بعد التراجع التاريخي.. دور الأقليات الإيرانية في تدني نسبة المشاركة الانتخابية

الخميس 07/مارس/2024 - 12:13 ص
طباعة بعد التراجع التاريخي.. محمد شعت
 

شهدت الانتخابات الإيرانية الأخيرة انخفاضًا تاريخيًا في نسبة المشاركة، حيث وصلت إلى 41% فقط، وهو أدنى مستوى منذ ثورة 1979. كان هذا بمثابة ضربة قاصمة لشرعية النظام، خاصةً بعد الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عامي 2022 و 2023.
وعلى الرغم من توقعات حكام إيران بإقبال كبير لدعم شرعيتهم، إلا أن الاستطلاعات الرسمية أشارت إلى انخفاض كبير في نسبة المشاركة. وفعلاً، لم يشارك سوى 41% من الناخبين، وهو ما يعكس عمق الأزمات التي تعاني منها البلاد وفشل النظام في معالجتها، يُعدّ هذا الانخفاض مؤشرًا خطيرًا على هشاشة النظام ويفاقم من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في إيران.

دور الأقليات

يفسر الدكتور مسعود إبراهيم الباحث الأكاديمي المختص في الشأن الإيراني في تصريحات خاصة لـ"بوابة الحركات الإسلامية"، أسباب تدني نسبة المشاركة في الانتخابات الإيرانية والتي يأتي على رأسها الدور الذي لعبته الأقليات والتي تمثل مجتمعة نسبة كبيرة تتجاوز الـ50% من تعداد الشعب الإيراني.
ويرى "إبراهيم" أن الأقليات الدينية والقومية لعبت دورا مؤثرا في تدني نسبة المشاركة، حيث تعاني هذه الأقليات من التهميش السياسي و الاجتماعي، مما يُؤدي إلى شعورهم باليأس من إمكانية إحداث تغيير من خلال العملية الانتخابية، ويُعزز هذا الشعور غياب تمثيل عادل لهذه الأقليات في البرلمان، مما يُقلل من حوافزهم للمشاركة في الانتخابات.
وتابع:  تُواجه الأقليات قيودًا على ممارسة شعائرهم الدينية و الثقافية، مما يُؤدي إلى شعورهم بالغبن و الإقصاء. ويُضاف إلى ذلك ممارسات التمييز ضدهم في مجالات التعليم و الوظائف و الخدمات العامة، مما يُؤدي إلى عزوفهم عن المشاركة في الحياة السياسية، وهذا  ما شهدناه في كل الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة وكان الطريق الوحيد أمام النظام هو هندسة الانتخابات لتحقيق أهدافه على حساب الشعب.
ويضيف الباحث في الشأن الإيراني: لا شك أن الاقليات الدينية والقومية في ايران سواء البلوش أو الأحوازيين والاكراد وغيرهم عانوا في ظل هذا النظام وحرموا من أبسط حقوقهم ، حتى الحقوق التي كفلها لهم الدستور الايراني نفسه،  لذا كان الرد من هذه القوميات هو الامتناع عن المشاركة في الانتخابات،  حتى مع الضغوطات التي يمارسها النظام على هذه القوميات للمشاركة الاجبارية لجأت القوميات الي التصويت العقابي وابطال تصويتهم. ولا تمثل الحملة الانتخابية الحالية استثناءً من هذه القاعدة، بل ربما لم تشهد الانتخابات الرئاسية على مدى الأربعين عامًا التي مضت منذ قيام الثورة سباقًا بين المرشحين على كسب أصوات القوميات كما يجري في الدورة الحالية.
تُظهر المقارنة بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية في إيران فارقًا كبيرًا في الحد الأقصى للمشاركة، ففي الانتخابات الرئاسية، بلغت نسبة المشاركة 85%، بينما في الانتخابات البرلمانية، بلغت 71% فقط. تشير تحليلات الانتخابات الإيرانية منذ عام 1976 إلى انخفاض مستمر في نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية مقارنة بالانتخابات الرئاسية،  ففي جميع الانتخابات البرلمانية، كانت نسبة المشاركة أقل من نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية السابقة.

إقصاء المنافسين

يرى الباحث في الشأن الإيراني أيضًا أن إقصاء المنافسين  من أسباب تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات الإيرانية، حيث تدرك يدرك التيار المتشدد في إيران أنّ زيادة المشاركة في الانتخابات تُهدد نفوذها السياسي، لذا تسعى بكل الوسائل لتقليل المشاركة في الانتخابات و غيرها من المناسبات، وتزداد خطورة هذه المشكلة بسبب نفوذ هذا التيار  في الحكومة و البرلمان و بعض مؤسسات صنع القرار، فقد تمّ إقرار قانون الانتخابات الجديد لخلق بيئة تُسهل إقصاء المنافسين.
وأوضح الباحث في الشأن الإيراني أنه طالما اعتادت المفوضيات العليا للانتخابات في إيران على إعلان نسبة الأصوات الباطلة عقب كل انتخابات، لكن رفض مجلس صيانة الدستور أهلية الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني للترشح لانتخابات مجلس خبراء القيادة أعاد النقاش حول "ثنائية التصويت الاحتجاجي والمقاطعة" إلى الواجهة من جديد.
ووفق إبراهيم ففي بيان له عقب إبعاده من خوض المعترك الانتخابي، أثار روحاني موضوع التصويت الاحتجاجي، مؤكدًا على ضرورة إيجاد طريقة لكي يصبح التصويت الاحتجاجي، الصوت المعبر للشعب الإيراني. وذلك احتجاجًا على خطة "إزالة صناديق الاقتراع وإزالة الجمهورية من النظام".
واضاف: على الرغم من دعوات القوى المعارضة لمقاطعة الانتخابات، إلا أن التيار الإصلاحي اعترض على عدم مصادقة مجلس صيانة الدستور على رفض أهلية غالبية مرشحيه، ولجأ الرئيس السابق حسن روحاني إلى لغة دبلوماسية لتسجيل اعتراض الناخب الإيراني، من خلال التصويت بأوراق بيضاء.
وتابع : تُعدّ ظاهرة الأصوات الباطلة أو الأوراق البيضاء في الانتخابات الإيرانية ظاهرة متكررة، حيث تراوحت نسبة الأصوات الباطلة في الدورات الانتخابية المتعاقبة خلال العقود القليلة الماضية من 2 إلى 3% من مجموع الأصوات. لكن في رئاسيات 2021، ارتفعت نسبة الأصوات الباطلة إلى نحو 13%، لتحتل المرتبة الثانية بعد خيار الشعب الذي أفرز فوز الرئيس إبراهيم رئيسي.
واختتم الباحث في الشأن الإيراني تصريحاته بالقول: يُعدّ هذا الارتفاع مؤشرًا على تصاعد السخط الشعبي من النظام الانتخابي و من الأوضاع في البلاد. ويُشير البعض إلى أن التصويت بأوراق بيضاء هو أداة احتجاجية ضد النظام، بينما يرى آخرون أنه تعبير عن اليأس من إمكانية التغيير.

شارك