بوركينا فاسو.. الإرهاب ونشر الفوضى والبؤس في دول الساحل الإفريقي
الثلاثاء 01/أغسطس/2023 - 01:33 م
طباعة
حسام الحداد
"لقد قتل الارهابيون جارنا"، تهمس فتاة من بوركينا فاسو تبلغ من العمر 12 عاما، وهي تحدق في الأرض كانت تقول: "كان أطفاله أصدقائي." ، فرت عائلتها من قريتها بعد ذلك مباشرة لكنها لا تزال غير آمنة. وكثيرا ما يضرب الإرهابيون القرى القريبة. في المدرسة المحلية، والتي تتكون من ثلاثة مبان خرسانية منخفضة ، يتدرب الأطفال بانتظام على ما يجب فعله إذا هاجم الإرهابيون. مئات الأطفال الذين كانوا يبتسمون سابقا يسحبون فجأة مصاريع النوافذ والأبواب مغلقة ويغوصون تحت مكاتبهم في صمت تام تقريبا.
هناك خشية من أن ينتشر الإرهابيون عبر الحدود إلى غانا وساحل العاج؛ مما يهدد بزعزعة استقرار الشريط الساحلي الأكثر كثافة سكانية في غرب إفريقيا،
تقع بوركينا فاسو في قلب أزمة إرهابية متفاقمة تجتاح معظم منطقة الساحل جنوب الصحراء الإفريقية؛ حيث أدى الصراع في العام الماضي بحياة أكثر من 4200 شخص في بوركينا فاسو وحدها، ونحو 3000 شخص في النيجر المجاورة، كما تعاني مالي المجاورة أيضاً إرهابَ المنظمات المرتبطة بـ”القاعدة” وتنظيم داعش؛ حيث وصلت هذه الجماعات إلى مشارف العاصمة باماكو.
تحاول الدول الغربية المساعدة من خلال دعم التنمية وإرسال جنودها لتدريب جيوش المنطقة وشن هجمات على المتطرفين، ولكن هذه الجهود تذهب هباءً؛ فرنسا على سبيل المثال لديها أعداد كبيرة من القوات في المنطقة منذ عام 2013، ومع ذلك فقد فشلت حتى الآن في وقف انهيار الأمن وتآكل الديمقراطية هناك.
وبعد الانقلاب المزدوج في مالي عامَي 2020 و2021، استأجر المجلس العسكري مرتزقة من مجموعة فاجنر الروسية وطرد القوات الفرنسية من البلاد.
وبينما لا تزال قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تكافح من أجل مهمتها، بدأت الحكومات الغربية؛ ومن بينها بريطانيا وألمانيا، بسحب جنودها من مالي. تعتقد العديد من الحكومات الغربية أن مالي قد ضاعت، وتحاول أن تركز جهودها على بوركينا فاسو التي تعتبرها الخط الدفاعي التالي في مواجهة المجموعات الإرهابية.
ومع ذلك فقد وقعت بوركينا فاسو في الفوضى نفسها؛ إذ لا تسيطر الحكومة على أكثر من 40% من مساحة البلاد، بينما تقع أكثر من 24 من مدنها ونحو 800,000 من سكانها تحت حصار الإرهاب.
وفي العام الماضي، طرد الحاكم العسكري لبوركينا فاسو 400 من جنود الكوماندوز الفرنسيين المتمركزين بالقرب من واجادوجو. لقد قلب الصراع حياة الملايين رأساً على عقب في بوركينا فاسو، وتجاوز عدد النازحين فيها مليونَي شخص؛ أي ما يقارب 10% من سكان البلاد، وأغلقت 90% من المدارس أبوابها في شمالي البلاد.
تراوري.. “حرب شاملة”
كان رد الحاكم العسكري إبراهيم تراوري، بإطلاق ما سماها “الحرب الشاملة”، وزاد الجيش من وتيرة ضرباته الدورية باستخدام مسيَّرات تركية ومروحيات هجومية روسية، وتم تجنيد نحو 50,000 مقاتل في قوات الدفاع التطوعية، إلى جانب التجنيد الإجباري واسع النطاق. ومؤخراً، أعلن تراوري التعبئة العامة التي تتيح للحكومة مصادرة البضائع، وتسمح للجيش بتجاهل حقوق الإنسان إلى حد كبير.
الكثير من المحللين يعتقدون أن تحقيق السلام لا يتم فقط بالقوة العسكرية؛ بل يتطلب توفير الخدمات الأساسية للمناطق المحرومة، والتقليل من الفظائع التي تغذي الفكر الجهادي. ولكن على ما يبدو فإن تراوري لا يؤمن سوى بالحديد والنار؛ فقد اختفى العديد ممن كانوا يحاولون إطلاق محادثات سلام مع الجماعات الإرهابية، ويلقي أقارب هؤلاء باللوم في اختفائهم على أجهزة الاستخبارات التابعة لتراوري.
يعتقد الكثير من سكان واجادوجو أن الحرب الشاملة قد نجحت بالفعل، ويكيلون المديح لإبراهيم تراوري، ويتحدثون عن حلول السلام في غضون عام، وهذا غير مرجح على الإطلاق في ظل تدهور الوضع الأمني الذي يزداد سوءاً، وفقاً لمسؤول في الاستخبارات الدفاعية الأمريكية. وفي المقابل، يخشى معظم السكان من انتقاد المجلس العسكري الحاكم، ويتعرض الصحفيون إلى التهديد والاعتقال، وقد تم بالفعل اعتقال العديد من منتقدي المجلس وتم إجبارهم على القتال في الجبهة، كما أغلق المجلس عدداً من محطات الإذاعة والتليفزيون الناطقة بالفرنسية، وطرد صحفيين أجانب بعد نشرهم مقاطع فيديو تظهر اعتداءات الجيش على المدنيين من العرق الفولاني؛ الذين يتهمهم الجيش بتأييد الجهاديين.
مؤخراً، اجتاحت ميليشيات وجيش بوركينا فاسو قرية تويسين- فولبي، التي تسكنها أغلبية من “الفولاني”، واعتقلت معظم سكانها وقتلت الرجال منهم. وكثيراً ما تقتل قوات الأمن الناس بسبب عرقهم، ومن المتوقع أن يؤدي تسليح الحكومة الآلاف من رجال الميليشيات إلى مزيد من الاستقطاب العرقي والمزيد من الفظائع. ويُخشى من أن تسير الدولة في طريق الإبادة الجماعية؛ الأمر الذي سيغذي التمرد من خلال السماح للجهاديين بتقديم أنفسهم كحماة لأقلية الفولاني.
ولا يقتصر التهديد على الفولاني وحدهم؛ فجميع المدنيين بغض النظر عن انتمائهم العرقي يتعرضون إلى الخطر عند أي اشتباه بارتباطهم بالجهاديين. وفي وسط هذا العنف يمكن أن تأتي قريباً مجموعات أكثر عنفاً من المرتزقة الروس، من مجموعة فاجنر. ويعتقد بعض المحللين أنه يوجد بالفعل بضع عشرات من مدربي فاجنر في البلاد؛ حيث يرحب بهم السكان المحليون في واغادوغو.
يقول أليكساندر سانكارا، عضو الائتلاف الحاكم السابق: “عندما يطاردك أسد، فإنك تتسلق أية شجرة، حتى لو كانت مليئة بالأشواك. لقد رأينا ما فعلوه بأوكرانيا”. ومع ذلك يبدو أن المجلس العسكري متردد في استقبال أعداد كبيرة من مقاتلي فاجنر؛ خوفاً من أن يدفع ذلك الدول الغربية لوقف مساعداتها الإنسانية والأمنية للبلاد.
الشريط الساحلي.. مهدد
من غير المرجح أن يحاول الجهاديون السيطرة على عاصمتَي بوركينا فاسو ومالي؛ لكن من المرجح أن يستمروا في تصعيد هجماتهم الإرهابية عليهما وعلى عواصم أخرى؛ مثل داكار في السنغال، وربما ينتشرون عبر الحدود إلى غانا وساحل العاج؛ مما يهدد بزعزعة استقرار الشريط الساحلي الأكثر كثافة سكانية في غرب إفريقيا. وكثيراً ما يهاجم الجهاديون النيجر؛ وهي آخر دول منطقة الساحل الحليفة للغرب التي تتمتع بحكومة منتخبة بشكل ديمقراطي، ويخشى مسؤولو المخابرات الغربية وقوعَ انقلاب عسكري يطيح برئيسها المنتخب محمد بازوم.
والأكثر ترجيحاً هو وقوع انقلاب جديد في بوركينا فاسو أو في مالي؛ حيث يزعم القادة العسكريون الحاليون أنهم استولوا على السلطة من أجل تحسين الأمن في بلادهم. وعندما فشلوا في ذلك بدأ هؤلاء في إلقاء اللوم على القادة السابقين، وعلى الفرنسيين والصحفيين، وعلى أقلية الفولاني.
ومؤخراً، أصبح العاملون في المجال الإنساني هدفاً لصفحات وسائل التواصل الاجتماعي مجهولة الأصول، التي تدَّعي أن شاحنات المساعدات الإنسانية تنقل الأسلحة إلى الجهاديين. وفي الآونة الأخيرة، اندلعت أعمال عنف في بوركينا فاسو؛ بسبب تردي الوضع الأمني في جنوب شرق البلاد، بينما جيشها ممزق بالفعل، بعد انقلابَين متتاليَين، ولا شك أن الانقلاب الثالث سيكون دموياً للغاية.