئيس البلاد.
وكشفت تقارير إعلامية بأن الجنرال عمر تشياني، الذي تم تنصيبه على رأس الحرس الرئاسي بعد وصول الرئيس يوسفو إلى السلطة في عام 2011، أطلق هذه الحركة المتمردة كرد فعل على رغبة الرئيس بازوم في إعفائه من مهامه.
ونقلت صحيفة "جون أفريك" الفرنسية عن أحد أقارب الرئيس، أن الرئيس تلقى تحذيرات وتنبيهات حول نوايا الجنرال قبل عام.

سادس انقلاب في أفريقيا

ومشهد الانقلاب ليس بأمر جديد على النيجر التي تعد أحد أكثر دول العالم التي شهدت انقلابات في تاريخها المعاصر، إذ سجلت أربعة انقلابات منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، فضلًا عن العديد من محاولات الانقلاب الفاشلة، إذ كان آخر انقلاب في الدولة الإفريقية قد حدث في فبراير 2010، وأطاح بالرئيس مامادو تانجا.
ويعد هذا الانقلاب هو السادس الذي تشهده أفريقيا، حيث استولى العسكر بقيادة غوتا على السلطة في مالي مايو 2021.
فيما شهدت بوركينا فاسو انقلابا حين أطاح الجيش بالرئيس روك كابوري في يناير 2022 ، كما شهدت مالي انقلابا حين أطاحت مجموعة من ضباط الجيش في مالي بقيادة أسيمي جويتا بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس 2020.
وفي تشاد تولى الجيش التشادي السلطة في أبريل 2021 بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي في ساحة المعركة أثناء زيارته القوات التي تقاتل المتمردين في الشمال، وبموجب القانون التشادي، كان يجب أن يصبح رئيس البرلمان رئيسا للبلاد، ولكن مجلسا عسكريا تدخل وحل البرلمان باسم ضمان الاستقرار.
وفي غينيا أطاح قائد القوات الخاصة الكولونيل مامادي دومبويا بالرئيس ألفا كوندي في سبتمبر 2021.
ويري الباحث أحمد عسكر بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن النيجر تدخل في دائرة جديدة من عدم الاستقرار تسهم في تفاقم أزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية خلال الفترة المقبلة، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة التحالفات السياسية بين أطراف السلطة بالبلاد، وحول مدى تورط بعض الأطراف الخارجية في المحاولة الانقلابية، بالإضافة إلى مستقبل التنافس الدولي في الساحل خلال الفترة المقبلة.

شارك