المنفلوطي يحارب التعصب
الأربعاء 10/أبريل/2024 - 10:08 م
طباعة
يشتهر الاديب مصطفي لطفي المنفلوطي بالروايات الرومانسية التى كان يعربها لتناسب عصره وكتبه العبرات والنظرات والفضيلة .والي جانب هذا البعد في شخصية المنفلوطي فهناك ابعاد اخري في كتاباته كما يكشف عنها مقال مهم له . حول التعصب الديني نشرته مجلة " الانوار " في عددها الصادر بتاريخ 8 يونيو 1947 بعد حرق الاخوان المسلمين لكنيسة بالزقازيق وقد نشرت الجماعة حالة من التعصب الكبير في القطر المصري وجاء بالمقال المهم والذى يستحق ان يدرس في مناهج اللغة العربية بمراحل التعليم مايلي
مرت بي ساعة من ساعات حياتي لا أزال أذكرها ولا أزال استحى من ذكرها حتى اليوم ، أبغضت فيها اليسوعي ليسوعيته ، والموسوي لموسويته ، والوثني لوثنيته ثم الهمني الله أن أعود إلى نفسي ، وكنت عودتها أن أعود إليها ، كلما وقفت في موقف شبهة ، أو أشرفت على مراق دينية . وقلت أني ما كنت مسلماً لأني استعرضت الأديان جميعها بين يدي وقبلت فيها وجوه الرأى حتى أخذت لنفسي المأخذ الذي أتمذهب به ، ولا لأني قرأت الأدلة والبراهين التي يوردها علماء الكلام على صحة قواعد الإسلام واصوله ، ثم أتخذتها مقدمة لتلك النتيجة التي أنا عليها اليوم ، بل لأني أبي كان مسلماً فأورثني دينه ولأن أهل كانوا مسلمين فغذوتي بتلك القواعد والأصول كلمة كلمة ، كما غذوني باللبن جرعة جرعة حتى نشأت مسلماً بعد التربية والتعهد ، لا بعد النظر والاستقلال . أما تلك المعلومات التي حصلت عليها بعد ذلك من النظر في العلوم الكلامية واستطعت أن أفهم بها البرهان على صحة دين الإسلام ، وأنه خير الأديان ، وأقومها طريقاً وأهداها سبيلاً ، فتلك نتيجة من نتائج التدين ، لا مقدمة من مقدماتة فلو أن الله تعالى كان كتب لأبي في لوح مقاديره أن يكون سبيله غير هذا السبيل وطريقة غير تلك الطريق فما كان لي بد من أن أترسم خطوته واسير على آثاره وأنظر إلى ديني بالعين التي أنظر بها اليوم إلى أديان الناس ولم ازل أردد ذلك الرأي في نفس وأتعهده بالنظر في غدواتي وروحاتي ومصبحي وممساتي حتى اطمأنت نفسي إلى القول بان الدين تربية وخلق لا مذهب واعتقاد وان أدلة الأديان وبراهينها إنما هي آثار تأتي بعدها لا مؤثرات يتقدم عليها . ولولا ذلك لرأينا كثيراً من أبناء المسلمين مثلاً مسيحيين وأبناء اليهود بوذيين وذلك مالا نراه إلا قليلاً عندما يرد على الغرائز الدينية مؤثر من المؤثرات الخارجية كتلك التي ترد على اصحاب النفوس الضعيفة فتزعزع أخلاقهم من ماضعها وتتمشى بها في غير سبيلها فقلت أي مانع يمنعني من القول بأن اليسوعي الذي يتمسك بيسوعيته ويشدد فيها شأناً في ذلك التمسك مثل شأني وسبيلاً في ذلك مثل سبيلي وأنه لم يكن مسيحياً لأنه غبي أو جاهل أو ساقط أو سافل أو أنه أراد بانتحاله هذا الدين مغايظتي أو معاندتي أو الزراية بالدين الذي أدين به ولكنه ولد في بيئة غير التي ولدت ونشأ في أمة غير التي نشأت فكان كما كان وكنت تجمعنا جامعة الإنسانية والتعقل والإدراك والفهم ولا يفرقنا ذلك الاختلاف في المذهب ، إلا كما يفرق أحدنا عن صاحبه اختلاف ما بيننا في المطعم والمشرب والملبس والمقام . هنالك أصبحت أنساناً غير ذلك الإنسان الأول ، أحب الرجل الفاضل ،ولا أعتقد أن الفضيلة وقف على المسلمين ، ,ابغض الرجل الدنئ ، ولا أعتقد أن للدناءة صلة بمسيحية المسيحيين أو موسوية الوسويين . وقلت لو أن الناس جميعاً علموا من أمر الأديان ومنشئها مثل ما علمت ، لكانت العقائد الدينية وهي الخير لمحصن شراً على العباد من الجحود والإلحاد.
مرت بي ساعة من ساعات حياتي لا أزال أذكرها ولا أزال استحى من ذكرها حتى اليوم ، أبغضت فيها اليسوعي ليسوعيته ، والموسوي لموسويته ، والوثني لوثنيته ثم الهمني الله أن أعود إلى نفسي ، وكنت عودتها أن أعود إليها ، كلما وقفت في موقف شبهة ، أو أشرفت على مراق دينية . وقلت أني ما كنت مسلماً لأني استعرضت الأديان جميعها بين يدي وقبلت فيها وجوه الرأى حتى أخذت لنفسي المأخذ الذي أتمذهب به ، ولا لأني قرأت الأدلة والبراهين التي يوردها علماء الكلام على صحة قواعد الإسلام واصوله ، ثم أتخذتها مقدمة لتلك النتيجة التي أنا عليها اليوم ، بل لأني أبي كان مسلماً فأورثني دينه ولأن أهل كانوا مسلمين فغذوتي بتلك القواعد والأصول كلمة كلمة ، كما غذوني باللبن جرعة جرعة حتى نشأت مسلماً بعد التربية والتعهد ، لا بعد النظر والاستقلال . أما تلك المعلومات التي حصلت عليها بعد ذلك من النظر في العلوم الكلامية واستطعت أن أفهم بها البرهان على صحة دين الإسلام ، وأنه خير الأديان ، وأقومها طريقاً وأهداها سبيلاً ، فتلك نتيجة من نتائج التدين ، لا مقدمة من مقدماتة فلو أن الله تعالى كان كتب لأبي في لوح مقاديره أن يكون سبيله غير هذا السبيل وطريقة غير تلك الطريق فما كان لي بد من أن أترسم خطوته واسير على آثاره وأنظر إلى ديني بالعين التي أنظر بها اليوم إلى أديان الناس ولم ازل أردد ذلك الرأي في نفس وأتعهده بالنظر في غدواتي وروحاتي ومصبحي وممساتي حتى اطمأنت نفسي إلى القول بان الدين تربية وخلق لا مذهب واعتقاد وان أدلة الأديان وبراهينها إنما هي آثار تأتي بعدها لا مؤثرات يتقدم عليها . ولولا ذلك لرأينا كثيراً من أبناء المسلمين مثلاً مسيحيين وأبناء اليهود بوذيين وذلك مالا نراه إلا قليلاً عندما يرد على الغرائز الدينية مؤثر من المؤثرات الخارجية كتلك التي ترد على اصحاب النفوس الضعيفة فتزعزع أخلاقهم من ماضعها وتتمشى بها في غير سبيلها فقلت أي مانع يمنعني من القول بأن اليسوعي الذي يتمسك بيسوعيته ويشدد فيها شأناً في ذلك التمسك مثل شأني وسبيلاً في ذلك مثل سبيلي وأنه لم يكن مسيحياً لأنه غبي أو جاهل أو ساقط أو سافل أو أنه أراد بانتحاله هذا الدين مغايظتي أو معاندتي أو الزراية بالدين الذي أدين به ولكنه ولد في بيئة غير التي ولدت ونشأ في أمة غير التي نشأت فكان كما كان وكنت تجمعنا جامعة الإنسانية والتعقل والإدراك والفهم ولا يفرقنا ذلك الاختلاف في المذهب ، إلا كما يفرق أحدنا عن صاحبه اختلاف ما بيننا في المطعم والمشرب والملبس والمقام . هنالك أصبحت أنساناً غير ذلك الإنسان الأول ، أحب الرجل الفاضل ،ولا أعتقد أن الفضيلة وقف على المسلمين ، ,ابغض الرجل الدنئ ، ولا أعتقد أن للدناءة صلة بمسيحية المسيحيين أو موسوية الوسويين . وقلت لو أن الناس جميعاً علموا من أمر الأديان ومنشئها مثل ما علمت ، لكانت العقائد الدينية وهي الخير لمحصن شراً على العباد من الجحود والإلحاد.